أشرف مروان... رجل الرواية الواحدة

تشكيك إسرائيلي متواصل... و«صمت» رسمي مصري ورسائل موحية

أشرف مروان... رجل الرواية الواحدة
TT

أشرف مروان... رجل الرواية الواحدة

أشرف مروان... رجل الرواية الواحدة

عندما نشر جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) الشهر الماضي، كتاباً يتطرق جزئياً لحرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، تضمن وثيقتين تتعلقان بلقاء أشرف مروان، صهر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وسكرتير سلفه الرئيس أنور السادات للمعلومات، مع رئيس الموساد، في ذلك الوقت، تسفي زامير، لإبلاغه بموعد الهجوم المصري على سيناء؛ كانت تلك هي المرة الأولى، التي تفصح فيها إسرائيل «رسمياً» عن أمر يتعلق بعلاقة مروان بأجهزتها الاستخباراتية.

وظل الحديث عن «بابل» أو «الصهر» أو «الملاك»، وهي أسماء شفرية للجاسوس الذي سرب للإسرائيليين موعد الهجوم المصري، بعيداً عن الدوائر الرسمية، وقاصراً على تسريبات صحافية أو كتب مسؤولين سابقين.

وبقي اسم ذلك الجاسوس سراً تحوم حوله التسريبات لسنوات طويلة، وظهرت تدريجياً على مدى سنوات عبر مذكرات لمسؤولين إسرائيليين؛ مثل: غولدا مائير رئيسة الوزراء في الفترة (1969: 1974)، وإيلي زعيرا (رئيس المخابرات العسكرية خلال الفترة 1972: 1974)، وموشيه ديان (وزير الدفاع 1967: 1974).

ولم يُكشف عن اسم مروان، إلا في عام 2004 على يد الباحث الإسرائيلي أهارون بيرجمان، نقلاً عن إيلي زعيرا، الذي نشر في العام نفسه كتابه «الأسطورة مقابل الحقيقة: حرب يوم كيبور الإخفاقات والدروس»، وذكر فيه أن مروان كان عميلاً، وأبلغ إسرائيل بموعد بداية حرب أكتوبر.

وبقي ذاك الكشف رواية من جانب واحد دون تأكيد رسمي، وظل الأمر جزءاً من صراع محتدم ومتواصل إلى اليوم بين الأجهزة الإسرائيلية بشأن المسؤول عن التقصير، الذي قاد إلى إخفاق إسرائيل في عام 1973.

ورغم أن وثائق كتاب «الموساد» لا تقدم جديداً عما سربته إسرائيل على مدى سنوات، لكن يقدم للمرة الأولى وثيقة يرفض فيها «الموساد» اعتبار مروان «عميلاً مزدوجاً»، كما يرفض تعامل مصر معه وكأنه «ذلك البطل القومي، الذي نجح في نقل أهم معلومة حول العدو الإسرائيلي»، وبالنسبة للموساد فإن عمل مروان كان «في خدمة إسرائيل».

صمت مصري ورسائل

في مواجهة الروايات الإسرائيلية بشأن مروان ولمن كان ولاؤه الحقيقي، التزمت مصر صمتاً رسمياً، إلا أن مصدراً مصرياً مطلعاً قال لـ«الشرق الأوسط» إن الأحاديث الإسرائيلية المتكررة بشأن مروان، «تعكس حالة التنافس بين الأجهزة الأمنية في إسرائيل»، مؤكداً أن «الكل في إسرائيل يحاول أن يبرئ نفسه عبر محاولة الظهور كبطل».

وشدد المصدر، الذي طلب عدم نشر هويته، على أنه «لا يجب أن ننشغل بمعارك تصفية الحسابات، ولا يجب أن نعتمد عليها في كتابة التاريخ العسكري والأمني».

ويبدو أن الموقف المصري المتحفظ بات بمثابة استراتيجية ثابتة التزمت بها مصر على مدى سنوات طويلة في مواجهة تسريبات إسرائيلية موسمية بشأن مروان، لكن التعامل المصري مع الرجل الذي ظل غامضاً في حياته وفي رحيله، لم يخلُ من إشارات موحية، فلم توجه له أية اتهامات مصرية، بل تمتع بحرية السفر والإقامة، وحافظ على علاقات وطيدة مع الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وكان مروان ضمن لائحة محدودة الأسماء حضروا حفل زواج نجل الرئيس المصري الأسبق، في بداية أكتوبر 2003.

ونُشرت صورة وقتها لعناق حار بين مبارك ومروان، وهو ما دفع الصحافي الإسرائيلي رونين بيرجمان لكي يكتب في صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن هذه الصورة «تثبت أن مروان كان عميلاً مزدوجاً».

فشل عسكري واستخباراتي

ويرى الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في الشؤون الإسرائيلية، أن ما يصفه بـ«إعادة تدوير الرواية الإسرائيلية» سواء بشأن حرب أكتوبر أو مروان تمثل «تجسيداً للفشل العسكري والاستخباراتي في إسرائيل». لافتاً إلى تأثير الانقسامات الداخلية الأمنية والسياسية الإسرائيلي خلال المرحلة الراهنة على إعادة طرح ما وصفه بـ«المهاترات».

وبشأن إصرار مصر على التزام الصمت إزاء الرواية الإسرائيلية بشأن أشرف مروان طيلة سنوات، قال فهمي لـ«الشرق الأوسط»، إن الكشف عن الوثائق أو طرح تسريبات «لا يمثل ثقافة مصرية»، مشدداً على أن الأجهزة المصرية «تتعامل مع مثل هذه القضايا وفق رؤيتها، ولا تنساق وراء محاولات جرها لمعارك هامشية».

ورأى اللواء نصر سالم، رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق بالجيش المصري، وأستاذ العلوم الاستراتيجية بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا، أن مروان «بطل مصري شارك في تنفيذ خطة الخداع الاستراتيجي التي استبقت بها مصر الحرب». معتبراً أيضاً أنه «شارك في إبعاد رئيس الموساد الإسرائيلي عن فريق إدارة العمليات في تل أبيب قبيل ساعات من اندلاع الحرب».

وقال سالم لـ«الشرق الأوسط» إن «إسرائيل متهمة باغتيال مروان في أعقاب تأكدها من دوره الحاسم في الحرب وخداع أجهزتها الأمنية».

 

لغز الوفاة

ورغم أن محكمة التحقيق العلنية البريطانية قضت في يوليو (تموز) 2010 بأن الوفاة «غير معروفة الأسباب»، وأن الأدلة التي قدمتها الشرطة وشهادات الشهود «لا تدعم أي فرضية بشأن وفاته»، ولم توجه التحقيقات اتهاماً لأية جهة بالوقوف وراء مقتل مروان بعد ظهر الأربعاء 27 يونيو (حزيران) 2007، عندما سقط من شرفة منزله في حي راق بالعاصمة البريطانية لندن ليفارق الحياة عن 63 عاماً؛ فإن زوجته منى جمال عبد الناصر اتهمت (الموساد) الإسرائيلي بقتله.

وضاعف مشهد جنازة مروان من الغموض بشأنه، إذ رتبتها أجهزة رسمية، وسط حضور من كبار رجال الدولة، تقدمهم جمال مبارك نجل الرئيس المصري آنذاك.

«مسألة» هيكل

لكن الجنازة لم تكن مشهد الختام في سيرة «الرجل الغامض»، ففي أعقاب الإطاحة بحكم مبارك عام 2011 نشر الصحافي المصري الراحل محمد حسنين هيكل، كتاباً من جزأين عن عصر مبارك، وحكى أنه تلقى عبر نواب عرب في «الكنيست» وثائق بتحقيقات برلمانية إسرائيلية بشأن قضية العميل «بابل»، وأنه رأى بنفسه وثائق رسمية طبق الأصل من محاضر سرية للرئاسة المصرية، وأشارت التحقيقات إلى أن ذلك العميل قدمها للموساد، وأكد هيكل صحة الأوراق المصرية بحكم قربه من الرئيس السادات في ذلك الوقت.

وحكى هيكل عن لقاء جمعه مع مروان في لندن قبل أشهر من رحيله، حيث واجهه بما يتردد عنه، فأخرج له مروان قصاصة من جريدة «الأهرام»، نشرت نص ما قاله السادات في تكريم مروان عندما ترك منصبه في رئاسة الجمهورية، وقال: «ألا تكفيك شهادة أنور السادات حين يقول إنني قدمت خدمات كبيرة لمصر؟».

وتابع مروان، وقد بدا عليه الحرج - والرواية لهيكل - «هل تتصور أن صهر جمال عبد الناصر جاسوس، وأنت كنت أقرب الأصدقاء إليه وتعرفه؟» فرد هيكل: «دعني أكون واضحاً معك، لا شهادة حسن سير وسلوك من أنور السادات، ولا صلة مصاهرة مع جمال عبد الناصر تعطيان عصمة لأحد، نحن أمام مشكلة حقيقية تقتضي وضوحاً مقنعاً حقيقياً». وفي الكتاب نفسه، يقول هيكل إن «كرامة البلد وسمعة أشرف مروان نفسه تتطلبان تحقيقاً رسمياً مصرياً في الموضوع، بواسطة هيئة رفيعة المستوى، تضم عناصر قضائية، وبرلمانية، على أن تمثل فيها المخابرات العسكرية والمخابرات العامة، وظني أنه من دون ذلك لا تستقيم الأمور».


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يُسلّم «اليونيفيل» 7 لبنانيين كان يحتجزهم

شؤون إقليمية جنود من قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

الجيش الإسرائيلي يُسلّم «اليونيفيل» 7 لبنانيين كان يحتجزهم

سلّم الجيش الإسرائيلي، اليوم (الأحد)، قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) 7 لبنانيين كان يحتجزهم.

«الشرق الأوسط» (بيروت )
المشرق العربي جريح فلسطيني يتلقى العلاج بمستشفى «كمال عدوان» في شمال قطاع غزة (رويترز)

مستشفى «كمال عدوان» بغزة: الأمر الإسرائيلي بالإخلاء «شبه مستحيل»

أمرت إسرائيل، اليوم (الأحد)، بإغلاق وإخلاء أحد آخر المستشفيات التي لا تزال تعمل جزئياً في منطقة محاصرة في شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

نتنياهو: إسرائيل ستتحرك ضد الحوثيين

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأحد، إن إسرائيل ستواصل التحرك ضد جماعة الحوثي في اليمن، متهماً إياها بتهديد الملاحة العالمية والنظام الدولي.

«الشرق الأوسط» (القدس)
أوروبا البابا فرنسيس يدين «قسوة» الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)

البابا فرنسيس يدين مجدداً «قسوة» الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة

دان البابا فرنسيس مرة أخرى، اليوم (الأحد)، «قسوة» الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان)
المشرق العربي مركبات «هامفي» تابعة للجيش الإسرائيلي تتحرك في المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الأمم المتحدة والتي تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية في مرتفعات الجولان (أ.ف.ب)

سكان قرية سورية متروكون لمصير مجهول أمام قوات إسرائيلية متوغلة

في إحدى قرى محافظة القنيطرة، جنوب سوريا، يقف سكان وجهاً لوجه مع قوات إسرائيلية استغلت التغيير السياسي والميداني المتسارع في دمشق.

«الشرق الأوسط» (القنيطرة (سوريا))

الجيش الإسرائيلي يُسلّم «اليونيفيل» 7 لبنانيين كان يحتجزهم

جنود من قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
جنود من قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

الجيش الإسرائيلي يُسلّم «اليونيفيل» 7 لبنانيين كان يحتجزهم

جنود من قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
جنود من قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

سلّم الجيش الإسرائيلي، اليوم (الأحد)، قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) 7 لبنانيين كان يحتجزهم، حسبما أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية، وذلك في ظلّ وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله».

وقالت الوكالة: «سلّم العدو الإسرائيلي المواطنين المحررين السبعة، الذين كانوا اعتقلوا من قبل العدو بعد وقف إطلاق النار، إلى قوات اليونيفيل عند معبر رأس الناقورة».

وبعد عام من القصف المتبادل، كثّفت الدولة العبرية اعتباراً من 23 سبتمبر (أيلول) غاراتها على معاقل الحزب في جنوب لبنان وشرقه وضاحية بيروت الجنوبية. وفي 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، تمّ التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الطرفين، غير أنّهما تبادلا بعد ذلك الاتهامات بانتهاكه.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بوصول «المواطنين السبعة المحرّرين الذين كانوا اعتقلوا من قبل العدو الإسرائيلي إلى مستشفى اللبناني الإيطالي، حيث نقلهم (الصليب الأحمر) اللبناني بسيارته، بمرافقة (الصليب الأحمر) الدولي وقوات اليونيفيل». وأضافت أنّه «بعد إجراء الفحوصات الطبية اللازمة، اصطحبت مخابرات الجيش المفرج عنهم إلى مقر المخابرات في صيدا لإجراء التحقيقات».

وأكد متحدث باسم «اليونيفيل» الإفراج عن 7 مدنيين عند موقع القوة التابعة للأمم المتحدة في رأس الناقورة، بالتنسيق مع «الصليب الأحمر» اللبناني واللجنة الدولية للصليب الأحمر. ولم يدلِ الجيش الإسرائيلي بأي تعليق على هذا الأمر.

وأنهى اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تمّ التوصل إليه في 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، أعمالاً عدائية استمرّت أكثر من عام، بما في ذلك حرب شاملة استمرّت شهرين بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله» اللبناني المدعوم من إيران.

وينصّ اتفاق وقف إطلاق النار، الذي حصل برعاية فرنسية أميركية، على انسحاب الجيش الإسرائيلي تدريجياً من لبنان في غضون 60 يوماً، وعلى انسحاب «حزب الله» من جنوب لبنان إلى المناطق الواقعة شمال نهر الليطاني. كما يتمّ إخلاء المناطق اللبنانية الواقعة جنوب نهر الليطاني من أسلحة «حزب الله» الثقيلة، ويتسلّم الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية مواقع الجيش الإسرائيلي و«حزب الله».

وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام، اليوم، بأنّ الجيش الإسرائيلي «قام بعمليات نسف كبيرة في بلدة كفركلا». وأشارت إلى أنّه «فجّر عدداً من المنازل في منطقة حانين في قضاء بنت جبيل»، مستنكرة «اعتداءاته المتكرّرة على القرى الجنوبية المحتلة».

من جانبه، قال الجيش الإسرائيلي، في بيان، إنّ جنوده «حددوا موقع مجمع قتالي يحتوي على 8 مرافق تخزين أسلحة، ودمّروه وفقاً لوقف إطلاق النار والتفاهمات بين إسرائيل ولبنان».