توقع خبراء ومحللون أتراك أن تسهم زيارة الرئيس، رجب طيب إردوغان، إلى مصر في نقلة كبيرة للعلاقات بين أنقرة والقاهرة كما ستؤدي إلى كسر عزلة تركيا في شرق البحر المتوسط.
وعد الخبراء والمحللون في تعليقات لـ«الشرق الأوسط» الزيارة، التي وصفت بـ«التاريخية» من جانب وسائل إعلام في تركيا، أنها ترسخ حقبة جديدة في العلاقات، لكونها تأتي بعد 11 عاماً مما يشبه «الانقطاع» في العلاقات، بسبب الموقف التركي من سقوط حكم «الإخوان المسلمين» في مصر.
ولفت الكاتب والمحلل السياسي، عمر أونهون، إلى «تكلفة السنوات الضائعة» في علاقات تركيا، ليس بمصر وحدها بل بالعديد من الدول، مشيراً إلى أن تركيا مرت في السنوات الست الأخيرة بأزمات في علاقاتها بالولايات المتحدة ودول مجاورة، وكان ذلك مصحوباً بتطبيق النظام الرئاسي عام 2018، لكن بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو (أيار) 2023، تم تعليق فهم الدبلوماسية، التي تقوم على القيام من على الطاولة بغضب من أجل تحريك الاقتصاد، وهو ما اقتضى مراجعات سياسية قادت إلى تطبيع تركيا علاقاتها بالعديد من الدول، مثل السعودية والإمارات، وأخيرا مصر، التي جاءت زيارة إردوغان لها بعد أقل من شهرين من زيارته لليونان، التي شهدت العلاقات بها أيضاً توتراً شديداً في السنوات الماضية.
ورأى الكاتب، جلال كازداغلي، أن زيارة إردوغان للقاهرة تعني الوصول إلى نقطة الذروة لعملية تطبيع العلاقات، التي بدأت منذ عام 2021، وأن الزيارة تشكل نقطة تحول لكلا البلدين، لافتاً إلى أنهما دولتان مؤثرتان، والتنسيق بينهما يمكن أن يغير أموراً كثيرة.
ولفت إلى أن البلدين يتجهان لاستبدال التشاور والتنسيق في الملف الليبي بالتوتر، وقد تشهد الأيام المقبلة تعاوناً بينهما في هذا الصدد. وأوضح أن التقارب بشأن القضية الليبية يعني أيضاً التقارب في سياسات البلدين في شرق البحر المتوسط، وإنهاء عزلة تركيا هناك حتى لو اضطرت للتخلي عن عقيدة «الوطن الأزرق» والسيادة على مناطقها في البحار المطلة عليها.
وسعت تركيا إلى تهدئة التوتر مع اليونان، واستؤنفت اجتماعات المجلس الاستراتيجي بين البلدين في أواخر ديسمبر (كانون الأول)، وبتطبيع العلاقات مع مصر ستنهي عزلتها في شرق المتوسط، ليتم استيعابها في نسق التعاون بين مصر واليونان وإسرائيل وقبرص.
أما عن الملف الإقليمي الأبرز في زيارة إردوغان، بحسب ما أعلنت أنقرة والقاهرة، وهو الوضع في غزة، فرأى كازداغلي، أن تركيا تريد تطوير التعاون مع مصر فيما يتعلق بالمساعدات لغزة، وإنشاء مستشفى ميداني متكامل في منطقة رفح الحدودية.
ولفت إلى أنه، على الرغم من عدم الكشف عن ذلك للرأي العام، فإن القضية الرئيسية التي يبدو أنها تفرض نفسها هي التعاون بين البلدين في «نظام الضامنين» الذي اقترحته تركيا ليكون تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يضمن تنفيذ حل الدولتين، في فترة ما بعد انتهاء الحرب.
وذهب المحلل السياسي محمد أرسلان إلى أن تركيا ومصر ترغبان في تقليل المشكلات، وتتخذان الخطوات اللازمة لذلك، لكن يجب عدم تصور أن ذلك سيحدث دفعة واحدة، بعد أن احترقت الجسور على مدى 11 عاماً.
وقال إن الزيارة التي جاءت نتيجة لسياسة «إعادة الحوار» التي تنتهجها تركيا مع مصر منذ عام 2021، حملت أهمية حاسمة ورمزية من حيث تولي مصر دور الوساطة الرائد في القضية الفلسطينية، والذي بدأت قطر تقدم فيه مساهمات أيضاً.
وأضاف أنه بالنسبة لتركيا، فإن الجانب الأهم في هذه الزيارة هو موقف مصر من الصراع بين إسرائيل وحماس، فمصر دولة استراتيجية تستضيف محادثات وقف إطلاق النار، ويواصل المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون و«حماس» اجتماعاتهم في القاهرة، ويهدف إردوغان إلى ضمان اتخاذ مصر موقفاً إلى جانب «حماس» والبحث عن أرضية مشتركة لبناء سياسة معاً لوقف الهجمات الإسرائيلية.
وذكر أن تنشيط العلاقات الثنائية، لا سيما الاقتصادية ومداواة جراح 11 عاماً، في ظل أن مصر هي أكبر شريك تجاري لتركيا في أفريقيا، مسألة مهمة جداً بالنسبة لتركيا، ويرغب البلدان في رفع حجم التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار بعد أن قارب الـ10 مليارات.
وأشار إلى أن البلدين يرغبان أيضاً في تطوير التعاون في مجال الصناعة الدفاعية. وتوقع أن تتم متابعة زيارة إردوغان بعناية فيما يتعلق بمستقبل العلاقات بين البلدين والسياسة الخارجية الجديدة لتركيا.