السعودية تُقدِّر الجهود الجماعية لترسيخ الثقافة في التنمية المستدامة

مؤتمر وزاري عربي أكد أهمية النهوض بالصناعات الثقافية والإبداعية

راكان الطوق يُلقي كلمة السعودية في «مؤتمر وزراء الثقافة العرب» بالرباط (واس)
راكان الطوق يُلقي كلمة السعودية في «مؤتمر وزراء الثقافة العرب» بالرباط (واس)
TT

السعودية تُقدِّر الجهود الجماعية لترسيخ الثقافة في التنمية المستدامة

راكان الطوق يُلقي كلمة السعودية في «مؤتمر وزراء الثقافة العرب» بالرباط (واس)
راكان الطوق يُلقي كلمة السعودية في «مؤتمر وزراء الثقافة العرب» بالرباط (واس)

أعربت السعودية، الأربعاء، عن تقديرها جميع الجهود الجماعية في مواصلة الزخم لترسيخ أدوار الثقافة في التنمية المستدامة، مع الحفاظ على القيم المشتركة، والاعتزاز بالتراث الثقافي.

جاء ذلك في كلمتها التي ألقاها راكان الطوق، مساعد وزير الثقافة السعودي، نيابةً عن الوزير الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، خلال مشاركته في أعمال «مؤتمر وزراء الثقافة العرب»، الذي تستضيفه مدينة الرباط المغربية، تحت عنوان «الصناعات الثقافية وتحديات التحوّل الرقمي والذكاء الاصطناعي».

وقال الطوق: «تعتز السعودية بدورها في حماية وصوْن التراث الثقافي على المستويين العربي والإسلامي»، مبيناً أنها «تؤمن بضرورة توفير بيئةٍ ممكِّنة تركز على دعم الجهود المشتركة للحفاظ على التراث الثقافي وحمايته؛ لتحقيق الأهداف الثقافية العالمية، الداعية لتعزيز التعاون المشترك بين المنظمات ذات العلاقة».

راكان الطوق يُلقي كلمة السعودية في «مؤتمر وزراء الثقافة العرب» بالرباط (واس)

وأضاف: «نؤمن بأهمية وقيمة المهن، والمنتجات التي تعتمد على الحِرف اليدوية، وما تجسّده من عمقٍ تاريخي يمثّل هويتنا»، متابعاً: «لذا حرصنا كل الحرص على تضمين هذه القيم عند إطلاق عام الحِرف اليدوية 2025 في السعودية».

وثمّن مساعد الوزير جهود المشاركين لتعزيزهم استمرار مناقشة الصناعات الثقافية والإبداعية، وتحديات التحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي، ضمن إطار أعمال المؤتمر، ناقلاً تقدير السعودية مساعي المؤتمر لتحقيق أهداف الخطة الاستشرافية لتطوير تلك الصناعات في الدول العربية.

وشارك، في الدورة الـ24 للمؤتمر الذي تُنظّمه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو»، الوزراء المسؤولون عن الشؤون الثقافية بالوطن العربي، ومديرو المنظمات الإقليمية والدولية المعنية.

المؤتمر شهد مشاركة الوزراء المعنيين بالثقافة في الوطن العربي ومديري منظمات إقليمية ودولية (واس)

وتضمَّن جدول العمل تقديم الخطوط العريضة للخطة الاستشرافية، وعرض خلاصات أعمال اللجنة الدائمة للثقافة العربية، واعتماد التوصيات الصادرة عنها. كما شهد الاجتماع تسليم رئاسة الدورة الـ25 بين السعودية والمغرب.

وتطرقت كلمات الجلسة الافتتاحية إلى الإمكانات الثقافية والصناعات الإبداعية التي يزخر بها الوطن العربي، وضرورة الترويج لها، وجعل الثقافة العربية مصدراً لتطور اقتصادات بلدانها، فضلاً عن الانفتاح على التجارب الرائدة في المجال عالمياً، والتفاعل معها.

إلى ذلك، أقرّ الاجتماع الوزاري، بمباركة وتأييد الدول العربية بالإجماع، استضافة السعودية «مؤتمر اليونيسكو العالمي للسياسات الثقافية والتنمية المستدامة (الموندياكولت) عام 2029»، وفق ما أعلن هاني المقبل رئيس المجلس التنفيذي لـ«الألكسو»، عبر حسابه على منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي.

جانب من أعمال الدورة 24 لـ«مؤتمر وزراء الثقافة العرب» في الرباط (الألكسو)

وأكد وزراء الثقافة، في البيان الختامي للدورة الـ24 للمؤتمر، أهمية النهوض بتلك الصناعات على المستوى الوطني، واستثمار الفضاء العربي الغني بمؤهلاته البشرية والثقافية والإبداعية، مشددين على ضرورة إحداث منصة تهدف إلى توحيد الجهود وتبادل الخبرات، في عالمٍ تواجه فيه هذه الصناعات تحديات تستوجب خبرات أوسع وسوقاً أرحب.

ودعا المشاركون لاتخاذ التدابير الكفيلة بالمواكبة الحذرة للتغيرات التي يُحدثها الذكاء الاصطناعي في المهن الإبداعية، ورفع التحديات المرتبطة بالمهارات والأخلاقيات، معربين عن ترحيبهم بدعم السعودية لاستضافة مؤتمر «موندياكولت 2029».

واعتمدوا مشروع الخطة الاستشرافية لتطوير الصناعات الثقافية في البلدان العربية، مع دعوة «الألكسو» لتتبُّع تنفيذ مضامينها، بتنسيق مع الجهات ذات الاختصاص في الدول الأعضاء.


مقالات ذات صلة

وزير الدفاع السعودي ونظيره الأميركي يستعرضان أوجه التعاون الدفاعي

الخليج الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي (واس)

وزير الدفاع السعودي ونظيره الأميركي يستعرضان أوجه التعاون الدفاعي

استعرض الأمير خالد بن سلمان، وزير الدفاع السعودي، ونظيره الأميركي بيت هيغسيث، العلاقات السعودية الأميركية وأوجه التعاون الإستراتيجي في المجال الدفاعي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج خدمات الطوارئ في موقع الحادث بعد أن صدم سائق مجموعة من الأشخاص بمدينة ميونيخ الألمانية (أ.ب)

السعودية تدين حادث الدهس الذي وقع في ميونيخ

أدانت السعودية حادث الدهس الذي وقع في ميونيخ الألمانية، وما نتج عنه من إصابة عدد من الأشخاص، وأكدت في بيان لوزارة خارجيتها رفضها ونبذها التام لكل أشكال العنف.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو خلال حضوره اجتماع ميونيخ مع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك يوم السبت (رويترز)

روبيو يبدأ من إسرائيل جولة شرق أوسطية

يبدأ وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، من إسرائيل أول جولة له في منطقة الشرق الأوسط تشمل السعودية والإمارات.

إيلي يوسف (واشنطن)
يوميات الشرق رابح صقر على «مسرح محمد عبده أرينا» (روتانا)

ليلة طربية لرابح صقر تُحلّق بجمهور «موسم الرياض»

وسط التصفيق والحفاوة، اعتلى الفنان الخشبة وردَّ التحية، معلناً بدء ليلة طربية تُشبه لونه المختلف في الغناء والأداء، ضمن أجواء فريدة شهدها المسرح.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج الوزير ماتيو بيانتيدوسي مُرحباً بالأمير عبد العزيز بن سعود في روما الجمعة (الداخلية السعودية)

مباحثات سعودية - إيطالية لتعزيز التعاون الأمني

عقد الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف وزير الداخلية السعودي ونظيره الإيطالي ماتيو بيانتيدوسي، جلسة مباحثات رسمية لتعزيز التعاون الأمني بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (روما)

أسامة منزلجي... مبدع كان مهموماً باكتشاف ما يُغني ثقافتنا!

أسامة منزلجي
أسامة منزلجي
TT

أسامة منزلجي... مبدع كان مهموماً باكتشاف ما يُغني ثقافتنا!

أسامة منزلجي
أسامة منزلجي

تشاء الصدف أن تبدأ علاقتنا في منتصف تسعينيات القرن الماضي، برد فعلٍ لم أُسامح نفسي عليه كلما مرت ذكراه في خاطري. ورغم اعتذاراتي التي لم تتوقف حتى آخر اتصال بيننا، ظل يوحي كما لو أنه لا يعرف سبب الاعتذار، مُضمراً هو الآخر أسفاً على تسرّعٍ في التباسٍ عابر.

وهكذا بدأت رحلة تعاون لم تنقطع على مدى أكثر من عقدين من الزمن. كان أسامة منزلجي* لا يفارق مكتبه في غرفته المسوّرة بالصمت والعزلة الإبداعية، حيث العوالم الافتراضية بأبطالها وحكاياتها وأحداثها تُغني عزلته وتبهره بقيمها الجمالية، وترتقي به إلى حيث يتجاوز الواقع التافه والمتداعي واللامجدي.

لم يكن بحاجة إلى السفر أو المغامرة، لأن الكتب التي ترجمها كانت جواز سفره إلى حيوات لم يعشها أبداً، لكنها عاشت فيه.

كانت الترجمة بالنسبة له أكثر من مجرد عمل، بل كانت وسيلته السرية للتمرد، وطريقه الوحيد لملامسة الحافة الخطرة التي لم يقترب منها في واقعه اليومي.

من «الإغواء الأخير»، أول منجز نشره مع «المدى»، تابعت حيويته ونشاطه وثراء معرفته وتفاصيل ما يعيد خلقه وهو يترجم عيون الأدب العالمي، وفقاً لرؤية صادمة ومحاكاة لما كان يتوق إليه من حياة يتطلع إليها، قد تكون نقيضاً لواقعه المعيش. وحتى آخر عمل خطته يداه، كانت كل ترجمة يخوضها نوعاً من العيش البديل. لم يكن مجرد ناقل للأدب، بل كان كائناً يعيش داخل النصوص، يتماهى مع شخصياتها، ويعيد خلقها بلغته، مانحاً إياها بُعده الخاص. كانت كل كلمة يخطها طريقاً إلى الحياة التي لم يعشها، وكل جملةٍ مغامرةً لم يختبرها إلا عبر الصفحات. وبهذا الشغف العشقي، تكاملت أدوات أسامة منزلجي، وقد كان من بين أغلب مترجمي «المدى» هو من ينتقي الأعمال التي يتولى ترجمتها، واختياراته كلها تعكس سويته وتنبض بحساسيته ورهافة مشاعره الكامنة، بينما تثير الكثير من الأعمال المنتقاة المنشورة تساؤلاً لافتاً: لماذا كانت أبرز تلك الأعمال نقيض حياته الشخصية؟ فأُسامة العصامي، المفتون بالاكتفاء ربما على كل صعيد، المنعزل عن صخب الحياة وضجيجها، المتصوف «المترهبن» رغم اعتراضه على التوصيف، مستعيضاً عنه بالقول «أسلوب حياة محسوب بدقة» كما يذكر صديقه الكاتب والمترجم زياد عبد الله، يجد شغفه في اختيار أعمال تضج بكل ما هو ضد وصادم، كل ما هو منشغل بالمتع والملذات ومتجاوز لكل تحريم. لماذا اختار عملي هنري ميللر «ثلاثية الصلب الوردي» و«مدار السرطان» التي حاولت صديقته الوفية أناييس نن نشرها في الولايات المتحدة ولم تجد إلى ذلك سبيلاً، فطُبعت في باريس عام 1934، ولتتفنن بعدئذٍ في تهريب نسخ منها إلى الولايات المتحدة، بينما لم يجد عزرا باوند وهو يقرض الرواية سوى القول: «هاكم كتاب قذر يستحق القراءة!»، ولم يجاهر ت. إس. إليوت بإعجابه الشديد بها، مكتفياً بتوجيه رسالة إلى ميللر يثني عليها.

لم يكن اختياره عملي هنري ميللر «مدار السرطان» و«ثلاثية الصلب الوردي» اعتباطياً، بل كان انعكاساً لرغبة دفينة في استكشاف النقيض المطلق لحياته. كان أسامة العصامي، المنعزل، المتقشف، الذي يقضي أيامه في صمت مدروس، ينتقي أعمالاً تضج بالحياة الصاخبة، المغامرة، الجنس، التمرد، وكأنه يعيد تشكيل عالم لم يُكتب له أن يكون جزءاً منه. كان يعيش حياة المؤلفين الذين ترجمهم دون أن يغادر غرفته، يرافقهم في تيههم بين القارات، يتنقل معهم بين فنادق رخيصة وكهوف مظلمة، يشرب معهم في حانات باريس، ويشقى معهم في فقرهم المدقع.

لم يكن أسامة بحاجة إلى السفر أو المغامرة، لأن الكتب التي ترجمها كانت جواز سفره إلى حيوات لم يعشها أبداً

لماذا كان هذا الانجذاب إلى حياة لم يعشها؟ هل كان يحاول موازنة عزلته؟ أم كان يرى في الترجمة نوعاً من «الحياة البديلة» التي اختبرها دون أن يدفع ثمنها؟ مهما كان الجواب، فقد كان أسامة مترجماً لا يُشبه غيره. لم يكن مجرد ناقل للنصوص، بل كان صانعها الجديد، يبث فيها روحه، يذيب شخصيته في شخصياتها، حتى تكاد تلمح صوته بين الأسطر.

لم يكن من أولئك الذين يتباهون بأعمالهم، ولا من أولئك الذين يلهثون خلف الأضواء. كان مترجماً يعيش في الظل، تماماً كما كان يعيش في الحياة. اختار أن يترجم أدب المغامرة دون أن يغامر، أدب التهتك دون أن ينغمس فيه، أدب الفوضى وهو في عز انضباطه.

رحل أسامة في غمضة عين، مستريحاً وهو نائم إلى حيث النوم الأبدي. وكأن كل تلك الحيوات التي عاشها بين الكلمات قد استنزفت طاقته على الحياة. لكنه ترك خلفه إرثاً من الترجمة لم يكن مجرد نقل للمعنى، بل كان استنساخاً لروح النص، ومرآةً تعكس روحه هو، تلك الروح التي ظلَّت تبحث عن حيواتٍ لم تكن لها، حتى صارت جزءاً منها. لقد عوض نمط حياته الهادئ بترجمة المغامرين والمتمردين والمتهتكين وكأن الترجمة كانت طريقه الوحيد لخوض الحياة التي لم يعشها. نوع من الاغتراب العكسي، حيث لم يكن بحاجة إلى السفر الجسدي لأنه سافر عبر النصوص، وعاش حيوات بديلة من خلال الكلمات التي كان ينقلها.

* المترجم السوري الذي رحل في السابع من هذا الشهر، مخلفاً وراءه أكثر من ستين كتاباً مترجماً من أمهات الأدب العالمي.