الذكاء الصناعي يُحمّل العدوى البكتيرية مسؤولية وفيات «كورونا»

بعد تبرئة «العاصفة الخلوية»

العدوى البكتيرية يتم التقاطها في غرف العناية المركزة (غيتي)
العدوى البكتيرية يتم التقاطها في غرف العناية المركزة (غيتي)
TT

الذكاء الصناعي يُحمّل العدوى البكتيرية مسؤولية وفيات «كورونا»

العدوى البكتيرية يتم التقاطها في غرف العناية المركزة (غيتي)
العدوى البكتيرية يتم التقاطها في غرف العناية المركزة (غيتي)

ربطت كثير من الدراسات بين وفيات فيروس «كورونا المستجد»، المسبب لمرض «كوفيد-19»، وحدوث «عاصفة خلوية»، وهي رد فعل مناعي مبالغ فيه، غير أن دراسة استخدمت الذكاء الصناعي، لباحثين من جامعة نورث وسترن الأميركية، استبعدت هذا السبب، وحملت مسؤولية الوفيات إلى «العدوى البكتيرية الثانوية في الرئة (الالتهاب الرئوي)».

ومن خلال تطبيق التعلم الآلي على بيانات السجلات الطبية. وجد العلماء في الدراسة المنشورة بالعدد الأخير من دورية «جورنال أوف كلينكال أنفستجيشن»، أن «الالتهاب الرئوي الجرثومي الثانوي الذي لم يتم علاجه، كان السبب الرئيسي للوفاة لدى مرضى (كوفيد-19)».

وقال بنجامين سينغر، أستاذ الطب المساعد بجامعة نورث وسترن، في تقرير نشره (الخميس) الموقع الإلكتروني للجامعة: «دراستنا تسلّط الضوء على أهمية الوقاية من الالتهاب الرئوي الجرثومي الثانوي والبحث عنه وعلاجه بقوة في المرضى المصابين بأمراض خطيرة والالتهاب الرئوي الحاد، بمن فيهم المصابون بـ(كوفيد-19)». ووجد الباحثون أن ما يقرب من نصف المرضى المصابين بـ«كوفيد-19» يصابون بالتهاب رئوي جرثومي ثانوي مرتبط بجهاز التنفس الصناعي.

ويوضح سينغر أنه «من المرجح أن يعيش أولئك الذين شُفوا من الالتهاب الرئوي الثانوي، في حين أن أولئك الذين لم يتم علاج الالتهاب الرئوي لديهم كانوا أكثر عرضة للوفاة». ويضيف: «تشير بياناتنا إلى أن معدل الوفيات المرتبط بالفيروس نفسه منخفض نسبياً، لكن الأشياء الأخرى التي تحدث أثناء الإقامة في وحدة العناية المركزة، مثل الالتهاب الرئوي البكتيري الثانوي، تكون هي السبب الرئيسي».

من ناحية أخرى، يلفت سينغر إلى أن نتائج الدراسة تنفي أيضاً نظرية العاصفة الخلوية «عاصفة السيتوكين»، وهي مصطلح يعني رد فعل مناعياً مبالغاً فيه، يسبب التهاباً شديداً يؤدي إلى فشل أعضاء في رئتيك وكليتيك ودماغك وأعضاء أخرى. ويقول: «إذا كان هذا صحيحاً، وكانت عاصفة السيتوكين تكمن وراء طول فترة إقامة مرضى (كوفيد-19) بالرعاية المركزة، فإننا نتوقع رؤية حالات تتميز بفشل متعدد الأعضاء، وهذا لم نره».

واعتمدت الدراسة على تحليل بيانات 585 مريضاً في وحدة العناية المركزة بمستشفى «نورث وسترن ميموريال» يعانون من التهاب رئوي حاد وفشل تنفسي، وكان 190 منهم مصابين بـ«كوفيد-19». وطور العلماء نهجاً جديداً للتعلم الآلي يسمى «arpeDiem»، الذي يقوم بتجميع أيام مرضى وحدة العناية المركزة المماثلة في الحالات السريرية بناء على بيانات السجلات الصحية الإلكترونية، وهذا النهج الجديد، الذي يعتمد على مفهوم الجولات اليومية من قبل فريق وحدة العناية المركزة، سمح لهم بالتساؤل عن كيفية تأثير مضاعفات مثل الالتهاب الرئوي الجرثومي على مسار المرض.

ووافق هؤلاء المرضى أو من ينوب عنهم على التسجيل في دراسة الاستجابة السريرية الناجحة لعلاج الالتهاب الرئوي (SCRIPT)، وهي تجربة قائمة على الملاحظة لتحديد المؤشرات الحيوية والعلاجات الجديدة للمرضى المصابين بالتهاب رئوي حاد. وكجزء من برنامج (SCRIPT) استخدمت لجنة خبراء من أطباء وحدة العناية المركزة أحدث تحليل لعينات الرئة التي تم جمعها كجزء من الرعاية السريرية لتشخيص حالات الالتهاب الرئوي الثانوية والحكم عليها.

ووفق الدكتورة كاثرين جاو، الباحثة المشاركة بالدراسة، «يمكن استخدام تطبيق التعلم الآلي والذكاء الصناعي على البيانات السريرية لتطوير طرق أفضل لعلاج أمراض مثل (كوفيد-19) ولمساعدة أطباء وحدة العناية المركزة في إدارة هؤلاء المرضى».

وقال ريتشارد وونديرينك، من مركز بيولوجيا أنظمة علاج الالتهاب الرئوي في نورث وسترن، إنه «قد تم التقليل من أهمية العدوى البكتيرية في الرئة كمساهم في الوفاة لدى مرضى (كوفيد - 19)، لأن معظم المراكز لم تبحث عنها أو نظرت فقط في النتائج من حيث وجود أو عدم وجود عدوى بكتيرية فائقة، وليس ما إذا كان العلاج مناسباً أم لا».

وستكون الخطوة التالية في البحث، كما يوضح وونديرينك، هي استخدام البيانات الجزيئية من عينات الدراسة ودمجها مع مناهج التعلم الآلي لفهم سبب استمرار علاج بعض المرضى من الالتهاب الرئوي والبعض الآخر لا. ويريد الباحثون أيضاً توسيع التقنية لتشمل مجموعات بيانات أكبر واستخدام نموذج التعلم الآلي لعمل تنبؤات يمكن إعادتها إلى السرير لتحسين رعاية المرضى المصابين بأمراض خطيرة.

من جانبه، يفسّر معتز مصطفى، مدرس المناعة بجامعة المنصورة المصرية، ما توصلت له الدراسة من مسؤولية العدوى البكتيرية عن الوفاة، في سياق ما يسببه الفيروس من نقص في المناعة. وقال مصطفى لـ«الشرق الأوسط»، إنه «عندما يحدث نقص في المناعة بسبب الفيروس، تستطيع أي بكتيريا التمكن من الجسم وإحداث العدوى، وهذا هو السبب في وضع المضادات الحيوية التي تتعامل مع البكتيريا، إلى جانب مضادات الفيروسات في بروتوكولات علاج (كورونا)».



الذكاء الاصطناعي... الثورة القادمة في طب الأسنان الجنائي

الذكاء الاصطناعي... الثورة القادمة في طب الأسنان الجنائي
TT

الذكاء الاصطناعي... الثورة القادمة في طب الأسنان الجنائي

الذكاء الاصطناعي... الثورة القادمة في طب الأسنان الجنائي

لطالما كان مجال طب الأسنان العدلي أو الجنائي ميداناً حيوياً في علم الطب الشرعي، إذ يقدم الأدلة الأساسية التي تساعد في كشف الجرائم وحل الألغاز القانونية.

الأسنان لتحديد الهوية

وتجرى التحقيقات الجنائية لحل الألغاز القانونية من خلال:

> تحديد الهوية: يتم استخدام الأسنان وبصمات الأسنان لتحديد هوية الأفراد في حالات الكوارث الطبيعية، الحوادث، أو الجرائم، خصوصاً عندما تكون الجثث مشوهة أو متحللة.

> تحليل علامات العضّ: يساعد تحليل علامات العض الموجودة على الأجساد أو الأشياء في تحديد الجناة أو الضحايا من خلال مقارنة العلامات مع أسنان المشتبه بهم.

> تقييم العمر: يمكن لطب الأسنان الجنائي تقدير عمر الأفراد بناءً على تطور الأسنان وتركيبها، مما يساعد في قضايا مثل الهجرة غير الشرعية وحالات الاستغلال للأطفال.

> فحص الجثث المجهولة: يتم استخدام تقنيات طب الأسنان لفحص الجثث المجهولة والتعرف عليها من خلال السجلات الطبية للأسنان.

> الأدلة الفموية: يمكن للأدلة المستخرجة من الفم والأسنان أن توفر معلومات حول نمط حياة الأفراد، مثل النظام الغذائي والعادات الصحية، التي قد تكون ذات صلة بالقضايا الجنائية.

> الكشف عن التزوير والتزييف: يمكن تحليل التركيبات السنية والأسنان المزيفة لتحديد التزوير والتزييف في الأدلة الجنائية.

> التشخيص المسبق: يستخدم طب الأسنان العدلي في تشخيص الإصابات الفموية وتحليلها لتحديد ما إذا كانت ناتجة عن أعمال جنائية أو غيرها.

دور الذكاء الاصطناعي

ومع التقدم السريع في التكنولوجيا، يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً متزايداً في تعزيز هذا المجال وجعله أكثر دقة وفاعلية. وسنستعرض كيف يغير الذكاء الاصطناعي ملامح طب الأسنان العدلي ودوره المحوري في تحسين عملية التشخيص وتقديم الأدلة الجنائية.

> الذكاء الاصطناعي في تحليل الأدلة، يتيح الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الضخمة بسرعة ودقة، وهو ما كان يستغرق أياماً أو حتى أسابيع لفرق من الأطباء والمختصين. أما الآن، فباستخدام خوارزميات التعلم الآلي، يمكن تحليل الصور الفموية والأشعة السينية وتحديد الهوية من خلال بصمات الأسنان بوقت قياسي قد لا يتجاوز الساعة.

> التشخيص الدقيق، يسهم الذكاء الاصطناعي في رفع مستوى الدقة في التشخيص من خلال تحليل البيانات الفموية مثل تحديد هوية العضات والعمر والجنس للضحايا من خلال الأسنان وعظم الفك وتحديد الأنماط غير المرئية بالعين المجردة. ويساعد هذا الأطباء في تمييز الحالات العادية من الحالات الحرجة التي قد تكون ذات صلة بالجرائم أو الحوادث.

> تحديد الهوية، يُعد تحديد الهوية من خلال الأسنان من أهم تطبيقات طب الأسنان العدلي، خصوصاً في حالات الكوارث أو الجثث غير معروفة الهوية. وبفضل الذكاء الاصطناعي، يمكن مقارنة البيانات الفموية بسرعة مع قواعد بيانات السجلات الطبية الرقمية، مما يسهل عملية التعرف على الضحايا بدقة عالية. كما مكنت خوارزميات الذكاء الاصطناعي من إعادة بناء الوجه بعد حوادث الغرق أو الحريق أو الطائرات لسهولة التعرف على الضحايا.

ومع استمرار تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، نتوقع أن يصبح طب الأسنان العدلي أكثر تطوراً وفاعلية، فالذكاء الاصطناعي لا يقلل من الوقت والجهد فحسب، بل يساهم أيضاً في تقليل الأخطاء البشرية وتحقيق نتائج أكثر دقة ومصداقية. بفضل التعاون بين الخبراء في مجالات التكنولوجيا والطب الشرعي، يتم تطوير تطبيقات جديدة لتحديد العمر والجنس وحتى الأصل العرقي بناءً على تحليل الأسنان.

وعلى الرغم من الفوائد العديدة للذكاء الاصطناعي في طب الأسنان العدلي، هناك تحديات يجب التغلب عليها. ومن بين هذه التحديات ضرورة تحسين دقة الخوارزميات وتجنب التحيزات التي قد تؤثر على النتائج. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة لضمان الخصوصية وحماية البيانات الشخصية للمرضى.

وتنفيذ الذكاء الاصطناعي بشكل فعال في طب الأسنان العدلي، يجب على المؤسسات التعليمية توفير التدريب اللازم للأطباء والمختصين في هذا المجال. يشمل ذلك تعليمهم كيفية استخدام الأدوات التكنولوجية الجديدة، وفهم كيفية تفسير النتائج التي تنتج عن الخوارزميات الذكية.

وتبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في هذا السياق بوضوح أهمية التقنية في تحسين حياتنا وجعل مجتمعاتنا أكثر أماناً وعدالةً.