الجيش الإسرائيلي استنفد العمليات الحربية في لبنان... ويسعى لتشديد إطلاق النار لإنهاء المفاوضات

تفريغ بعلبك يُستخدم للضغط على «حزب الله» حتى يكف عن اعتراضاته

عمال إنقاذ يبحثون بين الركام عن ناجين إثر غارة اسرائيلية استهدفت بلدة الصرفند جنوب لبنان (أ.ب)
عمال إنقاذ يبحثون بين الركام عن ناجين إثر غارة اسرائيلية استهدفت بلدة الصرفند جنوب لبنان (أ.ب)
TT

الجيش الإسرائيلي استنفد العمليات الحربية في لبنان... ويسعى لتشديد إطلاق النار لإنهاء المفاوضات

عمال إنقاذ يبحثون بين الركام عن ناجين إثر غارة اسرائيلية استهدفت بلدة الصرفند جنوب لبنان (أ.ب)
عمال إنقاذ يبحثون بين الركام عن ناجين إثر غارة اسرائيلية استهدفت بلدة الصرفند جنوب لبنان (أ.ب)

على الرغم من عمليات التصعيد الحربي الإسرائيلية في لبنان، التي بلغت أوجاً جديداً بتفريغ بعلبك من سكانها عن طريق التهديد بإلقاء أطنان المتفجرات، تؤكد أوساط عسكرية إسرائيلية أن الجيش وجميع أجهزة الأمن في تل أبيب تُجمع على أن «الحرب في كل الجبهات قد استنفدت نفسها ولم تعد مجدية، وأن الوقت حان لتحويل مكاسبها الكثيرة إلى إنجازات سياسية».

وقالت مصادر مقربة من الجيش إن «هذا الموقف يحظى بإجماع واسع بدرجة مفاجئة. فكل كبار القادة في الجهاز، من وزير الدفاع يوآف غالانت فما دون، تحدثوا في الأسبوع الأخير بصوت شبه موحد، مؤكدين أنه بعد سلسلة الإنجازات العسكرية والاستخبارية في الأشهر الثلاثة الأخيرة فإن الحرب في قطاع غزة وفي لبنان قريبة من الاستنفاد. فقد بقيت للجيش الإسرائيلي خطوات حيوية معدودة على الأرض. وبعد ذلك في أقرب فرصة يفضَّل السعي إلى التوصل إلى اتفاقات تُنهي القتال في الشمال وفي الجنوب وتشمل صفقة لإعادة جميع المخطوفين من أسر (حماس)».

ويقول المحرر العسكري في صحيفة «هآرتس» العبرية، عاموس هرئيل، إن هناك «شيئاً ما في موقف الجيش قد تغيَّر، وهذه المرة أخيراً نحو الأفضل». ويضيف: «سلسلة النجاحات للجيش الإسرائيلي وجهاز الاستخبارات، في لبنان وفي إيران وفي غزة، أعادت القليل من الحيوية إلى وجه هيئة الأركان، المسؤولة الرئيسية عن الإخفاقات في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، والتي من الجدير بها أن تنسب لنفسها أيضاً المس الكبير بقدرات (حزب الله) و(حماس) ونجاح الهجوم الجوي في نهاية الأسبوع الماضي في إيران. جيوش وأجهزة مخابرات صديقة غربية وفي المنطقة، التي كانت مصدومة من فشل إسرائيل قبل سنة، تغدق الثناء على الجيش الإسرائيلي، بفضل الإنجازات في هذه الأشهر. هم يتأثرون من جودة المخابرات ودقة الضربات الجوية والقدرة على العمل على مسافة بعيدة عن حدود إسرائيل، أيضاً في مناطق مأهولة ومكتظة. يصعب الحديث عن ردع إقليمي بعد كارثة كبيرة بهذا الحجم، لكن من الواضح أن وضع إسرائيل تحسَّن في الفترة الأخيرة».

مروحية قتالية إسرائيلية تحلِّق قرب منطقة حدودية مع لبنان (رويترز)

ويجد الجنرالات الإسرائيليون أنفسهم مرة أخرى في مواجهة مع موقف سلبي من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. لكنهم في هذه المرة يقولون إنه «لا يجوز ترك نتنياهو يتحكم بمصير المعركة بلا حدود. وينبغي وضع حد لضغوطه الرامية لاستمرار القتال لأغراض سياسية وذاتية». وحسب هرئيل فإنهم «في جهاز الأمن يقولون إنه إذا استمرت الحرب لفترة طويلة أخرى فسيكون من الصعب تحقيق الكثير مما تم تحقيقه في السابق، في حين أن البقاء الطويل في المناطق التي جرى احتلالها يزيد خطر التورط والكثير من الخسائر. فقوة الضربات ضد (حزب الله) و(حماس)، ومؤخراً إيران، تخلق فرصة معقولة من أجل التوصل إلى اتفاق. ولكن هذا الاتفاق سيكون مقروناً أيضاً بتقديم تنازلات غير سهلة بالنسبة إلى إسرائيل».

كان الوزير غالانت قد عبَّر عن هذا الموقف عندما صرح بأن «الاتفاق يتطلب تقديم تنازلات مؤلمة». وحسب «القناة 12» للتليفزيون الإسرائيلي، فإن تصريحات غالانت جاءت لترد على ما قاله نتنياهو، خلال اجتماع لكتلة الليكود البرلمانية، الاثنين، وفيها عاد لتكرار مواقفه التخريبية على أي اتفاق. وقالت: «أسلوب نتنياهو بات معروفاً، منذ بداية السنة الحالية. ففي كل مرة تظهر فيها ظل احتمالية لتحقيق صفقة (في هذه الحالة إرسال رؤساء الشاباك والموساد إلى مصر وقطر، واقتراح مصري ضبابي لإطلاق سراح بعض المخطوفين مقابل فترة قصيرة من وقف إطلاق النار)، يسارع إلى رفضه. وفي هذه المرة قال إنه لن يوافق على صفقة لا تسمح للجيش الإسرائيلي باستئناف القتال في القطاع. وراح يفرض شروطاً إضافية على الاتفاق الذي تجري بلورته بشأن لبنان. وفي الجيش يعتقدون أن هذا خلاف زائد: في الأصل (حماس) لن تضبط نفسها فيما بعد وهي ستخرق الاتفاق بصورة تُلزم في مرحلة معينة العودة إلى القتال».

آثار الدمار الناتج عن قصف إسرائيلي استهدف بلدة الصرفند جنوب لبنان (أ.ب)

وكشفت مصادر مقربة من الجيش عن أن هناك «عودة لاهتمام الجمهور بشكل أكبر في قضية الخسائر التي تدفعها إسرائيل في هذه الحرب. فبالإضافة إلى الخسائر الكبيرة في المعارك، والأخطار المحدقة بالرهائن الإسرائيليين لدى (حماس)، يرى الجيش أن وقف القتال بات أمراً ملحاً من الناحية الاستراتيجية».


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير موقع صواريخ استراتيجي لـ«حزب الله» قبل وقف النار

جانب من الدمار من جراء غارة إسرائيلية على معبر الدبوسية الحدودي بين سوريا ولبنان أمس (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير موقع صواريخ استراتيجي لـ«حزب الله» قبل وقف النار

قال الجيش الإسرائيلي، اليوم (الأربعاء)، إنه دمر أحد مواقع الصواريخ الاستراتيجية المهمة التابعة لـ«حزب الله» قرب الحدود مع سوريا.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي آليات للجيش اللبناني في قانا شرق مدينة صور تنتشر بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ (رويترز)

​إسرائيل تفعل إجراءات أمنية في جنوب الليطاني مع دخول «وقف النار» حيز التنفيذ

انتقل الجيش الإسرائيلي من الحرب العسكرية إلى تطبيق إجراءات أمنية في منطقة جنوب الليطاني بجنوب لبنان مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ عناصر من الجيش الإسرائيلي يقفون خارج منزل أصيب بصواريخ أطلقها «حزب الله» من لبنان على بلدة كريات شمونة الحدودية شمال إسرائيل... 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

إدارة بايدن تعتزم بيع أسلحة بقيمة 680 مليون دولار لإسرائيل

قال مسؤول مطلع، اليوم الأربعاء، إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تسعى إلى المضي قدما في صفقة لبيع أسلحة بقيمة 680 مليون دولار لإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب) play-circle 01:01

الجيش الإسرائيلي يحظر توجه السكان إلى جنوب نهر الليطاني ليلاً

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (الأربعاء)، حظر التجول على سكان جنوب لبنان المتوجهين إلى جنوب نهر الليطاني.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس (رويترز) play-circle 00:29

كاتس: إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين في غزة هو الهدف الأبرز بعد وقف النار بلبنان

قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن الهدف الأبرز لتل أبيب بعد وقف إطلاق النار في لبنان يتمثل بصفقة جديدة للإفراج عن الرهائن المحتجزين في غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

إيران تطوي حرب لبنان وتعود إلى سجال المال والنفط

المرشد الإيراني علي خامنئي خلال لقائه قادة في البحرية الإيرانية يوم 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
المرشد الإيراني علي خامنئي خلال لقائه قادة في البحرية الإيرانية يوم 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

إيران تطوي حرب لبنان وتعود إلى سجال المال والنفط

المرشد الإيراني علي خامنئي خلال لقائه قادة في البحرية الإيرانية يوم 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
المرشد الإيراني علي خامنئي خلال لقائه قادة في البحرية الإيرانية يوم 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

رغم ترحيبها الرسمي، أظهرت طهران مواقف متحفظة من وقف النار في لبنان، وحتى مع تكرار تأكيدها الرد على إسرائيل، قالت إنها ستراعي «التطورات في المنطقة».

وبالتزامن، يتصاعد نقاش في الداخل الإيراني عن تحديات اقتصادية، عبّر عنها رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، بالقول إن إيران عاجزة عن إنتاج ونقل النفط إلى السوق العالمية، بينما قال علي لاريجاني، كبير مستشاري المرشد علي خامنئي، إن مشكلات الاقتصاد الإيراني «باتت مزمنة، ولن تختفي بسهولة».

حق الرد الإيراني

قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الأربعاء، إن إيران تحتفظ بحق الرد على الضربات الجوية التي شنتها إسرائيل، الشهر الماضي، لكنها تدرس أيضاً تطورات أخرى في المنطقة، مثل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان. وأبلغ عراقجي صحافيين في لشبونة أن بلاده ترحب باتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، وتأمل في أن يؤدي إلى وقف دائم. وضربت إسرائيل أهدافاً في إيران في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، رداً على هجوم صاروخي شنته طهران على إسرائيل في الأول من الشهر نفسه.

خامنئي دعا القوات المسلحة الإيرانية إلى رفع الجاهزية (أ.ف.ب)

رفع القوة القتالية

خلال لقائه قادة في القوات البحرية التابعة للجيش الإيراني، قال المرشد علي خامنئي: «لا بد من رفع القوة القتالية لدى قواتنا المسلحة لردع الأعداء من مهاجمة البلاد».

ولم يتطرق خامنئي إلى وقف النار في لبنان خلال لقاء ضباط البحرية، لكنه شدد على التوجه العام للقوات المسلحة، خاصة البحرية، في التركيز بجميع الأنشطة والتخطيطات على تعزيز الجاهزية والقدرات القتالية»؛ لأن «المهمة الأساسية هي جعل الأعداء يدركون بوضوح أن أي مواجهة ستكلفهم ثمناً باهظاً».

وخلال جلسة اعتيادية للبرلمان، قال رئيسه محمد باقر قاليباف، إن بلاده «لم تعد قادرة على تهديد العالم بغلق سوق النفط العالمية».

ووفقاً لوكالة «إيسنا» الإيرانية، فإن قاليباف أشار إلى أن «النفط كان أداة تهديدنا للأعداء، لكن هذا الوقت مضى، فأي نفط سنغلق؟ وأي سوق نملك؟».

وقال قاليباف إن إيران «غير قادرة اليوم على تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 8 في المائة»؛ لأن «كلفة استخراج المتر المكعب من الغاز مرهقة».

وتابع قاليباف: «يقول وزير النفط إن إيران حتى إذا كانت قادرة على إنتاج النفط، فإنها تواجه مشكلة في نقله».

وبحسب رئيس البرلمان الإيراني، فإن «مشكلات طهران أعقد من الحديث عن استخدام المازوت في محطات توليد الكهرباء أو عدم استخدامه».

رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف (رويترز)

خطة التنمية

ودعا قاليباف النواب الإصلاحيين والمحافظين إلى دعم مشروع «قانون خطة التنمية السابعة». وقال في هذا السياق، إن «المنظومة التشريعية متأخرة في تنفيذ الخطط وأحكام خطة التنمية».

وكان قاليباف يتحدث على هامش جلسة البرلمان إلى الصحافيين عن تطورات مناقشة مشروع قانون الموازنة، وحل مشكلة ضريبة الدخل، وإصلاح موازنة وسائل الإعلام، وفقاً لوكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري».

وكان من اللافت أن تتطرق جلسة قاليباف الصحافية عن «العقيدة النووية للبلاد»، و«جوهر صراع إيران مع النظام الاستبدادي»، بينما أشار إلى أهمية تعزيز «مجلس البحوث»؛ لتنبيه الحكومة على مشكلات المجتمع، في حين أنها تحتاج إلى ما وصفه بـ«العقلانية الثورية».

عقوبات وأمراض الاقتصاد

يقر علي لاريجاني، كبير مستشاري المرشد الإيراني، بأن الاقتصاد الإيراني «مصاب بأمراض مزمنة»، وأن «العقوبات الغربية لا تتحمل وحدها كل هذا».

وظهر لاريجاني في مقابلة مسجلة لمدة 100 دقيقة، لوكالة «تسنيم»، مر فيها سريعاً على الوضع في لبنان وفلسطين، دون الإشارة إلى مصير «المقاومة» و«وحدة الساحات».

وقال لاريجاني إنه لم يصدق بعد «بأن حسن نصر الله (أمين حزب الله اللبناني) قد اغتيل حقاً»، وإن «وقع الخبر عليه مماثل لما حدث بعد اغتيال قاسم سليماني».

وركز لاريجاني في معظم مقابلته المطولة على بنية النظام السياسي، والجدل حول الإصلاح، واستغرق في تفسير الحريات والعدالة والليبرالية وقدرة الحركات الإسلامية على التكيف.

صورة نشرتها وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» لعلي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني

«أحوالنا لن تتغير»

لكن حالة الاقتصاد والمال في إيران أخذت حيزاً كبيراً في المقابلة. وقال لاريجاني: «إذا لم يمر الاقتصاد الإيراني بتغييرات جدية بفكر بعيد النظر، فإن أحوالنا الاقتصادية لن تتغير بسهولة».

وأضاف: «لدينا سلسلة من المشكلات المزمنة إلى حد ما، وكل حكومة قادمة ستحمل معها هذا التراكم».

وأوضح لاريجاني أن «هناك استياءً متزايداً من اختلال التوازن في الموازنة المالية». ومع ذلك، فإن «هذا الاستياء من النقص في بعض القضايا لا يحل رغم أنه غير مرتبط بالعقوبات».

وكان لافتاً أن يدفع المرشد علي خامنئي بلاريجاني، المحسوب على التيار الإصلاحي، إلى واجهة الأحداث في الشرق الأوسط الملتهب، خصوصاً حين أوفده قبل أسبوعين إلى لبنان وسوريا، حاملاً رسالة قال إنها ستغير مسار الأحداث.

وقال لاريجاني لـ«تسنيم»: «الغضب ليس له معنى في السياسة (...)، وأحياناً نتجاهل جوهر الثورة التي أحدثت تحولاً في إيران».