«فن الاستلقاء»... تأملات فلسفية في الاسترخاء والسعادة

باحث ألماني عدّه «نزهة وسط الضباب الكثيف»

«فن الاستلقاء»... تأملات فلسفية في الاسترخاء والسعادة
TT

«فن الاستلقاء»... تأملات فلسفية في الاسترخاء والسعادة

«فن الاستلقاء»... تأملات فلسفية في الاسترخاء والسعادة

عن دار «العربي» في القاهرة صدر كتاب «فن الاستلقاء» للباحث الألماني بيرند برونر، ترجمة: سمر منير، الذي يطرح بأسلوب مشوق وعبر رؤى غير تقليدية ملاحظات ذات طابع فلسفي تحليلي حول فكرة الاسترخاء وعلاقتها بسعادة الإنسان عموماً، مشدداً على أن الاستلقاء لا يعني بالضرورة الكسل أو يعد مؤشراً على حياة شخص فاشل.

ويخاطب المؤلف القارئ مباشرةً في البداية، مؤكداً أنه إذا كنت مستلقياً الآن فلن تلام بالتأكيد، فكلنا نستلقي ونفعل ذلك بانتظام، وغالباً ما نسعد بذلك كثيراً. وعندما نستلقي نشعر بالاسترخاء، إذ إن الاستلقاء يمثل الوضعية التي تتيح للجسم أقل مقاومة وتتطلب منه أقل قدر من الطاقة. وفي أثناء الاستلقاء أيضاً نؤدي بعض الأنشطة، إذ ننام ونحلم ونحب ونفكر وأيضاً نستسلم للحزن والاكتئاب ونغفو ونعاني، لكن هناك شيئاً واحداً لا نكاد نفعله عندئذ ألا وهو أن نتحرك.

عندما نستلقي في وضع أفقي ندنو كثيراً مما نطلق عليه بغرابة «الجمود والثبات»، فليس من السهل على الإطلاق نقل قيمة الاستلقاء إلى مجتمعنا الذي اعتاد الإنجازات القابلة للقياس، إذ يتوق الناس إلى إثبات قدرتهم على اتخاذ القرارات عن طريق التصرف بسرعة وإثبات اجتهادهم بين الحين والآخر بالجلوس لساعات طويلة إلى مكاتبهم وأمام أجهزة الكومبيوتر الخاصة بهم. والأسوأ من ذلك أن الاستلقاء يعد لدى كثيرين، تعبيراً عن الكسل أو علامة على العجز في مواجهة عالم يمر بتغييرات هائلة، فمن يستلقي لا يواكب الآخرين ويقال إنه ضعيف ولا يستفيد استفادة كاملة من وقته المحدود.

ويلفت المؤلف إلى أنه مع ذلك يمكن أن يبدو لنا الاستلقاء كأنه «نزهة وسط الضباب الكثيف» بحيث تصير أفكارنا أكثر وضوحاً من ذي قبل بنهاية تلك النزهة، فلا ضرر من الاستلقاء بوعي، الذي يعد ممارسة محسوبة جيداً للهروب من الضغط الدائم بسرعة وفاعلية، بل إن هذا الاستلقاء ذو قيمة كبيرة.

ويعد الاستلقاء وضعية أفقية تماثل النزهات الحالمة لرجل مكتئب يسير من دون السعي وراء هدف، إذ إن الشخص المستلقي يجوب المدن والريف أيضاً لكن في أغلب الأحيان في خياله فقط. وتتطلب هذه النزهات قدرة أكبر على التخيل، فالشخص المستلقي لا يلتقي وجوهاً وأماكن حقيقية قد تؤثر في أفكاره.

ويوضح أنه عندما نستلقي على ظهورنا وتكون عيوننا مفتوحة ونوجه أنظارنا إلى الأعلى نحو سقف الغرفة أو نحو السماء بالخارج، فإننا نفقد اتصالنا الجسدي بالأشياء من حولنا وتستطيع أفكارنا أن تحلق عالياً. إن حالتنا العقلية بأكملها تتغير مع تغير وضعية أجسادنا، ففي أثناء الاستلقاء لا يمكن أن يكون رد فعلنا بالطريقة ذاتها التي فعلناها عندما كنا نقف قبل وقت قليل، إذ تظهر الأسئلة التي شغلتنا للتوّ من منظور مختلف عندما نتأملها من وضعية أفقية، كما أن الأصوات، وحتى رنين الهاتف، لا تصل إلينا بالشدة ذاتها ويصبح من السهل أن نتشكك في الأمور التي كانت تبدو لنا من قبل يقينية ولا تقبل المناقشة.

ولا يتعلق التفكير فيما يعنيه الاستلقاء بأبعاد فسيولوجية ونفسية وإبداعية فحسب، بل بقضايا ثقافية عميقة أيضاً متعلقة باقتصاديات الوقت ووتيرة حياتنا التي وصفها عالم النفس الأمريكي روبرت ليفين ذات مرة بأنها «ترتيب متداخل للتناغمات والإيقاعات»، حيث يعد الاستلقاء وقتاً مستقطعاً من ضغوط الحياة اليومية لنعود إلى العمل بنشاط. وفي عصر مثل عصرنا وثقافة مثل ثقافتنا، هناك إيمان تام بضرورة الحركة المستمرة، وهو ما يسفر عن مشاعر قلق داخلية مهيمنة على جوانب حياتنا كافة.

ويرفض المؤلف ميلنا التقليدي إلى اعتبار الشخص المستلقي سلبياً أو عاجزاً عن الحركة أو خاضعاً للآخرين، فغالباً ما نكون أمام شخص يستريح ويسترخي وربما يريد أن يلتقط أنفاسه من أجل خطواته التالية. ويمكن أن يكون الاستلقاء كذلك أيضاً تمرداً كما هو الحال عندما يتجمع أشخاص كثيرون فجأة ويستلقون ويمنعون حركة المارة والمركبات من أجل الاحتجاج للمطالبة بشيء ما أو الاعتراض على شيء ما.

والباحث الألماني بيرند برونر من مواليد 1964، برلين، تخرج في كلية الاقتصاد وتجمع مؤلفاته بين العلوم والأدب والتاريخ. تُرجم له عملان آخران إلى العربية هما « القمر- في التاريخ والأساطير وأثره في النساء» و«الرمان».



إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة
TT

إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة

أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية الروايات المرشّحة للقائمة الطويلة بدورتها عام 2025؛ إذ تتضمّن القائمة 16 رواية. وكانت قد ترشحت للجائزة في هذه الدورة 124 رواية، وجرى اختيار القائمة الطويلة من قِبل لجنة تحكيم مكوّنة من خمسة أعضاء، برئاسة الأكاديمية المصرية منى بيكر، وعضوية كل من بلال الأرفه لي أكاديمي وباحث لبناني، وسامبسا بلتونن مترجم فنلندي، وسعيد بنكراد أكاديمي وناقد مغربي، ومريم الهاشمي ناقدة وأكاديمية إماراتية.

وشهدت الدورة المذكورة وصول كتّاب للمرّة الأولى إلى القائمة الطويلة، عن رواياتهم: «دانشمند» لأحمد فال الدين من موريتانيا، و«أحلام سعيدة» لأحمد الملواني من مصر، و«المشعلجي» لأيمن رجب طاهر من مصر، و«هوّارية» لإنعام بيوض من الجزائر، و«أُغنيات للعتمة» لإيمان حميدان من لبنان، و«الأسير الفرنسي» لجان دوست من سوريا، و«الرواية المسروقة» لحسن كمال من مصر، و«ميثاق النساء» لحنين الصايغ من لبنان، و«الآن بدأت حياتي» لسومر شحادة من سوريا، و«البكّاؤون» لعقيل الموسوي من البحرين، و«صلاة القلق» لمحمد سمير ندا من مصر، و«ملمس الضوء» لنادية النجار من الإمارات.

كما شهدت ترشيح كتّاب إلى القائمة الطويلة وصلوا إلى المراحل الأخيرة للجائزة سابقاً، وهم: «المسيح الأندلسي» لتيسير خلف (القائمة الطويلة في 2017)، و«وارثة المفاتيح» لسوسن جميل حسن (القائمة الطويلة في 2023)، و«ما رأت زينة وما لم ترَ» لرشيد الضعيف (القائمة الطويلة في 2012 و2024)، و«وادي الفراشات» لأزهر جرجيس (القائمة الطويلة في 2020، والقائمة القصيرة في 2023).

في إطار تعليقها على القائمة الطويلة، قالت رئيسة لجنة التحكيم، منى بيكر: «تتميّز الروايات الستّ عشرة التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة هذا العام بتنوّع موضوعاتها وقوالبها الأدبية التي عُولجت بها. هناك روايات تعالج كفاح المرأة لتحقيق شيءٍ من أحلامها في مجتمع ذكوريّ يحرمها بدرجات متفاوتة من ممارسة حياتها، وأخرى تُدخلنا إلى عوالم دينيّة وطائفيّة يتقاطع فيها التطرّف والتعنّت المُغالى به مع جوانب إنسانيّة جميلة ومؤثّرة».

وأضافت: «كما تناولت الكثير من الروايات موضوع السلطة الغاشمة وقدرتها على تحطيم آمال الناس وحيواتهم، وقد استطاع بعض الروائيين معالجة هذا الموضوع بنفَسٍ مأساوي مغرقٍ في السوداوية، وتناوله آخرون بسخرية وفكاهة تَحُدّان من قسوة الواقع وتمكّنان القارئ من التفاعل معه بشكل فاعل».

وتابعت: «أمّا من ناحية القوالب الأدبيّة فتضمّنت القائمة عدّة روايات تاريخيّة، تناول بعضها التاريخ الحديث، في حين عاد بنا البعض الآخر إلى العهد العبّاسيّ أو إلى فترة محاكم التفتيش واضطهاد المسلمين في الأندلس. كما تضمّنت القائمة أعمالاً أقرب إلى السيرة الذاتيّة، وأخرى تشابه القصص البوليسيّة إلى حدّ كبير».

من جانبه، قال رئيس مجلس الأمناء، ياسر سليمان: «يواصل بعض روايات القائمة الطويلة لهذه الدورة توجّهاً عهدناه في الدورات السابقة، يتمثّل بالعودة إلى الماضي للغوص في أعماق الحاضر. لهذا التوجّه دلالاته السوسيولوجية، فهو يحكي عن قساوة الحاضر الذي يدفع الروائي إلى قراءة العالم الذي يحيط به من زاوية تبدو عالمة معرفياً، أو زاوية ترى أن التطور الاجتماعي ليس إلّا مُسمّى لحالة تنضبط بقانون (مكانك سر). ومع ذلك فإنّ الكشف أمل وتفاؤل، على الرغم من الميل الذي يرافقهما أحياناً في النبش عن الهشاشة وعن ضراوة العيش في أزمان تسيطر فيها قوى البشر على البشر غير آبهة بنتائج أفعالها. إن مشاركة أصوات جديدة في فيالق الرواية العربية من خلفيات علمية مختلفة، منها الطبيب والمهندس وغير ذلك، دليل على قوّة الجذب التي تستقطب أهل الثقافة إلى هذا النوع الأدبي، على تباين خلفياتهم العمرية والجندرية والقطرية والإثنية والشتاتية». وسيتم اختيار القائمة القصيرة من قِبل لجنة التحكيم من بين الروايات المدرجة في القائمة الطويلة، وإعلانها من مكتبة الإسكندرية في مصر، وذلك في 19 فبراير (شباط) 2025، وفي 24 أبريل (نيسان) 2025 سيتم إعلان الرواية الفائزة.

ويشهد هذا العام إطلاق ورشة للمحررين الأدبيين تنظّمها الجائزة لأول مرة. تهدف الورشة إلى تطوير مهارات المحررين المحترفين ورفع مستوى تحرير الروايات العربية، وتُعقد في الفترة بين 18 و22 من هذا الشهر في مؤسسة «عبد الحميد شومان» بالأردن.