واشنطن قلقة: هل تهاجم إسرائيل المواقع النووية في إيران؟

جانب من تصدي «القبة الحديدية» الإسرائيلية للصواريخ الإيرانية الأسبوع الماضي (رويترز)
جانب من تصدي «القبة الحديدية» الإسرائيلية للصواريخ الإيرانية الأسبوع الماضي (رويترز)
TT

واشنطن قلقة: هل تهاجم إسرائيل المواقع النووية في إيران؟

جانب من تصدي «القبة الحديدية» الإسرائيلية للصواريخ الإيرانية الأسبوع الماضي (رويترز)
جانب من تصدي «القبة الحديدية» الإسرائيلية للصواريخ الإيرانية الأسبوع الماضي (رويترز)

قبل عامين، حلقت عشرات الطائرات الإسرائيلية المقاتلة فوق البحر الأبيض المتوسط، في محاكاة لهجوم على المنشآت النووية الإيرانية. قالت القوات الدفاعية الإسرائيلية علناً إن التدريب كان يركز على «الرحلات الطويلة، والتزود بالوقود جواً، وضرب الأهداف البعيدة». لم يكن الهدف الرئيسي للتدريب هو تخويف الإيرانيين فقط؛ بل إرسال رسالة إلى إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، مفادها بأن القوات الجوية الإسرائيلية تتدرب على تنفيذ هذه العملية بمفردها، رغم أن فرص النجاح ستكون أكبر بكثير إذا انضمت إلى الهجوم الولايات المتحدة بأسلحتها المتطورة، مثل القنابل الخارقة للتحصينات التي تزن 30 ألف رطل.

في تصريحات صحافية، اعترف مسؤولون إسرائيليون حاليون وسابقون بوجود شكوك في قدرة إسرائيل على إلحاق ضرر كبير بالمنشآت النووية الإيرانية. ومع ذلك، أثارت تحركات إسرائيل في الأيام القليلة الماضية تساؤلات داخل «وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)» عما إذا كانت إسرائيل تستعد للتحرك بمفردها، بعد أن توصلت إلى استنتاج بأنها قد لا تحصل على فرصة مشابهة مرة أخرى.

حذر بايدن الإسرائيليين من استهداف المواقع النووية أو منشآت الطاقة، مشدداً على أن أي رد يجب أن يكون «متناسباً» مع الهجوم الإيراني على إسرائيل في الأسبوع الماضي. وأوضح وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، لنظيره الإسرائيلي، يوآف غالانت، أن الولايات المتحدة تفضل تجنب تصعيد جديد مع إيران. ومن المقرر أن يلتقي غالانت وأوستن في واشنطن الأربعاء.

من المتوقع أن تركز أولى الردود الإسرائيلية على إيران، بعد الهجمات الصاروخية التي استهدفت القواعد العسكرية الإسرائيلية يوم الثلاثاء الماضي. قد تشمل الأهداف مواقع استخباراتية أو قيادية إيرانية. ولكن، على الأقل في البداية، يبدو أن إسرائيل لن تستهدف المواقع النووية الرئيسية لإيران. بعد مناقشات طويلة، قررت إسرائيل تأجيل استهداف هذه الأهداف إلى وقت لاحق؛ إذا صعّدت إيران ضرباتها.

ومع ذلك، تزداد الدعوات داخل إسرائيل، وبدعم من بعض الأوساط في الولايات المتحدة، إلى استغلال هذه الفرصة لإبطاء قدرة إيران على إنتاج قنبلة نووية لسنوات. رغم تركيز النقاش العام على مدى سرعة إيران في تخصيب اليورانيوم إلى مستوى يسمح بإنتاج قنبلة في غضون أسابيع، فإن التحدي الأكبر هو تحويل هذا الوقود إلى سلاح جاهز للاستخدام، وهو ما قد يستغرق شهوراً أو حتى أكثر من عام.

نفتالي بينيت، رئيس الوزراء السابق وأحد الشخصيات القومية المتشددة، كتب مؤخراً على وسائل التواصل الاجتماعي: «إسرائيل الآن أمام أعظم فرصة منذ 50 عاماً لتغيير وجه الشرق الأوسط». وأضاف: «علينا أن نتحرك الآن لتدمير البرنامج النووي الإيراني ومنشآت الطاقة المركزية وضرب هذا النظام الإرهابي ضربة مميتة». وتابع: «لدينا المبرر والأدوات... والآن، بعد أن شُلت أذرع إيران المتمثلة في (حزب الله) و(حماس)، أصبحت إيران مكشوفة وضعيفة».

في المقابل، بدأ المسؤولون الأميركيون؛ بداية من الرئيس بايدن، حملة دبلوماسية تهدف إلى إبعاد فكرة الهجوم العسكري عن الطاولة، مؤكدين أن مثل هذا التحرك قد لا يكون فعالاً، بل وقد يؤدي إلى اندلاع حرب شاملة في المنطقة.

أصبح النقاش حول كيفية التعامل مع إيران قضية سياسية. الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، جادل بأن على إسرائيل «ضرب المنشآت النووية أولاً؛ ثم القلق بشأن البقية لاحقاً»، رغم أنه تراجع عن هذا النهج خلال رئاسته. ويوم الأحد الماضي، انتقد النائب مايكل ر. تيرنر، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، الرئيس بايدن خلال مقابلة مع برنامج «وجه الأمة» على شبكة «سي بي إس»، واصفاً تصريحات بايدن بأنها «غير مسؤولة تماماً» بعدما صرح سابقاً بأن الخيار العسكري ما زال مطروحاً.

أثارت المناقشات حول الضربة الإسرائيلية المحتملة تساؤلات جديدة حول ما إذا كانت ستؤدي إلى تأخير القدرات النووية الإيرانية فعلياً، أم إنها ستدفع إيران ببساطة إلى نقل برنامجها النووي إلى مواقع أعمق وأشدّ تحصيناً. كما أثيرت مخاوف من أن الهجوم قد يحث قادة إيران على اتخاذ قرار بالسعي الفعلي نحو إنتاج قنبلة نووية، وهو الخط الذي تجنبت إيران تجاوزه على مدى ربع قرن.

هدف قديم وآخر جديد

على مدار 22 عاماً، كانت منشأة «نطنز» لتخصيب اليورانيوم محور تركيز كل من إسرائيل وواشنطن فيما يخص البرنامج النووي الإيراني. تقع هذه المنشأة على عمق 3 طوابق تحت الأرض في الصحراء، وتضم قاعة طرد مركزي ضخمة؛ حيث تدور آلاف الأجهزة الفضية بسرعات هائلة لتخصيب اليورانيوم إلى مستوى قريب من مستوى إنتاج القنابل. وبينما تنفي إيران رسمياً سعيها إلى امتلاك سلاح نووي، فإن بعض المسؤولين والمعلقين الإيرانيين ناقشوا مؤخراً إمكانية إلغاء الفتوى التي أصدرها المرشد الأعلى علي خامنئي عام 2003، والتي تحظر امتلاك الأسلحة النووية.

في الوقت ذاته، رفعت إيران من إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة، وهي نسبة قريبة من مستوى تخصيب القنابل النووية. ويعتقد الخبراء أن إيران تملك الآن ما يكفي من هذا الوقود لصنع 3 أو 4 قنابل، وأن الوصول إلى مستوى تخصيب بنسبة 90 في المائة؛ وهو المطلوب لصنع قنبلة نووية، سيستغرق أياماً فقط.

ورغم أن منشأة «نطنز» قد تكون هدفاً أسهل نسبياً، فإن مهاجمتها ستُعدّ عملاً حربياً. لذا؛ على مدار الـ15 عاماً الماضية، دعت الولايات المتحدة إلى استخدام وسائل أخرى لتعطيل البرنامج النووي الإيراني، مثل الدبلوماسية، والتخريب، وفرض العقوبات، بدلاً من اللجوء إلى القصف العسكري. كما عملت بنشاط على منع إسرائيل من الحصول على الأسلحة التي تحتاج إليها لتدمير منشأة الطرد المركزي الأخرى؛ «فوردو»، التي بُنيت تحت الجبال.

في عام 2008، رفض الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الابن، طلبات إسرائيل للحصول على القنابل الخارقة للتحصينات التي تملكها الولايات المتحدة وطائرات «بي2» اللازمة لتوصيلها. كانت هذه الأسلحة ضرورية لأي محاولة لتدمير المنشآت الإيرانية المدفونة في الجبال والمحصنة بشكل كبير.

أثار قرار بوش نقاشاً حاداً داخل البيت الأبيض، حيث أيد نائب الرئيس حينها، ديك تشيني، فكرة الضربة العسكرية، لكن بوش أصر على أن الولايات المتحدة لا يمكنها المخاطرة بخوض حرب أخرى في الشرق الأوسط. إيهود باراك، الذي شغل أعلى المناصب العسكرية في إسرائيل وكان رئيساً للوزراء أيضاً، قال في مقابلة مع «نيويورك تايمز» عام 2019، إن تحذيرات بوش «لم يكن لها تأثير كبير» على إسرائيل. وبحلول نهاية 2008، لم تكن إسرائيل تمتلك خطة عملية لضرب إيران.

إلا إن الخطط تطورت لاحقاً. وأسهمت المناقشات حول استخدام القنابل الخارقة للتحصينات في ولادة عملية سرية ضخمة عُرفت باسم «الألعاب الأولمبية»، وهي «برنامج سري إسرائيلي - أميركي» لتدمير أجهزة الطرد المركزي الإيرانية باستخدام سلاح سيبراني. وقد دُمّر أكثر من ألف جهاز طرد مركزي بفيروس «ستوكسنت»؛ مما أدى إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني لمدة عام أو أكثر.

ومع ذلك، لم تكن عملية «الألعاب الأولمبية» حلاً دائماً، حيث أعادت إيران بناء منشآتها، وأضافت آلاف أجهزة الطرد المركزي الجديدة. كما نقلت جزءاً أكبر من برنامجها إلى أعماق الأرض. وقد كشف تسريب الفيروس عن وجود تهديدات إلكترونية أخرى، دفعت بدول أخرى إلى تطوير هجماتها الخاصة على البنية التحتية؛ بما فيها شبكات الكهرباء وأنظمة المياه.

وفي السنوات الأخيرة، واصلت إسرائيل استهداف العلماء الإيرانيين، وضرب منشآت التخصيب فوق الأرض، واستخدام الطائرات المسيّرة لضرب مراكز تصنيع أجهزة الطرد المركزي. كما استثمرت موارد هائلة في التحضير لضربة محتملة ضد المنشآت النووية.

لكن الجهود الإسرائيلية خفتت مع توقيع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، الاتفاق النووي مع إيران، الذي أدى إلى نقل معظم الوقود النووي الإيراني إلى خارج البلاد. وعندما انسحب الرئيس ترمب لاحقاً من الاتفاق، كان هو ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يعتقدان أن إيران ستتراجع عن برنامجها النووي تحت ضغط العقوبات الأميركية والتهديدات العسكرية. إلا إن إيران استمرت في تطوير قدراتها، مما دفع بإسرائيل إلى التركيز أكثر على تهديدات أخرى مثل «حزب الله» و«شبكة الأنفاق» التي خزنت فيها صواريخ إيرانية الصنع.

عندما أصبح نفتالي بينيت رئيساً للوزراء في 2021، فوجئ من ضعف استعداد إسرائيل لضرب إيران، وأمر بإجراء تدريبات جديدة لمحاكاة الضربات بعيدة المدى ضد إيران، وضخ موارد إضافية للتحضير لتلك العمليات. ورغم ذلك، فإن قدرات إسرائيل لا تزال محدودة، حيث تعتمد على أسطول قديم من طائرات التزود بالوقود، وسيستغرق الأمر سنوات قبل أن تصل الطائرات الجديدة؛ القادرة على تنفيذ الضربات، إلى مسافات طويلة.

وبينما حققت القنابل الخارقة للتحصينات نجاحات ضد الأنفاق التي يخزن فيها «حزب الله» صواريخه، ومع قتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في إحدى العمليات، تعتقد إسرائيل أنها تستطيع تدمير الدفاعات الجوية حول بعض المواقع النووية الإيرانية. ومع ذلك، فإنها لا تستطيع الوصول إلى المنشآت المحصنة بشدة والمدفونة في الجبال.

قال الجنرال فرنك ماكينزي، الذي كان مسؤولاً عن خطط الحرب ضد إيران خلال توليه «القيادة المركزية الأميركية»، إن «الهدف النووي هدف صعب للغاية». وأضاف أن هناك بدائل أخرى قد تكون أسهل تنفيذاً؛ بما فيها استهداف البنية التحتية للطاقة.

تحركات إيران المقبلة

سواء أَشَنَّت إسرائيل هجوماً على المنشآت النووية الإيرانية أم لم تفعل، فهناك أسباب جديدة تثير القلق بشأن مستقبل إيران النووي.

السبب الأول جاء على لسان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي أكد مراراً في الأسابيع الأخيرة، استناداً إلى معلومات استخباراتية لم تفصح عنها الولايات المتحدة، أن روسيا تقدم لإيران دعماً تقنياً في مجال التكنولوجيا النووية. ويصف المسؤولون هذه المساعدة بأنها «مساعدة فنية»، مؤكدين عدم وجود دليل على أن روسيا تزود إيران بالمعدات اللازمة لصنع رأس حربي نووي.

حتى اندلاع الحرب في أوكرانيا، كانت روسيا تتعاون مع الولايات المتحدة وأوروبا في الحد من تقدم البرنامج النووي الإيراني، بل وشاركت في مفاوضات الاتفاق النووي عام 2015 إلى جانب القوى الغربية. لكن إذا كانت التقارير الأميركية صحيحة، فإن حاجة روسيا إلى الطائرات المسيّرة الإيرانية والأسلحة الأخرى قد تدفع بها إلى تسريع تقدم إيران نحو امتلاك سلاح نووي.

السبب الثاني للقلق يتمثل في الأضرار التي لحقت بـ«حزب الله» في الأسابيع الأخيرة؛ بما في ذلك إطاحة قيادته، مما قد يجعل إيران تشعر بالضعف. فمع تراجع قدرة هذه الجماعة الإرهابية على تهديد إسرائيل، قد تصبح إيران أشدّ حرصاً على الحصول على سلاح نووي برؤيتها له وسيلةً وحيدةً لردع إسرائيل.

أما السبب الثالث، فهو أن البرنامج النووي الإيراني سيصبح أكثر صعوبة في استهدافه. فمنذ سنوات عدة، وتحت مراقبة الأقمار الاصطناعية الأميركية والإسرائيلية، بدأت إيران حفر شبكة أنفاق ضخمة جنوب «نطنز»، يُعتقد أنها ستكون مركز تخصيب جديداً وأكبر منشأة نووية في إيران. وعلى الرغم من أن هذا المركز لم يُشغّل بعد، فإن إسرائيل في الماضي؛ سواء أكان في العراق عام 1981 أم سوريا عام 2007، كانت تختار مهاجمة المنشآت النووية في مراحل البناء قبل تشغيلها، وقد تختار النهج نفسه الآن.

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

«دمار هائل» جراء سلسلة غارات إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت

المشرق العربي الدخان يتصاعد من الضاحية الجنوبية لبيروت عقب غارة إسرائيلية في 8 أكتوبر 2024 (رويترز)

«دمار هائل» جراء سلسلة غارات إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت

أفاد الإعلام الرسمي اللبناني، الثلاثاء، بتعرض الضاحية الجنوبية لبيروت، المعقل الأساسي لـ«حزب الله»، لسلسلة غارات إسرائيلية أدت إلى «دمار هائل».

العالم العربي «حزب الله» يهدد باستهداف أكبر لحيفا في شمال إسرائيل ومدن أخرى (أ.ف.ب)

«حزب الله» يهدد باستهداف أكبر لحيفا إذا واصلت إسرائيل قصف لبنان

هدّد «حزب الله»، اليوم (الثلاثاء)، باستهداف أكبر لحيفا في شمال إسرائيل ومدن أخرى، إذا واصلت الدولة العبرية حملتها المكثفة لقصف لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي علَم «حزب الله» بالقرب من موقع متضرّر في أعقاب الضربات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت 8 أكتوبر 2024 (رويترز)

واشنطن: دعوة «حزب الله» لوقف إطلاق النار تُظهر أنه في موقف دفاعي

قالت وزارة الخارجية الأميركية: «إن دعوة (حزب الله) لوقف إطلاق النار، الثلاثاء، تُظهر أن الجماعة المسلحة أصبحت في موقف دفاعي».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي أعمدة الدخان تتصاعد من الضاحية الجنوبية في بيروت جراء القصف الإسرائيلي (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يصدر إنذاراً جديداً بإخلاء مبانٍ محددة في الضاحية الجنوبية لبيروت

قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي على منصة «إكس»، الثلاثاء، إن الجيش أصدر إنذاراً جديداً بالإخلاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي تعترض فوق الجليل صواريخ أُطلقت من جنوب لبنان (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يعترض صاروخين اجتازا قطاع غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، أنه رصد واعترض صاروخين اجتازا قطاع غزة، بُعيد إعلان الجناح المسلح لـ«حركة الجهاد» أنه أطلق صواريخ صوب سديروت جنوب إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب - غزة)

هل تنفذ إسرائيل ضربة مفاجئة لإيران بعد «نجاحها» مع «حزب الله»؟

مقاتلة إسرائيلية من طراز «إف 35» تحلّق جنوب إسرائيل (أرشيفية - رويترز)
مقاتلة إسرائيلية من طراز «إف 35» تحلّق جنوب إسرائيل (أرشيفية - رويترز)
TT

هل تنفذ إسرائيل ضربة مفاجئة لإيران بعد «نجاحها» مع «حزب الله»؟

مقاتلة إسرائيلية من طراز «إف 35» تحلّق جنوب إسرائيل (أرشيفية - رويترز)
مقاتلة إسرائيلية من طراز «إف 35» تحلّق جنوب إسرائيل (أرشيفية - رويترز)

في ظل الأجواء المشحونة في منطقة الشرق الأوسط، وترقب الضربة الإسرائيلية المتوقعة على إيران، يسعى المسؤولون والخبراء لتحديد «بنك الأهداف» المحتملة التي قد تستهدفها إسرائيل، والتداعيات المحتملة لهذه الضربة على توسيع رقعة الصراع في المنطقة. وقد ساهم في تزايد احتمالية حدوث الضربة، تراجع الولايات المتحدة والغرب، للمرة الأولى منذ بدء الحرب في غزة العام الماضي، عن الدعوة إلى «ضبط النفس» عقب الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل.

بدلاً من ذلك، تركزت التصريحات، وخاصة الأميركية، على «حق» إسرائيل في الدفاع عن نفسها، مع التأكيد على «أهداف» لا تؤدي إلى «توسيع الصراع». ويبدو أن هذه النقاط ستكون محور المناقشات التي سيجريها وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، مع نظيره الأميركي، لويد أوستن، ومستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، يوم الأربعاء في واشنطن، وهو ما عُد سبباً مباشراً لتأجيل الضربة، بعد أن كانت التوقعات تشير إلى أنها قد تحدث في الساعات أو الأيام الماضية.

ردّ لا يوسع الصراع

أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، يوم الاثنين، أن الولايات المتحدة تعمل مع إسرائيل على تجنب أي ردود تفضي إلى توسيع نطاق الحرب. وأكد المتحدث باسم الوزارة، بات رايدر، في إحاطة صحافية، أن «جهودنا حثيثة لتجنب صراع إقليمي أوسع». وأوضح أنه بينما تعترف واشنطن بحق إسرائيل في الرد على الهجوم الإيراني، فإن الهدف هو «خفض التصعيد الإقليمي»، مضيفاً: «لا نريد أن نرى خطوات تؤدي إلى التصعيد أو سوء التقدير».

من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، في إحاطة صحافية، إن واشنطن تجري محادثات مع إسرائيل بشأن ردّها على إيران. وأشار إلى أنه «من حق إسرائيل الرد» بعد الهجوم الذي شنّه الإيرانيون بإطلاق 200 صاروخ باليستي على أراضيها. وأوضح أنه لن يدخل في تفاصيل تلك المحادثات، ولكنه أكد أن المحادثات مستمرة.

وكان الوزير الأميركي، لويد أوستن، قد أكد خلال اتصال مع وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، التزام واشنطن بردع إيران ووكلائها في المنطقة، بالإضافة إلى دعم «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها». وشدّد على أن الولايات المتحدة تمتلك قدرات كبيرة في المنطقة لحماية جنودها وموظفيها وتقديم مزيد من الدعم لمنع التصعيد.

مدير وكالة الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز خلال مشاركته في جلسة استماع بالكونغرس في مارس 2024 (أ.ف.ب)

خطر سوء التقدير

انضم مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) ويليام بيرنز، أمس (الاثنين)، إلى التحذيرات بشأن احتمال انتشار الصراعات المتزايدة في الشرق الأوسط. وخلال جلسة أسئلة وأجوبة في مؤتمر التهديدات السنوي الذي عقدته شركة «سايفر بريف» في سي آيلاند بولاية جورجيا، قال بيرنز: «نواجه خطراً حقيقياً يتمثل في تصعيد الصراع الإقليمي».

وأشار إلى أن إسرائيل «تزن بعناية شديدة» كيفية ردّها على الهجوم الصاروخي الباليستي الإيراني الأسبوع الماضي، محذراً من أن «سوء التقدير قد يؤدي إلى دوامة تصعيد غير مقصودة». وأكد أن الهجوم كشف عن بعض القيود في القدرات العسكرية لطهران، لكنه أضاف أن «هذه القدرات لا تزال قوية، وينبغي على كل من إسرائيل والولايات المتحدة أن تأخذ ذلك على محمل الجد».

وذكر بيرنز، الذي لعب دوراً رئيسياً في التفاوض على الاتفاق النووي عام 2015، أنه لم يرَ أي مؤشرات على أن المرشد الإيراني، علي خامنئي، قد تراجع عن القرار الذي اتخذه في نهاية عام 2003 بتعليق برنامج التسلح، أو أنه قرر تسريع جهود بلاده لإنتاج سلاح نووي. ومع ذلك، أقرّ بأن إيران كانت «أقرب بكثير» لصنع قنبلة نووية خلال «أسبوع أو أكثر قليلاً».

«مفاجآت» إسرائيلية لإيران

يرى البعض أن «المفاجآت» التي حقّقتها إسرائيل من خلال توجيه ضربة قاصمة لـ«حزب الله» اللبناني خلال الأسابيع الماضية، على عكس التوقعات التي كانت تشير إلى صعوبة المواجهة معه، أدّت في نهاية المطاف إلى تغيير نظرة واشنطن تجاه مستقبل الصراع، ليس مع أذرع إيران فقط، بل مع إيران نفسها.

فقد أظهر الانكشاف الأمني الذي تعرض له «حزب الله» أهمية «إقناع» إدارة الرئيس جو بايدن بمواصلة جهود إسرائيل لتفكيكه. وقد يكون هذا الانكشاف مشابهاً لما قد يحدث لإيران، ما قد يتيح لإسرائيل تحقيق «مفاجآت» جديدة تقنع بايدن بدعم جهودها لتغيير «المعادلات الإقليمية».

وقد اعترف مسؤولون أميركيون بارزون بأن الولايات المتحدة «لديها نفوذ محدود» على ما قد تقرر إسرائيل القيام به ضد إيران. وفي تصريحات لمحطة «سي إن إن»، قال أحد المسؤولين إن الولايات المتحدة تحثّ إسرائيل على عدم التصعيد بشكل مفرط عبر توجيه ضربة انتقامية، محذراً من أن ما تعدّه إسرائيل هجوماً متناسباً قد لا يتماشى مع ما قد يعدّه الآخرون، بما في ذلك الولايات المتحدة، رداً مدروساً.

وعلى الرغم من أن الرئيس بايدن صرح الأسبوع الماضي أنه لن يدعم ضرب إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة قد نجحت في إقناع إسرائيل بسحب هذا الخيار من على الطاولة. ومع ذلك، أكد وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت للمحطة، يوم الأحد، أن «كل شيء مطروح على الطاولة»، مشيراً إلى أن إسرائيل تنسق بشكل وثيق مع الولايات المتحدة، لكنها لم تتخذ قرارها النهائي بشأن كيفية الرد بعد.

رسالة إسرائيلية مزدوجة

تشير صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن التدريبات الجوية التي أجرتها إسرائيل كانت تهدف إلى أكثر من مجرد تخويف الإيرانيين؛ بل كانت أيضاً رسالة إلى إدارة بايدن، مفادها أن إسرائيل تتدرب على تنفيذ العملية بشكل مستقل، رغم أن فرص النجاح ستكون أكبر بكثير في حال انضمت الولايات المتحدة إلى الهجوم مع قنابلها «الخارقة للمخابئ».

وقد تساءل مسؤولون في البنتاغون بهدوء عما إذا كانت إسرائيل تستعد للتحرك بمفردها، بعد أن توصلوا إلى أنهم قد لا يحصلون على فرصة مماثلة مرة أخرى. وفي تغريدة على منصة «إكس»، أكد نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، أن «إسرائيل تواجه أعظم فرصة لها منذ 50 عاماً لتغيير وجه الشرق الأوسط»، داعياً إلى التحرك الفوري لتدمير البرنامج النووي الإيراني.

ومع ذلك، يعتقد المسؤولون الأميركيون أن الهجمات الإسرائيلية الأولية ستتركز على القواعد العسكرية وبعض المواقع الاستخباراتية أو القيادية، بينما قد تُحجز الأهداف النووية الأكثر أهمية لمرحلة لاحقة، في حال قرّر الإيرانيون الردّ على الهجمات. وفي هذا السياق، قال الجنرال فرانك ماكنزي، القائد السابق للقيادة المركزية، إن «الهدف النووي صعب للغاية»، مضيفاً أن هناك بدائل أكثر سهولة، مثل استهداف البنية التحتية للطاقة.

ضرب إيران: قضية انتخابية

رغم ذلك، تزداد الدعوات داخل إسرائيل، التي ترددها أيضاً بعض الأوساط في الولايات المتحدة، لاغتنام الفرصة لتعطيل القدرة الإيرانية على مدى سنوات، حيث قال بيرنز والخبراء بشكل متزايد إن إيران تقترب من إنتاج القنبلة النووية. وقد أصبحت مسألة كيفية ضرب إيران قضية انتخابية، حيث صرح الرئيس السابق دونالد ترمب بأن على إسرائيل «أن تضرب السلاح النووي أولاً، ثم تقلق بشأن الباقي لاحقاً».

في حين أن النقاش العام يركز على إمكانية إيران زيادة تخصيب اليورانيوم لإنتاج قنبلة نووية في غضون أسابيع، فإن الحقيقة الأكثر أهمية هي أن المهندسين الإيرانيين سيحتاجون إلى أشهر، وربما أكثر من عام، لإتمام ذلك.

قاذفة أميركية تقود سرباً من المقاتلات خلال تدريبات مشتركة فوق إسرائيل في يناير 2023 (أ.ب)

عوامل قلق ترجح الضربة

تشير «نيويورك تايمز» إلى أن هناك أسباباً جديدة للقلق بشأن مستقبل إيران النووي، سواء أقامت إسرائيل بضرب المنشآت النووية أم لا. أول هذه الأسباب ما أشار إليه وزير الخارجية أنتوني بلينكن في الأسابيع الأخيرة، حيث أكد، استناداً إلى معلومات استخباراتية ترفض الولايات المتحدة الإفصاح عنها، أن روسيا تتقاسم التكنولوجيا النووية مع إيران. فبعدما كانت روسيا شريكاً في وضع قيود على البرنامج النووي الإيراني، يمكن أن تسرع حاجتها لطائرات مسيرة إيرانية وأسلحة أخرى من تقدم إيران نحو بناء قنبلة نووية.

المصدر الثاني للقلق هو الأضرار التي لحقت بـ«حزب الله» في الأسابيع الماضية، بما في ذلك الإطاحة بقيادته، ما قد يجعل إيران تشعر بالضعف. فهي لم تعد قادرة على الاعتماد على قدرة الحزب على ضرب إسرائيل، ما قد يدفعها للبحث عن سلاح نووي كوسيلة رئيسية لردع إسرائيل.

وأخيراً، القلق الثالث هو أن البرنامج النووي الإيراني سيصبح أكثر صعوبة في الاستهداف، مع قيام إيران بحفر شبكة أنفاق واسعة جنوب منشأة نطنز، لإنشاء ما تعتقد الولايات المتحدة أنه أكبر مركز لتخصيب اليورانيوم في إيران.