السعال الديكي... عدوى تنفسية قاتلة

توصيات حديثة لتطعيمات المرأة أثناء الحمل

شعار المؤتمر
شعار المؤتمر
TT

السعال الديكي... عدوى تنفسية قاتلة

شعار المؤتمر
شعار المؤتمر

تشير تقارير مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها الأميركية (CDC) إلى أن اللقاح المدمج (Tdap) يقي من أمراض التيتانوس والدفتيريا والسعال الديكي. وقد أصبح كل من مرض التيتانوس والدفتريا نادرين في الوقت الحاضر، على العكس من مرض السعال الديكي الذي بدأت حالاته تصل إلى مستويات مثيرة للقلق، والرضع هم الأكثر عرضة للإصابة به.

يحصل الرضيع على الجرعة الأولى من التطعيم الواقي من السعال الديكي ابتداء من سن شهرين، فتبدأ المناعة لديه تتطور تدريجياً، ويلزم تكرار الجرعات في سن 4 أشهر، و6 أشهر، وسنة، لكي تتطور المناعة الكافية. لذا فالرضيع في الأشهر الأولى من حياته، غير محمي بصورة كاملة ضد السعال الديكي.

لذا فإن إعطاء الأم الحامل في نهاية الحمل (في الأسابيع 27- 36) التطعيم ضد السعال الديكي بلقاح مدمج يحتوي على تطعيم ضد التيتانوس والدفتيريا اسمه (Tdap)، يمنحها قدرة على تطوير أجسام مضادة ضد السعال الديكي بمستوى عالٍ، وهي بدورها تنقل أقصى كمية من هذه الأجسام المضادة عبر المشيمة إلى الجنين في رحمها، فيحصل الرضيع المولود على وقاية كافية حتى يتمكن من الحصول على التطعيم بنفسه. كذلك، إعطاء التطعيم للأم سوف يقيها نفسها من العدوى بالسعال الديكي، وكذلك يمنعها من إصابة رضيعها بالعدوى.

مؤتمر طبي

أقامت الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، بالتعاون مع شركة «غلاسكو» الطبية، وملتقى الخبرات لتنظيم المعارض والمؤتمرات الطبية، أول من أمس (الأربعاء)، مؤتمراً طبياً بعنوان «تحصين الأم الحامل باللقاح المدمج (Tdap): مراجعة الأدلة والتوصيات الحالية Tdap Maternal Immunization: a review of the current evidence and recommendations» تحدث فيه استشاريون متخصصون في الأمراض المعدية وطب النساء والولادة والجراحات النسائية خفيفة التوغل (MIGS). وبحث المؤتمر أحدث المعلومات والتوصيات المتعلقة بتحصين الأمهات الحوامل بلقاح (Tdap) للمحافظة على صحة الأطفال من فترة ما بعد الولادة إلى سن شهرين، نظراً لعدم القدرة على إعطائهم بعض اللقاحات خلال هذه المرحلة من العمر، وذلك تماشياً مع توصيات وزارة الصحة فيما يخص اللقاحات المخصصة للبالغين، بمن فيهم النساء الحوامل، وتوافقاً مع أهداف ومرتكزات «رؤية المملكة 2030» الرامية إلى تحسين جودة الحياة في المجتمع السعودي.

وتحدث إلى «صحتك» الدكتور محمد سمنودي، استشاري الأمراض الباطنة والأمراض المعدية والزراعة بمستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة، وأستاذ مساعد بجامعة أم القرى وأحد المتحدثين في المؤتمر؛ وفي البداية أعطى تعريفات بسيطة مع تفصيلات علمية لمرض السعال الديكي وكيفية الوقاية منه.

السعال الديكي

السعال الديكي (Pertussis or Whooping Cough) عدوى شديدة بالجهاز التنفسي، تسببها بكتيريا البورديتيلة السعال الديكي (Bordetella pertussis)، ويمكن أن يحدث من خلال الاتصال المباشر وجهاً لوجه، أو ملامسة إفرازات الجهاز التنفسي المصابة. وهو يؤثر على جميع الأعمار؛ لكن الأطفال أكثر عرضة له. تشمل أعراضه: حمى خفيفة، وسيلان الأنف، والسعال الذي يتطور في الحالات النموذجية تدريجياً إلى سعال حاد يتبعه صياح أو شهقة (whooping) ومن هنا أتى الاسم الشائع «السعال الديكي».

معدل الإصابة بالسعال الديكي أعلى عند الرضع، وخصوصاً أولئك الذين لم يكملوا جدول التطعيم الأساسي. هذا على المستوى العالمي، وهذه بعض الأمثلة:

- في إنجلترا، تُظهر بيانات مراقبة الصحة العامة أن معدل الإصابة بالسعال الديكي (IR) في عام 2019 كان الأعلى بين الأطفال الذين تقل سنهم عن 3 أشهر، وكان معدل الإصابة 52/ 100 ألف، وكان عدد الحالات أعلى بنسبة 69 في المائة عن عام 2018. إدخال لقاح Tdap للأم (التيتانوس والدفتيريا ولقاح السعال الديكي اللاخلوي) أدى إلى انخفاض معدل الإصابة بالسعال الديكي عند الرضع الذين تقل سنهم عن 3 أشهر؛ لأن هذه الفئة السنية أصغر من أن تتلقى التطعيم الأولي الكامل، لذا فهي لا تزال معرضة لخطر الإصابة بالمرض.

- في أميركا، تُظهر البيانات المأخوذة من النظام الوطني لمراقبة الأمراض المبلغ عنها (NNDSS) التابع لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أن السعال الديكي في عام 2018 كان أعلى بشكل ملحوظ في الأطفال الذين تقل سنهم عن سنة واحدة (> 52/ 100 ألف) مقارنة بأي فئة سنية أخرى (أقل من 13.5/ 100 ألف).

- في البرازيل، كانت هناك عودة لظهور السعال الديكي منذ عام 2010. أظهر تحليل بيانات المراقبة من 2010- 2015 أن الأطفال أقل من سنة واحدة كانوا يمثلون 61.9 في المائة من جميع الحالات، والأطفال الذين تتراوح سنهم بين 1 و4 سنوات يمثلون 15.6 في المائة من الحالات، و22.5 في المائة من الحالات كانت في الأفراد الذين تزيد سنهم على 4 سنوات. بالنسبة للوفيات، فمن بين 415 وفاة ناجمة عن السعال الديكي، كان 405 (97.6 في المائة) تتعلق بالأطفال الذين تقل سنهم عن سنة واحدة.

- في نيوزيلندا، في عام 2018، كان أعلى معدل إبلاغ إصابات عن الأطفال الرضع الذين تقل سنهم عن سنة واحدة (305.5/ 100 ألف) يليهم الأطفال الذين تتراوح سنهم بين 1و 4 (150.2/ 100 ألف)، و5-9 (124.4/ 100 ألف) و10-14 (98.4/ 100 ألف). تم التنويم بالمستشفيات لما يقرب من 51 في المائة (95/ 184) من حالات الأطفال الذين تقل سنهم عن سنة، كان نصفهم -تقريباً- لم يتلقوا التطعيم، بسبب صغر السن عند بعضهم (أقل من 6 أسابيع) وبالتالي فهم غير مؤهلين بعد للتلقيح.

أعباء السعال الديكي

أوضح الدكتور محمد سمنودي أن عبء السعال الديكي يؤثر بشكل غير متناسب على الأطفال الصغار، مقارنة بالفئات السنية الأخرى، فهو يؤثر بشكل كبير على الرضع من الأطفال الذين تقل سنهم عن سنة. في الولايات المتحدة حوالي 50 في المائة تتطلب حالاتهم العلاج في المستشفى، ومعدلات الاستشفاء هي الأعلى في أولئك الذين تقل سنهم عن 3 أشهر، يليهم أولئك الذين تتراوح سنهم بين 3 و6 أشهر.

أما عن المضاعفات فتشمل: انقطاع النفس 61 في المائة. التهاب رئوي 23 في المائة. تشنجات حوالي في المائة. اعتلال دماغي 0.3 في المائة. وفاة 1 في المائة.

وأظهرت دراسة تم فيها تحليل بيانات 1023 رضيعاً مصاباً بالسعال الديكي، أن حالات السعال الديكي كانت أكثر عرضة للدخول إلى المستشفيات في غضون 14 يوماً بعد تاريخ المؤشر (أول مطالبة بتشخيص السعال الديكي) 31.8 في المائة مقابل 0.5 في المائة؛ وكانت هذه أعلى نسبة في الأفراد الأصغر سناً: 59 في المائة من الأطفال المصابين بالسعال الديكي الذين تقل سنهم عن شهر يحتاجون إلى العلاج في المستشفى، مقارنة بـ10 في المائة من الأطفال الذين تم تشخيصهم في سن 7- 12 شهراً، وفقاً لـ(WHO, April 2021).

كان متوسط تكاليف الرعاية الصحية المعدلة أثناء المتابعة أعلى بـ8271 دولاراً بين حالات السعال الديكي، بسبب تكاليف تنويم المرضى، وفقاً لـ(CDC، March 2021).

دراسات عالمية حديثة

• دراسة تحصين الأمهات بلقاح (4 في 1) Tdap-IPV في إنجلترا:

أشار الدكتور سمنودي إلى الدراسة التي أجريت على 243 حالة مع الضوابط المتطابقة، وتم فيها تحصين الأمهات باستخدام اللقاح Tdap-IPV وكان فعالاً في الوقاية من مرض السعال الديكي عند الرضع الصغار في إنجلترا.

وأوصت اللجنة الاستشارية الوطنية بتحديث التوصيات بشأن توقيت التطعيم أثناء الحمل، لتقديم اللقاح في وقت أبكر من الفترة الموصى بها سابقاً، وتغيير التوجيه للتطعيم في الأسبوع 20 (ويمكن التبكير من الأسبوع 16).

قُدرت فعالية اللقاح Vaccine effectiveness (VE) في السنة الأولى من البرنامج في إنجلترا بأكثر من 91 في المائة ضد المرض، و95 في المائة ضد الوفاة، للأطفال الرضع الذين تقل سنهم عن 3 شهور، والذين تلقت أمهاتهم dT5aP-IPV قبل أسبوع واحد على الأقل من الولادة.

• دراسة تحصين الأمهات بلقاح GSK Tdap في إسبانيا (فالنسيا):

أجريت دراسة مستقبلية متطابقة (1: 3) للحالات والضوابط على مدى عام كامل، شملت 88 رضيعاً غير محصنين تقل سنهم عن 3 أشهر (22 حالة و66 ضابطة)، بهدف تقدير فعالية اللقاح في حماية الأطفال حديثي الولادة من عدوى السعال الديكي المؤكدة مختبرياً في منطقة فالنسيا بإسبانيا؛ حيث بدأ برنامج تطعيم الأمهات ضد السعال الديكي أثناء الحمل في يناير (كانون الثاني) 2015، مع توصيات بأن يتم إعطاء النساء الحوامل جرعة واحدة من لقاح Tdap بين الأسبوعين 27 و36 من الحمل.

كانت فعالية لقاح Tdap لتحصين الأمهات في الوقاية من مرض السعال الديكي عند الرضع الذين تقل سنهم عن 3 أشهر، والمعدلة لاستخدام الرضاعة الطبيعية، 90.9 في المائة.

• دراسة تحصين الأمهات بلقاح Tdap في أستراليا:

أشارت نتائج الدراسات إلى أن لقاح الأم ضد السعال الديكي كان فعالاً للغاية في الوقاية من الأمراض الشديدة عند الرضع، ولكنه كان أقل فعالية في الوقاية من الأمراض الأكثر اعتدالاً التي لا تتطلب دخول المستشفى.

* استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

الساعات الذكية تزيد من قلق الأشخاص بشأن صحتهم

تكنولوجيا الساعات الذكية تزيد من قلق الأشخاص بشأن صحتهم (رويترز)

الساعات الذكية تزيد من قلق الأشخاص بشأن صحتهم

أظهر تقرير جديد أن أكثر من نصف مالكي الساعات الذكية يقولون إن هذه الأجهزة تجعلهم يشعرون بمزيد من التوتر والقلق بشأن صحتهم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك بائع للفاكهة في الصين (أ.ف.ب)

دراسة: تناول المأكولات الغنية بالألياف يحمي الجسم من العدوى

أفادت دراسة علمية حديثة بأن تناول المأكولات الغنية بالألياف يزيد من حماية الجسم من العدوى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك القواعد الأساسية للرجال المعاصرين تمكِّنهم من الحفاظ على لياقتهم البدنية

7 نصائح للرجال للياقة بدنية تتجاوز العمر

القواعد الأساسية للرجال المعاصرين تمكِّنهم من الحفاظ على لياقتهم البدنية ليتمتعوا بصحة أفضل يوماً بعد يوم وفي أي عمر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الرمان يزود الجسم بمضادات الأكسدة ومضادات الفيروسات ومضادات الأورام (غيتي)

تحسين الكولسترول والوقاية من السرطان... فوائد هائلة لتناول الرمان يومياً

بتناول حبات الرمان يومياً تضمن أن تزود جسمك بمضادات الأكسدة ومضادات الفيروسات ومضادات الأورام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك مريضة بسرطان الثدي (رويترز)

تقرير: النساء الشابات أكثر عرضة للإصابة بالسرطان من الرجال

تمثل حالة الأختين رورك ظاهرة منتشرة في الولايات المتحدة، وهي تشخيص المزيد من النساء الشابات بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

التعرُّف على اضطرابات الدماغ من شبكية العين

العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً (ماكس بلانك)
العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً (ماكس بلانك)
TT

التعرُّف على اضطرابات الدماغ من شبكية العين

العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً (ماكس بلانك)
العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً (ماكس بلانك)

أظهرت دراسة جديدة أجراها باحثون من معهد ماكس بلانك للطب النفسي بألمانيا، أنّ الشبكية بمنزلة امتداد خارجي للدماغ وتشترك في الجينات عينها، ما يجعلها طريقة سهلة للعلماء للوصول إلى دراسة اضطرابات الدماغ بمستويات أعلى من الدقة.

وأفادت النتائج بأنّ العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً، وهذا من شأنه جعل الشبكية بديلاً رائعاً لدراسة الاضطرابات العصبية وبطريقة فائقة السهولة؛ «لأننا نستطيع فحص شبكية العين لدى المرضى بدقة أعلى بكثير من الدماغ»، وفق الباحثين. وهم أكدوا على أن فهم الآليات البيولوجية حول هذا الأمر من شأنه مساعدتهم على تطوير خيارات علاجية أكثر فاعلية وأكثر شخصية.

وحلَّل باحثو الدراسة المنشورة في دورية «جاما سيكاتري»، الارتباط الجيني بين خلايا الشبكية وعدد من الاضطرابات العصبية النفسية. ومن خلال الجمع بين البيانات المختلفة، وجدوا أنّ جينات خطر الفصام كانت مرتبطة بخلايا عصبية محدّدة في شبكية العين.

وتشير جينات الخطر المعنيّة هذه إلى ضعف بيولوجيا المشابك العصبية، وبالتالي ضعف قدرة الخلايا العصبية على التواصل مع بعضها البعض. ويرجح الباحثون أن يكون هذا الضعف موجوداً أيضاً في أدمغة مرضى الفصام.

وبناءً على تلك الفرضية، أظهر الباحثون أنّ الاتصال العصبي يبدو معوقاً في شبكية العين لدى مرضى الفصام بالفعل.

وأوضحوا، في بيان، الجمعة أنّ «العثور على هذا الخلل في العين يشير إلى أنّ العمليات في الشبكية والدماغ متشابهة جداً؛ وهذا من شأنه جعل الشبكية بديلاً رائعاً لدراسة الاضطرابات العصبية، لأننا نستطيع فحص شبكية العين لدى المرضى بدقة أعلى بكثير من الدماغ».

في دراستهم السابقة، وجد باحثو معهد ماكس بلانك للطب النفسي، برئاسة فلوريان رابي، تغيّرات في شبكية العين لدى مرضى الفصام أصبحت أكثر حدّة مع زيادة المخاطر الجينية. وبناءً على ذلك، اشتبهوا في أنّ التغيرات الشبكية ليست نتيجة لأمراض مصاحبة شائعة مثل السمنة أو مرض السكري فحسب، وإنما قد تكون ناجمة عن آليات أمراض مدفوعة بالفصام بشكل مباشر.

إذا كانت هذه هي الحال، فإنّ معرفة مزيد عن هذه التغيّرات قد تساعد الباحثين على فهم الآليات البيولوجية وراء الاضطراب. وبالإضافة إلى الفصام، لوحظت تغيرات في الشبكية لدى مرضى الاضطراب ثنائي القطب والاكتئاب والتصلّب المتعدّد ومرض ألزهايمر ومرض باركنسون والسكتة الدماغية.

باستخدام بيانات من دراسات كبيرة سابقة، دمج رابي والمؤلّف الأول إيمانويل بودريوت من معهد ماكس بلانك للطب النفسي وجامعة لودفيغ ماكسيميليان ميونيخ في ألمانيا، بيانات المخاطر الجينية من الاضطرابات العصبية النفسية مع بيانات تسلسل الحمض النووي الريبي للشبكية.

أظهرت النتائج أنّ جينات المخاطر كانت مرتبطة بخلايا شبكية مختلفة في الاضطرابات المذكورة أعلاه.

كما ارتبط الخطر الجيني للإصابة بالتصلّب المتعدّد بخلايا المناعة في الشبكية، بما يتماشى مع الطبيعة المناعية الذاتية للاضطراب. وكذلك ارتبطت جينات الخطر للإصابة بالفصام بفئة محددة من الخلايا العصبية الشبكية تشارك في الوظيفة المشبكية، وتحدّد قدرة الخلايا العصبية على التواصل مع بعضها البعض.