دراسة حديثة: ثلثا السرطانات يرتبطان بالشيخوخة

تقدم العمر عامل خطر للإصابة بالأورام الخبيثة

دراسة حديثة: ثلثا السرطانات يرتبطان بالشيخوخة
TT

دراسة حديثة: ثلثا السرطانات يرتبطان بالشيخوخة

دراسة حديثة: ثلثا السرطانات يرتبطان بالشيخوخة

الشيخوخة عامل خطر رئيسي للسرطان. ويؤدي تراكم الطفرات الجسدية المرتبطة بتقدم العمر إلى تقوية هذه العلاقة بينهما. والطفرات الجسدية هي الطفرات الحاصلة أثناء انقسام وتكاثر الخلايا الطبيعية داخل الجسم مع الزمن.

في الوقت الذي يتم فيه تشخيص بعض أنواع السرطان، مثل تلك التي تصيب العظام أو الدماغ أو الجهاز العصبي، بنسب أعلى عند الأطفال والمراهقين، تشير دراسة حديثة برئاسة كريستوفر مينتير من قسم علم الأمراض كلية الطب بجامعة ييل نيو هافن كونكتيكت الولايات المتحدة الأميركية وزملائه، إلى أن ثلث السرطانات فقط مرتبطة بعوامل ليست لها علاقة بالعمر. ونشرت الدراسة في مجلة ساينس أدفانسز SCIENCE ADVANCES في 19 يوليو (تموز) الجاري.

* تراكم الطفرات العشوائية في الخلايا الجذعية يفسر عدداً أكبر بكثير من السرطانات مقارنة باستعداد سلالة النسل والعوامل البيئية

«الحظ السيئ»

وهذه العلاقة تطرح السؤال: إلى أي درجة يمكن الوقاية من السرطان مع التقدم في العمر الذي لا يمكن لأي من البشر تجنبه؟

وقد ناقش هذه الفرضية كريستيان توماسيتي ووبيرت فوجلشتاين من كلية الطب ومركز لودفيغ لعلم الوراثة وعلاجات السرطان ومعهد هوارد هيوز الطبي كلية جونز هوبكنز بلومبرغ للصحة العامة في بالتيمور الأميركية، ونشرت في مجلة ساينس في 2 يناير (كانون الثاني) 2015، التي أصبحت تُعرف لاحقاً باسم فرضية «الحظ السيئ bad luck»، واستندت إلى فكرة أن العدد التراكمي للانقسامات التي تمر بها الخلية بمرور الزمن مرتبط بميلها إلى تكوين الأورام.

وخلص الباحثان إلى أن تراكم الطفرات العشوائية في الخلايا الجذعية المفترضة يفسر عدداً أكبر بكثير من السرطانات، مقارنة باستعداد سلالة النسل، والعوامل البيئية، على إحداث تلك الطفرات. ومع ذلك فإن أحد التحذيرات التي يجب أخذها بنظر الاعتبار هو أن نتائج البحث كانت مستمدة من الإحصاءات على مستوى السكان وليس على المستوى الفردي. وقد تم التشكيك في هذه الفرضية؛ إذ إنها تعتمد على خلية جذعية محددة لأنسجة مفترضة كمنشأ للسرطان وهي فرضية تم التشكيك فيها من قبل بعض الباحثين.

ويبقى السؤال المفتوح عما إذا كانت الاختلافات في معدلات الشيخوخة البيولوجية والاختلافات الشخصية في الانقسامات الخلوية التراكمية في الأنسجة والتغيرات الجزيئية المصاحبة لها، هي التي تسهم في تفاوت مخاطر الإصابة بالسرطان بين الأفراد. إذ ثبت أيضاً أن التغيرات الكيميائية التي تطرأ على الحمض النووي والبروتينات في الكائن الحي مع تقدم العمر أيضاً مسؤولة عن التسبب بالعديد من السرطانات وتطورها واستمرار وجودها.

وقد أشارت إحدى الفرضيات إلى أنه مع تكاثر الخلايا في أنسجة الشيخوخة فإنها قد تستلم أيضاً إشارات جينية أكثر شبهاً بالسرطان، ما يجعل القفزة إلى التحول الجيني أكثر احتمالاً بمرور الوقت. علاوة على ذلك فكلما زاد معدل النسخ المتماثل في نسيج معين زادت سرعة حدوث هذا التحول. كما أن بعض أنواع الأنسجة تتسبب في الإصابة بالسرطان لدى البشر أكثر بملايين المرات من أنواع الأنسجة الأخرى.

وعلى الرغم من الاعتراف بهذا الأمر لأكثر من قرن من الزمان، فإنه لم يتم شرحه مطلقاً، بينما يؤكد كريستوفر مينتير أن خطر الإصابة بأنواع مختلفة من السرطانات على مدى الحياة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعدد الإجمالي لانقسامات الخلايا الطبيعية المتجددة ذاتياً التي تحافظ على توازن هذا النسيج.

طفرات عشوائية

تشير هذه النتائج إلى أن ثلث التباين فقط في مخاطر الإصابة بالسرطان بين الأنسجة يُعزى إلى العوامل البيئية أو الميول الموروثة. أما غالبية المخاطر فتعود إلى «الحظ السيئ» أي الطفرات العشوائية التي تنشأ أثناء تكرار الحمض النووي في الخلايا الجذعية الطبيعية غير السرطانية.

وهو أمر مهم ليس فقط لفهم المرض ولكن أيضاً لتصميم استراتيجيات للحد من الوفيات التي يسببها المرض.

كما أن التباين الشديد في الإصابة بالسرطان عبر الأنسجة المختلفة يرتبط ارتباطاً وثيقاً مع بعض هذه الاختلافات بعوامل الخطر المعروفة مثل التدخين وتعاطي الكحول والأشعة فوق البنفسجية أو فيروس الورم الحليمي البشري human papilloma virus (HPV)، ولكن هذا ينطبق فقط على مجموعات سكانية محددة معرضة لطفرات أو فيروسات شديدة الإمراضية ولا يمكن لمثل هذا التعرض أن يفسر سبب اختلاف مخاطر الإصابة بالسرطان في الأنسجة داخل القناة الهضمية.

يبدو أن التأثيرات العشوائية المرتبطة بعدد انقسامات الخلايا الجذعية مدى الحياة داخل كل نسيج هي في الواقع المساهم الرئيسي في الإصابة بالسرطان بشكل عام وغالباً ما تكون أكثر أهمية من العوامل البيئية أو الوراثية.


مقالات ذات صلة

تستخدم الذكاء الاصطناعي... تقنية تكشف العلامات المبكرة لنحو ألف مرض

صحتك شركة الأدوية العملاقة «أسترازينيكا» التي طورت أداة الذكاء الاصطناعي (رويترز)

تستخدم الذكاء الاصطناعي... تقنية تكشف العلامات المبكرة لنحو ألف مرض

كشف بحثٌ جديدٌ أنه يمكن لتقنية الذكاء الاصطناعي الجديدة اكتشاف العلامات المبكرة لأكثر من ألف مرض، قبل وقت طويل من ظهور أي أعراض.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك مرضى السكري من النوع الأول بحاجة إلى جرعات الأنسولين بشكل دائم (جامعة سري)

حُقن الأنسولين الأسبوعية فعّالة لعلاج السكري

وجدت دراسة أميركية، أن فئة جديدة من الأنسولين تتطلّب حقنة واحدة فقط أسبوعياً، توفر فاعلية مماثلة للحُقن اليومية في ضبط مستويات السكر في الدم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الياباني دايسوكي هوري برفقة زوجته وابنهما (إندبندنت)

ما قصة الياباني الذي ينام 30 دقيقة يومياً منذ 15 عاماً؟

كشف لاعب كمال أجسام في اليابان عن أنه في أسعد حال بعد اكتشاف قوته الخارقة: فهو ينعم بنوم عميق لمدة 30 دقيقة فقط يومياً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك الدهون الزائدة حول الخصر مرتبطة بالألم المزمن في جميع أنحاء الجسم (أرشيفية - رويترز)

دهون البطن تتسبب في ألم مزمن في جميع أنحاء الجسم

ربطت دراسة جديدة الدهون الزائدة حول الخصر بالألم المزمن في جميع أنحاء الجسم.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
آسيا اكتُشف حديثاً في الصين ... فيروس ينتقل عن طريق القراد قد يسبب تلف الدماغ

اكتُشف حديثاً في الصين ... فيروس ينتقل عن طريق القراد قد يسبب تلف الدماغ

يحذر العلماء من مرض جديد ينتقل عن طريق القراد يسمى فيروس الأراضي الرطبة (WELV) والذي تم اكتشافه مؤخراً في الصين.

«الشرق الأوسط» (لندن)

كيف يتغير الجهاز المناعي للمتحولين جنسياً بعد العلاج الهرموني؟

كيف يتغير الجهاز المناعي للمتحولين جنسياً بعد العلاج الهرموني؟
TT

كيف يتغير الجهاز المناعي للمتحولين جنسياً بعد العلاج الهرموني؟

كيف يتغير الجهاز المناعي للمتحولين جنسياً بعد العلاج الهرموني؟

تقدم دراسة حديثة نظرة جديدة حول كيفية تأثير العلاج الهرموني المؤكد للجنس، على الجهاز المناعي، خاصة لدى الرجال المتحولين جنسياً أي أولئك الذين تم تصنيفهم كإناث عند الولادة والذين يتلقون العلاج بهرمون التستوستيرون (لكي يتحولوا إلى رجال).

دراسة مناعة المتحولين جنسياً

ويعد هذا البحث مهماً في فهم استجابة الجهاز المناعي لدى الأفراد المتحولين جنسياً وتداعياته المحتملة على قابلية الإصابة بالأمراض مثل العدوى الفيروسية واضطرابات المناعة الذاتية.

وقام الباحثون المشاركون من مركز بيتر برودين للطب الجزيئي قسم الطب في معهد كارولينسكا بالسويد في الدراسة المنشورة في مجلة «نيتشر (Nature)» في 4 سبتمبر (أيلول) 2024 بفحص عينات دم من 23 رجلاً متحولاً جنسياً قبل وبعد بدء العلاج بالتستوستيرون. وتتبعوا التغيرات في ثلاث نقاط زمنية وهي: قبل خضوعهم لعلاج هرموني لتغيير نوعهم الجنسي، وبعد ثلاثة أشهر من تلقي العلاج، وبعد عام منه.

استجابات مناعية متغيرة

ومع الاستمرار في العلاج تبدلت الاستجابات المناعية للمتحولين جنسياً وتحولت من نوع يوسم بصفة رئيسية بأنه مُنتِج لبروتينات محاربة للفيروسات، إلى نوع آخر يُنتج بصفة رئيسية البروتينات المرتبطة بنمو العضلات.

وتشير هذه النتائج إلى أن الهرمونات الجنسية تلعب دوراً في تنظيم المسارات المناعية ما يتسق مع الاتجاهات العالمية المعهودة لاحتمالات الإصابة بالأمراض بين كل من الرجال والنساء.

نقطة توازن تغير السلوك

وفي هذا السياق يفيد بيتر برودين قسم المناعة والالتهابات بإمبريال كوليدج لندن في المملكة المتحدة المؤلف المشارك في الدراسة بأنه مع ارتفاع مستويات هرمون التستوستيرون وانخفاض مستويات هرمون الإستروجين يبدو أن الجهاز المناعي يمر بنقطة توازن، ما يغير سلوكه وهذا يمكن أن يساعد في تفسير سبب كون الرجال أكثر عرضة للإصابة بالعدوى الفيروسية بشكل عام، بينما تكون النساء أكثر عرضة للإصابة بأمراض المناعة الذاتية.

الهرمونات الجنسية والإصابات بـ«كوفيد»

تعكس نتائج الدراسة الاتجاهات الواقعية في قابلية الإصابة بالمرض على سبيل المثال خلال جائحة «كوفيد – 19» كان معدل الوفيات بين الرجال أعلى بكثير من النساء عند الإصابة ربما لأن أجهزة المناعة لدى النساء تنتج مستويات أعلى من الإنترفيرونات من النوع الأول.

ومع ذلك، فإن النساء أكثر عرضة للإصابة بـ«كوفيد» طويل الأمد الذي يشبه الاضطرابات المناعية الذاتية - وهي حالات أكثر شيوعاً لدى النساء. وتشير أبحاث أخرى إلى أن انخفاض مستويات هرمون التستوستيرون لدى النساء قد يزيد من احتمالية الإصابة بـ«كوفيد» طويل الأمد، ما يعزز دور الهرمونات الجنسية في الاستجابات المناعية.

الأمراض المناعية الذاتية والعلاج الهرموني

إن الآثار المترتبة على الأمراض المناعية الذاتية، خاصة فيما يتعلق بالعلاج بالإستروجين للنساء المتحولات جنسياً، تثير المخاوف، إلا أن الدراسة ركزت على الرجال المتحولين جنسياً الذين يتلقون هرمون التستوستيرون. لكن الأطباء السريريين مثل عالم المناعة ماركوس التفيلد المدير العلمي لمعهد لايبنتز لعلم الفيروسات المسببة للأمراض البشرية بألمانيا يحذرون من أن العلاج بالإستروجين قد يزيد من خطر الإصابة بأمراض المناعة الذاتية.

وعلى الرغم من أن الدراسة لم تتناول العلاج بالإستروجين بشكل مباشر، فإن بعض الأطباء أبلغوا النساء المتحولات جنسياً بالفعل بهذه المخاطر المحتملة. إلا أن حجم العينة الصغير المكون من 23 مشاركاً يشير إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم هذه الروابط بشكل كامل.

الهرمونات ليست السبب الوحيد للإصابات

في حين تقدم الدراسة رؤى مهمة، يؤكد الباحثون أن الهرمونات ليست العامل الوحيد المؤثر، حيث يمكن أن يؤثر الكروموسوم «إكس (X)» الذي يحتوي على العديد من الجينات المرتبطة بالمناعة أيضاً على الاختلافات في نتائج المرض بين الجنسين.

وتلاحظ عالمة المناعة سابرا كلاين علم الأحياء الدقيقة الجزيئية وعلم المناعة في كلية جونز هوبكنز بلومبرغ للصحة العامة بالولايات المتحدة أن عزو الاختلافات في قابلية الإصابة بالمرض إلى الهرمونات فقط يبسط قضية معقدة.

البحوث المستقبلية

وأخيراً فإن هذه الدراسة تسلط الضوء على الحاجة إلى المزيد من البحث في كيفية تفاعل العلاج الهرموني مع حالات الجهاز المناعي بالنسبة للأفراد المتحولين جنسياً الذين يعانون من اضطراب المناعة الذاتية. وتوضح موازنة علاج التستوستيرون والأدوية المثبطة للمناعة التحديات التي يواجهها الأفراد المتحولون جنسياً الذين يتعاملون مع مشاكل صحية متعددة دون إرشادات علمية شاملة. كما تمثل الدراسة خطوة حاسمة نحو فهم الآثار الأوسع للعلاج الهرموني المؤكد للجنس على صحة المناعة للأفراد المتحولين جنسياً.