السعي نحو الكمال... يؤذي الأطفال والمراهقين

ارتكاب الأخطاء جزء من نمو وتطور الشخصية

السعي نحو الكمال... يؤذي الأطفال والمراهقين
TT

السعي نحو الكمال... يؤذي الأطفال والمراهقين

السعي نحو الكمال... يؤذي الأطفال والمراهقين

يتمنى معظم الآباء أن يلتزم أبناؤهم بالمعايير المثالية في كل أمورهم الحياتية؛ بداية من التعامل في المنزل، ونهاية بالتفوق الدراسي. والحقيقة أن «المثالية (perfectionism)» ربما تكون مؤذية للأطفال وتضع ضغوطاً نفسية عليهم. وربما لا يعلم الآباء أن ارتكاب الأخطاء جزء طبيعي من عملية النمو وتطور الشخصية، وأنه يُعدّ الطريقة المثلى للتعلم.

المثالية والتكيّف

وخلافاً لتصور الوالدين؛ يؤدي سعي المراهق نحو الكمال إلى ما يشبه الشلل التام في حياته نتيجة خوفه من الخطأ، مما يؤدي إلى الإصابة بالمرض النفسي، والفشل.

يقول العلماء إن نسبة من المراهقين تتراوح بين 25 و30 في المائة تعاني من «المثالية غير القادرة على التكيف (maladaptive perfectionism)»؛ بمعنى السعي الدائم لتحقيق الكمال غير الواقعي، إلى درجة تسبب لهم الألم. وهذا السلوك أكثر انتشاراً بين الإناث، خصوصاً في الأوساط التي تتسم بالسلوك المحافظ.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: «ما الذي يجعل المثالية سلوكاً خطراً أو ضاراً، وكيف يمكن حماية الأطفال والمراهقين من آثارها الضارة؟». والإجابة تكمن في وجود فرق كبير بين المجهود والسعي الصحي، وبين «السعي السام (Toxic perfectionism)». وخطورة ذلك النوع أن أي إنجاز مهما كان حجمه ما دام كان أقل من الكمال فإنه يُنظر إليه على أنه فشل.

أوضح علماء النفس أن الحياة الحديثة تعزز من هذا السلوك. وعلى وجه التقريب زادت الرغبة في بلوغ الكمال لدى الأطفال والمراهقين بنسبة 35 في المائة على مدار العقود الثلاثة الماضية، مما جعل كثيراً من المراهقين والأطفال غير سعداء. على سبيل المثال؛ في العقود الأسبق من ذلك كان الشاب الذي لا يعاني من زيادة الوزن يشعر بالرضا التام عن «شكل جسده (body image)»، ولكن في الوقت الحالي يجب أن يمتلك الجسد الرياضي العضلي، مما يجعل الشاب العادي يشعر بالنقص، والأمر نفسه ينطبق بشكل أكثر وضوحاً على الفتيات.

توجهات وعلامات سيئة

يشير العلماء إلى الدور السلبي الذي تلعبه وسائل التواصل الحديثة في إتاحة مجال كبير لعقد المقارنات المختلفة بسهولة. في الماضي، كان التنافس في تحقيق الكمال محصوراً في وسط معين، لكن مع اتساع مجال المنافسة زادت الضغوط النفسية على الأطفال والمراهقين، خصوصاً أن وسائل التواصل دائماً تعرض صورة مثالية في المظهر ومستوى التعليم والإنجاز. وبذلك يصبح النجاح العادي في أي مجال ليس ذا أهمية؛ مقارنة بالنجاح الساحق.

هناك بعض العلامات التي تشير إلى سعي المراهق نحو الكمال بطريقة سامّة يجب أن تلفت نظر الأبوين، مثل الالتزام الشديد بمعايير عالية جداً بشكل غير واقعي في أبسط الأمور الحياتية. وأيضاً الحساسية الشديدة تجاه وجود عيوب بسيطة، وتفسير الأخطاء على أنها فشل، والتفكير بشكل مطلق؛ بمعنى: «كل شيء أو لا شيء»، وكثرة الشكوك. وهذه الأعراض تؤدي إلى الشعور بالعار والذنب.

ولأن هذه المشاعر مؤلمة للغاية؛ فإن المراهق يحاول تجنبها عن طريق تجنب ارتكاب الأخطاء من الأساس، وبالتالي يلجأ إلى المماطلة في فعل أي شيء أو عدم المحاولة على الإطلاق، مما يستنفد طاقة عاطفية كبيرة لدرجة تجعله يعاني في النهاية من الإرهاق الشديد والإحباط.

مثالية «سامّة»

3 أنواع من المثالية السامة

* المثالية الذاتية: وهي التي يحاول فيها المراهق تلبية المعايير العالية غير الواقعية التي وضعها هو لنفسه؛ مما يؤدي إلى القلق والاكتئاب واضطرابات الأكل والإرهاق.

* المثالية المفروضة اجتماعياً: وهي التي يحاول فيها المراهق الالتزام بمعايير عالية يعتقد أن الآخرين يتوقعونها منه. وفي الأغلب هذا النوع يكون السبب فيه المتعاملون مع المراهقين والأطفال بداية من الآباء، مروراً بالمدربين والمعلمين، ونهاية برجال الدين، مما يضاعف من الضغوط النفسية؛ لأن المراهق يتوقع أنه سوف يخيب ظن من يثق به في حال عدم تحقيق السلوك المثالي.

* المثالية الموجهة نحو الآخرين: وهي التي يقوم فيها المراهق بإلزام الآخرين بمعايير عالية، ويظهر هذا في سلوكه نحو الآخرين في صورة إلقاء اللوم، وانعدام الثقة، والسخرية من الأداء، وبالتالي يشعر بالوحدة ويعاني من خلل في علاقاته الاجتماعية.

أكثر من ربع المراهقين يعانون من المثالية غير القادرة على التكيّف

وفي بعض الأحيان يمكن أن يؤدي سعي المراهق نحو الكمال إلى أعراض عضوية، مثل الإجهاد المزمن، ومشكلات الجهاز الهضمي، والصداع أو الصداع النصفي، ويعاني من اضطرابات النوم، بالإضافة إلى ذلك آلام نفسية كبيرة نتيجة صوت داخلي ينتقد دائماً كل التصرفات التي يقوم بها ويلاحظ التقصير فقط، ولذلك يشعر بالتعاسة بشكل دائم.

والمثالية مرتبطة دائماً بالقلق؛ لأن المراهق يفكر في أخطاء الماضي، وبالتالي يشعر بالقلق بشأن الفشل في المستقبل، وأيضاً بسبب عدم القدرة على التسامح مع النفس أو الآخرين في حال حدوث أخطاء. ولذلك يجب أن يتعامل الوالدان معه بحرص شديد؛ لأنه يكون حساساً جداً تجاه النصائح مهما كانت حسنة النية، ويتعامل معها كما لو كانت انتقاداً لتصرفاته، مما يشعره بالذنب أكثر.

ينصح العلماء الآباء بتعليم أطفالهم كيفية إعادة صياغة أفكارهم السلبية وإحلال التعاطف مع الذات محل النقد الذاتي؛ لأن كثيراً من الأخطاء يمكن أن تحدث نتيجة عوامل خارجية لا يمكن التحكم فيها. ويجب أن يركز المراهق على الأمور التي يستطيع التحكم فيها، مثل سلوكه وفعله ومجهوده. والنجاح أو الفشل أمر نسبي، وما يراه فشلاً يمكن أن يكون نجاحاً معقولاً. ويمكن للآباء أن يشاركوا تجاربهم السابقة في تجاوز الإخفاق بمجالات مختلفة وكيفية الاستفادة منها على المدى الطويل.

* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

لماذا يفضل الآباء أحد أبنائهم على إخوته؟

يوميات الشرق بعض الخبراء يرون أننا نتوافق بشكل أفضل مع أطفالنا الأكثر تشابهاً بنا (رويترز)

لماذا يفضل الآباء أحد أبنائهم على إخوته؟

يشرح الأطفال من جميع الأعمار والبالغون أيضًا تصورهم لديناميكيات الأسرة، وغالبًا ما يشعرون بالإحباط لأن والديهم يفضلون أحد أشقائهم مهما بذلوا من جهد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق أطفال يظهرون إلى جانب أولياء أمورهم خلال إحدى الحملات في واشنطن (أ.ب)

ما «الأمر الأساسي» الذي يغفل الآباء تعليمه لأطفالهم؟

العديد من الأطفال السعداء يكبرون ليصبحوا بالغين تعساء- هناك فرق بين الاستمتاع بالحياة في الصغر والاستعداد للاستمتاع بها كبالغين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي إيلا أسامة أبو دقة (25 يوماً) تحتضنها عمتها الكبرى سعاد أبو دقة بعد انتشال الطفلة من تحت الأنقاض في وقت سابق عقب غارة جوية بخان يونس جنوب غزة 20 مارس 2025 (أ.ب)

إنقاذ الرضيعة إيلا من ركام منزل عائلتها بخان يونس (صور)

بينما كان رجال الإنقاذ يحفرون بين ركام مبنى سكنيّ انهار في خان يونس بغزة جراء غارة جوية إسرائيلية، اليوم الخميس، سمعوا صراخ رضيعة من تحت الركام.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي أطفال في مخيم للنازحين بعد غارة إسرائيلية بخان يونس (رويترز)

«تعبت يا أمي وأرغب في الموت»... حرب غزة تحطم جيلاً كاملاً من الأطفال

منذ بدء حرب غزة أكتوبر (تشرين الأول) 2023، يعيش الأطفال الفلسطينيون حالة من المعاناة والصدمة والرعب، جعلت بعضهم يتمنى الموت في كل لحظة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
يوميات الشرق التدخل في حل الألغاز وإنجازها نيابةً عن الأطفال يُضعفان أيضاً من إصرارهم على أداء مهام أخرى (أرشيفية - رويترز)

كيف نربي أطفالاً لا يستسلمون بسهولة؟

هل تساعد أطفالك في ربط حذائهم أو القيام بأشياء يستطيعون فعلها لكنك تفعل ذلك نيابة عنهم؟ ربما ذلك يجعلهم أقل إصراراً في المستقبل.

«الشرق الأوسط» (لندن)

لماذا لا يجب عليك ارتداء العدسات اللاصقة أثناء الاستحمام؟

التعرض القصير للماء يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بالعدوى مما قد يؤدي إلى ألم شديد (رويترز)
التعرض القصير للماء يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بالعدوى مما قد يؤدي إلى ألم شديد (رويترز)
TT

لماذا لا يجب عليك ارتداء العدسات اللاصقة أثناء الاستحمام؟

التعرض القصير للماء يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بالعدوى مما قد يؤدي إلى ألم شديد (رويترز)
التعرض القصير للماء يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بالعدوى مما قد يؤدي إلى ألم شديد (رويترز)

يعاني الكثير من الأشخاص من ضعف نظر حاد يجبرهم على ارتداء عدساتهم اللاصقة حتى خلال تأدية المهام اليومية البسيطة. وينسى العديد من الناس إزالة العدسات عند الدخول إلى الحمام بهدف الاستحمام، وهو أمر ليس بجيد للعينين.

قال الدكتور جيمس كيلي، طبيب العيون ومؤسس مركز «كيلي فيجن»، لصحيفة «هافينغتون بوست»: «الاستحمام بالعدسات اللاصقة محفوف بالمخاطر. فماء الصنبور غير معقم، وقد يحتوي على كائنات دقيقة ضارة، تماماً مثل المسطحات المائية الطبيعية».

وأكد أن التعرض القصير للماء يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بالعدوى، مما قد يؤدي إلى ألم شديد، وندوب دائمة، وفقدان البصر، وقرحة القرنية، وغيرها من التأثيرات السلبية.

وقالت الدكتورة ماريا مونتيرو، المديرة المساعدة للخدمات السريرية في مستشفى أوربيس فلاينغ للعيون: «ارتداء العدسات اللاصقة أثناء الاستحمام ليس بنفس خطورة السباحة بها، ولكنه لا يزال غير موصى به... يمكن للماء أن ينقل بكتيريا وطفيليات ضارة، مثل الزائفة الزنجارية والأكانثاميبا، قد تتراكم تحت العدسات».

إذا التصقت هذه الكائنات بالعدسات اللاصقة، فقد تُصاب بعدوى خطيرة في العين، مثل التهاب القرنية الجرثومي، الذي قد يُسبب فقدان البصر إذا لم يُعالج على الفور. ومما يزيد الطين بلة، أن تشخيص هذه الحالات وعلاجها قد يكون صعباً للغاية، خاصةً إذا لم تكن تعيش بالقرب من اختصاصي مُلِمٍّ بمجموعة مُسببات الأمراض المُحتملة.

يُوضِّح الدكتور توماس ج. ستوكرمانز، طبيب عيون وكاتب طبي: «قد توجد الأوالي الشوكميبة أو الفيروسات الغدية في المسابح ومياه البحر وأحواض الاستحمام الساخنة والدُّش... وتُسبب بكتيريا السيراتية الذابلة ما يعرف بالعفن الوردي الذي يُمكن العثور عليه في الحمامات. كما يُمكنها البقاء على قيد الحياة في الماء الساخن، مثل أحواض الاستحمام الساخنة والدُّش».

وأضاف أن بكتيريا الزائفة الزنجارية (Pseudomonas aeruginosa) توجد أيضاً في المسابح، وكذلك في المياه العذبة في الطبيعة وبالمسابح وأحواض الاستحمام الساخنة التي لا تحتوي على كمية كافية من الكلور.

أشار كيلي إلى أن «الناس فقدوا أعينهم بسبب العدوى المنقولة بالماء». وأضاف: «أفضل طريقة هي إزالة العدسات اللاصقة قبل الاستحمام. إذا كنت مضطراً لارتدائها، فأبقِ عينيك مغمضتين قدر الإمكان واستخدم دموعاً اصطناعية خالية من المواد الحافظة بعد ذلك لطرد أي ملوثات محتملة».

هل العدوى هي الخطر الوحيد؟

هناك مخاطر أخرى للاستحمام بالعدسات اللاصقة تتجاوز هذه العدوى المؤلمة التي قد تُسبب العمى.

قال كيلي: «يمكن أن يُغير الماء شكل العدسات اللاصقة اللينة، مما يجعلها غير مريحة أو أقل فاعلية».

إذا استحممت بالعدسات اللاصقة، فقد تنتفخ العدسات ويتغير شكلها، مما يجعلها غير ملائمة للعينين ويصعب إزالتها، مما قد يسبب عدم الراحة، وتشوش الرؤية، والجفاف.

وليست الرطوبة وحدها هي التي تسبب تشوه العدسات.

شرح ستوكرمانز: «العدسات اللاصقة مصممة لتكون داخل الغشاء الدمعي، الذي يحتوي على تركيز معين من الأملاح، يُسمى الأسمولية... يمكن للماء ذي الأسمولية المختلفة أن يُشوه العدسات، مما يؤثر على ملاءمتها. هذا الأمر قد يُهيج سطح العين أو يُتلفه».