حرب أكتوبر... الإسرائيليون لمّحوا للأميركيين باللجوء للسلاح النووي لابتزازهم

الوثائق الأميركية سجلت اتصالات واجتماعات الحرب

حرب أكتوبر... الإسرائيليون لمّحوا للأميركيين باللجوء للسلاح النووي لابتزازهم
TT

حرب أكتوبر... الإسرائيليون لمّحوا للأميركيين باللجوء للسلاح النووي لابتزازهم

حرب أكتوبر... الإسرائيليون لمّحوا للأميركيين باللجوء للسلاح النووي لابتزازهم

ظلت حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 موضوعاً شهياً للاطلاع بين الباحثين العرب والأجانب، خصوصاً أنه كلما مرت عقود على شرارتها الأولى تسربت معلومات جديدة عن تفاصيلها، أو ظهرت وثائقها التي يُلزم القانون في بعض الدول بنشرها. غير أن ذلك جاء مصحوباً في بعض الأحيان بروايات متباينة، وربما صادمة بشأن مآلات الحرب.

وبشكل أو بآخر، أصبح الحدث النادر في التاريخ المعاصر محفوفاً توثيقه بكثير من اللغط والجدل إلى حد التضارب الكامل بين روايتين؛ الأولى: تؤرخ لحرب العاشر من رمضان باعتبارها نصراً عسكرياً مؤزراً للجيشين المصري والسوري المدعومين عربياً، ولتتأكد أهمية سلاح النفط الذي لم يكن أقل تأثيراً في ساحات الوغى «الدبلوماسية» من تكنولوجيا الدبابات والمقاتلات الغربية التي تتمتع بها إسرائيل في جبهات القتال.

على الجانب الآخر، رواية إسرائيلية تثني على ردة فعل تل أبيب تجاه المفاجأة التي وقعت «يوم كيبور» (حسب المصطلح التوراتي اليهودي)، حين باغت الجيشان المصري والسوري قوات «الاحتلال» الإسرائيلية المسترخية في سيناء وفي الجولان، بضربات جوية ثم بعبور بطولي إلى الضفة الشرقية لقناة السويس، وبإذابة خط بارليف أو الساتر الترابي الذي صنع منه الإعلام الإسرائيلي «أسطورة».

وبين هذا وذاك، ربما تاهت أو جرى تشويش التفاصيل الحقيقية ووقائع ما حدث فعلاً في تلك الحرب التاريخية التي يصعب الاختلاف عن أنها كانت نقطة تحول «استراتيجي» في مسار الصراع العربي - الإسرائيلي. ومع حلول الذكرى الخمسين للحرب التي لم تفرج مصر أو سوريا إلى اليوم عن وثائقها بعد، تبدو الحاجة ملحة لإعادة قراءة وثائقها ونصوصها، وعلى الأخص ما يتعلق بالمكالمات والرسائل التي تبادلها وزير الخارجية الأميركي الأشهر هنري كيسنجر مع قادة العالم وكبار دبلوماسييه في فترة الحرب، وكذلك محاضر جلسات الأمن القومي الأميركي آنذاك.

فشل أم فرط ثقة؟

سببت الصدمة الإسرائيلية التي خلقتها المفاجأة العربية في الحرب ارتباكاً كبيراً على جبهات عدة خارج جبهة قناة السويس، إلى حد انشغال كيسنجر يوم 23 أكتوبر، وبينما المعارك لم يخمد دخانها بعد، بالتأكد بشأن ما إذا ما كانت واشنطن تلقت تحذيراً عبر أي من أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة بشأن الحرب وتجاهلته أو لم تنتبه إليه.

وفقاً للوثيقة السرية التي تحمل رقم 63، وتلّخص محضر اجتماعات الخارجية الأميركية في 23 أكتوبر 1973، فإن «هنري كيسنجر راجع بنفسه جميع المعلومات الاستخباراتية التي سبقت الحرب مباشرة، وكانت تؤكد في مجملها أنه لا يوجد ما يدل على احتمال نشوب حرب». ويتضح من الوثيقة ذاتها أن استراتيجية كيسنجر المستمدة من خصوصية العلاقة الأميركية - الإسرائيلية كانت تلخصها عبارة يكررها شخصياً في اجتماعاته بموظفيه، ألا وهي: «لن نسمح أبداً بهزيمة إسرائيل... لكننا في الوقت ذاته لن نترك سياستنا (الخارجية) رهينة في أيدي الإسرائيليين».

رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير تقف مع الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر خارج البيت الأبيض نوفمبر 1973

ويُرجع مدير قسم الاستخبارات في الخارجية الأميركية «راي كلاين» الفشل المخابراتي الأميركي في التنبؤ بالحرب قبل وقوعها بزمن كاف (ومن ثم منعها) إلى «اعتمادنا على الإسرائيليين الذين غسلوا أدمغتنا مثلما غسلوا أدمغتهم وعاشوا في وهم». فبدايةً من سبتمبر (أيلول) 1973 بدأت تتجمع «خيوط إنذار» باعتزام مصر وسوريا القيام بعمل عسكري مشترك في المدى القريب، بل إن العاهل الأردني الملك حسين حذر رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير - في نهاية سبتمبر - بأن القوات السورية اتخذت وضعاً قتالياً».

ساعات قبل المعركة

وتشير مذكرة مؤرخة بصباح السبت الموافق 6 أكتوبر تشرين الأول 1973، وأصدرها ويليام كوانت، عضو مجلس الأمن القومي الأميركي، آنذاك، إلى مديره برنت سكوكروف، إلى أن أعضاء مجموعة عمل واشنطن في غرفة الطوارئ بالبيت الأبيض «في غياب هنري كيسنجر». وتعكس المذكرة مدى الاضطراب الذي ساد أجواء ذلك الاجتماع وما دار من «سجالات بين المجتمعين حول جدية مؤشرات احتمال شن هجوم عسكري مصري سوري ضد إسرائيل، ومغزى القرار السوفياتي بإجلاء عائلات الخبراء من القاهرة ودمشق في ذلك التوقيت بالذات»... وهو ما فسره أحد الحضور من ممثلي الاستخبارات المركزية بأنه «قد لا يعني بالضرورة احتمال حرب وشيكة، وإنما قد يدل على تردٍّ في العلاقات العربية السوفياتية»! ويتضح من الوثيقة أنه كان «ثمة إجماع استخباراتي على أن الدول العربية غير مستعدة لخوض حرب مع إسرائيل طالما ظل ميزان القوة العسكرية غير متكافئ». كما يظهر جلياً في سياق الوثيقة «الاعتقاد بأن التفوق العسكري والتكنولوجي الإسرائيلي هو (الحائل الأساسي) دون اندلاع حرب في المنطقة».

رسالة سوفياتية

دخل الاتحاد السوفياتي على خط التفكير في واشنطن، عبر رسالة إلى الرئيس الأميركي نيكسون ووزير خارجيته كيسنجر (بتاريخ السبت الموافق 6 أكتوبر 1973 الساعة الثانية بعد الظهر بتوقيت واشنطن)، وجاء فيها أن «رئيس الاتحاد السوفياتي ليونيد بريجينيف كان (متفاجئاً) مثل الأميركيين بقرار الحرب المصري السوري.

بل إن القائد السوفياتي - وفق الإفادة الأميركية - اعتبر أن الإقدام عليها «خطأ كبير في الحسابات، وخطأ سياسي فظيع». وكان واضحاً أيضاً أن السوفيات «يتوقعون هزيمة مدوية للجيوش العربية»، مثلما يتضح أن «بريجينيف كان حريصاً كل الحرص على بقاء الدور السوفياتي فاعلاً في الشرق الأوسط، وعلى تجنب وقوع كارثة عسكرية أو سياسية للحليفتين مصر وسوريا».

تقييم أولي

بحسابات فرق التوقيت، وبينما كانت الساعة تشير إلى الثالثة بعد الظهر بتوقيت واشنطن، كان مجلس الأمن القومي يجتمع مع غرفة عمل الطوارئ بشأن التطورات في الشرق الأوسط، وتسرد مذكرة الاجتماع تقييماً أولياً بشأن ما جرى قبل ساعات وفق النص التالي:

«بينما كان الإسرائيليون يحتفلون بيوم كيبور (عيد الغفران اليهودي)، شن المصريون والسوريون هجوماً عسكرياً بقوات قوامها 100 ألف جندي مصري و1000 دبابة أحاطت بالقوات الإسرائيلية شرق قناة السويس، بالتزامن مع هجوم شنته قوات سورية قوامها 35 ألف جندي و800 دبابة على المواقع الإسرائيلية في هضبة الجولان».

القوات الإسرائيلية في أحد المواقع على مرتفعات الجولان السورية عام 1973 (أ.ف.ب)

وفي الاجتماع ناقش الحضور عدداً من الخيارات المتعلقة بالتعامل مع «المخاطر المترتبة على وقف تصدير النفط العربي، والتحركات السوفياتية المحتملة، وعواقب هزيمة ثقيلة «أخرى للعرب».

كان اقتراح مستشاري هنري كيسنجر فيما يتعلق بالشأن السوفياتي «استغلال فرصة الحرب لتقليص النفوذ السوفياتي في الشرق الأوسط، بشرط ألا يكون ذلك مترتباً على هزيمة عسكرية كبيرة للجيوش العربية (التي تستعمل السلاح الروسي)؛ لأن ذلك يُضعف الأنظمة العربية (المعتدلة) في المنطقة، بما قد يهدد المصالح الأميركية في المدى الأبعد». وتشير المذكرة إلى مناقشة المجتمعين «فوائد العمل على أن يحفظ العرب بعضاً من (ماء الوجه) بدلاً من الغرق في آثار هزيمة ثقيلة».

كيسنجر وإيبان

توثق مذكرة أميركية أخرى، مكالمة أجريت في التاسعة صباحاً بتوقيت واشنطن، بين وزير الخارجية الإسرائيلي أبا إيبان وكيسنجر، وتعهد خلالها الأخير «بألا تتوجه واشنطن فوراً إلى مجلس الأمن الدولي»، وهو ما كان يريد الإسرائيليون سماعه؛ لأنه «يمنحهم فرصة الرد على الهجوم العربي واستعادة ما فقدوه من مواقع».

وفي محادثة أخرى، بين أبا إيبان ولورنس إيغلبرغر، مساعد كيسنجر، كان من الواضح حرص الوزير الإسرائيلي على «تأجيل أي إجراء أممي أو اقتراح بوقف إطلاق النار من مجلس الأمن إلى يوم الاثنين (8 أكتوبر)، بحيث تتمكن إسرائيل من استعادة الوضع إلى ما كان عليه في سيناء والجولان».

وفي أثناء ذلك، كان من الواضح (للأميركيين) «أن السوفيات يرحبون بخطوة وقف إطلاق النار، وكذلك الرئيس السوري حافظ الأسد؛ لأن ذلك كان معناه إبقاء الوضع على ما هو عليه واستعادة الجولان فعلياً، أما السادات فلم يَبدُ متحمساُ لوقف القتال قبل أن تتمكن القوات المصرية من تثبيت مواقع أفضل لها في عمق سيناء».

مع الصينيين

بحلول التاسعة مساء في واشنطن، كان كيسنجر يجري محادثة مع السفير الصيني في واشنطن هوانغ جن، وتنقل وثيقة نص ما دار في المحادثة المصنفة بـ«السرية»؛ إذ قال كيسنجر للدبلوماسي الصيني إن «الهدف الاستراتيجي لواشنطن في هذه المرحلة هو منع السوفيات من الحصول على موقع القيادة في الشرق الأوسط».

ويتضح من ثنايا المكالمة التي استمرت نحو عشرين دقيقة، أن كيسنجر «كان واثقاً من قدرة إسرائيل العسكرية على تحويل الهجوم المصري السوري المباغت إلى هزيمة عسكرية في غضون أيام».

يقول ساخراً: «من يعتمد على الدعم السوفياتي لا يمكنه تحقيق مبتغاه». وفي المكالمة ذاتها، كرر كيسنجر أنه «يرفض أن يتحقق ما يطمح إليه العرب بتحقيق مكاسب على الأرض ثم اللجوء لقرار أممي بوقف إطلاق النار يضمن احتفاظهم بما استعادوه».

ويوضح الوزير الأميركي مقصده بالقول: «إن عليهم القبول باتفاق وقف إطلاق نار يعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل بدء الحرب - أي إلى حدود 1967». ويتضح من نص المحادثة كما ورد في الوثيقة أن «الصينيين كانوا متعاطفين مع القضية العربية».

وهو ربما ما دفع كيسنجر لمحاولة طمأنة السفير الصيني، قائلاً: «سيكون علينا أن نفصل موقفنا عن الموقف الإسرائيلي إلى حد ما، لكن ذلك سيكون ممكناً فقط إذا استطاعت واشنطن أن تقدم ضمانات أمنية لحدود جديدة بعد التسوية».

اليوم الثاني

رغم مرور نصف قرن على الحرب، فإن الصفحة الأولى من وثيقة بشأن مكالمة بين كيسنجر والسفير الإسرائيلي شيمشا دينيتز جرت في اليوم الثاني للحرب بتاريخ الأحد 7 أكتوبر الساعة الثامنة والثلث مساءً لا يزال غير مسموح بنشرها، باستثناء «شخبطات» عن شحنة سلاح أميركية من صواريخ جو جو من طراز Sidewinder ومنصات قنابل.

لكن الوثيقة لاحقاً تتضمن تفاصيل مثيرة عن اللحظات الأولى من حرب أكتوبر، كسجالات الحكومة الإسرائيلية الحامية حول الحاجة لضربات استباقية (ضد مصر وسوريا) في مقابل تحذير كيسنجر الصريح بأنه «مهما حدث فلا تكونوا أنتم البادئين بالهجوم»، وهو ما كان له تأثير غير قليل على تفكير رئيسة الوزراء غولدا مائير. وبُعيد اندلاع الحرب، بادر الإسرائيليون بطلب «مساعدات عسكرية أميركية عاجلة... في مقدمتها صواريخ جو جو سايدوندر وطائرات وذخيرة وقطع غيار مقاتلات». ولم يكن كيسنجر متأكداً من إمكانية تزويد إسرائيل بطائرات حربية في أثناء القتال، لكنه رأى أن «من الممكن جداً إرسال الصواريخ المطلوبة وكذلك الذخيرة».

يوم بائس

اجتماع مركز العمليات بوزارة الخارجية الأميركية حول الشرق الأوسط (7 أكتوبر 1973 الساعة 11 مساء بتوقيت واشنطن)

يقول إن «القوات العربية حققت مكاسب كبيرة في اليوم الأول من المعركة؛ إذ اخترق السوريون مرتفعات الجولان (المحتلة)، بينما توغل المصريون في سيناء شرق قناة السويس بعد عبورها. ونظراً لأهمية الجولان الاستراتيجية بالنسبة لإسرائيل كونها قريبة من التجمعات السكنية في المدن الإسرائيلية، فقد وجه الإسرائيليون قواتهم نحو الهضبة أولاً. وجاء في خلاصة التقرير الذي رفعته وحدة العمل الخاصة بالشرق الأوسط في الخارجية الأميركية إلى المجتمعين في نهاية اليوم الثاني من الحرب، أن «الوضع يبدو مزرياً على ساحة القتال... خسائر كبيرة تكبدها الطرفان... لكنه يوم شديد البؤس بالنسبة للجيش الإسرائيلي».

وزير الخارجية الأميركي ووزير الدفاع الإسرائيلي في تل أبيب عام 1974 (أ.ف.ب)

نقطة مفصلية

يمكن اعتبار يومي التاسع والعاشر من أكتوبر 1973 نقطة زمنية «مفصلية» في سير المعارك، قبل أن تلقي الولايات المتحدة بثقلها في دعم إسرائيل عسكرياً في الميدان، وسياسياً في قاعات الأمم المتحدة وأروقة العواصم العالمية المؤثرة؛ إذ فاجأ الجيشان المصري والسوري الجميع بهزيمة منكرة للدبابات الإسرائيلية التي حاولت استعادة زمام الأمور في سيناء والجولان، فمنيت بخسارة «أذهلت وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر وأربكت حسابات واشنطن».

وفي الصباح الباكر من يوم الثلاثاء 9 أكتوبر، تلقى وزير الخارجية الأميركي اتصالاً من السفير الإسرائيلي بواشنطن دينيتز مفاده أن «القوات الإسرائيلية في وضع (أصعب) بعد فشل هجوم معاكس شنته في اليوم السابق (أي 8 أكتوبر) خلّف خسائر ثقيلة في صفوفها».

وفي الثامنة والثلث من صباح اليوم ذاته، اجتمع كيسنجر ودينيتز لمزيد من التباحث. واعترف دينيتز بأن جيش بلاده خسر أكثر من 400 دبابة للمصريين، ونحو 100 دبابة على الجبهة السورية، موضحاً أن المدرعات المصرية وصواريخ أرض جو كانت فعالة في حسم المعارك الجوية والبرية، ومن ثم فقد قررت الحكومة الإسرائيلية «الاستعانة بجميع ما يملك الجيش من معدات وطائرات في الحرب».

وتقول الوثيقة السرية: «وقع كلام السفير الإسرائيلي على كيسنجر وقع (الصدمة)، وهو الذي كان يعتقد منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب بأن إسرائيل لن تحتاج لكثير من الدعم الأميركي (العسكري) لكي تستعيد ما فقدته من أراضٍ في الأيام الأولى».

احتد الوزير الأميركي (اليهودي) سائلاً الدبلوماسي الإسرائيلي بغضب: «اشرح لي كيف يمكن للمصريين أن يحصدوا أربعمائة من دبابتكم في معركة؟».

كان كيسنجر يدرك أن إرسال مساعدات عسكرية أميركية كبيرة لإسرائيل في هذا التوقيت قد يحمل عواقب كارثية لواشنطن على الصعيد الدبلوماسي، وتشير الوثيقة إلى أن كيسنجر ودينيتز اجتمعا نحو الساعة الثامنة والثلث صباحاً، خلف أبواب مغلقة، «ومن دون تسجيل محضر للاجتماع»؛ لمناقشة «طلب غولدا مائير مقابلة الرئيس نيكسون سراً، والحصول على معونة عسكرية عاجلة». ورفض كيسنجر الطلب «خشية أن ينتج عن ذلك زيادة لنفوذ موسكو في العالم العربي».

تلميح بالنووي

وفي منعطف لافت، تنقل الوثيقة أيضاً أنه وفي خضم «الشعور باليأس من جانب إسرائيل لمّح سفيرها باحتمال اللجوء للتهديد باستعمال السلاح النووي بوصفه نوعاً من الابتزاز».

وبينما رفضت رئيسة الحكومة الإسرائيلية اقتراح العسكريين باستخدام القوة النوويةـ فقد أمرت «بتسليح وتجهيز صواريخ أريحا (أو جيريكو كما ينطقها الغربيون وهي المنظومة الأساسية التي تعتمد عليها إسرائيل باعتبارها سلاحا نوويا) للاستخدام عند الضرورة... أو على الأقل للضغط على واشنطن».

ووفقاً للوثيقة، فإن «كيسنجر لم يتحدث علناً في أي مرة عن السلاح النووي الإسرائيلي، كما أنه لا يوجد في أي من السجلات الأميركية التي أزيح عنها طابع السرية ما يشير إلى الوضعية النووية الإسرائيلية أثناء حرب 1973». وفي وقت لاحق، وفي ضوء تقييم الموقف العسكري الإسرائيلي، أوصت مجموعة عمل غرفة الطوارئ (الأميركية) بأن «تزوّد واشنطن تل أبيب بالسلاح ما دام ذلك بعيداً عن الأضواء». وفي اجتماع مسائي في اليوم ذاته، أبلغ كيسنجر السفير الإسرائيلي بأن «الرئيس نيكسون وافق على شحن قائمة الاحتياجات (الاستهلاكية) التي طلبتها إسرائيل كلها (باستثناء قنابل الليزر)... وفوق هذا وذاك، سيتم تزويد إسرائيل (عند الضرورة) بدبابات وطائرات تعوض ما فقدته في المعارك». ولضمان سرية العملية، «ستُمحى أي علامات أميركية (مثل El Al) من طلاء الشحنات المتوجهة لإسرائيل. كما سيتم عمل الترتيبات (الإجرائية) اللازمة للسماح باستخدام طائرات تجارية (مدنية) في حمل معدات عسكرية». وفي أثناء الاجتماع المسائي، زف دينيتز للوزير الأميركي أنباء وصلته للتو عن «تقدم إسرائيلي كبير في ساحة الجولان وتدمير عدد ضخم من الدبابات السورية».

تهديد بالنفط

ويقول تقرير اشترك في وضعه فريق من الخارجية الأميركية ومجلس الأمن القومي: «فيما كانت الجيوش الإسرائيلية والعربية تعيد تموقعها على الأرض، انخرط سلاحا الطيران الإسرائيلي والسوري في معركة جوية شرسة، وقصفت القاذفات الإسرائيلية مطار دمشق الدولي. وفي تلك الأثناء، التقطت المخابرات اليونانية والإسرائيلية والأميركية إشارات تفيد بأن (الاتحاد السوفياتي) يرسل شحنات عن طريق الجو إلى حلفائه العرب، وصفها الإسرائيليون بأنها (شحنات صواريخ). ويبدو أن السوفيات اتخذوا قرار إرسال المساعدات (العسكرية) للعرب في الأيام الأولى من الحرب، (اعتقاداً منهم أن ذلك سيزيد من نفوذ موسكو لدى الدول العربية»... لكنها خطوة ذات أبعاد وتأثيرات مهمة على سير الحرب: ليس فقط بتشجيع سوريا ومصر على المضي في القتال، وإنما بجعل واشنطن تعدّ الأمر تحدياً لقوتها».

ثم يشير التقرير إلى ما نشرته «صحف أميركية» عن «طائرة بوينغ 707 إسرائيلية في مطار بقاعدة نورفوك بولاية فيرجينيا تقوم بتحميل صواريخ وقنابل». وأخيراً يسلط التقرير الضوء على دلالة «تصريحات لوزير الطاقة السعودي أحمد زكي يماني يهدد فيها بأن الرد على المعونات العسكرية الأميركية لإسرائيل سيكون بخفض إنتاج النفط».


مقالات ذات صلة

تفاعل مصري مع بكاء السيسي خلال لقائه قادة القوات المسلحة

شمال افريقيا السيسي أكد أن المنطقة تمر بظروف صعبة ومصر تعد عامل استقرار مهماً في ظل الأحداث الراهنة (الرئاسة المصرية)

تفاعل مصري مع بكاء السيسي خلال لقائه قادة القوات المسلحة

تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع لحظات بكاء وتأثر للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه، الخميس، مع قادة القوات المسلحة المصرية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
شمال افريقيا تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)

مصر للحد من «فوضى» الاعتداء على الطواقم الطبية

تسعى الحكومة المصرية للحد من «فوضى» الاعتداءات على الطواقم الطبية بالمستشفيات، عبر إقرار قانون «تنظيم المسؤولية الطبية وحماية المريض».

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا مشاركون في ندوة جامعة أسيوط عن «الهجرة غير المشروعة» تحدثوا عن «البدائل الآمنة» (المحافظة)

مصر لمكافحة «الهجرة غير المشروعة» عبر جولات في المحافظات

تشير الحكومة المصرية بشكل متكرر إلى «استمرار جهود مواجهة الهجرة غير المشروعة، وذلك بهدف توفير حياة آمنة للمواطنين».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
خاص عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

خاص كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

تسبب الوجود السوري المتنامي بمصر في إطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد مشروعاتهم الاستثمارية.

فتحية الدخاخني (القاهرة )

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
TT

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

تسببت عريضة قدمتها مجموعة من المنظمات غير الحكومية للمحكمة العليا بإسرائيل، مطالبةً فيها بإصدار أمر إقالة لوزير الأمن الوطني المنتمي لليمين المتطرف إيتمار بن غفير، في حدوث انشقاق داخل حكومة بنيامين نتنياهو، مما قد يزج بإسرائيل في أزمة دستورية.

وفي رسالة إلى نتنياهو، الأسبوع الماضي، طلبت المدعية العامة غالي باهراف ميارا من رئيس الوزراء أن يدرس إقالة بن غفير، مستندة إلى أدلة تشير لتدخله المباشر في عمليات الشرطة، واتخاذ قرارات الترقيات بداخلها بناء على أسباب سياسية.

وجاءت هذه الرسالة قبل أن تقدم باهراف ميارا رأيها إلى المحكمة العليا في الأسابيع المقبلة بشأن ما إذا كان ينبغي لها قبول العريضة التي قدمتها المنظمات غير الحكومية في سبتمبر (أيلول) والنظر فيها، أم لا.

وفي رسالتها التي نشرها مكتبها، أيدت باهراف ميارا الاتهامات التي ساقتها المنظمات غير الحكومية عن تدخل بن غفير شخصياً في الطريقة التي تعامل بها قادة الشرطة مع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

واستشهدت أيضاً برسالة من المفوض السابق للشرطة يعقوب شبتاي الذي ترك منصبه في يوليو (تموز)، والتي جاء فيها أن بن غفير أصدر تعليمات لكبار قادة الشرطة بتجاهل أوامر مجلس الوزراء بحماية قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة.

وقد أثارت رسالة باهراف ميارا رد فعل حاداً من بن غفير الذي دعا علناً إلى إقالتها، قائلاً إن طلبها تُحركه دوافع سياسية. ونفى الوزير ارتكاب أي مخالفات.

وحصل بن غفير على مهام واسعة عندما انضم إلى ائتلاف نتنياهو في نهاية عام 2022، منها المسؤولية عن شرطة الحدود في الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من إدانته في عام 2007 بالتحريض العنصري ضد العرب ودعم حركة (كاخ) اليهودية المتطرفة التي تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة منظمة إرهابية.

وقد أدى (قانون الشرطة) الذي أقره الكنيست في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وهو أحد الشروط التي وضعها بن غفير للانضمام إلى الائتلاف، إلى توسيع سلطاته على الشرطة والسماح له بوضع السياسات العامة، وتحديد أولويات العمل والمبادئ التوجيهية.

وقال بن غفير إن القانون سيعزز قوة الشرطة وقدرتها على مكافحة الجرائم، وزعم أن الشرطة في كل البلدان الديمقراطية تتبع وزيراً منتخباً. وقال منتقدون إن التعديلات منحت بن غفير سلطات شاملة على العمليات، وحوّلته إلى «رئيس للشرطة (بسلطات) مطلقة».

وقال أربعة من قادة الشرطة السابقين وخبيران قانونيان لـ«رويترز» إن التغييرات التي أجراها بن غفير على الكيان الشرطي وثقافته قادت إلى تسييسه.

وقال أمونون الكالاي، وهو سيرجنت سابق في الشرطة استقال في 2021: «يحاول الوزير بن غفير من خلال سلطته الموافقة على التعيينات أو التدخل في الترقيات لخدمة مصالحه السياسية الخاصة».

ولم ترد شرطة إسرائيل ولا مكتب بن غفير على طلبات للتعليق على دور الوزير في تعيينات الشرطة أو التأثير في عملها.

وقاوم نتنياهو، الذي يواجه اتهامات بالفساد، دعوات سابقة لإقالة بن غفير. وإذا انسحب حزب عوتسماه يهوديت (القوة اليهودية) الذي يرأسه بن غفير من الائتلاف الحاكم، فلن يكون لدى نتنياهو إلا أغلبية ضئيلة. وإلى جانب المشكلات القانونية التي تواجه رئيس الوزراء، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة لاعتقاله، الخميس، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في صراع غزة. ويصر نتنياهو على براءته من جميع التهم.

ويقول بعض الخبراء القانونيين إن إسرائيل قد تنزلق إلى أزمة دستورية إذا أمرت المحكمة العليا رئيس الوزراء بإقالة بن غفير ورفض ذلك، حيث ستظهر الحكومة وكأنها تضرب بقرارات القضاء عرض الحائط.

وقال عمير فوكس، وهو أحد كبار الباحثين في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مركز أبحاث مقره القدس: «لا نعرف ماذا سيحدث في مثل هذا الوضع». وأضاف أن هذا قد يضع إسرائيل «في موقف خطير للغاية».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

موقف متشدد من الاحتجاجات

في العام الماضي، استقال قائد شرطة تل أبيب عامي إيشد، وأشار لأسباب سياسية وراء قراره، وذلك بعد أن صرح علناً أنه لن يستخدم القوة ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة، على الرغم من طلبات بن غفير بذلك. وفي بيان بثه التلفزيون، قال إيشد إن «المستوى الوزاري» كان يتدخل بشكل صارخ في عملية اتخاذ القرار المهني.

ولم يرد مكتب بن غفير علناً على تعليقات إيشد. وكانت المحكمة العليا قد أمرت بن غفير بالتوقف عن إعطاء تعليمات للشرطة حول كيفية استخدام القوة للسيطرة على الاحتجاجات في العام الماضي، قبل أن تعاود الأمر في يناير (كانون الثاني).

وقال قادة الشرطة الأربعة السابقون الذين تحدثوا إلى «رويترز»، إن ثمة تغييراً طرأ على عمل الشرطة تحت قيادة بن غفير. وأوضحوا أن الدليل على ذلك هو عدم تنفيذ الشرطة أي اعتقالات عندما اقتحم متظاهرون من اليمين مجمعين عسكريين في يوليو، بعد وصول محققين لاستجواب جنود في اتهامات بإساءة معاملة سجين فلسطيني.

وعلى النقيض من ذلك، اتخذت الشرطة إجراءات صارمة في مواجهة المظاهرات المناهضة للحكومة. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في يونيو (حزيران) أن 110 أشخاص قُبض عليهم في إحدى ليالي الاحتجاجات، وهو رقم قياسي، ولم توجّه اتهامات إلا إلى شخص واحد منهم.

وقالت الشرطة، رداً على الانتقادات الموجهة إليها باعتقال أعداد كبيرة، إن سلوك بعض المتظاهرين اتسم بالعنف خلال الاحتجاجات، ومنهم من هاجموا قوات إنفاذ القانون وأشعلوا الحرائق.

الحرم القدسي

أدت تعيينات في مناصب عليا في الأشهر القليلة الماضية إلى تحول في قيادة الشرطة، فبعد أن وافقت الحكومة في أغسطس (آب) على مرشحه لمنصب مفوض الشرطة، دانييل ليفي، قال بن غفير إن المفوض الجديد سوف يتبع «أجندة صهيونية ويهودية»، ويقود الشرطة «وفقاً للسياسة التي وضعتها له».

ويشكل العرب ما يزيد قليلاً على 20 في المائة من سكان إسرائيل، ويتعرضون لمعدلات أعلى بكثير من جرائم العنف. ولم يحضر بن غفير ولا ليفي اجتماعاً دعا إليه نتنياهو في سبتمبر لمواجهة ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع العربي بإسرائيل.

وخفف أمير أرزاني، الذي تم تعيينه قائداً لشرطة القدس في فترة تولي بن غفير منصبه، قيود الوصول إلى المسجد الأقصى، في مكان يطلق عليه اليهود اسم جبل المعبد، وهو أحد أكثر الأماكن حساسية في الشرق الأوسط.

وقال أحد كبار المسؤولين سابقاً عن إنفاذ القانون في القدس لـ«رويترز»، إنه في السابق عندما كان يحاول الوزراء الوصول إلى الحرم القدسي لممارسة الطقوس اليهودية كان كبار الضباط يطلبون تصريحاً من وزارة العدل لاعتقالهم على أساس أن ذلك يشكل تهديداً للأمن الوطني.

وصعد بن غفير إلى الحرم القدسي عدة مرات منذ توليه منصبه دون أن يوقفه رجال الشرطة.

وقالت شرطة إسرائيل، في بيان، رداً على أسئلة من «رويترز» بشأن الإرشادات، إن أعضاء الكنيست يمكنهم طلب الوصول إلى الحرم القدسي عبر (حرس الكنيست)، وإن الموافقة تعتمد على تقييم أمني يجري في وقت قريب من موعد الزيارة المطلوبة.

وقال أحد المسؤولين السابقين، الذي خدم في فترة بن غفير وطلب عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة الحساسة لمنصبه السابق، إن بن غفير لم يُمنع من الوصول إلى الحرم القدسي، حيث عُدّ أنه لا يشكل تهديداً.

أضرار طويلة الأمد

قال يوجين كونتوروفيتش، رئيس قسم القانون الدولي في منتدى كوهيليت للسياسات، وهو مركز أبحاث ذو توجه محافظ مقره القدس، إن الأمر الذي أصدرته المحكمة العليا لرئيس الوزراء بإقالة الوزير قد ينطوي على تجاوز لحدود السلطة القضائية.

وأضاف: «إذا لم يكن لرئيس الوزراء الاختيار بشأن الوزراء الذين يعينهم أو يقيلهم فهو ليس رئيساً للوزراء، بل مجرد دمية في يد المحاكم». وأضاف أن المدعية العامة لم تحدد قوانين بعينها انتهكها بن غفير.

وطعنت (الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل)، وهي حملة تهدف إلى تعزيز معايير الديمقراطية، على قانون الشرطة لعام 2022 أمام المحكمة العليا.

وقال أوري هيس، المحامي في الحركة، إن القانون أعطى بن غفير سلطة خطيرة للتدخل في السياسة الإسرائيلية؛ لأنه يستطيع استخدام الشرطة لقمع المشاعر المناهضة للحكومة.

وذكر يوآف سيغالوفيتش، وهو عضو في الكنيست عن حزب معارض وضابط إنفاذ قانون سابق ترأس قسم التحقيقات والاستخبارات في الشرطة، إن التغييرات التي أجراها بن غفير يحتمل أن تسبب أضراراً لا رجعة فيها، وقد يستغرق تصحيحها سنوات.

وقال سيغالوفيتش: «ينبغي ألا يتمتع أي سياسي بسلطة على كيفية استخدام الشرطة؛ لأن الشرطة ليست مثل الجيش، فالشرطة تتعامل مع المواطنين؛ الشرطة تتعامل مع القضايا الأكثر حساسية».