غازي القصيبي يرافق «الرواية السعودية» إلى منصة التكريم في قطر

«كتارا» تطلق مسابقة تواكب الطفرة مع الذكاء الاصطناعي

معرض للأديب والدبلوماسي السعودي الراحل غازي القصيبي الذي اختير شخصية العام (كتارا)
معرض للأديب والدبلوماسي السعودي الراحل غازي القصيبي الذي اختير شخصية العام (كتارا)
TT

غازي القصيبي يرافق «الرواية السعودية» إلى منصة التكريم في قطر

معرض للأديب والدبلوماسي السعودي الراحل غازي القصيبي الذي اختير شخصية العام (كتارا)
معرض للأديب والدبلوماسي السعودي الراحل غازي القصيبي الذي اختير شخصية العام (كتارا)

تحتفي «المؤسسة العامة للحي الثقافي في قطر (كتارا)» بالأديب والدبلوماسي السعودي الراحل غازي القصيبي الذي اختير شخصية العام، وبالرواية السعودية التي تمّ اختيارها «ضيف شرف» الدورة الحالية للجائزة.

ويأتي الحضور الأدبي السعودي في العاصمة القطرية الدوحة، ضمن فعاليات «مهرجان كتارا للرواية العربية» في نسخته الحادية عشرة، الذي يحضره عدد من الشخصيات الأدبية والثقافية، وتتضمن هذه الدورة إطلاق مبادرات جديدة وفعاليات استثنائية بمناسبة دخول الجائزة عقدها الثاني.

ويشتمل المهرجان على افتتاح معرض الأديب والدبلوماسي السعودي الراحل غازي القصيبي، الذي تم اختياره شخصية العام، إلى جانب معرض «رحلة في الرواية السعودية من التأسيس إلى العالمية»، بمناسبة اختيار الرواية السعودية ضيف شرف الدورة الحالية للجائزة.

وتحضر الرواية السعودية في «مهرجان كتارا للرواية العربية» بالدوحة، الاثنين، بندوة «الرواية السعودية... النشأة والتطور»، يديرها محمد العامري، ويتحدث فيها الأكاديمي والناقد السعودي الدكتور معجب العدواني، حيث يقدّم ورقة بعنوان: «في نقد المسارات المهيمنة على الكتابة الروائية السعودية»، كما يتحدث في الندوة الروائي محمد المزيني، وأستاذة الدراسات النقدية الدكتورة جميلة العبيدي.

ندوة "الرواية السعودية... النشأة والتطور" ضمن فعاليات المهرجان الاثنين المقبل (كتارا)

وعقب افتتاح المهرجان، سيتم افتتاح «معرض كتارا للكتاب» في نسخته الثالثة، بمشاركة نحو 90 دار نشر قطرية وعربية، وتتضمن فعاليات اليوم الأول حفلاً لتوقيع الكتب الفائزة في الدورة العاشرة للجائزة، من بينها روايات تمت ترجمتها إلى الإنجليزية والفرنسية إلى جانب اللغة العربية، فيما تختتم فعاليات اليوم بندوة بعنوان «الرواية السعودية... النشأة والتطور».

ويقام في اليوم نفسه «معرض كتارا للكتاب» في نسخته الثالثة، والمقام في القاعة 12، بمشاركة نحو 90 دار نشر قطرية وعربية، وكذلك تتضمن فعاليات اليوم الأول للمهرجان حفل توقيع على الكتب الفائزة في الدورة العاشرة للجائزة، ومن بينها روايات ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية إلى جانب اللغة العربية.

وفيما يتعلق باليوم الثاني للمهرجان، الثلاثاء، الموافق 14 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، سيتم الإعلان عن مشروع «الرواية تجمعنا»، وهو عبارة عن مشاركة روائي قطري مع مجموعة من الروائيين العرب لإخراج رواية مشتركة.

وتقام في اليوم نفسه ندوتان؛ الأولى عن الأديب والدبلوماسي الراحل غازي القصيبي تتناول شخصيته وتجربته الإبداعية، والثانية بعنوان: «الرواية التاريخية - المرجعي والتخيلي».

وتحمل الندوة الخاصة بالشاعر والأديب والدبلوماسي السعودي غازي القصيبي عنوان «غازي القصيبي - الشخصية والتجربة الإبداعية» يتحدث فيها الدكتور معجب الزهراني، والدكتور محمد الصفراني، والدكتور سعيد السريحي، ويديرها محمد بودي.

ندوة تتناول شخصية الأديب والدبلوماسي الراحل غازي القصيبي وتجربته الإبداعية (كتارا)

وفي اليوم الثالث للمهرجان، الأربعاء، الموافق 15 أكتوبر الحالي، سيتم الإعلان عن مشروع «مسابقة كتارا للرواية والذكاء الاصطناعي»، الرائد الذي يواكب الطفرة التي حدثت في استخدامات الذكاء الاصطناعي.

ويقوم المشروع بتحويل الروايات غير المنشورة والرواية التاريخية غير المنشورة إلى أفلام باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وسيتم توزيع جوائز قيمة للفائزين الثلاثة الأوائل.

وتقام في هذا اليوم نفسه ندوتان؛ الأولى بعنوان: «الرواية - من النص إلى القارئ... آليات التسويق وأفق الانتشار»، يتحدث فيها عدد من المختصين البارزين، بين روائي وناشر وخبير تسويق، والثانية بعنوان: «الرواية العربية والدراما التلفزيونية في الخليج من السرد المكتوب إلى الصورة المحكية» يتحدث فيها خبراء في الدراما والأدب.

ويقام في اليوم الرابع للمهرجان، الخميس، حفل توزيع «جوائز كتارا للرواية العربية» في دورتها الحادية عشرة، وتكريم الفائزين في فئات الجائزة الست، وهي: الروايات المنشورة، وغير المنشورة، روايات الفتيان، الرواية التاريخية غير المنشورة، الدراسات النقدية، والرواية القطرية، ويُقام هذا الحفل في مسرح الأوبرا، في بث مباشر ينقله تلفزيون قطر.

وقبيل حفل توزيع جوائز الدورة الحادية عشرة لـ«جائزة كتارا للرواية العربية»، سيتم الإعلان عن مشروع «بودكاست الرواية العربية»، وهو مشروع رائد يضاف إلى جهود الجائزة في تعزيز حضور الرواية العربية إقليمياً ودولياً، كما تقام ندوة بعنوان: «الرواية في القرن الأفريقي - السمات والأبعاد»، لتسليط الضوء على تطور الرواية العربية في هذا الإقليم صاحب الموقع الاستراتيجي، الذي شهد تطوراً هائلاً في الإنتاج الروائي خلال العقود الأخيرة.

ويقام في اليوم الخامس للمهرجان الجمعة، عرض مسرحي بعنوان: «الرواية في مسرح العرائس»، كما سيتم الإعلان عن «مسابقة كتارا للرواية الشبابية» لطلاب الجامعات في الدول العربية، بالإضافة إلى ندوتين؛ الأولى بعنوان: «الرواية العربية وجماليات الترجمة»، تتناول أهمية الترجمة في الوصول بالرواية العربية للعالمية، والثانية بعنوان: «سرديات التراث في الرواية العربية»، وتتناول جانباً مهماً من السرد يتعلق بالحفاظ على التراث في المنطقة العربية ونقله للأجيال الناشئة وتقديمه للعالم لكي يتعرف على الثقافة العربية وجذورها الحضارية.

ويقام في اليوم السادس للمهرجان، السبت، ندوتان إلى جانب ورشة تدريبية تتناول الهندسة الثقافية في مجال الرواية، وبالنسبة للندوتين؛ الأولى تأخذ عنوان: «الرواية بعدسات معتمة» بالتعاون مع مركز النور للمكفوفين، والندوة الثانية بعنوان: «الرواية وصناعة الاقتصاد الثقافي».

وفي اليوم السابع والأخير للمهرجان، الأحد، 19 أكتوبر الحالي، تقام ندوتان؛ الأولى بعنوان: «الحوار وبناء السلام في الرواية العربية: نماذج واتجاهات»، بالتعاون مع مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، والندوة الثانية بعنوان: «الملكية الفكرية والحماية القانونية للروائيين»، يتحدث فيها خبراء بالمجال.

وتتخلل فعاليات المهرجان ورش عمل تقام في مقر «مكتبة كتارا للرواية العربية»، ومن بينها: ورشة الهندسة الثقافية في مجال الرواية، وورشة تقنيات الكتابة في الرواية التاريخية، وورشة عن روايات الفتيان والفن التشكيلي.


مقالات ذات صلة

بلماضي مدرب الدحيل يشيد بلاعبيه بعد الفوز على شباب الأهلي

رياضة عربية الجزائري جمال بلماضي المدير الفني لفريق الدحيل (أ.ف.ب)

بلماضي مدرب الدحيل يشيد بلاعبيه بعد الفوز على شباب الأهلي

أعرب الجزائري جمال بلماضي، المدير الفني لفريق الدحيل، عن سعادته الكبيرة بالفوز الذي حققه الفريق على شباب الأهلي الإماراتي 4 - 1.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
رياضة عربية الإسباني ألفارو ميخيا المدير الفني للمنتخب القطري للناشئين (الاتحاد القطري)

«مونديال الناشئين»: مدرب قطر راض رغم الخسارة أمام إيطاليا

أبدى الإسباني ألفارو ميخيا، المدير الفني للمنتخب القطري للناشئين، رضاه عن أداء فريقه رغم الخسارة 2-1 أمام إيطاليا.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
رياضة عربية قطر خسرت من إيطاليا في افتتاح مونديال الناشئين (الاتحاد القطري)

قطار كأس العالم للناشئين ينطلق… وقطر تدشن مشوارها بخسارة من إيطاليا

انطلقت، الاثنين، في العاصمة القطرية الدوحة بطولة كأس العالم للناشئين، بمشاركة 48 منتخباً، في نسخة تُعد الأولى من نوعها في تاريخ البطولة.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
رياضة عربية المغرب خسر من اليابان بثنائية (الاتحاد الآسيوي)

«مونديال الناشئين»: المغرب يخسر أمام اليابان بثنائية

تعرض المنتخب المغربي للهزيمة في مستهل مشواره ببطولة كأس العالم لأقل من 17 عاماً والتي انطلقت الاثنين في العاصمة القطرية الدوحة، وذلك أمام نظيره الياباني صفر/2.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
رياضة عالمية الإمارات تعادلت مع كوستاريكا في مونديال الناشئين (الاتحاد الإماراتي)

«مونديال الناشئين»: الإمارات تستهل مشوارها بالتعادل مع كوستاريكا

استهل المنتخب الإماراتي مشواره في بطولة كأس العالم لأقل من 17 عاماً في قطر، بالتعادل مع نظيره الكوستاريكي 1 - 1.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)

زاهي حواس: الإعلان عن كشف أثري كبير داخل هرم خوفو العام المقبل

زاهي حواس (صفحته على «فيسبوك»)
زاهي حواس (صفحته على «فيسبوك»)
TT

زاهي حواس: الإعلان عن كشف أثري كبير داخل هرم خوفو العام المقبل

زاهي حواس (صفحته على «فيسبوك»)
زاهي حواس (صفحته على «فيسبوك»)

كشف عالم المصريات الدكتور زاهي حواس، إن مصر ستعلن العام المقبل عن كشف أثري كبير داخل هرم خوفو العام المقبل.

وقال خلال جلسة حوارية ضمن معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ44، إن الكشف الجديد يعد «كشفاً أثرياً عظيماً سيكتب فصلاً جديداً في تاريخ الفراعنة»، موضحاً أنه عبارة عن ممر جديد بطول 30 متراً تم رصده باستخدام أجهزة متقدمة.

الهرم الأكبر خوفو (الشرق الأوسط)

وخلال الجلسة قدم العالم المصري شرحاً علمياً مفصلاً حول كيفية بناء الأهرامات، والخطوات الهندسية والإنشائية التي استخدمها المصريون

القدماء في عمليات البناء، مفنداً النظريات غير العلمية التي تزعم تدخل كائنات غريبة أو قوى خارقة في تشييدها.

وتحدث حواس عن التقنيات الحديثة التي يتم استخدامها حالياً في فحص وتنظيف فتحات الأهرامات بالروبوتات المتطورة، ما أتاح للفرق العلمية

الوصول إلى مناطق لم يكن ممكنا دخولها من قبل.

وتطرقت الجلسة إلى المتحف المصري الكبير، الذي افتتح بداية الشهر الجاري، ووصف المتحدث المتحف بإنه «أحد أعظم المتاحف في العالم»،

حيث يضم أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية من كنوز الملك توت عنخ آمون تعرض كاملة للمرة الأولى.

كما تناولت الجلسة جهود استعادة القطع الأثرية المصرية من المتاحف العالمية، وأكد حواس أن «هذه القضية ليست مجرد شأن وطني، بل حق تاريخي

وحضاري يجب أن يسترد».

وأشار إلى مساعيه لاستعارة أبرز القطع الأثرية المصرية مثل تمثال نفرتيتي، وحجر رشيد، والقبة السماوية، رغم ما واجهه من رفض من بعض المتاحف.


الفن التشكيلي السعودي بين الموجود والوجود

الفنانة لولوة الحمود
الفنانة لولوة الحمود
TT

الفن التشكيلي السعودي بين الموجود والوجود

الفنانة لولوة الحمود
الفنانة لولوة الحمود

إن الفن، بوصفه أداة تعبيرية متقدمة، يُمكِّن الإنسان من تجسيد مكنوناته ومشاعره، التي تظلّ عصيّة على الفهم بغير وسيلته. فالفن ليس مجرد كلمة أو صوت أو لون أو حجر، بل تجاوز لمادية هذه الأدوات واستخدامها لتعبر عن شيء آخر؛ هو التعبير المجازي، ليحمّلها معنى آخر. وهذا الأمر هو ما يستثير المتلقي، ويحيله لمعان وخبرات أو ذكريات وانفعالات أخرى. إن هذه المعاني التي يثيرها الفن هي ما تمنحه القدرة على التأثير، وهي ما تمثل جوهره وحقيقته وانفتاحه على معان عديدة وحقيقة متوارية، يمكن اكتشافها مراراً.

إن ما يميز الفن كما جاء في وصف «مارتن هايدغر»، تعبيره عما يتجاوز الموجودات؛ فهو يعبر عن العدم والوجود والحالات الإنسانية العميقة والمعقدة كالقلق، وهذه تعبيرات يصعب على العلم تفسيرها أو إدراكها.

لوحة (أحذية الفلاحين) لفنسنت فان جوخ

«أحذية الفلاحين»

وكمثال على المعنى الذي ذكره هايدغر عن الفن، لوحة فان جوخ «أحذية الفلاحين»، فهذه اللوحة ليست مجرد نقل مباشر وسطحي للواقع أو المشهد، بل كشفٌ عن كفاح الفلاح ومعاناته وتعبه وسيره في الحقول. لم تكن اللوحة تصويراً لشيء جميل أو نافع، كانت كشفاً عن حقيقة تتوارى خلف الحذاء، حقيقة الطبقة الكادحة، وسعيها الدائم في الحياة.

ومن اللوحات التي نجد فيها أيضاً هذا التعبير الوجودي العدمي أو عن حالة القلق، «المتأمل فوق بحر الضباب» لكاسبر ديفيد فريدريش، حيث تعكس هذه اللوحة شعور الرهبة والجلال أمام عظمة الطبيعة والخلق وضآلة الإنسان. وكذلك «الصرخة» الشهيرة لإدفارد مونخ، التي تعد أيقونة ورمزاً للقلق الوجودي، وحظيت باهتمام نقدي وفني واسع، وتناولتها بحوث ودراسات مستفيضة.

حقيقة الفن تكمن في قدرته على صياغة الأسئلة الكبرى وهو ما يتطلب مزيداً من التعمق والجرأة الفكرية

هل نجد أعمالاً فنية تعكس هذا التعبير الوجودي في الفن التشكيلي السعودي؟

اتجه الفن السعودي في تاريخه الحديث بشكل واضح للتعبير عن القضايا المجتمعية، والتاريخ والهوية، أو الجماليات الشكلية، وهذه التوجهات بطبيعتها هي محاولات تفسير أو تعبير للموجود - وليس الوجود - وهذا لا ينفي البتة حضور أعمال فنية تتبنى المفهوم الوجودي الذي طرحه هايدغر، ولكنها أقل تداولاً قياساً بالأعمال التي تحمل طابعاً اجتماعياً أو جمالياً مباشراً.

الفنان محمد السليم

ولعل تجربة الفنان محمد السليم قد عكست إلى حدٍ ما هذا القلق، وإن لم يكن قلقاً وجودياً، بقدر ما هو قلق وبحث عن معنى الأصالة التي تميز الثقافة السعودية. لقد مثلت تجربة السليم محاولة لإيجاد جوهر يميز الثقافة والفن السعودي بعيداً عن الاستنساخ الغربي، فقلقه الوجودي ينعكس في سياق ثقافي في تناوله الفراغ الصحراوي، واغتراب الذات في عالم الحداثة، فهو لا يسأل من خلال أعماله عن معنى أن يكون إنساناً، بقدر ما يسأل عن معنى أن يكون فناناً سعودياً أصيلاً، وهي تجربة قلق عميقة.

(المتأمل فوق بحر الضباب) لكاسبر ديفيد فريدريش

وتعد أعمال الفنانة لولوة الحمود بالمثل أحد أبرز الأمثلة في الفن السعودي المعاصر التي تتجاوز التعبير عن القضايا الاجتماعية والإسقاطات المباشرة والتعبير عن الحدث الزائل. فهي تبتعد عن تصوير الموجودات، والأشياء المحددة بزمان ومكان، وتتجه نحو الوجود الكوني المطلق الذي لا يحده شيء، لتلامس الأبعاد الجمالية والكونية، عبر تصويرها للمحال أو المستحيل الذي لا وجود له في الطبيعة، ولتعبر عن العقل والفكر وما يكمن وراءه (الباطن). وهي بذلك تنطلق من مرجعية دينية وروحانية عميقة، متجاوزة القلق العدمي بمفهومه الغربي، لتحتضن بدلاً منه الوحدة الروحية الكونية.

يُظهر مشهد الفن التشكيلي السعودي إمكانية كبيرة لتجاوز التعبير المباشر، فحقيقة الفن تكمن في قدرته على صياغة الأسئلة الكبرى. وهو ما يتطلب مزيداً من التعمق والجرأة الفكرية للارتقاء بالعمل الفني من مجرد موجود إلى وسيلة للكشف عن الجوهر الوجودي.

* كاتبة وناقدة سعودية


«البيت الفارغ» الفائزة بجائزة الغونكور... رحلة في أعماق الذاكرة العائلية

لوران موفينييه
لوران موفينييه
TT

«البيت الفارغ» الفائزة بجائزة الغونكور... رحلة في أعماق الذاكرة العائلية

لوران موفينييه
لوران موفينييه

فاز الروائي الفرنسي لوران موفينييه بجائزة الغونكور إحدى أرفع الجوائز الأدبية في فرنسا عن روايته «البيت الفارغ» (دار نشر مينوي)، حيث حصل على الجائزة من الدورة الأولى للتصويت بستة أصوات مقابل أربعة أصوات للكاتبة البلجيكية كارولين لامارش عن روايتها «الغامض الجميل»، في قرار وصفه فيليب كلوديل رئيس أكاديمية الغونكور على أمواج إذاعة «فرانس إنفو» بأنه «تحية لكاتب يملك إرثاً أدبياً مهماً للغاية».

غلاف الرواية الفائزة

تمتد رواية «البيت الفارغ» على مدى 750 صفحة من السرد المُحكم، يبدأ عام 1976 عندما يعيد والد الراوي فتح منزل ظلّ مهجوراً لفترة طويلة، كاشفاً عن آثار ماضٍ مدفون: آلة البيانو، وسام شرف، وصور فوتوغرافية مشوّهة، من خلال هذا الاكتشاف، ينسج موفينييه ملحمة عائلية تمتد عبر ثلاثة أجيال من النساء الفرنسيات اللواتي عشن تحولات القرن العشرين المضطربة: ماري - إرنستين، الجدّة الكبرى للراوي، موسيقيةٌ قُمِعت مواهبُها وحُرِمت من تحقيق ذاتها الفنّية، يرمزُ إليها البيانو المهجور في البيت. ثم تأتي مارغريت، الجدّة التي عانت من وصمة العار بعد أن حُلِق شعرُها عقاباً لها في زمن التحرير، فانزوت في عزلةٍ مريرةٍ حتى أُزيل وجهُها من جميع الصور العائلية بمقصٍّ حادٍّ أو طُمِس بقلمٍ غاضب. أمّا الشخصية الثالثة فهي جان - ماري، الزوجة السلطوية التي تحوَّلت من مجرّد امرأةٍ مُكلَّفةٍ بالمُربّيات وترقيع الجوارب إلى سيّدةِ البيت الحازمة وحارسةِ المظاهر الاجتماعية. وحول هؤلاء النسوة يدور رجالٌ كفيرمان صاحب المزرعة الأصلي، وجول الجدّ الأكبر المُتوفّى في الحرب العالمية الأولى والحائز وسام جوقة الشرف، وأندريه زوج مارغريت الذي عاد من الأسر مُحطَّماً فاقداً لصوابه. يُحرِّك هذه الشخصيات جميعاً صوتُ الراوي الذي يكتشف في عام 1976 أسرارَ عائلته المدفونة في ذلك البيت الذي ظلَّ مُوصَداً عشرين عاماً، ليُعيد بناء ذاكرةٍ جماعيةٍ مُمزَّقة بين الحروب والصمت والخيبات المتوارثة.

تتجاوز رواية «البيت الفارغ» كونها مجرد سرد عائلي، لتصبح شهادة حية على تحولات فرنسا الريفية والعمالية خلال القرن العشرين. يشرح موفينييه أن قصته العائلية تشبه قصة ملايين الفرنسيين، بمناطقها المظلمة وأجزائها الأكثر مجداً، حيث تستحضر أهوال الحربين العالميتين، وحرب الجزائر، وتأثيرها المدمر على الأجيال المتعاقبة. النساء يلعبن دوراً محورياً في السرد لأنهن «من يحملن العبء، كما كان الحال غالباً في الأرياف وبالأخص في أوقات الحرب».

عدّ موفينييه هذه الجائزة «إشارة ساخرة» لأصوله الاجتماعية البسيطة، حيث وُلد في السادس من يوليو (تموز) عام 1967 في مدينة تور، في أحضان أسرة عمالية بسيطة تضم خمسة أطفال استقرت في مدينة ديكارت بإقليم توران غرب فرنسا. والده كان عامل نظافة، وأمه خادمة في المنازل.

كانت طفولة لوران موفينييه محطّة حاسمة في تكوين وعيه الأدبي. ففي الثامنة من عمره، دخل المستشفى لفترة طويلة، وهناك تلقّى هدية غيّرت مجرى حياته: نسخة من رواية «شيطان صغير طيّب» للكونتيسة دو سيغور. فكانت تجربة قوية ومؤثرة: زرعت فيه رغبة عارمة في الكتابة، وفي الإبداع، حتى وهو طريح الفراش.

ولم تكن تلك المرة الوحيدة التي عرف فيها الكاتب الفرنسي المستشفيات. فطفولته كانت مطبوعة بالأمراض المتكررة والزيارات الطبية المتعددة. وكان يحتفظ من تلك الفترة بذكريات مريرة أهمها: الاستعلاء والتكبّر اللذان كان يبديهما الأطباء تجاه أمّه البسيطة. ثم جاءت الصدمة الكبرى. في عام 1983، عندما كان لوران في السادسة عشرة من عمره، أقدم والده على الانتحار. وبعد عقود، عندما شرع في كتابة روايته الضخمة «البيت الخالي»، عادت المحنة الصحية لتطرق بابه، حيث كتب جزءاً من هذا العمل الروائي البالغ سبعمائة صفحة وهو يصارع مرض السرطان، وكان غالباً ما يكتب من على سرير المستشفى.

استقبلت الصحافة الثقافية الفرنسية الرواية بحماس منقطع النظير. حيث أشادت مجلة نوفيل أوبس بالرواية، قائلة إن موفينييه حرّر النساء من قيودهن، ومنحهن النعمة والعدالة والمجد. صحيفة «لو بوان» وصفت الرواية بأنها «عمل يُعيد كل بريقه للأدب الفرنسي، بالجمع بين جواهر تاريخه وجرأة حداثته»، فيما عدّتها مجلة «ليزانروكس» «واحدة من أجمل روايات الموسم الأدبي... ونصاً لا يشبه أي نص آخر». صحيفة «لو فيغارو» عدّتها «واحدة من أعظم روايات القرن الحادي والعشرين»، مؤكدة أن موفينييه بلغ ذروة فنه الروائي مع هذا العمل الاستثنائي.

في الموقع الأدبي «في انتظار نادو»، وصف هوغو براديل في مقال بعنوان «مقاومة الأدب» رواية «البيت الفارغ» بـ«الرواية القوية»، وما يميزها ليس فقط عمق الموضوع، بل براعة الأسلوب، فنصّ الرواية يتميز بجُمل طويلة متدفقة تذكّرنا بأسلوب مارسيل بروست، يتلاعب فيها الكاتب بالزمن السردي ببراعة منقطعة النظير، متنقلاً بين الماضي والحاضر في حركة دائرية. وبالنسبة لصحيفة «لوموند»، الرواية رواية شاملة لأنها مع احتفاظها ببنيتها وقصتها الخاصة، تُلخّص جميع أعمال المؤلف السابقة. هذا التكثيف الأدبي يجعل من «البيت الفارغ» عملاً تأسيسياً في مسيرة موفينييه الإبداعية ومن بين أعماله المشهورة «بعيداً عنهم» (1999)، و«رجال» عن ذكريات حرب الجزائر، و«قصص الليل» (2020).

وقد بيع من رواية «البيت الفارغ» نحو 82.000 نسخة قبل الإعلان عن الجائزة، ومن المتوقع أن تشهد مبيعاتها ارتفاعاً هائلاً بعد وضع الشريط الأحمر لجائزة الغونكور على غلافها. هذا النجاح يأتي في وقت حرج لصناعة النشر الفرنسية التي تواجه تحديات اقتصادية. توماس سيمونيه، مدير دار نشر مينوي التي نشرت الرواية، وصف الفوز بأنه «أجمل شيء يمكن أن يحدث لدار نشر مينوي»، مؤكداً أن هذا التتويج يعني قبل كل شيء «انتصار الأدب».