من قصص الأطفال الإيطالية، تبرز قصتان إنسانيتان، مفعمتان بالتفاعل مع عقل يفتّش عن مُثُل غير مُتَكلّفة، وتشرع القصتان نافذة لحاجة أدب الطفل في العالم العربي للانفتاح كذلك على الأدب العالمي، خصوصاً المترجم.
حكاية «بلوم ومأدبة العملاق»، من تأليف ماركو نوتشي، ورسوم أليسا مانيني، وترجمة ألمى سالم، وقصة «ابتعد قليلاً»، من تأليف بينا إيراتشه، ورسوم فيرونيكا روفاتو، وترجمة الدكتورة نجلاء والي، وكلتاهما صدرت عن مشروع «كلمة» للترجمة بـ«مركز أبوظبي للغة العربية».
قصة «بلوم ومأدبة العملاق» تشبه إلى حدٍ ما قصص السندباد في حكايات «ألف ليلة وليلة»، حيث تستعرض القصة حياة أربعة من الأصدقاء تربطهم علاقة قوية، ويعيشون في قرية ساحلية نائية، وهي قرية يسكن بها قصار القامة (الأقزام)، يعمل أحدهم، اسمه «بيوت» طباخاً، أما الآخر واسمه «كرين» فيعمل نجاراً، بينما يعمل «توك» حداداً، أما بطل القصة «بلوم» فلم تكن له مهنة كأصدقائه، لكنه كان حالماً شارداً طوال الوقت، يحلق في النجوم والغيوم، يحلم بأن يغادر القرية ويجوب العالم، لكن قريته لم تكن بها إمكانات متقدمة تسمح له بالسفر، وأمواج البحر عالية جداً.
وفي يوم من الأيام وصل عملاق كبير للقرية، فأراد إمبراطور القرية أن يكرمه ويقدم له مأدبة ضيافة تليق به، فطلب من الطباخ «بيوت» أن يعدّ تلك المائدة، فعجز «بيوت» عن إعدادها، فأهل القرية أقزام وأدوات الطهي الخاصة بهم صغيرة وطعامهم قليل يناسب أحجامهم، وكل هذه الأشياء لا تناسب العملاق ولن تكفي لإطعامه. لكنّ صديقه «بلوم» تمّكن من حل المشكلة بأفكاره وخياله، وقدم الأصدقاء الأربعة مأدبة تليق بالعملاق، لكن نجاح «بلوم» كان مضاعفاً حيث تمكّن من مغادرة القرية بصحبة أصدقائه.

تقاليد الحكي الشعبي
ما يلفت النظر في القصة أنها استخدمت التقنيات التقليدية للحكي، رغم أنها قصة مترجمة، لكنها بدأت كما تبدأ القصص العربية بعبارة «كان يا ما كان، في قديم الزمان»، ولا نعرف هل هذه العبارة وردت في القصة الأصلية، أم إنها إضافة من مترجمة القصة، كي تناسب تقاليد الحكي المتعارف عليها، التي يبدأ بها رواة الحكاية.
لكنّ القصة تغرس في ذهن القارئ الصغير فكرة «التفرّد»... بدا «بلوم» مختلفاً عن أصحابه، يفكر خارج الصندوق، فرغم صغر حجمه وحياته في جزيرة نائية، لا توجد بها سفن يمكنها اجتياز البحر والسفر، إلا أنه تمّكن من تحقيق حلمه. هذا التفرد دائماً ما يميّز أبطال السيّر والحكايات الشعبية، ويميزهم عن باقي أبطال الحكاية، ويجعل منهم القدوة.
نجحت اللوحات المرافقة للسرد، في هذه القصة، في توضيح الفكرة بشكل جميل، وأظهرت التباين بين حجم العملاق وأهل القرية الأقزام، وشكل الأواني وأحجامها، والحياة داخل الجزيرة، وملامح أهلها وأبطال القصة.
«ابتعد قليلاً»
تستعرض قصة «ابتعد قليلاً»، فكرة التعايش مع الآخرين، والاختلاف بين الأقوال والأفعال، وذلك من خلال عملاق (أيضاً) يسكن الغابة المتاخمة للمدينة، الذي كان أهل المدينة يحتفون به بشكل مبالغ فيه، فيتحدثون عنه في البرامج التليفزيونية ويكتبون عنه في الصحف، ويطلقون اسمه على المطاعم والمقاهي والساحات والشوارع الموجودة بالمدينة. بالرغم من أنه لم يحظ أحدهم برؤيته، وأقصى ما أتيح لهم هو رؤيته ظله من خلف ستائر بيته الكبير في الغابة.
تبرز القصة فكرة اختبار التعايش مع الناس بدون فرض أو إكراه. كان العملاق نموذجاً لهذه الفكرة. حين وجد أن القرية لا يمكنها استيعاب وجوده وحركته فيها، فضّل العودة إلى الغابة والاحتفاظ بعلاقات وديّة مع أهل القرية، وأن يعود لسيرته الأولى؛ يتجول بين الجبال والبحار والأنهار والغابات، ولا يستقر في مكان.
تغرس القصة في ذهن القارئ الصغير أساليب التعامل مع الناس، وألا يبني أحدهم تصوره ورأيه عن أحد بمجرد السماع والمشاهدة فقط، بل عليه أن يتعامل معه بشكل مباشر، كما أن ترك مسافة مع الآخرين، تساهم في الحفاظ على الخصوصية والحرية.
