فرصة تاريخية أخرى أمام نتنياهو

هل يتلقفها ويفتح الآفاق أو يخسرها وتستمر دوامة الصراع؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اجتماع حكومي (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اجتماع حكومي (أ.ف.ب)
TT

فرصة تاريخية أخرى أمام نتنياهو

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اجتماع حكومي (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اجتماع حكومي (أ.ف.ب)

معظم القادة الإسرائيليين كانوا نائمين، عندما بثت قناة «فوكس نيوز» اللقاء مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في الواحدة بعد منتصف الليل (بالتوقيت المحلي). وعندما أفاقوا، كان بينهم من أفاق على فجر جديد مشرق، وكان بينهم من تمنى لو طالت نومته. فالحديث العلني الأول عن التطبيع مع إسرائيل، في هذه الحقبة من الزمن، تضمن شرطاً للدفع بالقضية الفلسطينية إلى اتجاه جديد ينهي الصراع ويحقق السلام... وجاء ليحدث زلزالاً سياسياً في تل أبيب، لن يكون هناك مفر من التعاطي معه بطريقة جديدة، هي النقيض التام لسياسة اليمين المتطرف الحاكم.

نتنياهو في نيويورك الأربعاء (رويترز)

في ظروف طبيعية، وبوجود مسؤولين يتمتعون بروحية القيادة الشجاعة، لكان رئيس الوزراء الإسرائيلي يتلقف هذه المبادرة كأنها كنز يقدمه أفضل هدية لشعبه، لمناسبة الاحتفال بمرور 75 سنة على قيام إسرائيل، لأنها ترمي إلى وضع حد للصراع الدامي، وفتح آفاق للأجيال القادمة. فقد أضاع قادة إسرائيل السابقون، وبينهم نتنياهو، الفرصة التاريخية التي وفرتها المبادرة السعودية للسلام سنة 2002، التي أصبحت مبادرة لجميع الدول العربية، ثم حظيت بتأييد الدول الإسلامية... منذ ذلك الحين قتل حوالي 700 إسرائيلي وحوالي 2700 فلسطيني... وإضاعة الفرصة مرة أخرى، ستعني التفريط في أرواح عدد أكبر من البشر، فضلاً عن آلاف الجرحى والمعوقين والخسائر المادية وتبعاتها المدمرة.

ولي العهد تكلم عن عصر جديد، وبلغة العصر الجديد، الذي رفع فيه راية الانفراج. وبدا أن حديثه عن التطبيع مع إسرائيل يندرج في إطار هذا الانفراج، الذي يشمل إيران وسوريا واليمن ويفتح الباب لرفع مستوى العلاقات مع الصين وروسيا، والحفاظ على العلاقات التاريخية مع الولايات المتحدة وبقية دول الغرب.

رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن وقائد أركان الجيش الإسرائيلي رفائيل إيتان في يونيو 198 (غيتي)

ورغم تحذيرات واعتراضات اليسار الأميركي والإسرائيلي، اختار ولي العهد رمي الكرة في الملعب الإسرائيلي، في عهد غلاة اليمين المتشدد. وقال، إنه لا يهمه من يدير الحكم في إسرائيل فهذا شأن داخلي لها. ولكن محاولة طرح مبادرة سلام على حكومة اليمين بالذات، هي ضربة معلم. فالتاريخ الإسرائيلي دلّ على أن اليمين كان أقدر من اليسار والليبراليين على اتخاذ قرار يتجاوب مع مبادرات السلام. ففي حين رفضت قيادة حزب العمل برئاسة غولدا مائير مبادرة السلام التي طرحها الرئيس المصري (الراحل) أنور السادات، وافق مناحم بيغن، أول رئيس حكومة يميني، على مبادرة السادات الثانية، وانسحب من الأراضي المصرية المحتلة حتى آخر شبر. ووافقت حكومته، لأول مرة في تاريخ إسرائيل، على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.

غولدا مائير (من أرشيف الدولة العبرية)

ومع أن الاتفاق في حينه تحدث عن حكم ذاتي يفاوض الفلسطينيون على حدوده مع إسرائيل، إلا أنه احتوى على إمكانية أن يكون بداية مهمة في ذلك الوقت. وإسحق رابين، الذي يعتبر على يمين حزب العمل، أبرم اتفاقيات أوسلو مع الفلسطينيين. وأرئيل شارون، مؤسس تحالف أحزاب اليمين في حزب واحد هو «ليكود»، انسحب من قطاع غزة وشمالي الضفة الغربية بشكل أحادي الجانب، وأخلي 8 آلاف مستوطن، وأزال 21 مستوطنة. وإيهود أولمرت، الذي نما وترعرع في «ليكود»، عرض خارطة لحل الدولتين تعتبر أقرب خطة لمطالب الفلسطينيين.

المصافحة التاريخية برعاية الرئيس بيل كلينتون بين ياسر عرفات وإسحاق رابين بعد اتفاق أوسلو بواشنطن يوم 13 سبتمبر 1993 (غيتي)

وعندما يوافق اليمين على أي مبادرة سلام، سيحظى بتأييد نحو 100 من مجموع 120 عضواً في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، بينما الوسط الليبرالي واليسار سيجندان نصف عدد النواب على الأكثر، في مقابل النصف الثاني... ومن اغتالوا رابين، وأرسلوا أولمرت إلى السجن، يمكن أن يغتالوا ويسجنوا آخرين.

نتنياهو بدأ طريقه السياسي على نمط هؤلاء نسبياً. فمع أنه عارض «أوسلو»، وقاد حملة مرعبة ضده وضد رابين، انتهت بالاغتيال، لكنه، عندما خاض المعركة الانتخابية سنة 1996، أعلن أنه لن يلغي الاتفاق. وعندما فاز بالحكم، نفذ انسحاباً من 85 في المائة من مدينة الخليل، و13 في المائة من الضفة الغربية.

اليوم يبدو مختلفاً، حيث أنه بات أسيراً بيد حلفائه المتطرفين، وأمامه قضية محرقة، هي الخلاص من محاكمة الفساد. وحلفاؤه لا يرحمونه، ويحاولون فرض عقيدتهم المتطرفة عليه. ولكنه أيضاً، ما زال نتنياهو، صاحب أكبر تجربة في قيادة الحكم في إسرائيل، وجمهوره واسع، والكثيرون منهم مستعدون للموت في سبيله. فلو قرر الآن التجاوب مع مبادرة تطبيع مع السعودية في مقابل انعطافة في القضية الفلسطينية، لحقق أكبر المكاسب على الصعيد الشخصي والحزبي. وقد يتحول، من رئيس حكومة يواجه أضخم حملة احتجاج، ويدير حكماً في ظل تدهور أمني وانفلات فوضوي، والدولة تدير ضده محاكمة بتهم الفساد، ويواجه إدارة أميركية تمتنع عن دعوته للقاء رئيسها طيلة تسعة أشهر... سيتحول إلى رئيس حكومة مختلف. ربما يستعيد قسماً كبيراً من شعبيته. ويعزز مكانته الدولية والإقليمية. وربما يساعده هذا أكثر، على التخلص من المحاكمة. ويوقف الاحتجاجات. وينخرط في الانفراج الإقليمي ويجدد آمال السلام.

مظاهرة مناهضة لخطة نتنياهو في تل أبيب (رويترز)

كل ما يحتاجه، هو أن يتمتع بجرأة القائد السياسي الشعبي، وينسجم مع رياح التغيير، التي تهب من الصحراء العربية العصرية، ويضع يده بيد من يخطط لمشاريع تطوير نهضة عملاقة مثل 2030 و2050، وعقلية نيوم، ويتحرر من عقلية الاحتلال والتمسك بعقلية «إدارة الصراع» القديمة المهترئة والفاشلة.

قد يكون الأمر صعباً والطريق شائكاً، ولا توجد في الدنيا نجاحات في طريق مفروش بالورود. فنتنياهو يواجه معارضة كبيرة وشديدة وصلبة جداً؛ في المتراس المضاد له، تقف الدولة العميقة، التي تخشى على منظومة الحكم، وخرجت إلى الشوارع لتحطيم خطته، وربما حكومته برمتها، وفيها، الجيش وجهاز القضاء والأكاديمية، ومعاهد البحوث والمؤسسة الاقتصادية. لكن هؤلاء يحاربونه لأنه اختار خطة الانقلاب. ومن يقرأ بعمق الخريطة السياسية في إسرائيل، يدرك أن هذه الخطة أصلاً لن تستمر، بسبب هذه المعارضة. فإذا تراجع عنها يسترد تأييد قسم كبير من المعارضين. وسيستعيد حلفاء سابقين، ويضيف حلفاء جدداً. وسيحدث تغييراً في المعادلة السياسية بالكامل. وسيجد إلى جانبه الإدارة الأميركية ودول الغرب. وسيعيد الحرارة إلى «اتفاقيات إبراهيم» ويوسعها أكثر.

باختصار، ستصبح لديه كل الأسباب للإقدام وإحداث التغيير، لكن الأهم من ذلك: رفض هذه المبادرة، سيكلفه ثمناً باهظاً على جميع الصعد والمجالات. وسيجعله قائداً عاجزاً معزولاً، لا فائدة منه ولا رجاء.


مقالات ذات صلة

الإمارات تدين مداهمة «الأونروا» وتحذّر من تقويض حل الدولتين

الخليج مبنى وزارة الخارجية الإماراتية (وام)

الإمارات تدين مداهمة «الأونروا» وتحذّر من تقويض حل الدولتين

دعت دولة الإمارات إلى ضرورة دعم الجهود الإقليمية والدولية لدفع عملية السلام في الشرق الأوسط قدماً، ووضع حدّ للممارسات غير الشرعية التي تهدد حلّ الدولتين.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
شؤون إقليمية معبر جسر الملك حسين الحدودي مع الأردن (أ.ف.ب)

إسرائيل تعيد فتح معبر مع الأردن أمام المساعدات المتّجهة إلى غزة

أعادت إسرائيل الأربعاء فتح معبر اللنبي (جسر الملك حسين) الحدودي بين الأردن والضفة الغربية المحتلة أمام دخول الشاحنات المحمّلة بمساعدات لغزة بعد نحو ثلاثة أشهر.

«الشرق الأوسط» (القدس)
شؤون إقليمية وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس (يسار) ورئيس الأركان إيال زامير (وزارة الدفاع) play-circle

كاتس يتراجع أمام زامير ويسوِّي معه جميع الخلافات

كاتس يتراجع أمام زامير، ويتفق معه على توحيد التحقيقات في إخفاقات «السابع من أكتوبر»، ويُلغي تجميد ترقيات في الجيش الإسرائيلي.

كفاح زبون (رام الله)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال نظيرة التركي في القاهرة فبراير 2024 (الرئاسة المصرية)

التعاون الدفاعي المصري - التركي «يربك موازين القوى الإقليمية»

حذر إعلام عبري من «التعاون العسكري بين مصر وتركيا في مجال تصنيع الطائرة الشبحية KAAN»، مما يهدد «التفوق الجوي الإسرائيلي مستقبلاً».

هشام المياني (القاهرة )
شؤون إقليمية صورة توضيحية للقرصنة السيبرانية (رويترز)

«نقرة واحدة كفيلة بإسقاط دولة»... تحذير«نادر» لمسؤول إسرائيلي

أطلق رئيس الهيئة الوطنية للأمن السيبراني في إسرائيل يوسي كارادي تحذيراً، وصفته صحيفة «يديعوت أحرونوت» بـ«النادر»، بشأن التهديدات السيبرانية

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

روبيو يبحث مع نظيره الإسرائيلي تنفيذ خطة ترمب للسلام في غزة

ماركو روبيو ونظيره الإسرائيلي جدعون ساعر في مقر الخارجية الأميركية في واشنطن (ا.ف.ب)
ماركو روبيو ونظيره الإسرائيلي جدعون ساعر في مقر الخارجية الأميركية في واشنطن (ا.ف.ب)
TT

روبيو يبحث مع نظيره الإسرائيلي تنفيذ خطة ترمب للسلام في غزة

ماركو روبيو ونظيره الإسرائيلي جدعون ساعر في مقر الخارجية الأميركية في واشنطن (ا.ف.ب)
ماركو روبيو ونظيره الإسرائيلي جدعون ساعر في مقر الخارجية الأميركية في واشنطن (ا.ف.ب)

أفادت وزارة الخارجية الأميركية، اليوم، أن الوزير ماركو روبيو التقى مع نظيره الإسرائيلي جدعون ساعر، حيث بحثا قضايا الأمن الإقليمي والجهود الإنسانية، بما في ذلك تنفيذ خطة الرئيس دونالد ترمب المكونة من 20 بنداً لوقف إطلاق النار في غزة.

وأضافت الوزارة في بيان: «بحث الوزيران أيضا الوضع في سوريا ولبنان، وجددا التأكيد على التزامهما بالتعاون الوثيق سعيا لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط».


إسرائيل تعيد فتح معبر مع الأردن أمام المساعدات المتّجهة إلى غزة

معبر جسر الملك حسين الحدودي مع الأردن (أ.ف.ب)
معبر جسر الملك حسين الحدودي مع الأردن (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تعيد فتح معبر مع الأردن أمام المساعدات المتّجهة إلى غزة

معبر جسر الملك حسين الحدودي مع الأردن (أ.ف.ب)
معبر جسر الملك حسين الحدودي مع الأردن (أ.ف.ب)

أعادت إسرائيل، الأربعاء، فتح معبر اللنبي (جسر الملك حسين) الحدودي بين الأردن والضفة الغربية المحتلة أمام دخول الشاحنات المحمّلة بمساعدات لغزة بعد نحو ثلاثة أشهر على إغلاقه، وفق ما أفاد به مسؤولون إسرائيليون وفلسطينيون لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وكانت إسرائيل أغلقت المعبر الذي تديره بعدما فتح سائق أردني النار عند الحدود في سبتمبر (أيلول) وأردى عسكريَّين إسرائيليَّين. بعد بضعة أيام أعيد فتح المعبر أمام الأفراد، لكنه بقي مغلقاً أمام المساعدات الإنسانية المتّجهة إلى قطاع غزة الذي دمّرته الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس».

وقال متحدّث باسم وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية (كوغات) إن «معبر اللنبي فتح اليوم والشاحنات تمر من معبر اللنبي إلى غزة». وأكد مسؤول فلسطيني مشترطاً عدم الكشف عن هويته فتح المعبر.

الثلاثاء، سُمح لـ96 شاحنة محمّلة بمواد لإنتاج الأسمنت بالعبور، وفق المسؤول. والأربعاء دخلت عبره 20 شاحنة محمّلة بمساعدات إنسانية، فيما يتوقّع السماح الخميس بدخول الرمل لقطاع البناء.

منذ إغلاق المعبر، تقول السلطات الأردنية إنها تمكّنت من إدخال مساعدات لغزة من معبر الشيخ حسين الواقع شمال الضفة الغربية. والثلاثاء، قال مسؤول إسرائيلي إن نقل البضائع والمساعدات من الأردن عبر معبر اللنبي سيُستأنف قريباً.

وأضاف «إن جميع شاحنات المساعدات المتجهة إلى قطاع غزة ستسير تحت مرافقة وتأمين، بعد خضوعها لفحص أمني دقيق... تم تشديد إجراءات الفحص الأمني وتحديد الهوية للسائقين الأردنيين والحمولات، كما جرى تخصيص قوات أمنية مختصة لتأمين المعبر».

والمعبر الواقع في غور الأردن هو الوحيد الذي يتيح لفلسطينيي الضفة الغربية المغادرة من دون عبور الأراضي الإسرائيلية.

وتمنع إسرائيل الفلسطينيين من السفر عبر مطاراتها إلا في حال كانوا يحملون تصاريح خاصة.


بزشكيان سيلتقي بوتين في تركمانستان

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يسار) يصافح نظيره الإيراني مسعود بزشكيان خلال لقائهما في موسكو (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يسار) يصافح نظيره الإيراني مسعود بزشكيان خلال لقائهما في موسكو (رويترز)
TT

بزشكيان سيلتقي بوتين في تركمانستان

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يسار) يصافح نظيره الإيراني مسعود بزشكيان خلال لقائهما في موسكو (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يسار) يصافح نظيره الإيراني مسعود بزشكيان خلال لقائهما في موسكو (رويترز)

ذكرت وسائل إعلام إيرانية، اليوم الأربعاء، أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان سيلتقي نظيره الروسي فلاديمير بوتين في تركمانستان الأسبوع المقبل.

وأفادت وكالة «أرنا» الرسمية نقلاً عن محسن حاجي ميرزائي، أن بزشكيان سيتوجه إلى كازاخستان، قبل التوجه إلى تركمانستان للمشاركة في قمة تركز على السلام، بحضور عددٍ من رؤساء الدول.

وقال كاظم جلالي، السفير الإيراني لدى موسكو، أن بزشكيان يجري محادثات مع بوتين على هامش القمة، حسبما أوردت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري».

وسُجل تقارب بين موسكو وطهران منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022، ووقَّع البلدان معاهدة شراكة استراتيجية تهدف إلى تعزيز العلاقات بينهما، خصوصاً العسكرية.

واتهمت الدول الغربية وكييف إيران بتزويد روسيا مسيرات من طراز «شاهد» وصواريخ قصيرة المدى استخدمتها في حربها في أوكرانيا.