«حجاية»

قصة قصيرة

«حجاية»
TT
20

«حجاية»

«حجاية»

كنت أحدق في الفناء الفارغ أمامي، مأخوذاً بصورة رجل أسمر بلحية شعثاء يعزف الساكسفون، مرسومة على جدار مقابل، ولا أعرف كيف ربط ذهني بين هذه الصورة وصورة رجل لم أعش من زمنه إلا سنوات قليلة، ربما كانت دقائق الفيديو الذي تسرب أمامي في «اليوتيوب»، عن فترة حكمه وتفاصيل القبض عليه ومحاكمته ومن ثم إعدامه، قد رتبت لذلك الخلط، ربما كانت تلك اللحية الشعثاء التي ميزته في آخر الصور التي بقيت في الأذهان، ربما هي الذاكرة الجينية التي ترفض أن تغادرنا، حتى مع هجرتنا من البلاد.

قطع اتصال ما على الهاتف فكرة الربط الغريبة التي امتهنها دماغي للحظات، ظللت أنظر إلى طلب الاتصال بالكاميرا متحيراً لوهلة، قطعته لأعاود الكتابة لها، غير أنها أرسلت لي ذلك الصوت المجروح الذي أعرفه وقد أنهكته الحمى «أحتاج إلى أن أشفى برؤيتك»، هي تدرك أني أتهرب من اتصال الكاميرا، لما يترتب عليه من طلب صوت منطوق، لكنها كانت تصر على الصورة القاسية التي ترطمني بالواقع، هذا اليوم كانت تلح بشكل استثنائي، وتردد أنها مريضة وأن رؤيتها لي ستشفيها، وما إن رأتني على الشاشة حتى صرخت: «يااااه... كم بت تشبه أباك في هذه القساوة!».

صمت قليلاً وأنا أغوص في ثقب أسود ذاتي عميق، كتبت لها كأني أعاقب اشتياقها: «أكثر مما تظنين بكثير...».

التقطت المخفي من القصد بسرعة، صمتت ولم ترد، كنت أعلم أن صوراً ومواقف كثيرة تمر في ذاكرتها، أعلم بأن ألماً صامتاً مكبوتاً لسنوات كان يتقلب راقصاً في قلبها، أحسست بحقارتي المطوية في عمق هذه العبارة، رفعت الجهاز وقربته من عنقي، كعقاب أستحقه بجدارة عن لا أباليتي بفرحتها لرؤيتي، خرج ذلك الصوت، معدنياً خانقاً ومتشنجاً، قلت: «لا عليك يا أمي، إنها دعابة فقط».

بالطبع إن للدعابة نبرة وبسمة وطريقة لم توفرها هذه العصي الصغيرة في يدي، عصاً تمس عنقي فتحرر ذبذبات الكلام المختنق، بآلية غبية دون حس، عصاً تنطق عني ناشرة عاهتي بحقارة غالبة، أمام الناس، أو أمام الكاميرا، وهي تضعني في حضن آلام بعيدة ببرود قاتل.

منذ أن فقدت صندوق نطقي الأسود، قبل أربع سنوات، وأنا أطفو على موجة حلم صارخ «الشعب يريد إصلاح النظام»، لأصحو على حقيقة واقعة، لم تصلح حنجرتي أو رئتي المثقوبة بالدخان، والخذلان، في صالات عمليات متكررة ومتوالية لسنوات، لم يترمم صوتي، ولا ثقب روحي الأسود.

صحوت بنصف وجه، ونصف إدراك، أتعرف على هذا الكائن الجديد الذي أصبحت عليه، وهو يحاول الوصول إلى طريقة لإفهام من حوله بما يحتاج إليه، بلغة دون نطق، كلمات تهيم في صوت مسحوب وحنجرة مستأصلة.

الصائح الصارخ، الراقص اللاعب، الضاحك الحالم، أصبح من دون صوت، من دون كلمة، من دون ملامح، بحنجرة آلية تطبطب بغباء على قلب أم موجوعة، بصوت روبرتي يحاول أن يداعب البعاد، ويوصل اللحظات الآثمة، بهذه العصا الناطقة، أتوجس فيها وألعنها، قد تبدل كلمتي كما تبدل صوتي؟ مؤامرة مدسوسة في عنقي هذه الحنجرة المأجورة، خيانة أحملها بيدي، وأفصح عن وجودها في حياتي كل لحظة.

خائنة هي الروح حين تصير بعيدة عن صاحبها، خائنة إلى الحد الأحقر حين تشتاق إلى حضن الأم أو وجه الحبيبة الهاجرة، هل استبعدت حقاً عن تلك الذاكرة كل هذه المسافة اللاإنسانية، نعم لقد فعلتها صالات العمليات، صفعتني بضعفي ووحدتي، في بقاع أراض بعيدة وبلاد محتجبة.

«صندوق أسود للنطق»، هكذا كان يدعو أبي «حنجرته»، بعد أن أوقفها مضطراً، سنوات السجن الخمس، قصة تقلبت ذكراها في ذهن تلك المرأة التي تدعى أمي مراراً وتكراراً، على الطرف الآخر من الأرض، وما إن نبهتها إلى عمق مناف لما قصدته من الشبه بيني وبين أبي، قصة متوازية على خطوط الزمن المتقاطعة، حين يبيع رجل آخر ما تبقى من أثاث بيته، على أرصفة ساحة التحرير، في أول أيام تشرين، وسنوات الجوع تحاصر الروح البشرية، كان أبي ذلك البائس الذي وضعه القدر في أيدي رجال الأمن دون سابق إنذار، يطالبونه بأسماء وأسماء لا يعرفها، يطالبونه بقصة لا يفهم تفاصيلها، يستمع دون أن ينطق، يتحمل كل أنواع الضرب دون كلمة، يصمت لسنوات خمس، صم بكم فهم لا ينطقون، النطق هزيمة، خيانة علنية، النطق ساحة مفتوحة لمطالبات معتمة، والبكم كان ملجؤه الوحيد الأمن، عاشه وتمادى في تقمص دوره، حتى بعد أن خرج من سجنه متفاجئاً، وسقط أمامه الصنم متفاجئاً صامتاً أيضاً، «صندوق أسود للنطق» قال ذلك وهو يشير نحوها ومن ثم صمت إلى الأبد.

هنالك ذكريات معاندة ترسلك إلى أبعد نقطة من الوجع فجأة، ذكريات تتمدد وتنتفخ، وتتلوى وتتوارى، لكنها لا تتبدد، كلما هربت من استعادة مشاهدها الخبيثة، تعيدك دون رحمة إلى نقطة البداية، أنت والأب الصامت، الحنجرة الآلية، والحنجرة المخنوقة، ماذا لو عاد للحياة الآن وتعثر بقصتي، ماذا لو أنه شاهد هذا الصامت الهارب من الكاميرا؟

- هل تظنين أن فكرة الاستنساخ الحدثي بيني وأبي - وبعيداً عما حول كلينا من أحداث - فكرة مقنعة؟ كتبت لأمي متسائلاً دون أن أنتظر جواباً منها. وعلى خلاف العادة وجدت أن النقاط تتراقص في أفق كتابتها، فهي تكتب الآن ولربما هي تكتب ما لا تستطيع قوله، قالت:

- أتخيل أن مليارات من البشر استعرضهم الرب فأخذ يفرز أتعسهم حظاً ليضعه في هذا البلد على مر القرون، أفتظن أن ما حدث لك أو لوالدك لم يحدث مع شاب أكادي أو سومري أو آشوري مسبقاً، أفلا تجزم معي أن أُماً من أمهاتهم كانت قد شهدت ابناً لها وقد تهشمت رقبته أمامها، مثلي...؟ أفلا تخال أن أحدهم اضطر إلى صمت سحيق لينجو بحياته مثل أبيك، نعم إننا شعب نستنسج تاريخ الألم، الثقل، الحمل، هل تخال أن مثلاً نتداوله مثل «أبناء الحمولة» قد جاء من فراغ؟

بدت لي لوهلة كطفلة ضائعة في فراغ، ترسم رمزاً ما على حائط مهمل لتستدل به، نظرت لي بكلمات صامتة تتدفق من مقلتيها المتعبتين.

رفعت العصا إلى عنقي، رددت الشعر الأقرب إلى قلبها بصوت المعدن البارد ذاته: «يا هي يبو المستحه يلعينك ولاية.... بيها الفرح والحزن يتلاكن حجاية».

وابتسمت هي بالفرح والحزن دون أن تنطق بالـ«حجاية».


مقالات ذات صلة

روائي فرنسي يواجه روبوت الذكاء الاصطناعي... والنتيجة مذهلة

ثقافة وفنون هيرفي لوتوليي والآلة التي هزمته

روائي فرنسي يواجه روبوت الذكاء الاصطناعي... والنتيجة مذهلة

مباراة من نوع جديد قد تشّكل منعطفاً تاريخياً كتلك التي جمعت لاعب الشطرنج العالمي كاسباروف بآلة الذكاء الاصطناعي ديب بلو عام 1997. هذه المرة موضوع المنافسة

أنيسة مخالدي (باريس)
ثقافة وفنون الموسيقى والغناء في السينما العالمية

الموسيقى والغناء في السينما العالمية

في كتابه «فالس إيدا» الصادر عن دار «إشراقة» بالقاهرة، يبعث الناقد والباحث إسحاق بندري برسائل إلى حبيبة متخيلة تدعى «إيدا»، لكنها لا تتعلق بلوعة الغرام أو الهوى

رشا أحمد (القاهرة)
كتب تشارلي إنجلش

الكتب مهّدت لانتصار الغرب الحاسم في الحرب الباردة

يبدو اسم كتاب صحافي «الغارديان» البريطانية تشارلي إنجلش الأحدث «نادي الكتاب في وكالة المخابرات المركزية» أقرب لعنوان رواية جاسوسيّة منه لكتاب تاريخ

ندى حطيط
ثقافة وفنون العباس بن الأحنف صرخة عذرية في عصر إباحي

العباس بن الأحنف صرخة عذرية في عصر إباحي

إذا كانت نقاط التقاطع بين صخب الحياة العباسية المدينية، وبين بوادي الحجاز التي كانت مأهولة بالحرمان وشظف العيش في العصر الأموي، هي من الندرة بمكان

شوقي بزيع
ثقافة وفنون مبخرة من موقع مليحة الأثري في إمارة الشارقة

مجمرة من موقع مليحة في الشارقة

أدّت عمليات المسح والتنقيب المتواصلة خلال العقود الأخيرة في دولة الإمارات المتحدة إلى الكشف عن سلسلة من المواقع الأثرية، أبرزها موقع مليحة

محمود الزيباوي

روائي فرنسي يواجه روبوت الذكاء الاصطناعي... والنتيجة مذهلة

هيرفي لوتوليي والآلة التي هزمته
هيرفي لوتوليي والآلة التي هزمته
TT
20

روائي فرنسي يواجه روبوت الذكاء الاصطناعي... والنتيجة مذهلة

هيرفي لوتوليي والآلة التي هزمته
هيرفي لوتوليي والآلة التي هزمته

مباراة من نوع جديد قد تشّكل منعطفاً تاريخياً كتلك التي جمعت لاعب الشطرنج العالمي كاسباروف بآلة الذكاء الاصطناعي ديب بلو عام 1997. هذه المرة موضوع المنافسة يخصّ الإبداع والأدب أكثر التخصّصات إنسانيةً، حيث جمعت هذه المباراة الكاتب الفرنسي هيرفي لوتيلي الحاصل على جائزة الكونغور عام 2020 عن روايته «الخلل» بـ«كلود» مساعد الذكاء الاصطناعي وأحدث نماذجه. وهو يتميز بقدرته على فهم وإنتاج النصّوص بقدر كبير من الدّقة. والمهمة التي أعطيت لكلا الطرفين هي تأليف قصّة بوليسية قصيرة من ثلاثة آلاف حرف شرط أن تبدأ بالجملة التالية: «لمح في المكتب الجثّة الهامدة للكاتب...» وأن تنتهي بهذه الجملة: «ثم قالت لنفسها كل شيء يغتفر... قبل أن تختفي». بعد أسبوع جاءت النتيجة مذهلة لم يتوقعها أحد، حيث تفوّق مساعد الذكاء الاصطناعي «كلود» بنصوص أدبية فائقة الجودة وأسلوب أدبي قوي وسلّس بشهادة الجميع بما فيهم الكاتب هيرفي لوتيلي نفسه.

صحيفة نوفيل أوبسرفتوار التي نظمت المقابلة وخصّصت لها ملفاً كاملاً في طبعة شهر مارس (آذار) نقلت انطباع الكاتب الفرنسي في مقال بعنوان «مباراة بين هيرفي لوتيلي والذكاء الاصطناعي والنتيجة مفاجئة ومرعبة في آن واحد»، حيث كتبت مايليي: «بعد أن قرأ هيرفي رواية كلود ظل صامتاً للحظات ثم نظر إلينا مذهولاً وتفّوه بهذه الجملة (يا للهول...انه أمر مذهل...!) ثم أضاف: (قد تكون هذه النصّوص التي أنتجها الذكاء الاصطناعي هي أفضل ما كُتب من إنتاج روائي فرنسي هذه السنة، وإذا أراد الكُتّاب رفع التحّدي فعليهم من الآن فصاعداً التشمير عن ساعد الجّد!)». في حواره عبَّر الكاتب عن استعداه لرفع تحديات المستقبل، فقد تكون الآلة سبباً في رفع مستوى المنافسة الأدبية، وهذا شيء إيجابي، ولكنه عبَّر أيضاً وبصراحة عن مخاوفه، حيث قال: «لم أشعر يوماً بأن وجودي ككاتب مهدّد بالذكاء الاصطناعي، لكن هذه التجربة فتحت عيني نحو حقيقة جديدة: التكنولوجيا في تطور مستمر، وإذا كنا لغاية الآن مرتاحين لفكرة أن الذكاء الاصطناعي قد جاء ليكمل ويحسّن نشاطنا الإبداعي، فإن المستقبل قد يخبئ لنا مفاجآت لن تكون دائماً سارة».

وفي موضوع آخر بعنوان «كيف تحديت كاتباً حائزاً على الغونكور بالذكاء الاصطناعي» كتب بونوا رافاييل الخبير الذي كُلّف بتدريب مساعد الذكاء الاصطناعي «كلود» بمساعدة «تشات جي بي تي» ما يلي: «صراحة توقعت أن أخسر الرهان وحضّرت نفسي لكي أتقبلّ الهزيمة بكل روح رياضية، فالكاتب هيرفي لوتيلي معروف بموهبته الفذّة في الكتابة، وأنا شخصياً قرأت له رواية «الخلل»، التي بيع منها أكثر من مليون نسخة، وأذكر أني أجبت مدير صحيفة نوفيل أوبسرفتوار حين عرض علي موضوع المقابلة بأن الآلة لن تتغلب على الإبداع البشري، واستشهدت بتجاربي السابقة حيث حاولت قبل سنة طرح نصوص أدبية بمساعدة «شات جي بي تي» وكانت النتائج مخيبة للآمال، ولكن هذه المرة لم تسر الأمور كما كان متوقعاً والنتيجة كانت مذهلة !!». أضاف الخبير الفرنسي بأن تدريب الآلة استغرق أسبوعاً كاملاً لم يكتف فيه بتغذية نظامها بروائع الأدب الكلاسيكي والحديث ومختلف الدراسات المقارنة لقواعد اللغة الفرنسية وأنماطها وتطور الكلمات على مّر التاريخ ثم مطالبتها بتأليف رواية بوليسية شيّقة، ولو فعل ذلك لحصّل على مجرد تقليد لأنماط سبق وأن تدربت عليها، بل إنه ذهب لأبعد من ذلك، حيث اعتمد على سلسلة محادثات طويلة مع مساعد الذكاء الاصطناعي كلود «لإجباره»، كما يكتب، على الاقتراب من عملية الإبداع البشري بتوجيهه نحو توليد محتوى أدبي فريد و«متميز»، مضيفاً أن هذه الخطوة كانت أشبه بـ«تحضير وصفة»، فكان هنالك «وصفة للسّرد» و«وصفة للّغة» وأخرى للأسلوب.

الأدهى أن الخبير عرض القصّتين على عدد من الأشخاص وحتى على تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتقّصي مدى إمكانية التفريق بين التجربة الإنسانية والتجربة الآلية وكلهم أجابوا بالخطأ لأنهم نسبوا رواية الذكاء الاصطناعي إلى المؤلف وعكسوا الإجابة الصحيحة. حيث وُصفت الرواية التي ولّدها الذكاء الاصطناعي بعنوان «مرآة المرحوم» بما يلي: قصّة متميزة بأسلوب قوي وكثافة دلالية (المرآة كمفهوم سريالي). عمقها الموضوعي (الندم وخيارات الحياة) بنيتها السّردية الرمزية وتأثيرها العاطفي القوي جعلوا منها قصّة متكاملة. أما الثانية (رواية الكاتب هيرفي لوتيلي) وهي بعنوان «وصية حجر الذئب» فقد وُصفت بالقصّة البوليسية المسّلية إلا أنها تقليدية وأقل جاذبية من ناحية الأسلوب والعاطفة. هذه التجربة المذهلة أعادت فتح أبواب النقاش الفلسفي حول ماهية «الإبداع»، هل هو فعلاً مرتبط بالعوامل الشعورية والحياة العاطفية للإنسان؟ أم أنه حان الوقت لنعيد النظر في مفهومنا للإبداع والأصالة وحتى الفعل الكتابي. ماذا حدث هذه المرة لكي تتحول النصوص النمطية المكرّرة للخوارزميات إلى نصوص متميزة قوية حتى أصبحنا لا نفرق بين رواية لكاتب مرموق وأخرى لآلة من دون عاطفة أو إحساس؟ أهي نهاية الأدب كما تنبّأ به المؤلف البريطاني روالد دال في قصّة قصيرة كتبها عام 1953 حيث تخيل آلات تكتب الروايات في خمسة عشر دقيقة، فينهار سعر الكتب ويتوقف الكُتاب عن الكتابة؟ قطعاً لا، فالآلة بارعة في الكتابة لكنها لا تعرف لماذا تكتب، ليس لها هواجس ولا شكوك ولا عاطفة، لكن واقع التطور التكنولوجي فرض وجودها علينا، ولا مجال لتجاهلها أو الرجوع للوراء. فهي حاضرة بقوة في المنصّات الإلكترونية كأمازون التي تعرض آلاف الكتب التي ولدّها الذكاء الاصطناعي للبيع يومياً، وفي صناعة السينما أين يستبدل بكتّاب السيناريوهات تطبيق «شات جي بي تي». بعض الكتاب يفضلون التركيز على النصف الممتلئ من الكوب بالترويج لنموذج هجين من «الأدب التركيبي»، الذي يقترب أكثر فأكثر من الإبداع البشري بفضل التفوق التكنولوجي والتوجيهات الحاسمة للعنصر البشري. في كتابه «رواية الرواية» الذي ألفّه مع برنامج الذكاء الاصطناعي كلود يستعرض الكاتب تيري توزي من خلال محادثاته مع كلود، المفارقة التي يواجهها الكاتب المعاصر بين الذكاء الاصطناعي كمصدر للإلهام، وكتهديد محتمل للأصّالة، فهو يكتب مثلاً في الفصل العاشر: «لا أستطيع التركيز بسبب التعب سأترك لكلود مهمة قراءة بقية الفصول».

ورغم الضغط الذي عاشه هذا الكاتب في تجربته الإبداعية مع الآلة فهو ينصح زملاءه من الكتّاب باحتضان التقنيات الجديدة بدل النظر اليها كمنافس، لأنه ببساطة، لا مفر من ذلك.