قبر هيلي الكبير ونقوشه التصويرية الفريدة

أكبر مجمع أثري يعود إلى حقبة أمّ النار

قبر هيلي الكبير ونقوشه التصويرية الفريدة
TT

قبر هيلي الكبير ونقوشه التصويرية الفريدة

قبر هيلي الكبير ونقوشه التصويرية الفريدة

تحوي منطقة العين في إمارة أبو ظبي سلسلة من المواقع الأثرية، أشهرها تلك التي تقع في واحة هيلي. في هذه الواحة، تمّ إنشاء حديقة آثار خاصة بهذه المنطقة منذ نهاية ستينات القرن الماضي، وتمّ تصميم هذه الحديقة لتسليط الضوء على معالم هيلي القديمة. أبرز هذه المعالم قبر دائري كبير يُعرف بـ«مدفن هيلي الكبير»، يعود إلى نحو 2030 عاماً قبل الميلاد، ويتميز بنقوشه التصويرية الاستثنائية التي تزين بابه الجنوبي وبابه الشمالي.

تقع منطقة العين على سهل رسوبي خصب، تَحُدُّه من جهة الغرب صحراء الربع الخالي الشاسعة، ومن جهة الشرق سلسلة جبال الحجر التي تغطي جزءاً كبيراً من شمال سلطنة عُمان. تقع واحة هيلي شمال هذه المنطقة السهلية، وتضم عدداً كبيراً من المستوطنات والأبراج والمدافن وأنظمة الري، كشفت عنها حملات المسح والتنقيب المتعاقبة منذ عام 1959.

قادت بعثة دنماركية أولى هذه الحملات، وعمدت إلى تسجيل اكتشافاتها وترقيمها وفقاً للأساليب المنهجية المتبعة، وتمثّل أحد أبرز هذه الاكتشافات بقبر دائري كبير ظهرت معالمه في منتصف الستينات، حمل رقم 1059، وعُرف طويلاً بهذا الرقم.

تمّ إنشاء حديقة آثار هيلي لإبراز هذه المعالم وإتاحة الفرصة أمام الزوار للاطلاع عليها، كما تمّ إنشاء متحف حمل اسم «متحف العين»، ضمّ مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المكتشفة في نواحٍ عديدة من هذه المنطقة. تجاور حديقة آثار هيلي غرباً قرية تحمل هذا الاسم، وتشكّل آثار هذه القرية امتداداً لهذه الحديقة. في المقابل، وعلى بعد كيلومتر واحد شمالاً، نقع على مدفنين يُعرفان بمدفني هيلي الشماليين، تفصل بينهما مسافة تقارب 200 متر. يرتفع المدفن الأول على شكل برج دائري، ويتألف من طابقين يضمّان 4 أقسام تفصل بينها جدران متوازية. يبدو المدفن الثاني مشابهاً من حيث التصميم الهندسي، وتتميّز واجهته بأحجارها المشذّبة.

تعود هذه المنشآت إلى عدة مراحل متعاقبة. تُنسب أقدم هذه المنشآت إلى حقبة تمتد من منتصف الألف الرابع إلى الربع الأول من الألف الثالث قبل الميلاد، وتشهد لاستقرار الإنسان في القرى، واعتماده على الزراعة القائمة على الآبار الجوفية، واستخدامه الحجر والطين في تشييد المساكن. تلي تلك الحقبة حقبة أُطلق عليها اسم أم النار، وذلك نسبة إلى جزيرة أم النار التي تقع قبالة ساحل إمارة أبو ظبي، وتمثّل موقعاً أثرياً خرجت منه اكتشافات كبيرة، سلّطت الضوء على حياة سكان شبه جزيرة عُمان خلال العصر البرونزي، بين عام 2500 وعام 2100 قبل الميلاد. في تلك الحقبة، ظهرت المستوطنات الكبيرة، وتميّزت بعض مبانيها بطابع دائري يحاكي الأبراج. وضمّت هذه المستوطنات قبوراً دائرية جماعية متعددة الحجرات، شُيّدت بأحجار مشذبة.

تشكّل منطقة هيلي أكبر مجمع أثري للعصر البرونزي في دولة الإمارات العربية. تعود أغلب منشآت هذه المنطقة إلى حقبة أم النار، وتشهد لتاريخ غني يمتد من بداية الألف الثالثة قبل الميلاد إلى بداية الألف الثانية دون انقطاع. تنتمي منشآت حديقة آثار هيلي إلى تلك الحقبة، وأبرزها القبر 1059 الذي بات يُعرف اليوم بمدفن هيلي الكبير. كذلك ينتمي المدفنان الشماليان إلى الحقبة نفسها، ومن هذين المدفنين خرجت مجموعة كبيرة من اللقى والكسور، شملت أواني خزفية وأوعيةً وأدواتٍ مصنوعة من الحجر الصابوني الأملس. تنتمي القرية الواقعة غرب حديقة آثار هيلي إلى تلك الفترة، وتضمّ أسس 10 منازل، خرجت منها مجموعة كبيرة من اللقى، إضافة إلى عدد من أوعية التخزين الكبيرة.

تشمل اللقى الأثرية التي خرجت من مواقع هيلي المختلفة أواني فخارية مزينة بأشرطة متموجة، وبتقاسيم هندسية متعدّدة صيغت باللون الأسود على خلفية حمراء، كما تشمل أواني متعددة مصنوعة من الحجر الصابوني الأملس، زيّنت بشبكات هندسية تتبع طرازاً خاصاً في الصياغة والتأليف. في هذا الميدان، يسود الطابع التجريدي بشكل شبه كامل، وتحضر العناصر التصويرية بشكل خجول للغاية. يخرج القبر 1059 عن هذا السياق، وينفرد بنقوشه التصويرية التي تجمع بين العناصر الآدمية والحيوانية.

يُعد مدفن هيلي الكبير من أكبر المدافن الجماعية الدائرية التي كشفت عنها حملات التنقيب. يبلغ قطر هذا المدفن المبني من الحجر 12 متراً، وارتفاعه 4 أمتار، ويبدو كأنه في حلّته الأصلية بعد أن تمّ ترميمه بشكل كامل، حيث شمل هذا الترميم إعادة بناء ما سقط من مكوّنات بنائه الخارجي. يضمّ هذا القبر الكبير 4 غرف داخلية، خصّصت كل منها لدفن عدد محدد من الموتى مع حاجياتهم الشخصية، وفقاً للتقاليد المتبعة، ويمتاز بمدخلين زُيّنت واجهة كل منهما بحلّة نحتيّة ناتئة.

على حجر الباب الجنوبي، وفوق مدخل هذا الباب، يظهر شخصان متجاوران، يقفان جنباً إلى جنب في وضعية المواجهة، بين حيوانين كبيرين يتواجهان في وضعية جانبية. يبدو الشخصان من دون أي ملامح، وهما أشبه بخيالين حدّدت حدود قامتيهما فحسب، وتبدو البهيمتان أشبه بظبيتين من فصائل الظباء الصحراوية الوحشية، ويكلل رأس كل منهما قرنان طويلان يماثلان قرون المهاة. على حجر الباب الشمالي، وفوق مدخل هذا الباب، يظهر في أعلى اليمين شخصان متعانقان، ويظهر في أعلى اليسار شخص يجلس على ظهر حمار، وشخص يقف من وراء هذا الحمار، حاملاً رمحاً ودرعاً. في أسفل مدخل الباب، يظهر فهدان متواجهان جانبياً ينقضان في حركة جامعة على غزال يحضر في وضعية مماثلة.

تحاكي هذه الصور الناتئة أشكالاً تصويرية تظهر على أختام تعود إلى تلك الحقبة، وتمثّل هذه الأشكال المشتركة كما يبدو العلاقة الشائكة التي قامت بين الإنسان الحيوان في البلاد التي عُرفت قديماً باسم ماجان. تعكس هذه الصور الاستثنائية طابع الأسلوب الذي ظهر في وادي السند، وتشهد للرابط الذي جمع بين بلاد ماجان وبلاد ملوخا التابعة لهذا الوادي.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)

تحت عنوان «النقد الفلسفي» انطلقت صباح اليوم، فعاليات مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة بدورته الرابعة، الذي يقام بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر بيت الفلسفة بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة، هو أول مؤتمر من نوعه في العالم العربي ويشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً من تعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة مثل الفلسفة والأدب والعلوم.

ويتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطور الفكر المعاصر.

الدكتور عبد الله الغذامي (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويسعى المتحدثون من خلال هذا الحدث إلى تقديم رؤى نقدية بناءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي ومفاهيم مثل «نقد النقد» وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

وتسعى دورة المؤتمر لهذا العام لأن تصبح منصة غنية للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش، حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

ويأتي المؤتمر في ظل الاحتفال بـ«اليوم العالمي للفلسفة» الذي يصادف الخميس 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، والذي أعلن من قبل «اليونيسكو»، ويحتفل به كل ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر، وتم الاحتفال به لأول مرة في 21 نوفمبر 2002.

أجندة المؤتمر

وعلى مدى ثلاثة أيام، تضم أجندة مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة؛ عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتتح اليوم بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد بيت الفلسفة، وكلمة لأمين عام الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتتضمن أجندة اليوم الأول 4 جلسات: ضمت «الجلسة الأولى» محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

كما ضمت الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أمّا الجلسة الثالثة، فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما تضم الجلسة الرابعة، محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، ويرأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما تضم أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

الدكتور أحمد البرقاوي عميد بيت الفلسفة (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويتكون برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر 2024) من ثلاث جلسات، تضم الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، ويرأس الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وتضم الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، ويرأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وتضم الجلسة الثالثة، محاضرة الدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم إي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

ويتكون برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تتناول الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي على طلاب الصف الخامس» تشارك فيها شيخة الشرقي، وداليا التونسي، والدكتور عماد الزهراني.

وتشهد الجلسة الثانية، اجتماع حلقة الفجيرة الفلسفية ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.