البروفيسور برتراند بادي لـ«الشرق الأوسط»: حل الدولتين صعب لكنه ليس مستحيلاً

قراءة جريئة للحرب في غزة 

رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية ومسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل يتفقدان خريطة لقطاع غزة خلال زيارة بوريل لمدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية ومسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل يتفقدان خريطة لقطاع غزة خلال زيارة بوريل لمدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
TT

البروفيسور برتراند بادي لـ«الشرق الأوسط»: حل الدولتين صعب لكنه ليس مستحيلاً

رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية ومسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل يتفقدان خريطة لقطاع غزة خلال زيارة بوريل لمدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية ومسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل يتفقدان خريطة لقطاع غزة خلال زيارة بوريل لمدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)

يعد البروفسور برتراند بادي، أستاذ العلوم السياسية في المعهد الفرنسي للعلوم السياسية في باريس أحد أبرز المتخصصين في العلاقات الدولية، وله مجموعة واسعة من المؤلفات تزيد على العشرين، تدور كلها حول تطور العلاقات الدولية والنزاعات؛ صدر أولها في عام 1976 وآخرها في 2023 تحت عنوان: «رؤية شخصية للعلاقات الدولية». وفي حديث خص به «الشرق الأوسط» تناول برتراند بادي ملف الحرب في غزة من زاوية تعاطي القوى الدولية معها خصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والعجز الفاضح الذي برز في قصور مجلس الأمن الدولي في التعاطي مع هذه الحرب.

سألنا بداية البروفسور بادي عن الخلاصات الرئيسية الثلاث التي يستقيها من أسابيع الحرب السبعة المنقضية، التي فرضت نفسها بقوة، وجوابه أن ما حصل يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) شكّل «صدمة استراتيجية وثقافية وسياسية»؛ لأنه قضى على النظرية القائلة إن «التفوق العسكري وما يشكله من عنصر رادع هو الضمانة لحماية إسرائيل وتوفير الأمن لها». وبنظره، فإن «الأحداث المأساوية وغير المقبولة التي حصلت في ذلك التاريخ قضت على مقولة الردع والتفوق العسكري، كما شكّلت صدمة للعالم، خصوصاً للدول التي كانت تعد أن الملف الفلسطيني - الإسرائيلي طوي نهائياً بالنظر لميزان القوى في المنطقة».

ويعد بادي أن العنصر الثاني الذي فرض نفسه يتمثل في أن «اللجوء إلى القوة العسكرية من أجل القضاء على تنظيم لا يرتقي إلى مصاف الدولة هو بمثابة استمرار للخطأ الأول. فهذا عدو لا تسهل هزيمته كما تهزم دولة وفق تعبير كلاوزفيتش ونظرية المعركة الحاسمة». من هنا، بروز وعي على مستوى الأسرة الدولية يتحدث عن «الطريق الاستراتيجية المغلقة»، ومن مؤشرات ذلك أن الرئيس (الأميركي جون) بايدن نفسه حذر الإسرائيليين من معاودة ارتكاب الأخطاء التي ارتكبتها واشنطن في أفغانستان والعراق. لكن تحذيره لم يؤخذ على محمل الجد.

أما العنصر الثالث فعنوانه «عجز القوى العظمى عن التحكم بمسار الأحداث» في الشرق الأوسط ورسم صورته وفق ما تريده. ومن مؤشرات هذا التحول، أن «بايدن شخصياً تعرض للإهانة خلال زيارته للشرق الأوسط»، حيث ألغى ملك الأردن والرئيس المصري اجتماعاً معه بعد قصف مستشفى القدس، أو أن الاتحاد الأوروبي غير فاعل وعاجز عن التأثير حقيقةً في مسار الأحداث.

مجلس الأمن

عند اندلاع أي أزمة تعود إلى الواجهة مسألة عجز مجلس الأمن الدولي عن توفير الأمن والسلام في العالم. وهذا العجز جاء بارزاً وجلياً في حرب غزة أمام أعين العالم أجمع ما يطرح مجدداً الحاجة لإعادة تشكيله. وفي هذا الإطار يقول بادي: «حان الوقت للنظر بإعادة تشكيل مجلس الأمن؛ إذ برز عجزه ليس فقط في التعاطي مع الملف الفلسطيني - الإسرائيلي بل في إدارة الصراعات التي تواترت عبر العالم». فالمعروف أن المجلس بتركيبته الحالية يعكس حالة العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. والعالم تغير فعلياً كما يقول برتراند بادي الذي يرى أن المجلس «علاج غير ناجع لأمراض العالم اليوم»؛ لذا تتعين «إعادة النظر في تشكيلته وطريقة عمله ومهماته بحيث يعكس صورة العالم اليوم مع نشوء قوى جديدة». ويشدد بادي على الحاجة إلى «الاستعانة بالقوى الإقليمية والمحلية»، مندداً في الوقت عينه باللجوء إلى استخدام حق النقض (الفيتو) من الدول الدائمة العضوية.

وكانت واشنطن استخدمته خمسين مرة على الأقل في الملف الفلسطيني وهناك مائة قرار لم تجد طريقها إلى التنفيذ. وعلى الرغم من وجود دعوات ومشاريع لإصلاح مجلس الأمن منذ عقود، فإنها فشلت جميعها لسبب رئيسي أن التغيير يحتاج لموافقة المجلس نفسه. فالدول الدائمة العضوية ترفض التنازل عن «حقها»، وتقطع الطريق على الدول الراغبة في الحصول على حقوق مساوية.

ويعبّر برتراند بادي عن خيبته من إضاعة فرصة سنحت في التسعينات لإحداث التغيير المطلوب عندما سادت نظرية حول «بناء عالم جديد»، ويرى أن الفشل كان مرده إحجام الرئيس الأميركي بيل كلينتون عن الدفع باتجاه التغيير من جهة وضعف نظام الرئيس الروسي (بوريس) يلتسين من جهة ثانية.

ثلاثة أسباب وراء الغياب الأوروبي

في حرب غزة، كان الغائب الأكبر هو الاتحاد الأوروبي الذي يجهد منذ سنوات للتحول من قوة اقتصادية - تجارية إلى قوة سياسية والتوصل إلى ما يسميه الرئيس الفرنسي «الاستقلالية الاستراتيجية».

يرى برتراند بادي أن أوروبا هي «القوة الوحيدة في العالم التي ترى أن قدراتها التأثيرية في العالم تتراجع»، ويرجع ذلك إلى ثلاثة أسباب رئيسية أولها الانقسامات الداخلية العميقة التي تلم بها في ما يخص السياسة الخارجية والدفاعية و«هي الأعمق في الملف الفلسطيني - الإسرائيلي». فالدول الأوروبية انقسمت إلى ثلاث مجموعات في التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر الماضي، بالتركيز على الجوانب الإنسانية للحرب في غزة، وهو قرار «الحد الأدنى» الذي يمكن تصوره. يضاف أن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي لا تتبع المفوضية بل هي من صلاحيات المجلس الأوروبي الذي يضم رؤساء دول وحكومات الأعضاء الـ27 ما يصعب التوصل إلى اتفاقات قوية، ويدفع إلى مساومات تنتهي بالتفاهمات الدنيا. ويتمثل السبب الثاني في أن أوروبا «لم ترد أبداً أن تقص الحبل السري» الذي يربطها بالولايات المتحدة بسبب تعلقها بمظلة الحماية الأميركية منذ أيام الحرب الباردة، والتي ترى فيها الضمانة الأكيدة لأمنها وحمايتها، ولأنها تعفيها من تسخير ميزانيات كبيرة لشؤونها الدفاعية. والسبب الثالث «يعود لتغير العصر»، حيث انحسر النفوذ الأوروبي من منطقة الشرق الأوسط، وتناقصت أوراق الضغط التي يملكها الأوروبيون على تلك البلدان التي باتت تنظر باتجاهات أخرى غير الاتجاه الأوروبي. من هنا، «يصعب العثور على دولة شرق أوسطية تريد أن تضع نفسها تحت المظلة الأوروبية وهو ما يعد فشلا كبيراً» للقارة القديمة.

البروفسور برتراند بادي (الشرق الأوسط)

حل الدولتين واقع أو سراب؟

يرى بادي أن المفارقة تكمن في أن الحديث عن حل الدولتين لم يكن أبدا بالقوة التي نراها منذ 7 أكتوبر. وعلى الرغم من اعترافه بصعوبة التوصل إليه نظراً للتجارب السابقة وغياب الملف الفلسطيني عن اهتمامات الأسرة الدولية والتعايش مع ملف عمره 75 عاماً، فإنه يرى أن الحل المذكور «ليس وهماً»، لكن دونه عقبات أهمها «تقنية»، وتتمثل في كيفية توفير التواصل بين غزة والضفة الغربية. وهذه عقبة «يمكن التغلب عليها» كما جرى بين برلين وألمانيا الغربية زمن الحرب الباردة. والثانية تتناول مسألة انبثاق سلطة فلسطينية تكون قادرة على تسلم مقدرات الدولة المستقبلية. فالرأي السائد أن «حماس» لن تكون جزءاً منها وأن السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس ليست مؤهلة. من هنا، يرى بادي حاجة لـ«وصاية دولية لمرحلة انتقالية» بانتظار قيام بنية الدولة القادرة على الإدارة.

بيد أن العقبة الثانية والأهم سياسية وإسرائيلية بامتياز؛ فالسؤال الذي يفرض نفسه، وفق بادي، هو قبول إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية إلى جانبها. وجوابه أن «لا أمل يمكن تعليقه على حكومة نتنياهو»، كما أنه لا أثر لحزب قوي ومنظم في إسرائيل يتبنى بوضوح حل الدولتين، ما يعني أن «هناك حاجة لتغيير الثقافة السياسية في إسرائيل حتى يصبح حل الدولتين مقبولاً».

وينفي بادي أن تعني هذه الصعوبات «الاستحالة» لأن هناك دولة واحدة هي الولايات المتحدة قادرة على إلزام إسرائيل بقبول الحل السياسي الذي «سيكون صعباً لكنه أقل تكلفة مما نراه من العنف الحالي».


مقالات ذات صلة

مصر تدين سياسة «الأرض المحروقة» في الضفة الغربية

شمال افريقيا بدر عبد العاطي خلال لقاء سيغريد كاغ في القاهرة (الخارجية المصرية)

مصر تدين سياسة «الأرض المحروقة» في الضفة الغربية

أدانت مصر «استمرار الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، التي أدت لاستشهاد وإصابة عشرات الفلسطينيين على مدار الأيام الماضية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الخليج الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء (الشرق الأوسط)

ولي العهد السعودي يؤكد للرئيس التركي الحرص على توحيد الجهود لدعم الشعب الفلسطيني

أجرى الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، اتصالاً هاتفياً، بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شؤون إقليمية صورة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال احتجاجات عائلات الرهائن في تل أبيب (رويترز)

نتنياهو يعتذر لأسرة رهينة لقي حتفه... واتحاد العمال الإسرائيلي يعلن الإضراب العام

في خطوة نادرة، قدّم رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأحد، اعتذاراً لأسرة الرهينة الراحل ألكسندر لوبانوف، لعدم إنقاذه هو و5 رهائن آخرين كانوا محتجزين في غزة أحياءً.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
أوروبا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (إ.ب.أ)

رئيس الوزراء البريطاني يعرب عن «صدمته» لمقتل الرهائن الإسرائيليين الست

أعرب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، اليوم الأحد، عن «صدمته الشديدة» إزاء مقتل ست رهائن إسرائيليين «بشكل مروِّع وغير مبرَّر» بعدما عُثر على جثثهم في غزة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية متظاهر في تل أبيب مساء السبت يرتدى قناعاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتنديد بسياسته في ملف المحتجزين لدى «حماس» (د.ب.أ)

جثث المختطفين الستة تؤجج الغضب ضد نتنياهو

في أعقاب تباهي الجيش الإسرائيلي والحكومة باسترداد «ستة جثامين» لمحتجزين لدى «حماس»، خرجت عائلات في موجة مظاهرات شوّشت الحياة الاقتصادية في شتى أنحاء البلاد.

نظير مجلي (تل أبيب)

زعيم المعارضة الإسرائيلية يدعو لإضراب عام وجلسة للكنيست لمناقشة اتفاق الرهائن

زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد 12 سبتمبر 2022 (د.ب.أ)
زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد 12 سبتمبر 2022 (د.ب.أ)
TT

زعيم المعارضة الإسرائيلية يدعو لإضراب عام وجلسة للكنيست لمناقشة اتفاق الرهائن

زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد 12 سبتمبر 2022 (د.ب.أ)
زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد 12 سبتمبر 2022 (د.ب.أ)

انضم زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد إلى المطالب بإعلان إضراب عام في إسرائيل وانعقاد جلسة خاصة للكنيست (البرلمان) لمناقشة صفقة وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الرهائن، بعد إعلان الجيش الإسرائيلي أنه استعاد جثث ستة محتجزين من غزة.

وطالب لبيد رئيس حزب «يش عتيد» (هناك مستقبل)، في بيان: «الهستدروت (نقابة العمال) وأصحاب الأعمال والسلطات المحلية بإغلاق الاقتصاد»، مؤكداً أن «البلد ينهار» و«لا يمكن أن تستمر الأمور على هذا النحو».

وتابع، وفقاً لموقع «تايمز أوف إسرائيل»: «كانوا أحياء. نتنياهو ومجلس وزراء الموت قرروا ألا ينقذوهم. ما زال هناك رهائن أحياء، يمكننا إبرام صفقة. نتنياهو لا يريد ذلك لأسباب سياسية»، ومضى يتهم رئيس الوزراء نتنياهو بأنه يعطي الأولوية للحفاظ على «الائتلاف مع وزراء اليمين المتطرف بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير على حياة أطفالنا».

ودعا لبيد للتظاهر الساعة السابعة مساءً في طريق بيغين في تل أبيب.

يأتي بيان لبيد بعد أن دعا منتدى عائلات الأسرى والمفقودين إلى إضراب عام للاحتجاج على عدم التوصل إلى صفقة لتبادل المحتجزين المتبقين في قطاع غزة، وحظيت دعوته بدعم من منتدى الأعمال الإسرائيلي، الذي يمثل معظم العاملين في القطاع الخاص من 200 من كبرى شركات البلاد.

وطالب لبيد، في رسالة إلى رئيس الكنيست عمير أوهانا، بعقد «جلسة عاجلة» للهيئة العامة في الكنيست يوم الاثنين، لعقد مناقشة حول الالتزام بالوصول إلى صفقة تبادل لإنقاذ الأسرى الذين لا يزالون أحياء، مع ضرورة مشاركة رئيس الوزراء.

وأكد لبيد أنه «كان من الممكن تجنب وفاتهم (الأسرى الستة). كان بالإمكان الوصول إلى صفقة. هناك أغلبية شعبية تدعم هذه الصفقة، وأغلبية في الكنيست كذلك».

يُذكر أن الكنيست في فترة راحة، وتتطلب عقد جلسة عامة عادية دعم 25 نائباً، بينما يتطلب توجيه نتنياهو لحضور الجلسة توقيعات 40 نائباً.