بعد كارثة درنة الليبية... كيف يؤثر تغير المناخ على ثبات السدود المائية؟

خبراء يقدمون «وصفة» للوقاية من المخاطر المحتملة لانهيارها

تحتاج البنية التحتية القائمة إلى التحديث من أجل تعزيز قدرتها على الصمود
تحتاج البنية التحتية القائمة إلى التحديث من أجل تعزيز قدرتها على الصمود
TT

بعد كارثة درنة الليبية... كيف يؤثر تغير المناخ على ثبات السدود المائية؟

تحتاج البنية التحتية القائمة إلى التحديث من أجل تعزيز قدرتها على الصمود
تحتاج البنية التحتية القائمة إلى التحديث من أجل تعزيز قدرتها على الصمود

عادة ما تكون أعاصير البحر الأبيض المتوسط، أصغر وأضعف من نظيراتها الاستوائية، وتملك مساحات أصغر لكي تتطور. إلا أن تلك الأعاصير المتوسطية، التي تشكلت في سبتمبر (أيلول) الماضي، فوق أجزاء من البحر الأبيض المتوسط، وتحديداً بالقرب من ساحل شمال أفريقيا تشبه الأعاصير الاستوائية العنيفة، وربما يعود ذلك إلى تغير المناخ.

الكارثة الليبية

وفيما يتعلق بالكارثة الليبية، كان هطول الأمطار غزيراً جداً وغير مسبوق، إلا أن هذه الأمطار الغزيرة حدثت في عدد آخر من البلدان عبر حوض البحر الأبيض المتوسط مثل اليونان وتركيا وبلغاريا، لكن ما أدى إلى الكارثة في ليبيا هو ضعف البنية التحتية، وتحديداً السدود القديمة. و«يرجع ذلك إلى شيخوخة البنية التحتية التي تم تصميمها لمناخ آخر لم يعد موجوداً»، وفق محمد أمبادي، أستاذ علوم وهندسة المناخ والفضاء المساعد في كلية الهندسة بجامعة ميشيغان الأميركية.

يقول أمبادي، لـ«الشرق الأوسط»: «من المهم تغيير الطريقة التي نصمم بها بنيتنا التحتية، وعلينا أن نبني أخرى جديدة لتحمل المناخ القاسي في المستقبل... كما تحتاج البنية التحتية القائمة إلى التحديث من أجل تعزيز قدرتها على الصمود».

وتتزايد الجهود العالمية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وتأثيرات تغير المناخ، لكن لا يزال يتعين على البشرية الاستعداد لمناخ أكثر شراسة. وتوفر العواصف المدمرة التي ضربت منطقة البحر الأبيض المتوسط عام 2023 حجة مقنعة لأهمية التكيف.

كما يؤكد هذا على أهمية تحديث قوانين التصميم الإنشائي للمنشآت المختلفة وفي مقدمته السدود، بحيث يتم إنشاء البنية التحتية والمباني لتتمكن من الصمود في وجه الأمطار الغزيرة والفيضانات في المستقبل، مع ضرورة الاستثمار في الحلول الهندسية الجديدة لتحسين عوامل المرونة وحماية المجتمعات من الظروف الجوية القاسية.

اشتداد الطقس المتطرف

يقول الدكتور سامح قنطوش، أستاذ الوقاية من الكوارث في جامعة كيوتو اليابانية «لا بد من مراجعة عوامل الأمان داخل السدود في ظل تأثيرات تغير المناخ واشتداد وتيرة الطقس المتطرف». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «السدود تم تنفيذها بمقاييس ثابتة، رغم أن ظروف المناخ حولنا تتغير، لذا فهي تحتاج إلى عمليات من التحديث والتطوير، وهو ما يجري بشكل منتظم في اليابان، على سبيل المثال، التي تقوم بعمليات التحديث وفق حسابات علمية تتنبأ بما ستكون عليه الظروف البيئية خلال الألف سنة القادمة».

من جهته، يقول أمبادي «ما حدث في ليبيا يوضح كيف يمكن للمناطق الضعيفة أن تواجه تأثيراً كبيراً مقارنة بمناطق أخرى تتعرض لحدث متطرف مماثل». وهو ما يعلق عليه الدكتور، نذير الأنصاري، أستاذ هندسة الموارد المائية في قسم الهندسة المدنية والبيئية والموارد الطبيعية بجامعة لوليا للتكنولوجيا في السويد، بقوله «يمكننا تجنب ذلك التأثير أو تقليله على الأقل؛ حيث يتم الحصول على المعلومات حول مثل هذه الأحداث المناخية المتطرفة من خلال الأقمار الصناعية التي يمكنها التنبؤ بوقت الحدث بدقة كبيرة».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: الأحداث المناخية المتطرفة مثل الفيضانات «يرجح أن تصبح أكثر شيوعا في منطقة الشرق الأوسط بسبب تغير المناخ»، وتابع: «قمت بنشر عدد من الأوراق البحثية حول مثل هذه الأحداث في العراق؛ حيث تهطل الأمطار بغزارة في فترة زمنية قصيرة ما يسبب الفيضانات. وفي حالة عدم اتخاذ الإجراءات الضرورية، فإن المياه المتراكمة في خزان السد تتجاوز الحد المسموح به وهذا ما قد يؤدي لانهيار السد»، وشدد الأنصاري على أنه «عندما تقوم ببناء سد، فعليك أن تسأل نفسك عن سيناريوهات الفشل، ومنها يجب أن تعرف المناطق التي ستتأثر وبالتالي اتخاذ كل الاحتياطات الواجبة، وفي مقدمتها عدم سماح الحكومات بالبناء في المناطق الأكثر عرضة للخطر».



أطلس الذكاء الاصطناعي لمرض السكري

أطلس الذكاء الاصطناعي لمرض السكري
TT

أطلس الذكاء الاصطناعي لمرض السكري

أطلس الذكاء الاصطناعي لمرض السكري

أطلقت مبادرة بحثية رائدة أول مجموعة بيانات رئيسة تربط بين العوامل البيئية والعلامات الحيوية ومرض السكري من النوع الثاني. وكشفت دراسة «أطلس الذكاء الاصطناعي الجاهز والعادل لمرض السكري» -التي تهدف إلى جمع البيانات من 4 آلاف مشارك متنوع بالفعل- عن روابط مثيرة للاهتمام بين تلوث الهواء وحالة مرض السكري، مع وضع معايير جديدة للبحث الصحي الشامل.

نظرة جديدة على مرض السكري

غالباً ما ركّزت أبحاث مرض السكري التقليدية على القياسات الطبية القياسية، لكن دراسة جديدة نُشرت في مجلة «Nature Metabolism» في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، تتبنى نهجاً مختلفاً تماماً، تجمع مبادرة «أطلس الذكاء الاصطناعي الجاهز والعادل لمرض السكري» (Artificial Intelligence Ready and Equitable Atlas for Diabetes Insights) (AI-READI) بين أجهزة الاستشعار البيئية ومسح العين ومقاييس الاكتئاب والعلامات البيولوجية، لرسم صورة أكثر اكتمالاً عن كيفية تطور مرض السكري من النوع الثاني وتقدمه.

ويتضمن الإصدار الأولي بيانات من 1067 مشاركاً، تُمثل الربع الأول من أهداف التسجيل الطموحة للدراسة. وكشفت النتائج الأولية بالفعل عن أنماط غير متوقعة، بما في ذلك وجود رابط واضح بين حالة المرض والتعرض لجزيئات صغيرة من تلوث الهواء.

آفاق جديدة في تنوع الأبحاث

تعمل مبادرة «أطلس الذكاء الاصطناعي» على إنشاء مجموعة بيانات كبيرة مصممة لأبحاث الذكاء الاصطناعي حول مرض السكري من النوع الثاني. وحتى الآن تم جمع بيانات من 25 في المائة فقط من هدف الدراسة، التي تعطي الأولوية للتنوع، وتضمن التمثيل المتساوي عبر الأعراق (الأبيض والأسود والإسباني والآسيوي) والجنسين (تقسيم متساوٍ بين الذكور والإناث) ومراحل مرض السكري (غير المصابين بالسكري ومرحلة ما قبل السكري أو مراحل مختلفة من المرض، أي من يعتمدون على الأدوية أو على الأنسولين).

ويوضح الدكتور آرون لي، الباحث الرئيس في قسم طب العيون، وأستاذ مشارك وجراح شبكية بجامعة واشنطن بالولايات المتحدة، أن المشروع يُركز على فهم عوامل الخطر للإصابة بمرض السكري، وعوامل تعزيز الصحة التي تُساعد على تحسين الحالة، ومن خلال دراسة هذه العوامل يمكن أن تؤدي مجموعة البيانات إلى اكتشافات رائدة في الوقاية من مرض السكري من النوع الثاني وإدارته.

وتؤكد الدكتورة سيسيليا لي، من كلية الطب بجامعة واشنطن في الولايات المتحدة، وهي مديرة «أطلس الذكاء الاصطناعي» أن مرض السكري من النوع الثاني ليس نفسه لدى الجميع؛ حيث يُظهِر المرضى اختلافات كبيرة في حالاتهم، ومع توفر مجموعات بيانات كبيرة ومفصلة ​​يُمكن للباحثين دراسة هذا التباين بشكل أفضل، ما يؤدي إلى اتباع نهج أكثر تخصيصاً لفهم المرض وعلاجه.

من المرض إلى الصحة والعكس

تتخذ هذه الدراسة نهجاً جديداً، ليس من خلال دراسة كيفية إصابة الناس بالمرض فحسب بل استكشاف ما يساعدهم على التعافي أيضاً. ويريد الباحثون فهم الرحلة من الصحة إلى المرض، ومن المرض إلى الصحة مرة أخرى.

وقد يؤدي هذا التركيز المزدوج إلى طرق أفضل للوقاية من الأمراض وعلاجها، ويهتم مجتمع البحث العالمي بشكل كبير بهذه الدراسة؛ حيث تمت مشاركة البيانات من مجموعة صغيرة من 204 مشاركين بالفعل مع أكثر من 110 منظمات بحثية حول العالم.

وأوضح الدكتور آرون لي أن الأبحاث التقليدية تُركز على علم الأمراض، أي دراسة كيفية تطور الأمراض وتحديد عوامل الخطر، مثل انخفاض حساسية الأنسولين وتأثيرات نمط الحياة أو الإصابة بفيروس «كورونا» أثناء الطفولة، ما قد يزيد من خطر الإصابة بمرض السكري في وقت لاحق من الحياة.

ومع ذلك يريد فريقه أيضاً دراسة علم التسبب في المرض، والذي يبحث فيما يساعد الناس على تحسين صحتهم. وعلى سبيل المثال قد يكشف فهم سبب تحسن مرض السكري لدى بعض الأشخاص عن إسهامات رئيسة.

ذكاء اصطناعي لفحص صوت مريض السكري

ويتم ذلك بتوظيف الذكاء الاصطناعي في 10 ثوانٍ من الصوت لفحص مرض السكري.

وقد أظهرت دراسة بعنوان «التحليل الصوتي والتنبؤ بمرض السكري من النوع الثاني»، باستخدام مقاطع صوتية مسجلة بالهواتف الذكية، في ديسمبر (كانون الأول) 2023، برئاسة جايسي كوفمان، في مختبرات كليك للعلوم التطبيقية، بتورنتو كندا، ونُشرت في «مايو كلينك» (Mayo Clinic Proceedings: Digital Health) كيف يمكن للتسجيلات الصوتية جنباً إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي اكتشاف مرض السكري من النوع الثاني بدقة ملحوظة. إذ من خلال تحليل 6 إلى 10 ثوانٍ فقط من كلام الشخص، إلى جانب تفاصيل صحية أساسية، مثل العمر والجنس والطول والوزن، حقق نموذج الذكاء الاصطناعي دقة بنسبة 89 في المائة لدى النساء و86 في المائة لدى الرجال.

وجمع الباحثون عينات صوتية من 267 مشاركاً (سواء كانوا مصابين بالسكري أو غير مصابين به)، وسجلوا عبارات في هواتفهم الذكية 6 مرات يومياً على مدار أسبوعين من أكثر من 18 ألف تسجيل.

14 سمة صوتية

وحدد العلماء 14 سمة صوتية، مثل تغيرات درجة الصوت والشدة، والتي تباينت بشكل كبير بين الأفراد المصابين بالسكري وغير المصابين به. ومن المُثير للاهتمام أن هذه التغيرات الصوتية تختلف بين الرجال والنساء. ولهذه الأداة القدرة على اكتشاف الحالة في وقت مبكر، وبشكل أكثر ملاءمة، وذلك باستخدام الهاتف الذكي فقط.

ويمكن أن يؤدي هذا النهج المبتكر القائم على الصوت إلى إحداث ثورة في فحص مرض السكري ومعالجة حواجز التكلفة والوقت، وإمكانية الوصول المرتبطة بأساليب التشخيص الحالية.

وتشمل الاختبارات التشخيصية الأكثر استخداماً لمرحلة ما قبل السكري والسكري من النوع الثاني الهيموغلوبين السكري (السكر التراكمي) (HbA1C) إلى جانب اختبار غلوكوز الدم الصائم (FBG) واختبار تحمل الغلوكوز في الدم (OGTT) (هو طريقة يمكن أن تساعد في تشخيص حالات مرض السكري أو مقاومة الأنسولين).

ووفقاً للاتحاد الدولي للسكري، فإن ما يقرب من واحد من كل اثنين أو 240 مليون بالغ، يعيشون مع مرض السكري في جميع أنحاء العالم ولا يدركون أنهم مصابون بهذه الحالة، ونحو 90 في المائة من حالات السكري هي من النوع الثاني.