«كباب» لأمل دنقل وتوضيح من نزار قباني وغزليات لميعة عمارة

كتاب «أصوات» لمحمد رضا نصر الله

«كباب» لأمل دنقل وتوضيح من نزار قباني وغزليات لميعة عمارة
TT
20

«كباب» لأمل دنقل وتوضيح من نزار قباني وغزليات لميعة عمارة

«كباب» لأمل دنقل وتوضيح من نزار قباني وغزليات لميعة عمارة

عن دار «سطور» للنشر والتوزيع في بغداد، صدر مؤخراً كتاب جديد للكاتب والإعلامي السعودي محمد رضا نصر الله، بعنوان: «أصوات في الأدب والفكر والاجتماع».

والمؤلف هو إعلامي وكاتب سعودي، عمل في عدة صحف سعودية، وأصبح في عام 1976 مشرفاً ثقافيّاً في جريدة «الرياض»، كما عُيِّنَ مديراً لتحرير «الرياض الأسبوعي»، بالإضافة إلى أنه كان يكتب زاوية أطلق عليها مسمّى «أصوات» بدأها في جريدة «الرياض» في عام 1978، وعيّن عضواً في مجلس الشورى السعودي عام 2005.

وقدم محمد رضا نصر الله عدداً من البرامج التلفزيونية الحوارية الثقافية والسياسية من أبرزها برنامج «هذا هو» استضاف فيها نخبةً من ألمع المثقفين والمفكرين العرب والأجانب على مدى سنوات طويلة، ومن بينها: «الكلمة تدقّ ساعة»، و«وجهاً لوجه»، و«حدث وحوار»، و«مواجهة مع العصر»، و«هذا هو»، وكان من أبرز من استضافهم في برامجه تلك: حمد الجاسر، وغازي القصيبي، ومحمد حسن عواد، وعزيز ضياء، وأحمد السباعي، وتوفيق الحكيم، وزكي نجيب محمود، وأحمد بهاء الدين، ويوسف إدريس، وأدونيس، وبلند الحيدري، ومحمد بن عيسى، والشاذلي القليبي، وحنان عشراوي، وصموئيل هنتنغتون، وپول فندلي، ومراد هوفمان، وغيرهم.

صفحة من كتاب «أصوات»
صفحة من كتاب «أصوات»

عناوين المقالات في كتاب «أصوات في الأدب والفكر والاجتماع» تأخذ القارئ في رحلة ثرية مع شخصيات فكرية وأدبية وثقافية عربية وعالمية، مع قراءة بانورامية للتراث الثقافي والأدبي للشخصيات بصيغة سجالية ونقدية، نقرأ منها «بین عكاز نزار قباني... ونظارة طه حسين»، «جولة مع الجابري»، «مع توفيق الحكيم في كازينو بترو»، «علاقتي بيوسف إدريس»، «برتوكولات حكماء ريش»، «سيرة عبد الوهاب المسيري غير الموضوعية»، «جلاسنوست محمود أمين العالم المتأخرة»، «بيريسترويكا سميح القاسم المتأخرة!»، «سميح القاسم وعرب الدشاديش»، «لقاء مع فدوى طوقان»، «حوار أندلسي مع فدوى طوقان»، «غوركي ينشر قصائد الريحاني بترجمة كراتشكوفسكي»، «من الشعر الأرسطي إلى بؤس البنيوية»، «مثاقفة محمد جابر الأنصاري الباريسية»، «البيروقراطية القصيبية»، «غازي القصيبي... والإبداع المركب»، «هل كان جاك بيرك مسلما؟!»، «رامبو يصفع... علي شماخ»، «قراءة أولى في شعر أبي البحر الخطي»، «حمادي... وأوراق ضائعة من حياة خالد الفرج»، «أسماء متنازع عليها بين المملكة والعراق»، «جنتلمانية الاستعمار... بين الطيب صالح والجواهري»، «ريادة علي جواد الطاهر في تدريس الأدب السعودي وصناعة معجم مطبوعاته»، «أيها العراق هلا خرجت من مزرعة البصل»، «تشومسكي الضائع بين نجومية فريدمان»، «حسن ظاظا وكشكوله»، «د.عبد الله الغذامي يكتب حول مقال (الجاحظ يحذر العرب)».

الحفر في الصخر

مقدمة الكتاب، كتبها الدكتور نزار عبيد مدني، وزير الدولة للشؤون الخارجيّة السعودي السابق، وحملت عنوان: «محمّد رضا نصر الله الأديب... المفكّر... الإعلامي»، تحدث فيها عن الكاتب قائلاً: «منذ أن عَرَفْتُهُ وجدتُه مثقّفاً، واعياً صبوراً، ذا تفكير عقلاني، وطبيعة هادئة، قوي الحجة، سديد الرأي، واضح الرؤية، يحمل في داخله قلباً ينبض بالحبّ والتسامح، وينبذ التعصّب والغلو، ويرفض الصراعات والمنازعات، دون التنازل عمّا يعتقده يصبّ في الصالح العام (...) علمتُ من سيرته أن طريقه نحو الشهرة والنجومية لم يكن ممهداً مفروشاً بالورود والرياحين، ولا خالياً من العثرات والعقبات والكبوات، ولكنه تمكّن بمخزونه الثري من الصبر والإرادة والعزيمة من تجاوز كل الصعاب، وتخطّى جميع العقبات، إلى أن غدا قامة من قامات الفكر والثقافة في المملكة، ومن جهابذة الإعلام المكتوب والمرئي، ومن الذين حفروا في الصخر حتى أصبح شخصية مرموقة يُشار إليها بالبنان في وطنه وفي خارج وطنه» (ص10).

• كباب لأمل دنقل

يتحدث في هذا الكتاب عن لقاءاته بالعديد من أعمدة الأدب العربي في مراحل مبكرة من حياته: «... وأنا على عتبة الدراسة الجامعية، (سافرتُ) صوب القاهرة صيف سنة 1974م، لمقابلة توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وعبد الرحمن الشرقاوي وصلاح عبد الصبور وأمل دنقل»... (ص21).

ومن الطريف هنا قصة لقائه بالشاعر أمل دنقل، يقول: «بعد هزيمة ١٩67، لم يتقدّم شاعر عربي إلى الوعي القومي خارج ظاهرة شعراء المقاومة الفلسطينية – مثلما تقدم الشاعر المصري أمل دنقل... كان صوتاً شعرياً جديداً، اتسم بالبساطة الجارحة والنبوءة الشعرية النافذة، إلى أعصاب الوطن العربي المشدودة. فقبل وقوع الكارثة، كان أمل يتقمص روح زرقاء اليمامة، المعروفة في الميثولوجيا العربية بحدّة البصر، درجةً مكنتها من اكتشاف العدو المتربص بقبيلتها، وهو في طريقه بجيشه إليها غازياً، منبها السلطة... بعد مسامرات ومناقشات و(مناكفات) في أماسي مقهى (ريش) الشهير، المتفرع من ميدان طلعت حرب، اتفقت وأمل دنقل على إجراء حديث صحافي لجريدة (الرياض)، غير أنه اشترط أن أتكفل بعد الانتهاء من هذه المهمة العسيرة بعشائه بطبق كباب، وأن يبيت في شقتي بشارع عماد الدين... وبين هذه الليلة وتلك، كان أمل يستجيب لطلباتي في إلقاء قصائده عندما يكون مزاجه صفواً» (ص23).

• السيّاب ولميعة و«جيكور»

في مكان آخر من الكتاب، يسرد مشهداً من حياة الشاعر العراقي بدر شاكر السياب: «بتاريخ 23 أيلول 1979م، كنتُ ليلتها في دار السياب في البصرة، بعد زيارة (منزل الأقنان) في قريته جيكور مسقط رأسه، وقد التقيت فلاحين من أهله وجيرانه، كما التقيت صهره فؤاد عبد الجليل، وابنتيه غيداء وآلاء من زوجته إقبال. قبلها اكتشفت من خلال قراءتي في كتاب (تاريخ الأقطار العربية الحديث)، للمستعرب الروسي الضخم (لوتسكي) أن أسرة السيّاب كانت ذات ماض إقطاعي، إن لم يكن بالمصطلح الماركسي، فإنها على أي حال أسرة امتلكت الأراضي الزراعية»، ثم يقول: «ألهذا يستعيد السياب لا وعيه التاريخي في ديوانه (منزل الأقنان)؟... فقد وجدت بيت أسرة السياب في جيكور فسيح الباحة، كبير المساحة، بدا متهاوياً بأطلال مجد غابر، وكان الشعراء العرب من زوار مهرجانات بغداد يقفون عليه، كما كان شعراء الجاهلية يقفون على أطلالهم، ويتأملون في (شباك وفيقة) إحدى ملهمات الشاعر، ويا لهنّ من ملهمات» (ص26).

ثم يورد حديثاً للشاعرة العراقية لميعة عباس عمارة عن علاقتها بالسيّاب: «لم تتردد الشاعرة العراقية لميعة عباس عمارة، حين التقيتها في أبو ظبي سنة 1996م، في الحديث معي عن افتتان السياب بجمالها الفاتن، وهما على مقاعد الدرس الجامعي في معهد دار المعلمين العالية ببغداد منتصف الأربعينيات الميلادية من القرن المنصرم». ثم يتندّر من مبالغة السياب في وصف نهر «جيكور»: «ولأن من طبيعة الشاعر الرومانسي المبالغة والإغراق في التخييل، فقد هالني مرأى نهر (جيكور)! فلم أجده سوى (نهير) أو ساقية نخيل في إحدى قرى القطيف، إلا أن خضرة جيكور شكلت عنصراً أساسياً، في صياغة مفتتح قصيدة السياب الشهيرة (أنشودة المطر)، فإذا بعيني حبيبته: غابتا نخيل ساعة السحر / أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر / عيناكِ حين تبسمان تورق الكروم/ وترقص الأضواء كالأقمار في نهر / يرجُّه المجداف وهنا ساعة السحر / كأنما تنبض في غوريهما النجوم / أنشودة المطر / مطر... مطر... مطر» (ص26، 27).

يتحدث المؤلف في كتابه الصادر حديثاً عن لقاءاته بالعديد من أعمدة الأدب العربي في مراحل مبكرة من حياته

مع نزار في لندن

يسرد في هذا الكتاب قصة لقائه بالشاعر السوري نزار قباني، يقول: «كانت البداية في شهر مارس (آذار) سنة 1994 على ضفاف احتفال لجائزة سلطان العويس أقيم في فندق في الشارقة، حين أطلّ نزار بصحبة ابنته زينب، من زوجته العراقية بلقيس، وأسفر اللقاء الذي بدأ بعتاب على إجراء حوار معه، وكرّت سبحة اللقاءات في أماكن متعددة، أبرزها اللقاءات المتعددة في شقة نزار الأنيقة في حي (نايس بريج) في لندن وفي أحدها سألته عن مناوشته البارعة مع مارون عبود، فقد كتب منتقداً واحداً من دواوينه، مشيدا في المقال نفسه بجديد صوره، في دواوينه الأربعة الأولى... هل كان يخشى شيخ النقّاد اللبنانيين في رده النثري الرقيق عليه، وهو يشكر التفاتته إلى شعره الشاب، واصفا إياه بشجرة السنديان التي تنقر العصافير الصغيرة مناقيرها على جذعها الضخم؟ فأجابني: لا... يا رضا... ليست خشية وإنما احترام، فقد كان مارون عبود وجيله في لبنان، ومنير العجلاني ومجايلوه في سوريا، وأنور المعداوي ورفقاه في القاهرة، أساتذة بحقّ وحقيق، ليسوا كأدباء وشعراء هذه الأيام، وقد صب جام غضبه على شعراء الحداثة العرب، من الذين فتكوا بقصائدهم الضبابية ذوق المتلقي العربي» (ص50).

لكن اللقاء الأبرز مع نزار تمّ أيضاً في شقته اللندنية، وفيها يقول الكاتب: «عاتبته ذات جلسة معه في الشقة اللندنية نفسها على إساءاته لأهل الخليج، التي ابتدأت منذ قصيدته (الحب والبترول)، فحكى لي مناسبتها وأنه كتبها في شخصية معيّنة غير سعودية اقترنت بفاتنة سورية من أسرة معروفة، كانت تصحبه في حفلات الاستقبال و(الدواوين)، وأردف: إن المملكة لم تصف معه أي حساب، لقد استقبلت أخاه د. رشيد في أحد مستشفيات الرياض لسنوات طويلة» (ص51).


مقالات ذات صلة

كنوز غزة.... قصة القطع الأثرية التي نجت من الدمار

ثقافة وفنون تدمير المسجد العمري

كنوز غزة.... قصة القطع الأثرية التي نجت من الدمار

قبل أن تشرح السيدة إلودي بوفار، المشرفة على معرض «كنوز غزة التي أنقذت، 5000 سنة من التاريخ»، أهمية هذا الحدث الثقافي الذي يحتضنه معهد العالم العربي في باريس

أنيسة مخالدي (باريس)
ثقافة وفنون وفود من المدارس المغربية تزور المعرض

«معرض الرباط للنشر والكتاب»... اللقاءات الفكرية حظيت بالحضور الأكبر

شهد معرض الرباط الدولي للنشر والكتاب هذه السنة إقبالاً واسعاً من الزوار الذين توزعوا على أروقته طيلة هذا الأسبوع. قُرّاء من مختلف الفئات العمرية والطبقات الاجتم

عمر الراجي (الرباط)
ثقافة وفنون «إنهم حقاً رجال شرفاء»... الشيخوخة من منظور نسائي

«إنهم حقاً رجال شرفاء»... الشيخوخة من منظور نسائي

تتناول رواية «إنهم حقاً رجال شرفاء» الصادرة أخيراً عن دار «الكرمة» بالقاهرة للكاتبة ابتسام شوقي قصة سيدة عجوز تعيش وحيدة معزولة عن الآخرين،

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
ثقافة وفنون البابا في العراق (أ.ب)

أنوار البابا الطيب

لماذا ننعته بـ«الطيب»؟ لأنه جعل من الانفتاح على الإسلام والمسلمين أحد المحاور الأساسية لعهدته البابوية. وقد لقيتْ مبادراته أصداء واسعة

هاشم صالح
ثقافة وفنون محمود البريكان... الشعر في ضوء متغيّرات العالم

محمود البريكان... الشعر في ضوء متغيّرات العالم

كل قراءة أو «إعادة» قراءة لشاعر هي قراءة جديدة. ما مِن إعادة بمعنى التكرار إزاء النصوص المخترقة لزمنها، المتقدمة عليه.

باسم المرعبي

«معرض الرباط للنشر والكتاب»... اللقاءات الفكرية حظيت بالحضور الأكبر

وفود من المدارس المغربية تزور المعرض
وفود من المدارس المغربية تزور المعرض
TT
20

«معرض الرباط للنشر والكتاب»... اللقاءات الفكرية حظيت بالحضور الأكبر

وفود من المدارس المغربية تزور المعرض
وفود من المدارس المغربية تزور المعرض

شهد معرض الرباط الدولي للنشر والكتاب هذه السنة إقبالاً واسعاً من الزوار الذين توزعوا على أروقته طيلة هذا الأسبوع. قُرّاء من مختلف الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية، ومن مختلف مدن المغرب قدموا إلى الرباط وتمركزوا في ساحة «أو إل إم» بالسويسي يقودهم شغف البحث، ويسترعي اهتمامهم برنامج متنوع ضم أكثر من 240 فعالية ثقافية من ندوات وتقديم كتب وحوارات مفتوحة ومسابقات وجلسات تكريم، وبمشاركة كبيرة من مئات الناشرين المغاربة والأجانب الذين توافدوا من 48 بلداً. الدورة الحالية بدأت بافتتاح رسمي حضره الأمير مولاي رشيد والشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، احتفاءً بحضور إمارة الشارقة ضيفَ شرفٍ للنسخة الثلاثين من معرض الرباط الدولي للنشر والكتاب.

هذه المناسبة شكَّلت فرصة لتسليط الضوء على العلاقات الثقافية التاريخية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المغربية؛ حيث خصَّص فضاء العرض عدداً من الأجنحة لألبومات الصور والوثائق الرسمية التي تؤرخ لبدايات التواصل الثقافي والمراحل المختلفة من هذه العلاقة العريقة بين بلدين عربيين متباعدين جغرافيّاً، لكن بقواسم ثقافية مشتركة. وباعتبارها ضيف شرف الدورة، كان برنامج الشارقة الأكثر تنوعاً بين جميع الضيوف، إذ تضمن أكثر من 50 فعالية مزجت بين أماسي الشعر والجلسات الفكرية واللقاءات التواصلية بين المبدعين والناشرين، إضافة إلى خلوات مطالعة وورشات كتابة خُصصت لصقل مهارات اليافعين من طلاب المدارس والقراء الشباب.

الإقبال على الكتب المعرفية التي لها علاقة مباشرة بالتحصيل المدرسي والبحوث الأكاديمية كان كبيراً، حسب ما أفاد به العارضون المرتبطون بالمؤسسات التعليمية والمكتبية المشاركة، مؤكدين الحضور القوي لكتب الجامعة داخل بنية العرض المقدَّم في أنشطة النشر لهذا العام. يُضاف إلى ذلك طلب كبير سُجل على كتب التنمية الذاتية، وكتب السرد من روايات وقصص قصيرة، وأجناس أخرى من التأليف. وكان من اللافت أن مساهمة الفئات الناشئة من الأطفال والشباب في نسبة الشراء كانت كبيرة، وهو ما له علاقة على ما يبدو بحجم التسويق الإعلامي الذي حظي به المعرض هذه السنة، إضافة إلى الدور الذي لعبته الشراكات المبرمة مع المؤسسات التعليمية ونسيج المجتمع المدني المرتبط بقضايا الطفولة والشباب في جذب أعداد كبيرة من قراء الجيل الجديد. ويفسر ذلك أيضاً ما لُوحِظ من تنافس تسويقي كبير بين دور النشر المشاركة، التي عززت من جماليات فضاء العرض بألوان وتصاميم مميزة للكتب، واشتغال كبير على العناوين، وكذا اختيار أجناس محددة من المؤلفات ذات الطابع التشويقي من روايات عالمية مترجمة وأخرى عربية وكتب فلسفية تضع على صفحتها الأولى أسئلة كبرى مكتوبة بخط عريض، ودواوين شعر لأسماء معروفة وغير ذلك من أساليب إغراء القراء العامين الذين يشكلون في الغالب معظم الزوار المعنيين باقتناء ما يُعرض.

حفلات التوقيع كانت صاخبة هذه السنة، وتوزعت أشكالها بين جلسات محورية لتقديم بعض الكتب المنتقاة ومناقشة محتواها؛ حيث اعتمدها المعرض ضمن برنامجه الرسمي. وانتهت بتوقيع النسخ وإهدائها للحضور، وأخرى نظّمتها دور النشر لفائدة كُتابهم الذين نجحوا في استقطاب زبائن لكتبهم المطبوعة حديثاً، فوجدوا ضالتهم في قراء تجمعهم بهم في الغالب علاقة الأستاذية، من قبيل طلبة الجامعات والباحثين الشباب الذين حضروا كي يحظوا بنسخ موقعة من كتب أستاذتهم. وفي الجانب المقابل، كانت هنالك حفلات توقيع أخرى نخبوية ونوعية، وقّع فيها شعراء وروائيون كتبهم لأصدقاء معدودين تجمعهم بهم تجربة الكتابة ممن جاءوا تكريماً للصداقة وللمنجز الإبداعي المشترك.

اللقاءات الفكرية في فضاء الندوات حظيت بين جميع الأنشطة التفاعلية بالنصيب الأكبر من متابعة الزوار، فبين قاعة «حوار» «وتواصل» و«أفق» نوقشت قضايا كثيرة محلية وعربية وعالمية، وأجريت حوارات مع كتاب وفنانين من أسماء بارزة في عالم الأدب والفلسفة والتاريخ وغيرها من حقول المعرفة الإنسانية. وفي هذا الاتجاه، كانت القضايا الراهنة في طليعة ما ركزت عليه فضاءات النقاش؛ حيث أعادت الأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية الجدل حول العدالة ومسألة المعايير الغربية المزدوجة في التعاطي مع الأحداث. حول هذا الموضوع، أعادت فعالية «ملتقى الكتاب» التي شارك فيها كل من الكاتب والناقد السوري صبحي حديدي والأكاديمي المغربي أنور المرتجي الذي طرح سؤال «الحاجة إلى فكر إدوارد سعيد»، في ظل المتغيرات في الرأي العام الغربي والتسويق الإعلامي المنحاز اتجاه قضايا المنطقة، لا سيما بعد أحداث غزة الأخيرة.

في الاتجاه ذاته، أُقيمت ندوة حملت عنوان «الإبداع الفلسطيني في مواجهة سياسة المحو»، وأثث نقاشها كل من الشاعر والناقد محمد بنيس والمفكر عبد الإله بلقزيز، اللذان حاورهما الإعلامي والشاعر ياسين عدنان حول دور الإبداع الأدبي والفني الفلسطيني في بناء الشخصية الفلسطينية التي احتفظت بكيانها الخاص وقاومت بقوتها الفنية المحتل ومحاولاته للتجاوز الهوياتي والمحو الثقافي.

وفي جلسة حوار أخرى اختار منظموها عنوان «الجماليات ومأزق العالم»، استعرض المغني والعازف اللبناني مارسيل خليفة جانباً من مشاغله الفنية على الصعيدين الفكري والوجداني؛ حيث بدأ بالتأكيد على أهمية القلق في التكوين النفسي للمبدع، ثم انتقل من الخاص للعام، حين شدد على أهمية أن تضطلع الموسيقى بمهمة المواجهة والسعي المستمر للتغيير.

على هذا النحو أيضاً ساهمت مؤسسات أخرى محلية ودولية من قبيل «إيسيسكو» والمجلس الوطني لحقوق الإنسان بعدد معتبَر من الأنشطة الحوارية التي زادت فضاء النقاش تنوعاً وثراء، فقدمت الأولى في ندوة رئيسية لها مفهوم الدبلوماسية الحضارية، واستعرضت الثانية الحق في المدينة وتحولات العمران.

وفي ظل توطد العلاقة بين المغرب وفرنسا ثقافياً ودبلوماسياً، وما صاحب ذلك من اتفاقيات الشراكة والزيارات المتبادلة بين وزيري الثقافة في البلدين، خصوصاً بعد حضور المغرب ضيف شرف لمعرض باريس للكتاب قبل أسابيع، ارتفع أداء الأروقة المخصصة للمكتبات الفرنكوفونية من حيث المشاركة والعدد، كما تعزز حضور الفعاليات الثقافية والحوارية وجلسات تقديم الكتب باللغة الفرنسية بشكل لافت، لعل توقيع اتفاقية أرشيفية بين مؤسسة «أرشيف المغرب» والمدرسة الوطنية للمواثيق بفرنسا داخل فضاء المعرض كان علامة من علامات تنامي التعاون الثقافي بين فرنسا والمغرب.