حرب أكتوبر... الإسرائيليون لمّحوا للأميركيين باللجوء للسلاح النووي لابتزازهم

الوثائق الأميركية سجلت اتصالات واجتماعات الحرب

حرب أكتوبر... الإسرائيليون لمّحوا للأميركيين باللجوء للسلاح النووي لابتزازهم
TT

حرب أكتوبر... الإسرائيليون لمّحوا للأميركيين باللجوء للسلاح النووي لابتزازهم

حرب أكتوبر... الإسرائيليون لمّحوا للأميركيين باللجوء للسلاح النووي لابتزازهم

ظلت حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 موضوعاً شهياً للاطلاع بين الباحثين العرب والأجانب، خصوصاً أنه كلما مرت عقود على شرارتها الأولى تسربت معلومات جديدة عن تفاصيلها، أو ظهرت وثائقها التي يُلزم القانون في بعض الدول بنشرها. غير أن ذلك جاء مصحوباً في بعض الأحيان بروايات متباينة، وربما صادمة بشأن مآلات الحرب.

وبشكل أو بآخر، أصبح الحدث النادر في التاريخ المعاصر محفوفاً توثيقه بكثير من اللغط والجدل إلى حد التضارب الكامل بين روايتين؛ الأولى: تؤرخ لحرب العاشر من رمضان باعتبارها نصراً عسكرياً مؤزراً للجيشين المصري والسوري المدعومين عربياً، ولتتأكد أهمية سلاح النفط الذي لم يكن أقل تأثيراً في ساحات الوغى «الدبلوماسية» من تكنولوجيا الدبابات والمقاتلات الغربية التي تتمتع بها إسرائيل في جبهات القتال.

على الجانب الآخر، رواية إسرائيلية تثني على ردة فعل تل أبيب تجاه المفاجأة التي وقعت «يوم كيبور» (حسب المصطلح التوراتي اليهودي)، حين باغت الجيشان المصري والسوري قوات «الاحتلال» الإسرائيلية المسترخية في سيناء وفي الجولان، بضربات جوية ثم بعبور بطولي إلى الضفة الشرقية لقناة السويس، وبإذابة خط بارليف أو الساتر الترابي الذي صنع منه الإعلام الإسرائيلي «أسطورة».

وبين هذا وذاك، ربما تاهت أو جرى تشويش التفاصيل الحقيقية ووقائع ما حدث فعلاً في تلك الحرب التاريخية التي يصعب الاختلاف عن أنها كانت نقطة تحول «استراتيجي» في مسار الصراع العربي - الإسرائيلي. ومع حلول الذكرى الخمسين للحرب التي لم تفرج مصر أو سوريا إلى اليوم عن وثائقها بعد، تبدو الحاجة ملحة لإعادة قراءة وثائقها ونصوصها، وعلى الأخص ما يتعلق بالمكالمات والرسائل التي تبادلها وزير الخارجية الأميركي الأشهر هنري كيسنجر مع قادة العالم وكبار دبلوماسييه في فترة الحرب، وكذلك محاضر جلسات الأمن القومي الأميركي آنذاك.

فشل أم فرط ثقة؟

سببت الصدمة الإسرائيلية التي خلقتها المفاجأة العربية في الحرب ارتباكاً كبيراً على جبهات عدة خارج جبهة قناة السويس، إلى حد انشغال كيسنجر يوم 23 أكتوبر، وبينما المعارك لم يخمد دخانها بعد، بالتأكد بشأن ما إذا ما كانت واشنطن تلقت تحذيراً عبر أي من أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة بشأن الحرب وتجاهلته أو لم تنتبه إليه.

وفقاً للوثيقة السرية التي تحمل رقم 63، وتلّخص محضر اجتماعات الخارجية الأميركية في 23 أكتوبر 1973، فإن «هنري كيسنجر راجع بنفسه جميع المعلومات الاستخباراتية التي سبقت الحرب مباشرة، وكانت تؤكد في مجملها أنه لا يوجد ما يدل على احتمال نشوب حرب». ويتضح من الوثيقة ذاتها أن استراتيجية كيسنجر المستمدة من خصوصية العلاقة الأميركية - الإسرائيلية كانت تلخصها عبارة يكررها شخصياً في اجتماعاته بموظفيه، ألا وهي: «لن نسمح أبداً بهزيمة إسرائيل... لكننا في الوقت ذاته لن نترك سياستنا (الخارجية) رهينة في أيدي الإسرائيليين».

رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير تقف مع الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر خارج البيت الأبيض نوفمبر 1973

ويُرجع مدير قسم الاستخبارات في الخارجية الأميركية «راي كلاين» الفشل المخابراتي الأميركي في التنبؤ بالحرب قبل وقوعها بزمن كاف (ومن ثم منعها) إلى «اعتمادنا على الإسرائيليين الذين غسلوا أدمغتنا مثلما غسلوا أدمغتهم وعاشوا في وهم». فبدايةً من سبتمبر (أيلول) 1973 بدأت تتجمع «خيوط إنذار» باعتزام مصر وسوريا القيام بعمل عسكري مشترك في المدى القريب، بل إن العاهل الأردني الملك حسين حذر رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير - في نهاية سبتمبر - بأن القوات السورية اتخذت وضعاً قتالياً».

ساعات قبل المعركة

وتشير مذكرة مؤرخة بصباح السبت الموافق 6 أكتوبر تشرين الأول 1973، وأصدرها ويليام كوانت، عضو مجلس الأمن القومي الأميركي، آنذاك، إلى مديره برنت سكوكروف، إلى أن أعضاء مجموعة عمل واشنطن في غرفة الطوارئ بالبيت الأبيض «في غياب هنري كيسنجر». وتعكس المذكرة مدى الاضطراب الذي ساد أجواء ذلك الاجتماع وما دار من «سجالات بين المجتمعين حول جدية مؤشرات احتمال شن هجوم عسكري مصري سوري ضد إسرائيل، ومغزى القرار السوفياتي بإجلاء عائلات الخبراء من القاهرة ودمشق في ذلك التوقيت بالذات»... وهو ما فسره أحد الحضور من ممثلي الاستخبارات المركزية بأنه «قد لا يعني بالضرورة احتمال حرب وشيكة، وإنما قد يدل على تردٍّ في العلاقات العربية السوفياتية»! ويتضح من الوثيقة أنه كان «ثمة إجماع استخباراتي على أن الدول العربية غير مستعدة لخوض حرب مع إسرائيل طالما ظل ميزان القوة العسكرية غير متكافئ». كما يظهر جلياً في سياق الوثيقة «الاعتقاد بأن التفوق العسكري والتكنولوجي الإسرائيلي هو (الحائل الأساسي) دون اندلاع حرب في المنطقة».

رسالة سوفياتية

دخل الاتحاد السوفياتي على خط التفكير في واشنطن، عبر رسالة إلى الرئيس الأميركي نيكسون ووزير خارجيته كيسنجر (بتاريخ السبت الموافق 6 أكتوبر 1973 الساعة الثانية بعد الظهر بتوقيت واشنطن)، وجاء فيها أن «رئيس الاتحاد السوفياتي ليونيد بريجينيف كان (متفاجئاً) مثل الأميركيين بقرار الحرب المصري السوري.

بل إن القائد السوفياتي - وفق الإفادة الأميركية - اعتبر أن الإقدام عليها «خطأ كبير في الحسابات، وخطأ سياسي فظيع». وكان واضحاً أيضاً أن السوفيات «يتوقعون هزيمة مدوية للجيوش العربية»، مثلما يتضح أن «بريجينيف كان حريصاً كل الحرص على بقاء الدور السوفياتي فاعلاً في الشرق الأوسط، وعلى تجنب وقوع كارثة عسكرية أو سياسية للحليفتين مصر وسوريا».

تقييم أولي

بحسابات فرق التوقيت، وبينما كانت الساعة تشير إلى الثالثة بعد الظهر بتوقيت واشنطن، كان مجلس الأمن القومي يجتمع مع غرفة عمل الطوارئ بشأن التطورات في الشرق الأوسط، وتسرد مذكرة الاجتماع تقييماً أولياً بشأن ما جرى قبل ساعات وفق النص التالي:

«بينما كان الإسرائيليون يحتفلون بيوم كيبور (عيد الغفران اليهودي)، شن المصريون والسوريون هجوماً عسكرياً بقوات قوامها 100 ألف جندي مصري و1000 دبابة أحاطت بالقوات الإسرائيلية شرق قناة السويس، بالتزامن مع هجوم شنته قوات سورية قوامها 35 ألف جندي و800 دبابة على المواقع الإسرائيلية في هضبة الجولان».

القوات الإسرائيلية في أحد المواقع على مرتفعات الجولان السورية عام 1973 (أ.ف.ب)

وفي الاجتماع ناقش الحضور عدداً من الخيارات المتعلقة بالتعامل مع «المخاطر المترتبة على وقف تصدير النفط العربي، والتحركات السوفياتية المحتملة، وعواقب هزيمة ثقيلة «أخرى للعرب».

كان اقتراح مستشاري هنري كيسنجر فيما يتعلق بالشأن السوفياتي «استغلال فرصة الحرب لتقليص النفوذ السوفياتي في الشرق الأوسط، بشرط ألا يكون ذلك مترتباً على هزيمة عسكرية كبيرة للجيوش العربية (التي تستعمل السلاح الروسي)؛ لأن ذلك يُضعف الأنظمة العربية (المعتدلة) في المنطقة، بما قد يهدد المصالح الأميركية في المدى الأبعد». وتشير المذكرة إلى مناقشة المجتمعين «فوائد العمل على أن يحفظ العرب بعضاً من (ماء الوجه) بدلاً من الغرق في آثار هزيمة ثقيلة».

كيسنجر وإيبان

توثق مذكرة أميركية أخرى، مكالمة أجريت في التاسعة صباحاً بتوقيت واشنطن، بين وزير الخارجية الإسرائيلي أبا إيبان وكيسنجر، وتعهد خلالها الأخير «بألا تتوجه واشنطن فوراً إلى مجلس الأمن الدولي»، وهو ما كان يريد الإسرائيليون سماعه؛ لأنه «يمنحهم فرصة الرد على الهجوم العربي واستعادة ما فقدوه من مواقع».

وفي محادثة أخرى، بين أبا إيبان ولورنس إيغلبرغر، مساعد كيسنجر، كان من الواضح حرص الوزير الإسرائيلي على «تأجيل أي إجراء أممي أو اقتراح بوقف إطلاق النار من مجلس الأمن إلى يوم الاثنين (8 أكتوبر)، بحيث تتمكن إسرائيل من استعادة الوضع إلى ما كان عليه في سيناء والجولان».

وفي أثناء ذلك، كان من الواضح (للأميركيين) «أن السوفيات يرحبون بخطوة وقف إطلاق النار، وكذلك الرئيس السوري حافظ الأسد؛ لأن ذلك كان معناه إبقاء الوضع على ما هو عليه واستعادة الجولان فعلياً، أما السادات فلم يَبدُ متحمساُ لوقف القتال قبل أن تتمكن القوات المصرية من تثبيت مواقع أفضل لها في عمق سيناء».

مع الصينيين

بحلول التاسعة مساء في واشنطن، كان كيسنجر يجري محادثة مع السفير الصيني في واشنطن هوانغ جن، وتنقل وثيقة نص ما دار في المحادثة المصنفة بـ«السرية»؛ إذ قال كيسنجر للدبلوماسي الصيني إن «الهدف الاستراتيجي لواشنطن في هذه المرحلة هو منع السوفيات من الحصول على موقع القيادة في الشرق الأوسط».

ويتضح من ثنايا المكالمة التي استمرت نحو عشرين دقيقة، أن كيسنجر «كان واثقاً من قدرة إسرائيل العسكرية على تحويل الهجوم المصري السوري المباغت إلى هزيمة عسكرية في غضون أيام».

يقول ساخراً: «من يعتمد على الدعم السوفياتي لا يمكنه تحقيق مبتغاه». وفي المكالمة ذاتها، كرر كيسنجر أنه «يرفض أن يتحقق ما يطمح إليه العرب بتحقيق مكاسب على الأرض ثم اللجوء لقرار أممي بوقف إطلاق النار يضمن احتفاظهم بما استعادوه».

ويوضح الوزير الأميركي مقصده بالقول: «إن عليهم القبول باتفاق وقف إطلاق نار يعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل بدء الحرب - أي إلى حدود 1967». ويتضح من نص المحادثة كما ورد في الوثيقة أن «الصينيين كانوا متعاطفين مع القضية العربية».

وهو ربما ما دفع كيسنجر لمحاولة طمأنة السفير الصيني، قائلاً: «سيكون علينا أن نفصل موقفنا عن الموقف الإسرائيلي إلى حد ما، لكن ذلك سيكون ممكناً فقط إذا استطاعت واشنطن أن تقدم ضمانات أمنية لحدود جديدة بعد التسوية».

اليوم الثاني

رغم مرور نصف قرن على الحرب، فإن الصفحة الأولى من وثيقة بشأن مكالمة بين كيسنجر والسفير الإسرائيلي شيمشا دينيتز جرت في اليوم الثاني للحرب بتاريخ الأحد 7 أكتوبر الساعة الثامنة والثلث مساءً لا يزال غير مسموح بنشرها، باستثناء «شخبطات» عن شحنة سلاح أميركية من صواريخ جو جو من طراز Sidewinder ومنصات قنابل.

لكن الوثيقة لاحقاً تتضمن تفاصيل مثيرة عن اللحظات الأولى من حرب أكتوبر، كسجالات الحكومة الإسرائيلية الحامية حول الحاجة لضربات استباقية (ضد مصر وسوريا) في مقابل تحذير كيسنجر الصريح بأنه «مهما حدث فلا تكونوا أنتم البادئين بالهجوم»، وهو ما كان له تأثير غير قليل على تفكير رئيسة الوزراء غولدا مائير. وبُعيد اندلاع الحرب، بادر الإسرائيليون بطلب «مساعدات عسكرية أميركية عاجلة... في مقدمتها صواريخ جو جو سايدوندر وطائرات وذخيرة وقطع غيار مقاتلات». ولم يكن كيسنجر متأكداً من إمكانية تزويد إسرائيل بطائرات حربية في أثناء القتال، لكنه رأى أن «من الممكن جداً إرسال الصواريخ المطلوبة وكذلك الذخيرة».

يوم بائس

اجتماع مركز العمليات بوزارة الخارجية الأميركية حول الشرق الأوسط (7 أكتوبر 1973 الساعة 11 مساء بتوقيت واشنطن)

يقول إن «القوات العربية حققت مكاسب كبيرة في اليوم الأول من المعركة؛ إذ اخترق السوريون مرتفعات الجولان (المحتلة)، بينما توغل المصريون في سيناء شرق قناة السويس بعد عبورها. ونظراً لأهمية الجولان الاستراتيجية بالنسبة لإسرائيل كونها قريبة من التجمعات السكنية في المدن الإسرائيلية، فقد وجه الإسرائيليون قواتهم نحو الهضبة أولاً. وجاء في خلاصة التقرير الذي رفعته وحدة العمل الخاصة بالشرق الأوسط في الخارجية الأميركية إلى المجتمعين في نهاية اليوم الثاني من الحرب، أن «الوضع يبدو مزرياً على ساحة القتال... خسائر كبيرة تكبدها الطرفان... لكنه يوم شديد البؤس بالنسبة للجيش الإسرائيلي».

وزير الخارجية الأميركي ووزير الدفاع الإسرائيلي في تل أبيب عام 1974 (أ.ف.ب)

نقطة مفصلية

يمكن اعتبار يومي التاسع والعاشر من أكتوبر 1973 نقطة زمنية «مفصلية» في سير المعارك، قبل أن تلقي الولايات المتحدة بثقلها في دعم إسرائيل عسكرياً في الميدان، وسياسياً في قاعات الأمم المتحدة وأروقة العواصم العالمية المؤثرة؛ إذ فاجأ الجيشان المصري والسوري الجميع بهزيمة منكرة للدبابات الإسرائيلية التي حاولت استعادة زمام الأمور في سيناء والجولان، فمنيت بخسارة «أذهلت وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر وأربكت حسابات واشنطن».

وفي الصباح الباكر من يوم الثلاثاء 9 أكتوبر، تلقى وزير الخارجية الأميركي اتصالاً من السفير الإسرائيلي بواشنطن دينيتز مفاده أن «القوات الإسرائيلية في وضع (أصعب) بعد فشل هجوم معاكس شنته في اليوم السابق (أي 8 أكتوبر) خلّف خسائر ثقيلة في صفوفها».

وفي الثامنة والثلث من صباح اليوم ذاته، اجتمع كيسنجر ودينيتز لمزيد من التباحث. واعترف دينيتز بأن جيش بلاده خسر أكثر من 400 دبابة للمصريين، ونحو 100 دبابة على الجبهة السورية، موضحاً أن المدرعات المصرية وصواريخ أرض جو كانت فعالة في حسم المعارك الجوية والبرية، ومن ثم فقد قررت الحكومة الإسرائيلية «الاستعانة بجميع ما يملك الجيش من معدات وطائرات في الحرب».

وتقول الوثيقة السرية: «وقع كلام السفير الإسرائيلي على كيسنجر وقع (الصدمة)، وهو الذي كان يعتقد منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب بأن إسرائيل لن تحتاج لكثير من الدعم الأميركي (العسكري) لكي تستعيد ما فقدته من أراضٍ في الأيام الأولى».

احتد الوزير الأميركي (اليهودي) سائلاً الدبلوماسي الإسرائيلي بغضب: «اشرح لي كيف يمكن للمصريين أن يحصدوا أربعمائة من دبابتكم في معركة؟».

كان كيسنجر يدرك أن إرسال مساعدات عسكرية أميركية كبيرة لإسرائيل في هذا التوقيت قد يحمل عواقب كارثية لواشنطن على الصعيد الدبلوماسي، وتشير الوثيقة إلى أن كيسنجر ودينيتز اجتمعا نحو الساعة الثامنة والثلث صباحاً، خلف أبواب مغلقة، «ومن دون تسجيل محضر للاجتماع»؛ لمناقشة «طلب غولدا مائير مقابلة الرئيس نيكسون سراً، والحصول على معونة عسكرية عاجلة». ورفض كيسنجر الطلب «خشية أن ينتج عن ذلك زيادة لنفوذ موسكو في العالم العربي».

تلميح بالنووي

وفي منعطف لافت، تنقل الوثيقة أيضاً أنه وفي خضم «الشعور باليأس من جانب إسرائيل لمّح سفيرها باحتمال اللجوء للتهديد باستعمال السلاح النووي بوصفه نوعاً من الابتزاز».

وبينما رفضت رئيسة الحكومة الإسرائيلية اقتراح العسكريين باستخدام القوة النوويةـ فقد أمرت «بتسليح وتجهيز صواريخ أريحا (أو جيريكو كما ينطقها الغربيون وهي المنظومة الأساسية التي تعتمد عليها إسرائيل باعتبارها سلاحا نوويا) للاستخدام عند الضرورة... أو على الأقل للضغط على واشنطن».

ووفقاً للوثيقة، فإن «كيسنجر لم يتحدث علناً في أي مرة عن السلاح النووي الإسرائيلي، كما أنه لا يوجد في أي من السجلات الأميركية التي أزيح عنها طابع السرية ما يشير إلى الوضعية النووية الإسرائيلية أثناء حرب 1973». وفي وقت لاحق، وفي ضوء تقييم الموقف العسكري الإسرائيلي، أوصت مجموعة عمل غرفة الطوارئ (الأميركية) بأن «تزوّد واشنطن تل أبيب بالسلاح ما دام ذلك بعيداً عن الأضواء». وفي اجتماع مسائي في اليوم ذاته، أبلغ كيسنجر السفير الإسرائيلي بأن «الرئيس نيكسون وافق على شحن قائمة الاحتياجات (الاستهلاكية) التي طلبتها إسرائيل كلها (باستثناء قنابل الليزر)... وفوق هذا وذاك، سيتم تزويد إسرائيل (عند الضرورة) بدبابات وطائرات تعوض ما فقدته في المعارك». ولضمان سرية العملية، «ستُمحى أي علامات أميركية (مثل El Al) من طلاء الشحنات المتوجهة لإسرائيل. كما سيتم عمل الترتيبات (الإجرائية) اللازمة للسماح باستخدام طائرات تجارية (مدنية) في حمل معدات عسكرية». وفي أثناء الاجتماع المسائي، زف دينيتز للوزير الأميركي أنباء وصلته للتو عن «تقدم إسرائيلي كبير في ساحة الجولان وتدمير عدد ضخم من الدبابات السورية».

تهديد بالنفط

ويقول تقرير اشترك في وضعه فريق من الخارجية الأميركية ومجلس الأمن القومي: «فيما كانت الجيوش الإسرائيلية والعربية تعيد تموقعها على الأرض، انخرط سلاحا الطيران الإسرائيلي والسوري في معركة جوية شرسة، وقصفت القاذفات الإسرائيلية مطار دمشق الدولي. وفي تلك الأثناء، التقطت المخابرات اليونانية والإسرائيلية والأميركية إشارات تفيد بأن (الاتحاد السوفياتي) يرسل شحنات عن طريق الجو إلى حلفائه العرب، وصفها الإسرائيليون بأنها (شحنات صواريخ). ويبدو أن السوفيات اتخذوا قرار إرسال المساعدات (العسكرية) للعرب في الأيام الأولى من الحرب، (اعتقاداً منهم أن ذلك سيزيد من نفوذ موسكو لدى الدول العربية»... لكنها خطوة ذات أبعاد وتأثيرات مهمة على سير الحرب: ليس فقط بتشجيع سوريا ومصر على المضي في القتال، وإنما بجعل واشنطن تعدّ الأمر تحدياً لقوتها».

ثم يشير التقرير إلى ما نشرته «صحف أميركية» عن «طائرة بوينغ 707 إسرائيلية في مطار بقاعدة نورفوك بولاية فيرجينيا تقوم بتحميل صواريخ وقنابل». وأخيراً يسلط التقرير الضوء على دلالة «تصريحات لوزير الطاقة السعودي أحمد زكي يماني يهدد فيها بأن الرد على المعونات العسكرية الأميركية لإسرائيل سيكون بخفض إنتاج النفط».


مقالات ذات صلة

الناشط المصري أحمد دومة مهدّد بالحبس مجدّداً بسبب ديوان شعر

العالم العربي دومة خلال توقيع نسخ من ديوانه (حسابه على فيسبوك)

الناشط المصري أحمد دومة مهدّد بالحبس مجدّداً بسبب ديوان شعر

يواجه الناشط المصري أحمد دومة شبح الحبس مجدّداً على خلفية ديوانه الشعري «كيرلي» الذي أُعيد إصداره مؤخراً، بعد بلاغات ضده بتهمة «ازدراء الأديان».

أحمد عدلي (القاهرة)
شمال افريقيا وزارة الزراعة المصرية تطلق منافذ متحركة لبيع بيض المائدة بأسعار مخفضة (وزارة الزراعة المصرية)

«غلاء البيض» يؤرق أسراً مصرية مجدداً

أرّق «غلاء البيض» أسراً مصرية مجدداً، وسط «اتهامات للتجار برفع الأسعار»، وتحركات حكومية بالتدخل لحل الأزمة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من انتظام العملية التعليمية في المدارس المصرية (وزارة التعليم المصرية)

«التقييم الأسبوعي للطلاب»... هل يحدّ من الغياب بالمدارس المصرية؟

تأكيدات من وزارة التربية والتعليم المصرية بـ«استمرار تطبيق نظام التقييم والواجبات الأسبوعية» على الطلاب في المدارس.

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الطيران المدني المصري سامح الحفني خلال لقاء عضو مجلس الوزراء السعودي عصام بن سعد بن سعيد (مجلس الوزراء المصري)

السعودية ومصر تعززان التعاون في مجال الطيران المدني

رحّب وزير الطيران المدني المصري بوزير الدولة السعودي والوفد المرافق له، وأشاد بقوة وعمق العلاقات الثنائية الممتدة بين مصر والمملكة العربية السعودية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مقر وزارة الخارجية المصرية بالعاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة (الخارجية المصرية)

القاهرة تتابع ملابسات حادث إطلاق النار على مصريين في المكسيك

تتابع وزارة الخارجية والهجرة المصرية ملابسات حادث إطلاق النار على مصريين في المكسيك.

أحمد عدلي (القاهرة )

تداعيات الضربات الإيرانية: كيف تغيرت مواقف تل أبيب حول الرد؟

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مشاورات مع رؤساء جهاز الأمن في تل أبيب الأسبوع الماضي (الحكومة الإسرائيلية)
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مشاورات مع رؤساء جهاز الأمن في تل أبيب الأسبوع الماضي (الحكومة الإسرائيلية)
TT

تداعيات الضربات الإيرانية: كيف تغيرت مواقف تل أبيب حول الرد؟

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مشاورات مع رؤساء جهاز الأمن في تل أبيب الأسبوع الماضي (الحكومة الإسرائيلية)
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مشاورات مع رؤساء جهاز الأمن في تل أبيب الأسبوع الماضي (الحكومة الإسرائيلية)

تسعى القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية إلى استغلال التلبك الظاهر في تصرفات القيادة الإيرانية وما تبقى من قيادات لـ«حزب الله»، وتوسيع حلقة المعارك إلى حرب شاملة حتى مع إيران. وتشير كل الدلائل إلى أنها لا تتورع عن الدخول في صدام مع الإدارة الأميركية، ووضعها أمام أحد خيارين: إما أن تنضم إليها في الهجوم على إيران، وإما تنجرّ وراءها وتُضطر اضطراراً لخوض هذه الحرب.

فمع أن الولايات المتحدة أوضحت لإسرائيل أنها غير معنيّة بحرب مع إيران، لا منفردة ولا مشتركة، فإن الإنجازات الهائلة التي حققتها إسرائيل عسكرياً واستخباراتياً ضد «حزب الله» (اغتيال معظم قيادات الحزب، وفي مقدمتهم حسن نصر الله، وتفجير أجهزة الاتصال والتواصل في وجوه وأجساد أكثر من 4 آلاف عنصر وتدمير الضاحية الجنوبية)، وضد إيران (تصفية عدد من القيادات في لبنان واغتيال إسماعيل هنية)؛ أدخلت القيادات في تل أبيب في حالة من «نشوة النصر» التي تتحول إلى «سكرة نصر».

لوحة دعائية على طريق سريع في طهران تظهر الجنرال قاسم سليماني يقبل جبين أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله في طهران (أ.ب)

ففي اليومين الأخيرين، حصل انعطاف مريب في الموقف الإسرائيلي تجاه الضربات الإيرانية. فكما هو معروف، أطلقت إيران 181 صاروخاً باليستياً على إسرائيل، وتمكنت المضادات الأميركية والفرنسية والإسرائيلية من تدمير أكثر من 85 في المائة منها قبل دخولها الأجواء الإسرائيلية. لكن 15 في المائة منها دخلت هذه الأجواء، بعضها سقط في مناطق مفتوحة وبعضها سقط في مواقع حساسة مثل 3 قواعد لسلاح الجو وبعض المصانع العسكرية. وأحدثت أضراراً في المباني والشوارع، ولكنها لم تُصِب مدنيين أو عسكريين. والوحيد الذي قتل فيها هو شاب فلسطيني من قطاع غزة يشتغل بورشة في أريحا.

وقد عدّت القيادة الإسرائيلية هذه الضربات خطيرة؛ لأنها تنطوي على القصف المباشر من إيران لإسرائيل. وفي البداية قررت الرد عليها، بتوجيه ضربة مؤلمة لموقع استراتيجي. لكنّها الآن تغيّر رأيها وتنوي توجيه عدة ضربات قاصمة في عدة مواقع استراتيجية. ووفقاً للتسريبات، تنوي توجيه ضربة شديدة للمشروع النووي الإيراني، وتقول إن هذه «فرصة تاريخية» لن تأتي أفضل منها. فإيران متلبكة إزاء ما يحدث لـ«حزب الله» وللقادة الميدانيين الإيرانيين الذين يديرون المعارك إلى جانبه في لبنان.

وهناك إشاعات عن فوضى عارمة في القيادة الإيرانية وخلافات بين التيارات والقادة، وعن اتهامات مسؤولين كبار بالتخابر مع العدو الإسرائيلي أو خدمة هذا العدو من دون قصد. وهذا هو الوقت لضربهم، قبل أن يتمكنوا من ترتيب أوراقهم والخروج من الأزمة.

صور الأقمار الاصطناعية تظهر أضراراً في قاعدة «نيفاتيم» الجوية بجنوب إسرائيل قبل وبعد الهجوم الصاروخي الإيراني (أ.ف.ب)

إلا أن إسرائيل ليست قادرة وحدها على توجيه ضربات كهذه. وهي بحاجة لا استغناء عنها لشراكة أميركية فاعلة. فالمنشآت الإيرانية النووية موزّعة على عدة مواقع وقائمة في قلب جبال، ولا مجال لضربها إلا بصواريخ أميركية تنطلق من طائرات وغواصات معدّة لهذا الغرض. هذه ليست متوفرة لإسرائيل. والولايات المتحدة تتحدث علناً عن معارضتها لهذه الشراكة. وتشعر بأن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، يريد تحقيق حلمه القديم (منذ سنة 2010) لجرّ قدم الولايات المتحدة إلى هذه الحرب وهي ترفض. لكن نتنياهو لا ييأس، ويعمل كل ما في وسعه لإقحامها، بإرادتها أو رغماً عنها. فإذا ضربت المنشآت، وقامت طهران بتنفيذ تهديداتها وردت بمزيد من الصواريخ على إسرائيل، فإن أميركا ستتدخل.

وكما يقول البروفيسور أيال زيسر، أحد أهم مرجعيات اليمين الآيديولوجي: «الولايات المتحدة هي صديقة حقيقية لإسرائيل، أثبتت التزامها بأمننا في كل ساعة اختبار وضائقة شهدناها على مدى العقود الأخيرة».

وأوضح زيسر أن الموقف الأميركي بعد هجوم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، يشبه «القطار الجوي» الذي أطلقه الأميركيون في حرب «يوم الغفران» في أكتوبر 1973. وقال إن بين الأصدقاء الحقيقيين، أيضاً تظهر أحياناً خلافات. ورأى أن «من الواجب على إسرائيل أن تصر على موقفها»، وقال: «في الماضي أيضاً عارض الأميركيون تدمير المفاعل العراقي في 1981، بل وفرضوا علينا عقوبات بسبب هذا الفعل، ولكنهم بعد حين، تراجعوا واعترفوا لنا، حين وجدوا أنفسهم في حرب مع حاكم العراق. هكذا أيضاً في كل ما يتعلق بتدمير المفاعل النووي السوري في 2007، الخطوة التي تحفّظ عليها الأميركيون، وفقط بعد أن نشبت الحرب الأهلية في سوريا، اعترفوا بالخطأ الذي ارتكبوه».

ولفت زيسر إلى أن «التوقعات والمشورات الأميركية يجب أن نأخذها بشكل محدود الضمان. من الواجب العمل وفقاً لتفكيرنا وحكمنا، حتى وإن لم يكن الأمر يرضيهم. في نهاية الأمر، سيعترفون بالخطأ وسيفهمون المنطق والحق الذي في خطوات إسرائيل، وسيتجندون لدعمها».

لكن هناك آراء مخالفة في تل أبيب، تحذّر من المغامرة وتقول إن من يجد في ضرب إيران فرصة تاريخية يجب عدم تفويتها، قد يورّط إسرائيل في حرب شاملة تدفع خلالها ثمناً باهظاً، ليس فقط من ناحية الخسائر البشرية والمادية، بل أيضاً استراتيجياً. وربما تؤدي هذه المغامرة إلى إضاعة فرصة تاريخية لمشروع السلام في المنطقة. وتدعو هذه القوى القيادة الإسرائيلية إلى أن تحسن الاستفادة من مكاسبها في لبنان، ولا تلجأ إلى المغامرات والمقامرات الحربية.