المهارات البشرية وحدس الإنسان أقوى وأرخص من الذكاء الاصطناعي

يصعُب حالياً تعويض المعلمين والموظفين... وحتى الخبازين

المهارات البشرية وحدس الإنسان أقوى وأرخص من الذكاء الاصطناعي
TT

المهارات البشرية وحدس الإنسان أقوى وأرخص من الذكاء الاصطناعي

المهارات البشرية وحدس الإنسان أقوى وأرخص من الذكاء الاصطناعي

ظلت المخاوف من سيطرة الروبوتات على وظائف الناس موضوعاً متكرراً لعدة قرون. ومع التطورات الأخيرة في الذكاء الاصطناعي، عاد القلق إلى الظهور.

لكن لا تخافوا أيها البشر! إذ تقدم دراسة جديدة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وجهة نظر مطمْئنة: فمعظم الوظائف حالياً مكلفة للغاية بحيث لا يمكن أتمتتها باستخدام الذكاء الاصطناعي.

عمل بشري أم ذكاء اصطناعي؟

تتعمق الدراسة، التي أجراها خمسة باحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بعنوان Beyond AI Exposure (ما بعد التعرض - للذكاء الاصطناعي)، في الجوانب العملية لاستبدال الذكاء الاصطناعي بالعمل البشري في الولايات المتحدة، مع التركيز على المهام التي تصلح لما تسمى «الرؤية الحاسوبية»، (أي المهمات التي يمكن تحويلها إلى أعمال حاسوبية)، مثل تلك التي يؤديها المعلمون، ومثمنو العقارات، والموظفون، وحتى أصحاب أفران الخبز.

تكلفة عمل عالية

من المثير للدهشة أن المؤلفين وجدوا أن 23 في المائة فقط من أجور العمال لمثل هذه الوظائف «يمكن استبدال الذكاء الاصطناعي بها بشكل فعّال من حيث التكلفة. حتى مع انخفاض التكلفة السنوية بنسبة 50 في المائة، سيستغرق الأمر حتى عام 2026 قبل أن يتمتع نصف مهام الرؤية بميزة اقتصادية للآلة». كما تقول الدراسة المؤلَّفة من 45 صفحة التي اطّلعت عليها مجلة «كوارتز»: «بحلول عام 2042، ستظل هناك مهام تتعرض لاحتمالات (الرؤية الحاسوبية)، ولكن يكون للعمل البشري فيها الأفضلية».

دراسة لـ800 مهنة

ويتوقع الباحثون أنه حتى مع انخفاض التكلفة بنسبة 20 في المائة سنوياً، فإن الأمر سيستغرق عقوداً حتى تصبح مهام الرؤية الحاسوبية فعالة اقتصادياً للشركات.

استخدمت الدراسة، بتمويل من مختبر «إم آي تي - آي بي إم واطسون» MIT - IBM Watson AI Lab، استطلاعات عبر الإنترنت لجمع معلومات حول نحو 1000 مهمة مدعومة بصرياً تشمل 800 مهنة. وفي الوقت الحالي، يمكن أتمتة 3 في المائة فقط من هذه المهام اقتصادياً، لكنّ الباحثين يشيرون إلى أن هذا الرقم يمكن أن يرتفع إلى 40 في المائة بحلول عام 2030، رهناً بانخفاض تكاليف البيانات وتحسين الدقة.

مهارات وحدس بشري أرخص

لماذا لن يسرق الذكاء الاصطناعي وظيفتك قريباً؟ بينما يتفوق الذكاء الاصطناعي في التعرف على الأنماط وتحليل الصور، فإن التكنولوجيا التي تقف وراءه تأتي مع تكاليف تركيب وصيانة باهظة.

في كثير من الحالات، يكون الاعتماد على المهارات البشرية والحدس أقل تكلفة. بالإضافة إلى ذلك، يعاني الذكاء الاصطناعي بالفعل مشكلة استهلاك الطاقة، وتكافح الشركات من أجل تنفيذ أنظمة الذكاء الاصطناعي.

على عكس البشر، الذين لديهم عمليات تفكير واعية وغير واعية، يستخدم الذكاء الاصطناعي في الغالب التفكير الإحصائي والرمزي. لذلك فهو يعاني صعوبات في المهام التي تتطلب الحدس، والشعور الغريزي، والمعرفة الضمنية، والتي غالباً ما تغذّي التفكير النقدي البشري والذكاء العاطفي. وستظل هذه السمات غير قابلة للاستبدال في سوق العمل المتطور.

أتمتة خدمات المصارف والتسويق

وبطبيعة الحال، لا يزال الذكاء الاصطناعي يؤثر في كثير من الوظائف. تعد الصناعات، مثل الخدمات المصرفية والتسويق وتجارة التجزئة والخدمات القانونية والنقل والرعاية الصحية مرشحة رئيسية لزيادة الأتمتة، وذلك بفضل مهامها المتكررة وإمكانية توفير التكاليف. ويقدر تقرير لعام 2023 من بنك «غولدمان ساكس» أن نحو 300 مليون وظيفة، أو 18 في المائة من العمل على مستوى العالم، يمكن أن تتأثر بالذكاء الاصطناعي التوليدي.

وتقرّ دراسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أيضاً بأن التقدم في الذكاء الاصطناعي، مثل تحسين كفاءة البيانات ودقتها، يمكن أن يعزز بشكل كبير إمكانات التشغيل الآلي. لكن في الوقت الحالي، على أي حال، تبدو مقولة: «سوف تسرق الآلات وظائفنا»، مبالغاً فيها.

* مجلة «كوارتز» - خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي... تنافس ونمو متسارع

تكنولوجيا  «ميتا إيه آي» القادرة على الإجابة على أسئلة المستخدمين بلغة بسيطة باتت تضم 400 مليون مستخدم شهرياً (رويترز)

منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي... تنافس ونمو متسارع

يستمر استخدام منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي من جانب عامة الناس في النمو بوتيرة متسارعة، على ما تظهر أحدث الأرقام لجهات فاعلة رئيسية في القطاع.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا يعد «GPT-4o mini» نموذج ذكاء اصطناعي صغيراً فعالاً من حيث تكلفة العملاء (شاترستوك)

200 مليون مستخدم نشط في «تشات جي بي تي» أسبوعياً

صرحت شركة «أوبن إيه آي (OpenAI)»،الناشئة للذكاء الاصطناعي، بأن روبوت الدردشة الخاص بها «تشات جي بي تي (ChatGPT)» لديه الآن أكثر من 200 مليون مستخدم نشط أسبوعيا.

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد شخص يمشي أمام لافتة خارج مبنى مكتب «إنفيديا» في سانتا كلارا بكاليفورنيا (أ.ب)

انخفاض أسهم «إنفيديا» رغم تجاوز مبيعاتها القياسية الـ30 مليار دولار

فشلت «إنفيديا» في تلبية التوقعات العالية للمستثمرين الذين قادوا ارتفاعاً مذهلاً في أسهمها، حيث راهنوا بمليارات الدولارات على مستقبل الذكاء الاصطناعي التوليدي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا الوظيفة الأساسية لـ«دوِّن الملاحظات لي» هي تقديم ملخّص موجَز للنقاط الرئيسية في الاجتماع بدلاً من النسخ الحرفي (شاترستوك)

تفعيل ميزة تدوين الملاحظات عبر الذكاء الاصطناعي في «اجتماعات غوغل»

يمكن الوصول إليها من خلال أيقونة «Gemini AI» التي يمثّلها قلم رصاص لامع.

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد منظر لشعار شركة «إنفيديا» في مقرها الرئيسي بتايبيه (رويترز)

الأنظار تتجه إلى «إنفيديا» و«وول ستريت» تترقب نتائجها المالية

قادت «إنفيديا» طفرة الذكاء الاصطناعي لتتحول إلى واحدة من كبرى الشركات في سوق الأسهم؛ إذ تستمر شركات التكنولوجيا العملاقة في الإنفاق بكثافة على رقائق الشركة.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس )

العوامل الوراثية الكامنة ودورها في الفوارق الصحية بين الأعراق

العوامل الوراثية الكامنة ودورها في الفوارق الصحية بين الأعراق
TT

العوامل الوراثية الكامنة ودورها في الفوارق الصحية بين الأعراق

العوامل الوراثية الكامنة ودورها في الفوارق الصحية بين الأعراق

تؤكد دراسة جديدة على الأهمية الحاسمة لدمج الخلفيات الجينية المتنوعة في البحث لفهم الفوارق الصحية بشكل أفضل وتطوير الطب الدقيق. وتسلط النتائج التي توصل إليها «برنامج المليون محارب قديم» الضوء على أوجه التشابه والاختلافات الجينية الفريدة بين المجموعات السكانية المختلفة، ما يمهد الطريق لتدخلات رعاية صحية أكثر شمولاً وفاعلية.

متغيرات جينية لحالات صحية

قامت الدراسة بتحليل البيانات الجينية لـ635969 من المحاربين القدامى و2069 سمة (أو ميزة). وحددت إجمالي 26049 ارتباطاً بين متغيرات جينية محددة وسمات أو حالات صحية مختلفة. وكشفت الدراسة عن أهمية تضمين الخلفيات الجينية المتنوعة في فهم الفوارق الصحية وتعزيز الطب الدقيق، إذ ركزت غالبية الدراسات الوراثية السابقة على الأشخاص المتحدرين من أصل أوروبي مما يحد من فهم كيفية تأثير الجينات على الصحة لدى المجموعات السكانية الأخرى.

التمثيل المتنوع

الدراسة المنشورة في مجلة «ساينس Science» في 18 يوليو (تموز) 2024 هي دراسة للمحاربين القدامى في الولايات المتحدة حيث كان أكثر من 29 بالمائة من المشاركين من أصول غير أوروبية. وحدد الباحثون 13672 منطقة محددة في الحامض النووي (دي إن إيه) DNA ترتبط بواحدة أو أكثر من السمات مثل الخصائص الجسدية أو الظروف الصحية إذ يمكن لهذه المناطق المعروفة باسم مناطق الخطر الجيني genetic risk areas أن تؤثر على احتمالية إصابة الشخص بسمات معينة أو الإصابة بأمراض معينة.

والسمة هي خاصية معينة يمكن أن تنتج نوعاً معيناً من السلوك وهي أيضاً إحدى خصائص الكائن الحي التي تنتقل من الوالدين إلى الطفل.

وقال المؤلف المشارك بالدراسة سكوت دامرور دكتوراه في الطب أستاذ مشارك في علم الوراثة وجراح الأوعية الدموية في جامعة بنسلفانيا الولايات المتحدة إن فهم العوامل الوراثية الكامنة وراء التفاوتات الصحية أمر بالغ الأهمية لتطوير التدخلات والعلاجات المستهدفة التي يمكن أن تفيد جميع الناس بغض النظر عن خلفيتهم. ومن خلال الكشف عن هذه الرؤى الجينية عبر مجموعات سكانية متنوعة فإننا نتخذ خطوات مهمة نحو نهج أكثر تخصيصاً وشمولاً للرعاية الصحية.

رؤى خاصة بالسكان

على وجه التحديد اكتشفت الدراسة إشارات خاصة بالسكان مثل متغير rs72725854 في موضع PCAT2 المرتبط بخطر الإصابة بسرطان البروستاتا والذي لوحظ في الغالب لدى الرجال الأميركيين من أصل أفريقي. وكشفت أيضاً عن متغير جديد لخطر النقرس rs35965584 في مجموعة السكان الأميركيين من أصل أفريقي إلى جانب المتغير المعروف rs2231142 حيث أكدت على التدخلات المستهدفة وعلاج المتغيرات الوراثية المرتبطة بالأمراض الأيضية مثل النقرس gout (والنقرس أو ما يعرف أيضاً بداء الملوك هو مرض روماتيزمي يسبب ألماً في المفاصل ويرتبط ارتباطاً مباشراً بتركيز حامض اليوريك بالدم الناتج عن تحلل البروتينات في الجسم ويتم التخلص من الزائد منه في الدم عن طريق طرحه بالبول بشكل طبيعي وينقسم النقرس إلى نوعين النوع الأول يعود إلى اضطراب أيضي وراثي تتناقله العائلة أما النوع الثاني فينتج بسبب زيادة حامض اليوريك في الجسم أو عدم قدرة الكلية على طرحه).

وأظهرت الدراسة الجديدة أن الوراثة لمعظم السمات متشابهة بين مجموعات من الأشخاص المتنوعين ولكن بعض المجموعات لها سماتها الوراثية المميزة فقد تمكنوا من العثور على هذه الاختلافات بدقة أكبر خاصة في مجموعات الأميركيين من أصل أفريقي والمجموعات ذات الأصول المختلطة وذلك بفضل التحسينات في كيفية تحليل الحامض النووي (دي إن إيه) مثل رسم الخرائط الدقيقة والذي يسمح للباحثين بتحديد التغيرات الجينية الدقيقة المسؤولة عن سمة أو حالة معينة وتسلط النتائج الضوء على أهمية تضمين الخلفيات الجينية المتنوعة في فهم الأسباب الوراثية للفوارق الصحية.

وقال المؤلف الأول للدراسة أنوراغ فيرما دكتوراه وأستاذ مساعد في الطب وعلم الوراثة البشرية وباحث في جامعة بنسلفانيا إن نتائج الفريق تظهر أوجه تشابه أكثر من الاختلافات في الارتباطات الجينية بين المجموعات ومع ذلك فإن الاختلافات الجينية الفريدة التي تم تحديدها في مجموعات سكانية متنوعة توفر رؤى حاسمة حول التفاوتات الصحية ولها آثار كبيرة على الطب الدقيق ومعالجة الفوارق الصحية من خلال دمج النتائج الجينية في استراتيجيات الصحة العامة والممارسات السريرية وإعطاء الأولوية للأبحاث التي تفيد المحاربين القدامى وأسرهم.

الاختلافات الحينية والاستجابة للدواء

وتسلط دراسة جديدة أخرى الضوء على الاختلافات الجينية الكبيرة بين سكان الأمازون وسكان الأنديز والتي تؤثر على الاستجابات الدوائية مع آثار عميقة مثل تلك الموجودة بين الأوروبيين وشرق آسيا. وتؤكد النتائج على أهمية الاعتراف بالتنوع الجيني ودمجه في الطب الدقيق حيث تؤثر هذه الاختلافات على فاعلية الدواء وآثاره الجانبية. وقد قام الباحثون بتحليل التنوع الجيني لـ294 فرداً من 17 مجموعة من السكان الأصليين في بيرو في منطقتي الأنديز والأمازون ووجدوا أن بعض الاختلافات الجينية تجعل سكان الأمازون والأنديز يستجيبون للدواء بشكل مختلف.

وقد تمت المبالغة في تبسيط حالات السكان الأميركيين الأصليين باعتبارهم متجانسين وراثياً لكن هذه الدراسة تكشف عن اختلافات معقدة تشكلها البيئة والتاريخ والثقافة حيث وجد الباحثون في هذه الدراسة المنشورة في مجلة «Cell» في 8 أغسطس (آب) 2024 أن سكان الأمازون والأنديز يستجيبون بشكل مختلف لأدوية مثل رسيوفاستاتين rosuvastatin الذي يوصف غالباً لخفض مستويات الكوليسترول ومنع أمراض القلب والأوعية الدموية ولكنه يزيد أيضاً من مخاطر الآثار الجانبية. ودواء الوارفارين warfarin (وهو دواء يعالج جلطات الدم وتعتبر الجرعة هي المفتاح فالقليل جداً من الوارفارين يجعل العلاج غير فعال في حين أن الكثير منه يمكن أن يعرض المرضى لخطر النزيف الشديد)، بسبب المتغيرات الجينية المحددة، على سبيل المثال يحتاج 16 بالمائة من سكان الأمازون إلى جرعة أقل من عقار رسيوفاستاتين لتجنب الآثار الجانبية مقارنة بـ2 بالمائة فقط من سكان الأنديز وعلى نحو مماثل يحتاج 93 بالمائة من سكان الأمازون إلى جرعة مخفضة من الوارفارين مقارنة بنحو 69 بالمائة من سكان الأنديز.

ويضيف إدواردو تارازونا سانتوس المؤلف الرئيسي للدراسة قسم علم الوراثة والبيئة والتطور الجامعة الفيدرالية في ميناس جيرايس البرازيل أن هذه الاختلافات الجينية التي تؤثر على علم الصيدلة والتي لوحظت في جبال الأنديز والأمازون هي أكبر من تلك التي شوهدت بين الأوروبيين والآسيويين. وتؤكد هذه النتائج على الحاجة إلى أبحاث الجينوم الشاملة التي تعكس التنوع العالمي لضمان نتائج الرعاية الصحية العادلة وعلى أهمية إشراك المجموعات العرقية المتنوعة في البحث لتعزيز الثقة والشفافية.