ترقب تركي لإعلان حزب «العمال الكردستاني» حلّ نفسه وإلقاء أسلحته

بعدما أعلن عقد مؤتمراً استجابةً لنداء أوجلان

أكراد يعبّرون عن فرحتهم بنداء زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بحل الحزب ويطالبون بإطلاق سراحه (أ.ف.ب)
أكراد يعبّرون عن فرحتهم بنداء زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بحل الحزب ويطالبون بإطلاق سراحه (أ.ف.ب)
TT

ترقب تركي لإعلان حزب «العمال الكردستاني» حلّ نفسه وإلقاء أسلحته

أكراد يعبّرون عن فرحتهم بنداء زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بحل الحزب ويطالبون بإطلاق سراحه (أ.ف.ب)
أكراد يعبّرون عن فرحتهم بنداء زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بحل الحزب ويطالبون بإطلاق سراحه (أ.ف.ب)

كشف حزب «العمال الكردستاني» عن عقد مؤتمر، من 5 إلى 7 مايو (أيار)، استجابةً لدعوة زعيمه التاريخي السجين في تركيا، عبد الله أوجلان، لإعلان حلّ الحزب وإلقاء أسلحته.

وجاء في بيان مكتوب للحزب، نقلته وكالة أنباء «فرات»، القريبة منه، الجمعة، أنه في أعقاب دعوة القائد عبد الله أوجلان، تمّ عقد مؤتمر بالتوازي في منطقتين مختلفتين، بحضور مندوبين يمثلون جميع مجالات العمل. وذكر البيان أنه تم اتخاذ قرارات «ذات أهمية تاريخية» بناءً على دعوة أوجلان، وأنه «سيتم تقاسم المعلومات والوثائق الشاملة والمفصلة بشأن القرارات المتخذة مع الجمهور في أقرب وقت ممكن، بعد دمج النتائج التي تم التوصل إليها في المنطقتين اللتين عقد فيهما المؤتمر».

قرارات «تاريخية»

ولم يتضمن بيان الحزب، المصنف من جانب تركيا وحلفائها الغربيين منظمةً إرهابية، أي إشارة إلى حلّ نفسه أو نزع أسلحته، مكتفياً بالقول إن القرارات التي اتخذت، والتي ينتظر إعلانها خلال أيام قليلة، «ذات أهمية تاريخية تتعلق بالمستقبل».

متظاهرون في ديار بكر يطالبون بإطلاق سراح أوجلان (رويترز)

ونعى البيان نائب البرلمان التركي، النائب عن إسطنبول من حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، سري ثريا أوندر، الذي كان أحد المفاوضين الرئيسيين في عملية السلام الجارية وأحد أعضاء وفد الحزب، الذي عُرف إعلامياً بـ«وفد إيمرالي». وتولّى هذا الحزب الاتصالات بين أوجلان وممثلي الأحزاب والدولة التركية على مدى أشهر. وتوفي أوندر في 3 مايو، بعد خضوعه لجراحة كبيرة في القلب.

ويطالب حزب «العمال الكردستاني»، ومعه حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، بتخفيف ظروف حبس أوجلان (75 عاماً)، المحكوم بالسجن المؤبد المشدد مدى الحياة، والذي يقبع في سجن منعزل في جزيرة إيمرالي في جنوب بحر مرمرة، في غرب تركيا، منذ 26 عاماً.

المتحدثة باسم حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» عائشة غل دوغان خلال مؤتمر صحافي في أنقرة الجمعة (حساب الحزب في إكس)

وجاء إعلان حزب «العمال الكردستاني» عن انعقاد مؤتمره بعد ساعات قليلة من مؤتمر صحافي للمتحدثة باسم حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» التركي المعارض المؤيد للأكراد، عائشة غل دوغان، قالت فيه إن حزب «العمال الكردستاني» قد يعلن حلّ نفسه في أي لحظة، وذلك جزء من مبادرة السلام الجارية في خطوة تنهي صراعاً استمر لعقود.

وأضافت دوغان، خلال المؤتمر الذي جاء بعد اجتماع للجنة التنفيذية للحزب: «ننتظر هذه الخطوة والقرار التاريخيين بجدية بالغة، يجب على الجميع أن يتحمّلوا هذه المسؤولية بشجاعة، وأن يتطوعوا لذلك. رحّبنا بهذا القرار بارتياح كبير، قلنا من قبل ونكرر الآن، إن على السياسة مسؤولية كبرى في ضمان القضاء التام على الأسلحة. يجب على الجميع التحلي بالشجاعة».

ولفتت دوغان إلى تصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، التي قال فيها إن للجهات السياسية دوراً مهماً، مضيفة: «بصفتنا حزباً ديمقراطياً، نؤكد استعدادنا للاضطلاع بمسؤولياتنا بعزم من أجل تركيا ديمقراطية».

وذكرت وسائل إعلام تركية أن إردوغان قال، خلال اجتماع مع وزراء حكومته ونواب حزب «العدالة والتنمية» الحاكم بالبرلمان، الخميس: «لقد تغلّبنا على جميع العقبات، وستلقي المنظمة الإرهابية (حزب العمال الكردستاني) أسلحتها اليوم أو غداً، وسيتم حلها. وبعد ذلك، سيبدأ عصر جديد لنا جميعاً».

نداء أوجلان

وفي 27 فبراير (شباط) الماضي، دعا أوجلان حزب «العمال الكردستاني» إلى عقد مؤتمر العام وإعلان حل نفسه، من خلال نداء «دعوة للسلام ومجتمع ديمقراطي» وجهه من سجن إيمرالي بحضور وفد من حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب».

أوجلان يقرأ نداءه لحل حزب «العمال الكردستاني» من سجن إيمرالي 27 فبراير (إ.ب.أ)

وجاء النداء الذي وجّهه أوجلان بموجب مبادرة أطلقها في 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، رئيس حزب الحركة القومية، الشريك الأساسي لحزب العدالة والتنمية في «تحالف الشعب»، دولت بهشلي، لجعل «تركيا خالية من الإرهاب».

وعقب إعلان المبادرة التي حظيت بتأييد إردوغان، أطلق حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، عبر «وفد إيمرالي»، الذي ضمّ النائب الراحل سري ثريا أوندر والنائبة بروين بولدان والسياسي الكردي المخضرم أحمد تورك، سلسلة من الاتصالات مع أوجلان والأحزاب السياسية التركية وقيادات إقليم كردستان العراق، للتشاور حول المبادرة ودعوة أوجلان التي أعقبتها.

وأعلن حزب «العمال الكردستاني» في الأول من مارس (آذار) قبوله دعوة أوجلان ووقف إطلاق النار، متمسكاً بأن يشرف أوجلان بنفسه على أعمال المؤتمر العام. لكن القوانين التركية حالت دون ذلك.

إردوغان مصافحاً النائب الراحل سري ثريا أوندر وإلى جانبه النائبة بروين بولدان خلال استقبال «وفد إيمرالي» 10 أبريل (الرئاسة التركية)

وشهدت هذه الجهود دفعة قوية بعد تدشين انخراط الدولة رسمياً في العملية التي ينظر إليها الأكراد على أنها عملية حلّ جديدة للمشكلة الكردية، من خلال لقاء «وفد إيمرالي» مع إردوغان في 10 أبريل (نيسان) الماضي، ثم اللقاء مع وزير العدل يلماظ تونتش لبحث الجوانب القانونية لهذه العملية.

وعلى الرغم من إصرار الدولة على أنه ليست هناك مشكلة كردية أو عملية حل، وإنما هي مبادرة لإنهاء الإرهاب في تركيا، فإن حزب «العمال الكردستاني» وحزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، يتوقعان خطوات سياسية وقانونية لتعزيز حقوق الأكراد في تركيا يضمنها الدستور، فضلاً عن إطلاق سراح أوجلان أو السماح له بالاتصال بالعالم الخارجي وكسر عزلته في السجن.

تكهنات وانقسامات

وفشلت عمليات مماثلة في السابق، آخرها عملية «السلام الداخلي وحل المشكلة الكردية» في الفترة الممتدة من 2013 وحتى 2015، في إنهاء الصراع الذي استمر 40 عاماً بين الدولة التركية وحزب «العمال الكردستاني». وأصر إردوغان في نهاية تلك العملية على أنه «لا توجد مشكلة كردية في تركيا».

وسادت تكهنات، منذ انطلاق العملية الجارية، بأن إردوغان وبهشلي يستهدفان من وراء هذه المبادرة وضع دستور جديد للبلاد يفتح الطريق أمام إردوغان للترشح لرئاسة تركيا مجدداً، بعدما استنفد مرات ترشحه بحكم الدستور الحالية، وضمان تأييد حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» الذي يُعدّ ثالث أكبر قوة بالبرلمان التركي بعد «العدالة والتنمية» وحزب «الشعب الجمهوري»، لمشروع الدستور الجديد والحصول على أصوات الأكراد سواء في الاستفتاء على الدستور، إذا لزم الأمر، أو في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

بهشلي مستقبلاً «وفد إيمرالي» في ديسمبر الماضي (حساب حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب في إكس)

وتثير العملية الجارية لحل حزب «العمال الكردستاني» انقساماً حاداً في تركيا، وترفضها الأحزاب القومية، كحزبي «الجيد» و«النصر»، في حين يبدي حزب «الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، تمسكاً بأن يكون البرلمان هو المكان الذي تحل فيه هذه القضية، مؤكداً أنه إذا كان الأكراد في تركيا يقولون إن هناك مشكلة كردية، فهذا يعني أنها موجودة ويجب العمل من خلال البرلمان على حلّها من خلال البرلمان.

في الوقت ذاته، يضع حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، مطالب تتعلق بالدستور الجديد وضمان نصوص صريحة على حقوق الأكراد والتخلص من نظام فرض الوصاية على البلديات، وإلغاء عزل رؤسائها المنتخبين، والتوسع في الحقوق الديمقراطية وحقوق المرأة، واستخدام اللغة الكردية، فضلاً عن المطالب المتعلقة بحرية أوجلان.


مقالات ذات صلة

تركيا: غموض حول الأهداف يبطئ «عملية السلام» مع الأكراد

شؤون إقليمية قررت اللجنة البرلمانية الخاصة بـ«عملية السلام» تمديد عملها لشهرين إضافيين (البرلمان التركي - إكس)

تركيا: غموض حول الأهداف يبطئ «عملية السلام» مع الأكراد

مددت لجنة بالبرلمان التركي تتولى إعداد الأساس القانوني لـ«عملية السلام»، التي تمرّ عبر حلّ حزب «العمال الكردستاني» ونزع أسلحته، عملها لشهرين إضافيين.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية قائد «قسد» مظلوم عبدي (رويترز)

أوجلان يطالب «قسد» بالتخلص من عناصرها الأجنبية

بعث زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان، برسالة إلى قائد «قسد» مظلوم عبدي، طالبه فيها بإنهاء وجود العناصر الأجنبية ضمن صفوفها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية أوجلان أكد في رسالة إصراره على إنجاح «عملية السلام»

أوجلان أكد في رسالة إصراره على إنجاح «عملية السلام»

وجّه زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان رسالة دعم جديدة لعملية السلام بتركيا في الوقت الذي تستمر فيه الاتصالات والمناقشات حولها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية سحب حزب «العمال الكردستاني» في 26 أكتوبر الماضي 25 من مقاتليه من الأراضي التركية إلى شمال العراق بإطار عملية السلام مع تركيا (رويترز)

تركيا: تجاذب حول قانون أوجلان للسلام والاعتراف بـ«المشكلة الكردية»

فجّرت المطالب الكردية بشأن «عملية «السلام» في تركيا التي تمر عبر حل حزب «العمال الكردستاني» ونزع أسلحته تجاذباً على الساحة السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية لجنة «التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية» بالبرلمان التركي تستعد لمناقشة الاقتراحات الخاصة بعملية السلام (حساب البرلمان في إكس)

تركيا: تباينات في مواقف الأحزاب بشأن «عملية السلام» مع الأكراد

تستعد لجنة شكّلها البرلمان التركي لاقتراح الإطار القانوني لحل حزب «العمال الكردستاني» ونزع أسلحته للمرحلة الثانية من عملية السلام وحل المشكلة الكردية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

واشنطن تبحث عن إيراني خطط لهجمات «عابرة للحدود»

ثلاث صور مُدمجة في تعميم نشره مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي للإيراني سعيد توكلي (إكس)
ثلاث صور مُدمجة في تعميم نشره مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي للإيراني سعيد توكلي (إكس)
TT

واشنطن تبحث عن إيراني خطط لهجمات «عابرة للحدود»

ثلاث صور مُدمجة في تعميم نشره مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي للإيراني سعيد توكلي (إكس)
ثلاث صور مُدمجة في تعميم نشره مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي للإيراني سعيد توكلي (إكس)

أعلنت السلطات الأميركية تكثيف جهودها لتعقّب مسؤول بارز في «الحرس الثوري» الإيراني، في إطار تحقيق فيدرالي يتناول ما تصفه واشنطن بأنشطة هجومية وتجسسية عابرة للحدود.

وأفاد مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» بأنه يبحث عن مسؤول رفيع في «قوة القدس»، الذراع الخارجية لـ«الحرس الثوري»؛ للاشتباه بتورطه في توجيه وإدارة عمليات استهدفت مسؤولين أميركيين وأوروبيين حاليين وسابقين، في تطورٍ يعيد إلى الواجهة ملف المواجهة المفتوحة بين طهران والغرب، والذي طالما حذّرت منه الولايات المتحدة وحلفاؤها.

وكشف المكتب، في بيان صحافي، أن الشخص الذي كان يُعرَف سابقاً باسمه الحركي سردار عمار هو في الحقيقة سعيد توكلي، داعياً الجمهور إلى المساعدة في تقديم أي معلومات قد تسهم في مسار التحقيق، الذي تتولاه دائرة المكتب بواشنطن العاصمة.

ووفق الرواية الأميركية، فإن توكلي مطلوب للاستجواب، على خلفية شبهات تتعلق بإدارة عمليات استخباراتية سرية وعمليات «قاتلة» طالت معارضين إيرانيين وصحافيين، إضافة إلى مواطنين إسرائيليين ومسؤولين حاليين وسابقين بالحكومة الأميركية، سواء داخل الولايات المتحدة أم في عدد من الدول الأوروبية.

وفي محاولةٍ لتوسيع نطاق البحث، نشر مكتب التحقيقات الفيدرالي أوصافاً جسدية لتوكلي، مشيراً إلى أن شعره رمادي أو أبيض، وعيناه بُنيتان، ويتحدث اللغة الفارسية، داعياً أي شخص يمتلك معلومات عنه إلى التواصل مع أقرب فرع للمكتب أو مع سفارة أو قنصلية أميركية.

صورة جرى توزيعها 5 ديسمبر 2025 من قِبل «الحرس الثوري» الإيراني تُظهِر صاروخاً يتم إطلاقه أثناء تدريب عسكري بالمياه قبالة ساحل جنوب إيران (إ.ب.أ)

شبكة عابرة للحدود

وتقول السلطات الأميركية إن توكلي يتولى قيادة وحدة تُعرف باسم 11000 داخل «الحرس الثوري» الإيراني، وهي وحدة يُعتقد أنها لعبت دوراً محورياً في إدارة شبكة عملياتية مرتبطة بمحاولات هجوم في دول عدة؛ من بينها أستراليا واليونان وألمانيا والمكسيك.

وتنسجم هذه الاتهامات مع ما دأبت واشنطن على تأكيده بشأن اعتماد طهران، عبر «فيلق القدس»، على شبكات سرية تعمل خارج حدودها لتنفيذ عمليات ضغط أمني وسياسي ضد خصومها.

وكان جهاز الموساد الإسرائيلي قد أعلن، في أكتوبر (تشرين الأول) 2025، أن هذه الشبكة حاولت تنفيذ سلسلة هجمات، خلال عاميْ 2024 و2025، زاعماً إحباط عدد منها. ونقل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن «الموساد» أن أنشطة الشبكة أدت، في إحدى نتائجها، إلى طرد السفير الإيراني من أستراليا؛ في خطوة عكست حجم التوتر بين كانبيرا وطهران، على خلفية تلك الاتهامات.

في السياق نفسه، كانت منظمة الاستخبارات الأمنية الأسترالية قد اتهمت، في أغسطس (آب) 2025، «الحرس الثوري الإيراني» بتوجيه ما لا يقل عن هجوميْ حرق متعمَّد ذويْ طابع مُعادٍ للسامية.

وذكرت أن أحد الهجومين استهدف كنيس «أداس إسرائيل» في ملبورن، في 6 ديسمبر (كانون الأول) 2024، في حين طال الآخر مطعم «لويس كونتيننتال كيتشن» في سيدني بتاريخ 20 أكتوبر 2024، وهي وقائع أثارت قلقاً واسعاً داخل الأوساط السياسية والأمنية الأسترالية.

تحذيرات متراكمة

لا يأتي هذا التطور بمعزل عن سلسلة تحذيرات أطلقتها الإدارة الأميركية، خلال السنوات الأخيرة، بشأن محاولات إيرانية لتنفيذ عمليات خطف واغتيال داخل الأراضي الأميركية نفسها، فيما تعدُّه واشنطن تصعيداً غير مسبوق في أساليب المواجهة.

ففي أكتوبر الماضي، أعلن مكتب الادعاء العام بالمنطقة الجنوبية من نيويورك توجيه اتهامات إلى ثمانية أشخاص، بينهم مسؤول عسكري إيراني، بزعم ارتباطهم بشبكة سعت إلى قتل مواطن أميركي من أصل إيراني عبر استئجار «مجموعة إجرامية» من أوروبا الشرقية لاغتيال صحافي.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ذهبت وزارة العدل الأميركية أبعد من ذلك، حين أعلنت أن ثلاثة أميركيين عُرضت مكافآت مالية مقابل اغتيالهم من قِبل مسؤول في «الحرس الثوري الإيراني»، وكان من بينهم دونالد ترمب، خلال حملته الانتخابية الرئاسية.

وفي تعليقٍ عكس نبرة التشدد الأميركية، قال وزير العدل الأميركي ميريك غارلاند إن «هناك قلة من الجهات في العالم تشكل تهديداً خطيراً للأمن القومي للولايات المتحدة بقدر ما تُشكله إيران».


الأميركيون يشعرون بأن نتنياهو نادم على قبول خطة ترمب

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يشير بيده بجانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مطار بن غوريون الدولي خلال زيارته إسرائيل 13 أكتوبر 2025 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يشير بيده بجانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مطار بن غوريون الدولي خلال زيارته إسرائيل 13 أكتوبر 2025 (رويترز)
TT

الأميركيون يشعرون بأن نتنياهو نادم على قبول خطة ترمب

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يشير بيده بجانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مطار بن غوريون الدولي خلال زيارته إسرائيل 13 أكتوبر 2025 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يشير بيده بجانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مطار بن غوريون الدولي خلال زيارته إسرائيل 13 أكتوبر 2025 (رويترز)

في الوقت الذي يحظى فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأكبر دعم سياسي وعسكري واقتصادي غير مسبوق من الولايات المتحدة، عبَّر مسؤولون أميركيون عن قلقهم من قدومه للقاء الرئيس دونالد ترمب في ميامي، حاملاً مطالب تفضي إلى التراجع عن خطة وقف الحرب.

وتحدثوا عن شعورهم بأنه يشعر بالندم على قبوله الخطة ويرغب في العودة إلى استئناف الحرب.

وحسب «القناة 12» للتلفزيون الإسرائيلي، قالت مصادر في واشنطن، إنه في وقت يسعى فيه البيت الأبيض إلى الإعلان، منتصف الشهر المقبل، عن تأسيس «مجلس السلام» وتشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية وقوة الاستقرار الدولية في القطاع، والتقدم في خطة الرئيس ترمب للسلام الشامل، يعود نتنياهو إلى أفكار ومقترحات تهدد بانهيار الخطة.

الرئيس الأميركي دونال دترمب يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض 4 فبراير 2025 (أرشيفية - إ.ب.أ)

وذكرت هذه المصادر للقناة الإسرائيلية أن وزير الدفاع الأميركي، بيتر بيريان هيغسيث، ووزير الخارجية، مارك روبيو، والمستشارين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، «فقدوا ثقتهم بنتنياهو، وترمب هو الوحيد الذي لا يزال يحب نتنياهو. ولكن ترمب يريد ويصرّ على رؤية تقدم أسرع في اتفاق غزة مما هو يتقدم الآن»، ويريد أن يعقد اجتماع «مجلس السلام» برئاسته، خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، في الأسبوع الأخير من يناير (كانون الثاني) المقبل، ولا يريد عراقيل إسرائيلية لخطته.

وقال مسؤول أميركي للقناة إن «الشعور السائد منذ فترة هو كأن الإسرائيليين نادمون على الاتفاق في غزة».

وفي تل أبيب، يقول اللواء (احتياط) إسرائيل زيف، الرئيس الأسبق لقسم العمليات في رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي، إن الرؤية لدى حكومة نتنياهو هي أن الحرب لم تنتهِ فعلياً، بل هي أشبه بهدنة مؤقتة، وفي الوقت نفسه، تُستخدم التهديدات ذريعةً لسياسة أمنية قوية. ويؤكد أنه «على الرغم من انتهاء الحرب في لبنان وسوريا قبل عام، وفي غزة قبل نحو ثلاثة أشهر، فإن الحكومة الإسرائيلية لم تناقش أو تتخذ أي قرار رسمي بشأن إنهاء الحرب، ناهيك عن أنها لم تعترف حتى بشكل كامل بانتهاء الحرب. وثمن عدم إنهاء الحرب باهظ للغاية، لكن هذه الحكومة تُفضّل تبديد ضباب المعركة والتخبط، بل وحتى نقض جميع اتفاقيات وقف إطلاق النار المفروضة عليها على جميع الجبهات. ولا تُبدي أي اهتمام بالاعتراف بنهاية الحرب. بل على العكس، فهي ترغب سياسياً في العودة إلى الحرب بأسرع وقت ممكن؛ وذلك لأسباب داخلية محضة، مثل إزالة مسألة لجنة التحقيق الرسمية من على الطاولة، واختلال وظائفها، والفشل في إعادة تأهيل الشمال، والإهمال الذي تعاني منه إسرائيل جراء الحرب التي تتحمل مسؤوليتها، وتزايد عزلتها الدولية. وفي هذا يتسبب نتنياهو بالإحراج الشديد للرئيس ترمب، الذي وصف بأنه الأفضل لإسرائيل في التاريخ».

ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة بمدينة شرم الشيخ المصرية 13 أكتوبر 2025 (أرشيفية - أ.ف.ب)

إزاء هذا الوضع، تواصل الإدارة الأميركية التقدم في الإعداد لتطبيق خطة ترمب. ومن خلال الاجتماع الذي عقده ويتكوف مع رئيس وزراء قطر ورئيس المخابرات المصرية ووزير الخارجية التركي، في ميامي، يوم الجمعة الماضي، تبين أن واشنطن تطالب الجيش الإسرائيلي أن يحترم اتفاق وقف إطلاق النار والامتناع عن استهداف المدنيين الغزيين.

وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إنه تقرر خلال اجتماع ميامي أن تشرف حكومة التكنوقراط الفلسطينية على نزع سلاح غزة، حسب ثلاثة مصادر في البيت الأبيض، وذلك من خلال إقناع «حماس» وتنظيمات مسلحة أخرى، بأن الحكومة الفلسطينية الجديدة هي المسؤولة الوحيدة عن القانون والنظام والمخولة استخدام السلاح. ونقلت الصحيفة عن مسؤول في البيت الأبيض قوله إن نزع السلاح سيتم على مراحل، وسيكون التركيز في البداية على السلاح الثقيل، مثل الصواريخ والقذائف الصاروخية، ولاحقاً سيتم نزع أسلحة خفيفة، وأن هذه العملية ستشمل الميليشيات التي تدعمها وتسلحها إسرائيل، وأن بإمكان الحكومة الفلسطينية طلب مساعدة القوة الدولية.

كتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

وأشارت «القناة 12» إلى أن نتنياهو «متشكك حيال خطة نزع السلاح وتشكيلة حكومة التكنوقراط والقوة الدولية، وكذلك حيال أدوار تركية وقطرية في غزة»، ونقلت عن مسؤول إسرائيلي قوله إن «لا ننظر إلى نتائج اللقاء في ميامي على أنه إيجابي».

وقال مسؤولون في البيت الأبيض إنه يتوقع أن يطرح ترمب أمام نتنياهو الوضع في الضفة الغربية والتخوف من انهيار السلطة الفلسطينية، وأن إدارة ترمب تريد دفع إصلاح في السلطة الفلسطينية «لكن هذا لن ينجح إذا استمرت إسرائيل في خنقها». وأضافوا أن إدارة ترمب تريد أن تنفذ إسرائيل خطوات للجم عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، وأن تحرر مليارات الدولارات من مستحقات المقاصة التي تحتجزها، وأن «تتوصل إلى تفاهمات معينة مع الولايات المتحدة حول قضية المستوطنات».

وعلى الرغم من هذه الرسائل السلبية، ذكرت مصادر في تل أبيب أن نتنياهو ينوي إرضاء ترمب بقبول دور تركي في القوات الدولية في غزة، بشرط أن توافق أنقرة على تنسيق أمني مباشر معها.


الكنيست يوسّع صلاحيات الجيش و«الشاباك» لاختراق كاميرات مدنية

كاميرات مراقبة منزلية تعمل على بروتوكول الإنترنت (بيكساباي)
كاميرات مراقبة منزلية تعمل على بروتوكول الإنترنت (بيكساباي)
TT

الكنيست يوسّع صلاحيات الجيش و«الشاباك» لاختراق كاميرات مدنية

كاميرات مراقبة منزلية تعمل على بروتوكول الإنترنت (بيكساباي)
كاميرات مراقبة منزلية تعمل على بروتوكول الإنترنت (بيكساباي)

أقرّ الكنيست الإسرائيلي، الأربعاء، بالقراءة النهائية مشروع قانون حكومياً يتيح للجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) اختراق أنظمة كاميرات المراقبة المدنية سراً، وذلك بأغلبية 10 أصوات دون معارضة، عبر تمديد إجراء مؤقت لمدة عام إضافي، كان قد أُقرّ عقب هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وفقاً لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»

ويمنح القانون الأجهزة الأمنية صلاحيات واسعة للتدخل في البنية التقنية لكاميرات المراقبة الخاصة، دون الحاجة إلى أمر قضائي، وهو ما فجّر موجة انتقادات حادة من منظمات حقوقية وخبراء قانونيين، اعتبروا أن التشريع يشكّل انتهاكاً غير مسبوق للحق في الخصوصية ويقوّض الضمانات القانونية في دولة تُعرّف نفسها بأنها ديمقراطية.

وكان الإجراء المؤقت، في صيغته الأولى، محصوراً بحالات الطوارئ المرتبطة بالحرب على غزة، ويهدف إلى منع جهات معادية من الوصول إلى محتوى بصري قد يهدد الأمن القومي أو العمليات العسكرية. غير أن التمديد الأخير فصل هذه الصلاحيات عن حالة «العمليات العسكرية الكبرى»، ما يعني استمرار العمل بها حتى في غياب وضع حربي فعلي.

وبرّرت الحكومة هذا التمديد، في المذكرة التفسيرية لمشروع القانون، بتصاعد التهديدات السيبرانية ومحاولات اختراق أنظمة مدنية، معتبرة أن ذلك «يستدعي الإبقاء على أدوات إضافية للتعامل مع وصول عناصر معادية إلى معلومات مرئية تُنتجها كاميرات ثابتة». وجاء هذا التوجه، وفق مراقبين، على خلفية اختراق حساب رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت على تطبيق «تلغرام» من قبل قراصنة إيرانيين.

لكن توقيت التمديد، ولا سيما في ظل وقف إطلاق النار في غزة، أثار اعتراضات واسعة في الأوساط القانونية والحقوقية. وقال المحامي حاييم رافيا، أحد أبرز خبراء الخصوصية والقانون السيبراني في إسرائيل، إن «التشريع مقلق للغاية؛ لأنه يمنح الجيش، وللمرة الأولى، سلطة العمل داخل الممتلكات والمساحات المدنية».

وأضاف، في تصريحات صحافية، أن «عدم إخضاع هذه الصلاحيات لرقابة قضائية يثير تساؤلات جدية»، مشيراً إلى أن تمديد الإجراء «يفتقر إلى مبررات واضحة، ويفتح الباب أمام انتهاك خطير لخصوصية المواطنين». ولفت إلى أن القانون لا يفرض حتى إبلاغ أصحاب الكاميرات لاحقاً بتعرض أنظمتهم للاختراق.

أما جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، فقد انتقدت القانون بشدة، معتبرة أن الظروف التي برّرت الإجراء في بداية الحرب لم تعد قائمة، وأن تمديده «يفتح الباب أمام تدخل واسع في كاميرات خاصة توثّق مشاهد حساسة، والوصول إلى معلومات شخصية مخزنة على حواسيب المواطنين والمقيمين، استناداً إلى معايير فضفاضة».

وخلصت الجمعية إلى أن «فصل هذه الصلاحيات التوغلية عن حالة الأعمال القتالية يشكّل انتهاكاً غير متناسب لحقوق الإنسان، وعلى رأسها الحق في الخصوصية»، محذّرة من تحوّل الإجراء المؤقت إلى أداة دائمة خارج نطاق الرقابة والمساءلة.