في الوقت الذي تصر فيه الإدارة الأميركية على بث روح التفاؤل حول إمكانية نجاح المفاوضات بنسبة 90 في المائة، وتشكك فيه بقية الأطراف بهذه التقديرات، ويعلن فيه الجيش الإسرائيلي عن تمكنه من تصفية القدرات العسكرية لحركة «حماس»؛ خرجت أصوات من اليمين واليسار في تل أبيب تتهم القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين بالغش وبأنهم لا يقولون الحقيقة للجمهور.
وقال وزير الداخلية الأسبق، حايم رامون، إن جميع القادة الإسرائيليين يكذبون على المواطنين، مضيفاً: «رئيس الحكومة (بنيامين نتنياهو) الذي ادعى أننا قاب قوسين أو أدنى من الانتصار، يكذب فنحن نبتعد عن الانتصار ونقترب من الهزيمة. ولكنه ليس الوحيد. كل القيادات السياسية والعسكرية، ومنذ سنين طويلة، يكذبون. نتنياهو يقول إنه يسعى لصفقة تنهي حكم (حماس) والجيش يقول إنه يدير حرباً تفضي إلى الهدف نفسه، وبيني غانتس يقول إننا نستطيع أن ننسحب من (فيلادلفيا)، وأن نعود لاحتلاله متى نشاء وكلهم يكذبون». ويؤكد أن الجميع لا يعملون لأجل صفقة.
ونشرت صحيفة اليمين الإسرائيلي، «يسرائيل هيوم»، تقريراً نقلت فيه تصريحات مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى، كشفت فيه تفاصيل جديدة عن الصفقة بينت فيها أن ما يقال مجافٍ للحقيقة. وقالت: «كُشِفَ أمس في إحاطة لمراسلي البيت الأبيض النقاب عن تفاصيل الصفقة المتبلورة بين إسرائيل و(حماس)، التي يؤتى بها هنا لأول مرة. فموظف كبير في إدارة الرئيس جو بايدن يقول إن 90 في المائة من الاتفاق بات جاهزاً، وأن 14 من أصل 18 بنداً مشابهة لمقترح (حماس) في 2 يوليو (تموز)، يتضمن الاتفاق ثلاثة عناصر أساسية: زيادة المساعدات الإنسانية لغزة، تحرير سجناء فلسطينيين مقابل مخطوفين إسرائيليين، ووقف نار في ثلاث مراحل. في القسم الإنساني من الصفقة يرتفع عدد شاحنات المساعدات اليومية من 200 إلى 600، إضافة إلى 50 شاحنة وقود. معنى الأمر هو أنه في أثناء 42 يوماً الأولى من الصفقة يدخل نحو 25 ألف شاحنة مساعدات إلى غزة. كما تشمل الصفقة إدخال المعدات لإخلاء الأنقاض، ومساعدات للعيادات، وترميم مخابز وبنى تحتية وإقامة 60 ألف منزل مؤقت، و200 ألف خيمة في أرجاء القطاع».
وقالت القناة «14» التلفزيونية، التابعة أيضاً لليمين، إن «نتنياهو يدير معركة يحاول فيها إقناعنا بأن وجود إسرائيل مرهون بمحور فيلادلفيا، لكنه في الحقيقة أبلغ واشنطن بأنه مستعد للانسحاب منه، شرط أن تتولى مراقبته جهة أجنبية موثوقة. ولم يسم هذه الجهة».
وقال الكاتب الصحافي، ران أدليست، إن الطريقة التي تدير فيها الحكومة هذه المعركة وتمارس فيها القيادة العسكرية عمليات تنهك قطاع غزة، تتدهور من مستوى العالم الأول والثاني لتصبح دولة عالم ثالث بكل معنى الكلمة.
وقالت الكاتبة الصحافية، عديت رزطال، إن «هذه الأساليب تدل على أن الفاشية الجديدة في إسرائيل تطل برأسها وتجد في الحكومة ورئيسها الدعم والتأييد. المخطوفون وعائلاتهم هم ضحاياها الأوائل»، وأضافت: «في نهاية الشهر الـ11 للحرب الطويلة في غزة، الدموية وعديمة الهدف، لم يعد ممكناً تبرير ضحاياها والتدمير الذي تسببه بأي شكل من الأشكال، أخلاقياً أو عقلانياً. خلافاً لإرادة الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين (70 في المائة حسب جميع الاستطلاعات خلال أشهر)، الذين يؤيدون إعادة المخطوفين على الفور وبأي ثمن، تقف السلطة واليمين المتطرف المسيحاني في إحباطهما الدائم لجهود المستوى الأمني من أجل إنقاذ المخطوفين. هذا هو سلوك ديكتاتوري غير دستوري يتسم بالأكاذيب الخطيرة على الناس وينذر بالتدهور ليس نحو الدكتاتورية بل الفاشية. فما نراه هنا هو تدمير جزئي لسلطة القانون والديمقراطية، أو يمكن تسميته نصف فاشية أو ثلثي فاشية. أجل، فالحرب الحالية في غزة ليست فقط الحرب الأطول والأكثر تدميراً التي عرفتها إسرائيل، بل هي أيضاً الحرب الأكثر فاشية. حملة التدمير التي تنفذها إسرائيل ضد الغزيين وضد نفسها تستهدف ليس فقط تصفية (حماس) بضربة واحدة وإلى الأبد، بل بالأساس إعادة لإسرائيل ما يعد كرامتها الوطنية، ومحو كارثة 7 أكتوبر (تشرين الأول). ويفعلون ذلك بواسطة مفاهيم متخلفة نابعة من عبادة البطولة والرضوخ لحاكم فرد، مجرم ومصاب بجنون العظمة وفاقد للإنسانية، يحاول السيطرة على رواية الحرب».