الحب والجمال والحزن... تحت مظلة الشعر

محمد السيد إسماعيل في ديوانه «يد بيضاء في آخر الوقت»

الحب والجمال والحزن... تحت مظلة الشعر
TT

الحب والجمال والحزن... تحت مظلة الشعر

الحب والجمال والحزن... تحت مظلة الشعر

تشكل مفارقات الحزن والجمال، الغيب والرؤية، الثورة والوطن، مرتكزاً فنياً في ديوان «يد بيضاء في آخر الوقت» للشاعر والناقد الأدبي محمد السيد إسماعيل، ولا تأتي هذه المفارقات في إطار فكرة محددة، إنما تتوالد من نسيج حالة شعرية مفتوحة على تداعيات الواقع والحياة، فيما تشكل اليد البيضاء محوراً للرؤية، حيث تتناثر رمزيتها وتتنوع دلالاتها في معظم القصائد، فتارة هي اليد البيضاء التي لم يمسسها سوء، حسب الميثولوجي الديني، وتارة هي اليد التي تربِّت على الحديقة: «الحديقة الصغيرة التي تشبه سرَّاً مطارداً»، كما أنها المذنبة الشريرة، وهي اليد الخاطفة للذات بنعومتها الطافرة في الجمال، التي تنعكس عليها همومها الشاعرة، بخاصة في النظر إلى الأنثى عاطفياً، ثم هي اليد المنقذة التي تنتشل الذات في اللحظة الأخيرة، «في آخر الوقت» من الغرق في الحزن والسأم والضجر، إنها رمز للنقاء والخلاص في عالم أصبح موحشاً ومشوهاً وكارثياً.

في النص الأول الذي وسم عنوان هذا الديوان الصادر عن «دار أروقة» بالقاهرة في 80 صفحة، تومض ماهية هذه اليد من خلال علاقتها بنثريات الحياة والوجود؛ بالهواء والوقت والضوء والبحر، ويتنقل النص بسلاسة لغوية ما بين المشهد وخلفيته، في مونولوج داخلي حار، يصنع خيطاً شفيفاً من الذبذبة البصرية الموحية على العين، كأنها تشاهد لوحة فاتنة الجمال، تشكل خلاصة كينونة الأنثى المشتهاة... يعزز ذلك أن الشاعر يستهل النص بتساؤل حائر موجهاً الخطاب إلى الأنثى قائلاً:

«كيف تمشين على الأرض

هكذا

كأنها محرابك الأخير؟

لا أودُّ الإجابة

بل أودُّ المزيد من الوقت

كي أتأمل أناملك الرهيفة

وهي تدفع الهواء - بهدوئها المعتاد - إلى البحر

لا أريد الرؤية

بل أودُّ المشاهدة الأولى

المشاهدات التي تتيح لي حساب مساحات الضوء

التي تشكل خلفية المشهد

وأنت تقفين أو تحلقين - لا فرق - في منتصف المسافة،

لا أتحدث عن اقترابها الحميم من السِّر

لا أتحدث عن خروجها من سيرة الوقت

بيضاءَ من غير سوء

بل أتحدث عنها:

اليد ذو الأصابع الجميلة والخاتم الفضي

لا لأنها تختصر المسافة بين باريس والقاهرة

أو لأنها تبحث - ببراعة - عن شرعية الحياة ومصائر الخلق

بل لأنها تحترف - دونما قصد - تدريب العين على رؤية الجمال»

عبر هذه اليد البيضاء لا يقترن الحلم بالمرأة فحسب، إنما يقترن في الوقت نفسه بالسؤال عن معنى الحياة والجمال، وهو سؤال يتواتر في معظم القصائد بتراوحات مختلفة، فهو ابن اليقين والشك معاً، ابن الحيرة والطمأنينة، لكنه مع ذلك يمتلك القدرة على العبور والتحليق فيما وراء الأشياء والعناصر، بحثاً عن حقيقة بسيطة لكنها مغوية في بساطتها، تظل قابلة للتكشف، والتعبير عن نفسها بشكل جديد ومفاجئ.

يساعد على هذا براح قصيدة النثر والخروج من أسر المضمون الجاهز والمعيار الضيق للشعر، حيث يتراءى هذا الحلم، في كثير من نصوص الديوان، كرحلة في الزمن دائمة التساؤل عن كُنه الأشياء والوجود، عن البدايات والنهايات، عن الوقت، والمسافة الرخوة بين الكلام والصوت... وسط كل هذا ثمة نزوع للتمرد يبدو كملاذ أخير للذات، تتأمله، ليس كمحض رغبة في التجاوز والتخطي، إنما كسلاح لفكك شفرة الوجود والخلاص بالشعر من تطوحات الرؤى وشرنقة الظنون.

يبلور الشاعر هذا المعنى في الجزء الأخير من نص بعنوان «في منتصف الليل»، يشكل ثنائية شعرية مع نص تال له بعنون «هكذا بعد منتصف الليل» يجمعهما قاسم مشترك هو البحث عن الأنثى المشتهاة ويدها البيضاء الساحرة الشاردة، يقول:

«أودُّ الآن أن أخرج من الإيقاع

أن أفك شفرته

أن أتخفف قليلاً من كونشرتو نقابة الممثلين

وهي تغسل قدميها قريباً من قاع النهر

أو تصطاد سمك القيلولة

فساعديني إذن

أن أرى عينيك دائماً

لعلني أكتشف كيف يصبح الحزن - دون معجزة كبيرة - المدخل

الحديث للجمال

وكيف يصبح الجمال الهدية الأخيرة التي وهبها الله للحياة

الهدية الأخيرة التي اكتشفت أنني أسير نحوها

طوال هذه السنين».

لا يبحث النص عن الجمال بقوة الأنثى، إنما بقوة الرغبة في الخروج عن الإيقاع، إيقاع الحياة الرتيبة المملة، التي تعيد استنساخ نفسها في أدوار ومشاهد مكرورة، لذلك يريد أن يرى حبيبته في مشهد آخر وهي تتطهر من كل هذا المسخ، تشي بذلك رمزية غسل القدمين في النهر، وصيد السمك، في لمحة لا تخلو من رذاذ طقسي، ومن ثم يبرز السعي إلى اكتشاف الجمال في بساطته وتلقائيته دون معجزة كبيرة كما يقول النص.

بهذه الروح ابنة الفطرة يضع الشاعر حياته وشعره وحبيبته دائماً على مشارف يقين ما، يقف خلفه كطفل يراقب الأشياء في سطوعها وخفوتها، في نأيها وقربها، وكأنها ظل يبحث عن نقطة ثبات في مرآة رحلة مراوغة. يطالعنا ذلك في نص بعنوان «خلف ذلك اليقين» تعلو فيه نبرة الرجاء وتكتسي بمسحة صوفية، والرغبة في إعادة اختبار الأشياء من نقطة الوجد بالحبيبة ومكاشفتها، وهي نقطة تتأرجح دائماً ما بين الثقل والخفة، فالذات الشعرية لا تمتلك اليقين، ولا تدعيه، إنما تكتفي بالوقوف خلفه كعتبة أبعد للحلم والرؤية.

«دعينا إذن نختبر ما سوف يحدث

كأن أمضي - مثلاً بلا إرادة ـ خلف ذلك اليقين

وأنا ممسك بأثوابه الصافية

وبعد أن نصل إلى منتصف الطريق

أقول له كعاشق لا يرى عتبة البيت:

لقد اقتربنا

اقتربنا كثيراً

أليس كذلك؟

فيرد بلا اكتراث:

استفت قلبك أنت

واستشعر النور القريب».

من السمات اللغوية اللافتة في الديوان استخدام أدوات التشبيه بشكل مغاير أسلوبياً ومجازياً أحياناً، على نحو مباشر، من قبيل «مثل صخرة كبيرة»، «مثل شاعر قديم»، «مثل نقطة سوداء»، وأحياناً على نحو غير مباشر من قبيل «هكذا في طريق عام»، «هكذا بعد منتصف الليل». اللافت أيضاً أن هذه السمة الأسلوبية لا تركز على استجلاء طبيعة العلاقة النمطية بين المشبه والمشبه به في هذه النصوص، بقدر ما توفر فضاءً خاصاً لحضور الذات الشاعرة بتمثلاتها اللاعجة المتأرجحة دائماً ما بين المرئي واللامرئي، ما بين المشهد في عيانه المادي المباشر، وما يضمره في الظلال الرمادية الداكنة التي تكمن في الخلف:

«أنا رجل سيئ الحظ

أجيء - دائماً - بعد فوات الوقت

بعد أن تكون الوردة قد مضت لمصبها الأخير

فأقف متحسراً

تعتصرني اللوعة

وأنا أتذكر كيف مضت الساعات كلها

دون أن تمر بهجة واحدة

لا يهمني الآن اسم الوردة

ولا عبيرها الذي اختفى بين أصابعي

يهمني فقط أن أقف على أطلالها

مثل شاعر قديم»

لا يخلو النص من نبرة تشي بالسخرية من الذات نفسها، ومن العالم الكائن حولها، لكنها مع ذلك تدرك أن الأسماء دون فعل تظل محض صورة ذابلة بلا معنى، فاقدة لدبيب الحياة في شرايينها، مهما اشتدت نوازع الحنين إلى هذه الصورة... «الحنين إلى شجرة/ لا يعني - فقط - الحنين إلى ظلها الذي افتقدناه منذ سنوات بعيدة/ لا يعني أننا نحلم بالحب/ فكل شيء يذهب ويأتي في غفلة منا». إنها إذن شعرية الفكرة التي ينميها الديوان ويوظفها كنافذة حية ومتجددة في النظر إلى الواقع والحياة، وأصدقاء شكلوا رافداً حياً في تجربة الشاعر. إنها الصورة الحية التي لن تذبل في طوايا الروح والجسد، مثل صورة الميدان، مفجر الغضب، في إشارة لثورة 25 يناير2011:

«سأتوقف كثيراً أمام هذا الميدان

مستعيداً ما رأيته على مدى ثمانية عشر يوماً

حين توحدت كل هذه الأجساد

كي تتحول - بلحظة واحدة - إلى كائن لم نره من قبل

رغم أنه كان يسير أمامنا كل يوم

باحثاً عن طعام أبنائه

تقدح الشمس جبينه

ويلسع الشتاء ظهره العاري».

في الختام، هذا ديوان مهم في سياق الشعرية الجديدة، ومن المؤسف حقاً أنه لم يلق الاهتمام اللائق به، رغم أن صاحبه يتابع بدأب أكاديمي وبصيرة نقدية كاشفة معظم التجارب الشعرية وغيرها التي تصب في هذا المجرى.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)

تحت عنوان «النقد الفلسفي» انطلقت صباح اليوم، فعاليات مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة بدورته الرابعة، الذي يقام بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر بيت الفلسفة بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة، هو أول مؤتمر من نوعه في العالم العربي ويشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً من تعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة مثل الفلسفة والأدب والعلوم.

ويتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطور الفكر المعاصر.

الدكتور عبد الله الغذامي (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويسعى المتحدثون من خلال هذا الحدث إلى تقديم رؤى نقدية بناءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي ومفاهيم مثل «نقد النقد» وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

وتسعى دورة المؤتمر لهذا العام لأن تصبح منصة غنية للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش، حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

ويأتي المؤتمر في ظل الاحتفال بـ«اليوم العالمي للفلسفة» الذي يصادف الخميس 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، والذي أعلن من قبل «اليونيسكو»، ويحتفل به كل ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر، وتم الاحتفال به لأول مرة في 21 نوفمبر 2002.

أجندة المؤتمر

وعلى مدى ثلاثة أيام، تضم أجندة مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة؛ عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتتح اليوم بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد بيت الفلسفة، وكلمة لأمين عام الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتتضمن أجندة اليوم الأول 4 جلسات: ضمت «الجلسة الأولى» محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

كما ضمت الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أمّا الجلسة الثالثة، فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما تضم الجلسة الرابعة، محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، ويرأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما تضم أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

الدكتور أحمد البرقاوي عميد بيت الفلسفة (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويتكون برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر 2024) من ثلاث جلسات، تضم الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، ويرأس الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وتضم الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، ويرأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وتضم الجلسة الثالثة، محاضرة الدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم إي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

ويتكون برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تتناول الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي على طلاب الصف الخامس» تشارك فيها شيخة الشرقي، وداليا التونسي، والدكتور عماد الزهراني.

وتشهد الجلسة الثانية، اجتماع حلقة الفجيرة الفلسفية ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.