رحيل إبراهيم أبو سنة... شاعر الرومانسية العذبة

أحد رموز شعراء جيل الستينات في مصر

الشاعر محمد أبراهيم أبو سنة
الشاعر محمد أبراهيم أبو سنة
TT

رحيل إبراهيم أبو سنة... شاعر الرومانسية العذبة

الشاعر محمد أبراهيم أبو سنة
الشاعر محمد أبراهيم أبو سنة

حياة حافلة بالعطاء الأدبي، عاشها الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة الذي غيّبه الموت صباح أمس عن عمر يناهز 87 عاماً بعد معاناة طويلة مع المرض.

ويعد أبو سنة أحد رموز جيل شعراء الستينات في مصر، واشتهر بحسه الرومانسي شديد العذوبة، وغزلياته التي تمزج بين الطبيعة والمرأة في فضاء فني يتسم بالرهافة والسيولة الوجدانية. كما تميزت لغته الشعرية بنبرة خافتة، نأت قصائده عن المعاني الصريحة أو التشبيهات المباشرة؛ ما منح أسلوبه مذاقاً خاصاً على مدار تجربته الشعرية التي اتسعت لنصف قرن.

ترك أبو سنة حصاداً ثرياً تشكل في سياقات فنية وجمالية متنوعة عبر 12 ديواناً شعرياً، إضافة إلى مسرحيتين شعريتين، ومن أبرز دواوينه الشعرية: «قلبي وغازلة الثوب الأزرق» 1965، و«أجراس المساء» 1975، و«رماد الأسئلة الخضراء» 1985، و«شجر الكلام» 1990.

عاش صاحب «قلبي وغازلة الثوب الأزرق» طفولة قروية متقشفة تركت أثراً لافتاً في شعره؛ إذ ظل مشدوداً دائماً إلى بداهة الفطرة وواقعية الحياة وبساطتها.

وبحسب الموقع الرسمي للهيئة المصرية العامة للاستعلامات، وُلد أبو سنة بقرية الودي بمركز الصف بمحافظة الجيزة في 15/3/1937، وحصل على ليسانس كلية الدراسات العربية بجامعة الأزهر عام 1964. عمل محرراً سياسياً بالهيئة العامة للاستعلامات في الفترة من عام 1965 إلى عام 1975، ثم مقدم برامج ثقافية بالإذاعة المصرية عام 1976 من خلال «إذاعة البرنامج الثاني»، كما شغل منصب مدير عام البرنامج الثقافي، ووصل إلى منصب نائب رئيس الإذاعة.

وحصد الراحل العديد من الجوائز منها: «جائزة الدولة التشجيعية» 1984 عن ديوانه «البحر موعدنا»، وجائزة «كفافيس» 1990 عن ديوانه «رماد الأسئلة الخضراء»، وجائزة أحسن ديوان مصري في عام 1993، وجائزة «أندلسية للثقافة والعلوم»، عن ديوانه «رقصات نيلية» 1997، فضلاً عن «جائزة النيل» في الآداب التي حصدها العام الجاري.

ونعى الراحل العديد من مثقفي مصر والعالم العربي عبر صفحاتهم على منصات التواصل الاجتماعي، ومنهم الشاعر شعبان يوسف الذي علق قائلاً: «وداعاً الشاعر والمبدع والمثقف الكبير محمد إبراهيم أبو سنة، كنتَ خيرَ سفيرٍ للنبلِ والجمالِ والرقةِ في جمهورية الشعر».

وقال الشاعر سمير درويش: «تقاطعات كثيرة حدثت بين الشاعر الكبير محمد إبراهيم أبو سنة وبيني، منذ بداياتي الأولى، فإلى جانب أنه صوت شعري صافٍ له تجربة طويلة وممتدة كان لي شرف الكتابة عنها وعنه، فهو إنسان حقيقي وجميل وطيب ومحب للآخرين، ولا يدخر وسعاً في مساعدتهم».

ويضيف درويش: «حين كان يقرأ الشعر بصوته في برنامجه الإذاعي، كنت أحب القصائد أكثر، فمخارج الحروف وإشباعها وتشكيلها، وليونة النطق، إلى جانب استعذاب الشعر... كلها مواصفات ميزته، كما ميزت فاروق شوشة والدكتور عبد القادر القط... ثمة ذكريات كثيرة لن أنساها يا أستاذنا الكبير، أعدك أنني سأكتبها كلما حانت فرصة، وعزائي أنك كنتَ تعرف أنني أحبك».

ويستعيد الكاتب والناقد الدكتور زين عبد الهادي ذكرياته الأولى مع الشاعر الراحل وكيف أحدث بيت شعري له تغييراً مصيرياً في حياته، قائلاً: «ربما في سن المراهقة كنت أقرأ الشعر حين وقع في يدي ديوان صغير بعنوان (قلبي وغازلة الثوب الأزرق) لمحمد إبراهيم أبو سنة حين قررت الهجرة خارج مصر عام 1981، كان الديوان الصغير وروايات (البلدة الأخرى) لإبراهيم عبد المجيد، و(البيضاء) ليوسف إدريس، و(حافة الليل) لأمين ريان، و(ميرامار) لنجيب محفوظ... هي شهود انتماءاتي الفكرية وما أتذكره في حقيبتي الجلدية».

ويضيف عبد الهادي: «كان الغريب في هؤلاء الشهود هو ديوان محمد إبراهيم أبو سنة، فبقدر حبي للعلم كان الأدب رحيق روحي، كنت أقرأ الديوان وأتعلم كيف يعبّر الشعر عن الحياة المعاصرة، إلى أن وصلت لقصيدة رمزية كان بها بيت لا أنساه يقول: (البلاد التي يغيب عنها القمر)، في إشارة لقضية ما أثارت جدلاً طويلاً وما زالت في حياتنا المعاصرة، كان هذا البيت أحد أهم دوافع عودتي من الغربة، فمهما كان في بلادي من بؤس فهو لا يساوي أبداً بؤس الهجرة والتخلي عن الهوية والجذور».

أما الشاعر سامح محجوب مدير «بيت الشعر العربي» بالقاهرة فيقول: «قبل 25 عاماً أو يزيد، التقيت محمد إبراهيم أبو سنة في مدرجات كلية (دار العلوم) بجامعة القاهرة، وأهداني وقتها أو بعدها بقليل ديوانه المهم (قلبي وغازلة الثوب الأزرق)، لأبحث بعد ذلك عن دواوينه الأخرى وأقتني معظمها (مرايا النهار البعيد، والصراخ في الآبار القديمة، ورماد الأسئلة الخضراء، ورقصات نيلية، وموسيقى الأحلام)، وغيرها من الدواوين التي قطع فيها أبو سنة وجيله من الستينيين في مصر والوطن العربي مسافة معقولة في توطين وتوطئة النص التفعيلي على الخط الرأسي لتطور الشعرية العربية التي ستفقد برحيله أحد أكبر مصباتها».

ويضيف: «يتميز نص أبو سنة بقدرته الفائقة على فتح نوافذ واسعة على شعرية طازجة لغةً ومجازاً ومخيلةً وإيقاعاً، وذلك دون أن يفقد ولو للحظة واحدة امتداداته البعيدة في التراث الشعري للقصيدة العربية بمرتكزاتها الكلاسيكية خاصة في ميلها الفطري للغناء والإنشادية. وهنا لا بد أن أقرّ أن أبو سنة هو أجمل وأعذب مَن سمعته يقول الشعر أو ينشده لغيره في برنامجه الإذاعي الأشهر (ألوان من الشعر) بإذاعة (البرنامج الثاني الثقافي) التي ترأسها في أواخر تسعينات القرن المنصرم قبل أن يحال للتقاعد نائباً لرئيس الإذاعة المصرية في بداية الألفية الثالثة؛ الفترة التي التحقت فيها أنا بالعمل في التلفزيون المصري حيث كان مكتب أبو سنة بالدور الخامس هو جنتي التي كنت أفيء إليها عندما يشتد عليّ مفارقات العمل. كان أبو سنة يستقبلني بأبوية ومحبة غامرتين سأظل مديناً لهما طيلة حياتي. سأفتقدك كثيراً أيها المعلم الكبير، وعزائي الوحيد هو أن (بيت الشعر العربي) كان له شرف ترشيحك العام الماضي لنيل جائزة النيل؛ كبرى الجوائز المصرية والعربية في الآداب».

عاش صاحب «قلبي وغازلة الثوب الأزرق» طفولة قروية متقشفة تركت أثراً لافتاً في شعره

وفي لمسة احتفاء بمنجزه الشعري استعاد كثيرون قصيدة «البحر موعدنا» لأبو سنة التي تعد بمثابة «نصه الأيقوني» الأبرز، والتي يقول فيها:

«البحرُ موعِدُنا

وشاطئُنا العواصف

جازف

فقد بَعُد القريب

ومات من ترجُوه

واشتدَّ المُخالف

لن يرحم الموجُ الجبان

ولن ينال الأمن خائف

القلب تسكنه المواويل الحزينة

والمدائن للصيارف

خلت الأماكن للقطيعة

من تُعادي أو تُحالف؟

جازف

ولا تأمن لهذا الليل أن يمضي

ولا أن يُصلح الأشياء تالف

هذا طريق البحر

لا يُفضي لغير البحر

والمجهول قد يخفى لعارف

جازف

فإن سُدَّت جميع طرائق الدُّنيا أمامك

فاقتحمها

لا تقف

كي لا تموت وأنت واقف».


مقالات ذات صلة

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

ثقافة وفنون أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون أفلاطون

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

الأغلب من دول العالم يعيش حياة طبيعية تختلف عما نراه في أفلام السينما

خالد الغنامي
ثقافة وفنون عبد الزهرة زكي

عبد الزهرة زكي: الكتابة السردية هبة هداني إليها الشعر

«غريزة الطير» رواية للشاعر العراقي عبد الزهرة زكي، صدرت أخيراً في بغداد، ولاقت احتفاءً نقدياً ملحوظاً، وهي الرواية الأولى له بعد صدور مجموعته الشعرية الكاملة

علاء المفرجي (بغداد)
ثقافة وفنون عادل خزام

«مانسيرة» تجمع شعراء العالم في قصيدة واحدة

تُغذّى جذور القيم الثقافية كلما تعمقت صلتها بتراث الأمكنة والناس. لكن ماذا لو اكتشفنا أن العالم، بقاراته الخمس، قادرٌ على أن يكون مهداً لقصيدة واحدة؟

شاكر نوري (دبي)

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي
TT

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب وهم: محمد شوقي الزين: صُورَةُ النُّخَب وجَدَل الأدْوَار. محمد الرميحي: المجتمع الخليجي وصناعة النخب: الوسائل والصعوبات! موليم العروسي: صناعة النخب وآلياتها. علي الشدوي: مواد أولية عن النخبة السعودية المؤسّسة. ثائر ديب: روسيا مطلع القرن العشرين وسوريا مطلع الواحد والعشرين: إنتلجنسيا ومثقفون.

أما حوار العدد فكان مع المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر (أجراه أحمد فرحات) الذي يرى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يحل محل نظيره سايكس بيكو القديم، مطالباً بالانتقال من التاريخ العبء إلى التاريخ الحافز. المفكر فهمي جدعان كتب عن محنة التقدم بين شرط الإلحاد ولاهوت التحرير. وفي مقال بعنوان: «أين المشكلة؟» يرى المفكر علي حرب أن ما تشهده المجتمعات الغربية اليوم تحت مسمى «الصحوة» هو الوجه الآخر لمنظمة «القاعدة» أو لحركة «طالبان» في الإسلام. ويحكي الناقد الفلسطيني فيصل دراج حكايته مع رواية «موبي ديك». ويستعيد الناقد العراقي حاتم الصكر الألفة الأولى في فضاء البيوت وأعماقها، متجولاً بنا في بيته الأول ثم البيوت الأخرى التي سكنها.

ويطالع القارئ عدداً من المواد المهمة في مختلف أبواب العدد. قضايا: «تلوين الترجمة... الخلفية العرقية للمترجم وسياسات الترجمة الأدبية». (عبد الفتاح عادل). جاك دريدا قارئاً أنطونان أرتو (جمال شحيّد). عمارة: العمارة العربية من التقليدية إلى ما بعد الحداثة (عبد العزيز الزهراني). رسائل: أحلام من آبائنا: فيث أدييلي (ترجمة: عز الدين طجيو). ثقافات: خوليو كورتاثر كما عرفته: عمر بريغو (ترجمة: محمد الفحايم). عن قتل تشارلز ديكنز: زيدي سميث (ترجمة أماني لا زار). سيرة: أم كلثوم ونجيب محفوظ نسيج متداخل وروابط متعددة (سيد محمود). اليوتوبيا ونهاية العالم: القرن العشرون صحبة برتراند راسل: خاومي نافارو (ترجمة: نجيب مبارك). رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم (عبادة تقلا). الأدب والفلسفة: جان لويس فييار بارون (ترجمة حورية الظل). بواكير الحداثة العربية: الريادة والحداثة: عن السيَّاب والبيَّاتي (محمَّد مظلوم). بروتريه: بعد سنوات من رحيله زيارة جديدة لإبراهيم أصلان (محمود الورداني). تراث: كتاب الموسيقى للفارابي: من خلال مخطوط بالمكتبة الوطنية بمدريد (أحمد السعيدي). فيلسوفيا: فيليب ماينلاندر: فيلسوف الخلاص (ياسين عاشور). فضاءات: «غرافيتي» على جدران الفناء (هاني نديم).

قراءات: قراءة في تجربة العماني عوض اللويهي (أسامة الحداد). «القبيلة التي تضحك ليلاً»: تشظي الذات بين المواجهات النسقية (شهلا العجيلي). مختارات من الشعر الإيراني المعاصر (سعد القرش). نور الدين أفاية ومقدمات نقد عوائق الفكر الفلسفي العربي الراهن (الصديق الدهبي). تشكيل: تجربة التشكيلي حلمي التوني (شريف الشافعي). تشكيل: غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة (حوار هدى الدغفق). سينما: سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائماً هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين (سمير قسيمي). الفلسفة فناً للموت: كوستيكا براداتان (ترجمة أزدشير سليمان). ماذا يعني ألا تُصنف كاتب حواشٍ لأفلاطون؟ (كمال سلمان العنزي). «الومضة» عند الشاعر الأردني «هزّاع البراري» (عبد الحكيم أبو جاموس).

ونقرأ مراجعات لعدد من الكتب: «جوامع الكمد» لعيد الحجيلي (أحمد الصغير). «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس (حسين عماد صادق). «أنا رسول بصيرتي» لسيد الجزايرلي (صبحي موسى). «طبول الوادي» لمحمود الرحبي (محمد الراشدي). «عقلان» لمحمد الشجاع (محمد عبد الوكيل جازم)

وكذلك نطالع نصوصاً لشعراء وكتاب قصة: برايتون (عبد الكريم بن محمد النملة). في طريق السفر تخاطبك النجوم: أورهان ولي (ترجمة: نوزاد جعدان). بين صحوي وسُكْرها (سعود بن سليمان اليوسف). خرائطُ النُّقصان (عصام عيسى). الغفران (حسن عبد الموجود). أنتِ أمي التي وأبي (عزت الطيرى).