الري بـ«الطاقة الشمسية»... فوائد وأخطار

تطبيقات تثير المخاوف في الدول العربية

مياه جوفية يتم ضخها بواسطة الطاقة الشمسية (شترستوك)
مياه جوفية يتم ضخها بواسطة الطاقة الشمسية (شترستوك)
TT

الري بـ«الطاقة الشمسية»... فوائد وأخطار

مياه جوفية يتم ضخها بواسطة الطاقة الشمسية (شترستوك)
مياه جوفية يتم ضخها بواسطة الطاقة الشمسية (شترستوك)

> تطبيقات قد تؤدي إلى استنزاف الثروة المائية الجوفية

أدى انخفاض تكلفة تقنيات الطاقة الشمسية والتوجه نحو تعزيز تطبيقات الطاقة النظيفة، إلى حدوث طفرة في تطبيقات استخراج المياه الجوفية. ونتج عن ذلك إنشاء أكثر من 500 ألف مضخة شمسية في مناطق مختلفة من جنوب آسيا، كما تم تركيب عدد مماثل بمنطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا خلال العقد الماضي فقط.

الريّ بالطاقة الشمسية

ورغم الاهتمام بدمج تخفيضات الانبعاثات الناجمة عن تلك التطبيقات في برامج أرصدة الكربون لمجابهة مخاطر تغير المناخ، فإن فوائد هذا التحول قد يأتي بمخاطر كبيرة، وفق دراسة منشورة، في 18 يناير (كانون الثاني) 2024، بدورية «ساينس».

ويزداد استخدام تطبيقات الري بالطاقة الشمسية في كثير من الدول العربية، وهناك بالفعل زيادات كبيرة في مصر والأردن والمغرب، وفق تصريح كلوديا رينغلر، الخبيرة بالمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، وأحد معدي الدراسة، لـ«الشرق الأوسط»، التي شدّدت على أن الأمر في البلدان العربية «ينطوي على مخاطر كبيرة، لأنها تعاني من أعلى مستويات ندرة المياه للفرد مقارنة بأي مكان في العالم. إذ قد يؤدي الأمر لزيادة الإفراط في استنزاف تلك الموارد على المدى المتوسط إلى الطويل».

وهو ما علّق عليه، محمود الدماصي، الباحث المصري بمعهد هيلمهولتز برلين للطاقة والمواد بألمانيا، قائلا: «أنظمة الري الجوفي الشمسية سهلة التركيب ورخيصة نسبياً، وهي بالفعل متعادلة كربونياً، ما دفع الكثير من المزارعين للتوسع في تركيبها، خصوصاً بأماكن الزراعات الصحراوية البعيدة عن شبكات الكهرباء».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط»: «هذا التوسع في تركيب المضخات حمل معه توسعاً موازياً في الاعتماد على المياه الجوفية بوصفها مصدراً للري الزراعي، وبالتالي ارتفعت معدلات السحب من تلك الخزانات».

خزانات جوفية

ويفرق الدماصي بين نوعين من الخزانات الجوفية: الخزانات المتجددة التي توجد بكثرة بالدول المطيرة مثل إثيوبيا أو دول أفريقيا جنوب الصحراء، حيث لا يمثل استخدام تلك الأنظمة تحدياً كبيراً، مقابل الخزانات الجوفية غير المتجددة مثل الخزان الجوفي بالصحراء الغربية في مصر، وخزانات دول الصحراء الكبرى عموماً. إذ يمثل التوسع في استخدام أنظمة الضخ بالخلايا الشمسية هناك ضغطاً على المخزون غير المتجدد، وينذر بنضوبه سريعاً.

وتقول رينغلر: «بمجرد استنفاد الموارد المائية المتبقية، فإن اعتماد البلدان العربية على الواردات الغذائية سيزداد، وسيتوقف مزيد من الشركات الزراعية عن العمل»، مؤكدة أنه «لا توجد منطقة أخرى تحتاج للاهتمام بمواردها المائية أكثر من العالم العربي».

وتوضح أنه علاوة على ذلك، فإن «الري بالطاقة الشمسية باهظ التكلفة للمزارعين الفقراء، لذلك من المرجح أن نرى المزارعين الأكثر ثراءً يحصلون على معظم الفوائد، ما قد يزيد التوتر بين المزارعين، ويدفع صغارهم للخروج من الإنتاج الزراعي».

ويقول الدماصي: «من الأفضل للدول العربية استخدام أنظمة الخلايا الشمسية في تحلية مياه البحر للمستوى الذي يسمح باستخدامها في الزراعة، وتوفير المياه الجوفية للاستخدامات البشرية والحيوانية».

بدورها، ترى سوميا بالاسوبرامانيا، الخبيرة ببرنامج الممارسة العالمية للبيئة في البنك الدولي، والباحثة الرئيسية للدراسة، أنه حتى لو أدى الري بالطاقة الشمسية لصافي انبعاثات صفر، فإن زيادة الاعتماد عليه قد يؤدي لإحداث طفرة في عمليات استخراج المياه الجوفية وتفاقم معدلات استنزافها، ما يهدد سلامة كثير من طبقاتها المعرضة بالفعل لخطر الجفاف، مؤكدة أن «هناك حاجة لفهم متعدد التخصصات لتلك التغيرات، وتطوير إطار سياسي قادر على إدارة المخاطر والفرص المحتملة».

ووفق نتائج الدراسة، فإنه يتم تركيب المضخات الشمسية بسرعة أكبر في المناطق التي تواجه أكبر ندرة في المياه بالفعل. وإذا لم يكن هناك تنظيم حكومي، فقد تسحب المضخات الشمسية موارد المياه الجوفية بسرعة أكبر تقود لنضوبها بالنهاية، ما يؤدي لهجرة المزارعين للخارج، وبالتالي تراجع معدلات إنتاج الغذاء.

وتوضح رينغلر أن الري بالطاقة الشمسية قد لا يؤدي بالضرورة إلى عدم استخدام الوقود الأحفوري، فقد يجمع المزارعون بين الطاقة الشمسية ومصادر الطاقة الأخرى في عملية تسمى «تكديس» مصادر الطاقة، وبالتالي قد يستنزفون موارد المياه الجوفية بسرعة أكبر. وتشدّد على أنه لا بد من معالجة التدابير الرامية لمعالجة الآثار السلبية المحتملة، مثل استنزاف المياه وتلوثها، فضلاً عن عدم المساواة بين المزارعين الأكثر ثراءً والفقراء، وتطوير نظم مراقبة مستويات المياه الجوفية.



تقنية جينومية جديده لتتبع الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية في المستشفيات

الفحص المختبري للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية
الفحص المختبري للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية
TT

تقنية جينومية جديده لتتبع الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية في المستشفيات

الفحص المختبري للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية
الفحص المختبري للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية

طور باحثون دوليون تقنية جينومية جديدة تتيح تتبع انتشار عدة جراثيم مقاومة للمضادات الحيوية في المستشفيات بشكل متزامن، ما قد يسهم في السيطرة أو حتى منع العدوى الشائعة في المستشفيات بشكل أسرع وأكثر فاعلية من ذي قبل.

التسلسل العميق لمسببات الأمراض

في دراسة حديثة نُشرت في 20 أغسطس (آب) 2024 في مجلة Lancet Microbe أجراها فريق من معهد «ويلكوم سانجر» من المملكة المتحدة وجامعة أوسلو في النرويج ومؤسسة سان ماتيو في إيطاليا، تم تطوير نهج جديد يعرف بـ«التسلسل العميق لجميع مسببات الأمراض».

ويسمح هذا النهج بالتقاط بيانات تسلسل الجينوم الكامل لمجموعة واسعة من مسببات الأمراض في وقت واحد ويمكنه توفير هذه البيانات الجينومية بالسرعة التي تستطيع فيها المستشفيات معالجة العينات. والتسلسل العميق هو مجموعة من التقنيات المستخدمة لتحديد وقياس أنواع الحمض النووي الريبي (أر إن إيه) RNA بطريقة متوازية على نطاق واسع ما يسمح بتغطية عميقة وتحليل مفصل للتعبير الجيني للمسببات المرضية.

التقاط بكتيريا المستشفيات

وفي إطار دراسة إثبات المفهوم - وهي إدراك طريقة معينة أو فكرة لإظهار الجدوى منها بهدف معاينة إمكانية التطبيق أو التنفيذ أو الاستخدام - تم التقاط مجموعة كاملة من البكتيريا المسببة للأمراض في وحدات العناية المركزة والأجنحة العادية في مستشفى إيطالي خلال الموجة الأولى من جائحة كوفيد - 19 في عام 2020 وأخذ الفريق عينات من 256 مريضاً وتم تحديد 52 نوعاً من البكتيريا في هذه العينات منها 66 بالمائة من سلالات مختلفة من أكثر سبعة أنواع من عدوى البكتيريا الأكثر شيوعاً في المستشفيات.

التأثير على وحدات العناية المركزة

وتشكل العدوى المكتسبة من المستشفيات خطراً كبيراً على المرضى وخاصة في وحدات العناية المركزة. وخلال الموجة الأولى من جائحة كوفيد - 19 زاد عدد المرضى بشكل كبير ما زاد من صعوبة فاعلية تدابير مكافحة العدوى. وهدفت الدراسة إلى تقييم المخاطر ومدى انتقال مسببات الأمراض في ظل الضغط الكبير على وحدات العناية المركزة وذلك من خلال تصميم نهج جديد للتسلسل الجينومي العميق deep genomic sequencing approach، والذي يمكن دمجه مع أنظمة المراقبة السريرية الروتينية وسير العمل التشخيصي.

ويشير التسلسل الجينومي العميق إلى تسلسل منطقة جينومية عدة مرات وأحياناً مئات أو حتى آلاف المرات. ويتيح نهج التسلسل من الجيل التالي للباحثين اكتشاف أنواع أو خلايا أو ميكروبات مستنسخة نادرة لا تشكل سوى 1 بالمائة من العينة الأصل.

جينات مقاومة المضادات الحيوية

وأظهرت النتائج أن جميع المرضى في وحدات العناية المركزة تقريباً كانوا يحملون بكتيريا واحدة على الأقل قادرة على التسبب في مرض شديد وأن جينات مقاومة المضادات الحيوية كانت موجودة في 40 بالمائة من هذه الحالات على الأقل. كما تمكن الفريق من رسم خريطة لانتشار البكتيريا في المستشفيات خلال فترة أخذ العينات التي استمرت خمسة أسابيع، ما سمح لهم بالتنبؤ بالبكتيريا الأكثر احتمالاً للتسبب في العدوى المكتسبة أثناء الإقامة في المستشفى.

وتعزز هذه التقنية الجديدة من فاعلية الرعاية الصحية من خلال تقديم وسيلة أسرع وأكثر شمولاً لتتبع الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية مما قد يساعد في تحسين تشخيص العدوى والسيطرة عليها في المستشفيات

تطبيقات أوسع

وقال البروفسور جوكا كوراندر رئيس قسم الإحصاء الحيوي كلية الطب جامعة أوسلو، والمؤلف المشارك الرئيسي للدراسة إن هذه الطريقة تلتقط المعلومات الجينية عن سلالات بكتيرية متعددة وفي نفس الوقت لديها القدرة على تحويل المراقبة الجينية لمسببات الأمراض، ما يمكننا من التقاط المعلومات الأساسية بشكل أسرع وأكثر شمولاً من أي وقت مضى دون فقدان الدقة. ويمكن الآن استخدام هذا النهج بثقة في الأبحاث المستقبلية لالتقاط النطاق الكامل للبكتيريا عالية الخطورة في منطقة ما، ونأمل أن تساعد المستشفيات في تتبع انتشار البكتيريا المقاومة للعلاج والحد منه.

وأوضح الدكتور هاري ثورب المؤلف الأول للدراسة في قسم الإحصاء الحيوي كلية الطب جامعة أوسلو والباحث الزائر في معهد ويلكوم سانجر أن الدراسة تعكس كيفية استخدام علم الجينوم لخلق صورة شاملة للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية في وحدات العناية المركزة وأماكن أخرى داخل المستشفيات. وأشار إلى أن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية تتطور وتنتشر بسرعة مما يتطلب من أساليب التتبع أن تواكب هذا التطور وبيَّن أن معرفة تسلسل جميع البكتيريا في العينة توفر صورة أكثر شمولاً للتنوع البكتيري في منطقة ما وهو أمر أساسي للتنبؤ بالمخاطر وفهم العوامل الخارجية التي تسهم في انتشار سلالة معينة.

بكتيريا مقاومة أثناء جائحة «كوفيد»

من جانبه أكد البروفسور فاوستو بالدانتي مدير وحدة علم الأحياء الدقيقة والفيروسات في مؤسسة سان ماتيو أن وحدته كانت أول من اكتشف حالة إصابة بكوفيد - 19 في العالم الغربي مشيراً إلى أنهم شهدوا بداية الوباء جنباً إلى جنب مع الجهود العلمية العالمية الضخمة التي ركزت على فيروس «سارس كوف 2». ومع ذلك أظهرت الدراسة التي أجراها الباحثون أن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية لم تختفِ خلال تلك الفترة. بل أضاف أن الوجود المتزامن لأنواع متعددة من البكتيريا المقاومة للأدوية في أجنحة العناية المركزة التي استقبلت مرضى كوفيد - 19 قد يكون جزءاً مهماً من الصورة السريرية المعقدة للمرض الجديد في تلك الأيام الحرجة.

وفي تعليق له على الدراسة أشار البروفسور نيكولاس تومسون عالم الطفيليات والميكروبات معهد ويلكوم سانجر في كمبريدج المملكة المتحدة إلى أن العدوى المقاومة للمضادات الحيوية لا تزال تمثل مشكلة مستمرة في المستشفيات رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها العاملون في الرعاية الصحية للحد منها. وأكد على أهمية رؤية وتتبع هذه البكتيريا من خلال دمج نهج التسلسل الجينومي العميق في أنظمة الرعاية الصحية مما يسهم في تشخيص العدوى بشكل أفضل وتحديد تفشيها والسيطرة عليها، خاصة في وحدات العناية المركزة.