جزيرة العرب على شاشة السينما

أفلام تنقل للمشاهد الصورة التي يريد أن يراها

مشهد من فيلم «حياة الماعز»
مشهد من فيلم «حياة الماعز»
TT

جزيرة العرب على شاشة السينما

مشهد من فيلم «حياة الماعز»
مشهد من فيلم «حياة الماعز»

يتحدث الفيلم الهندي «حياة الماعز» عن شاب هندي يأتي إلى السعودية بغرض العمل فيختطفه شخص من المطار وينقله إلى الصحراء البعيدة لكي يرعي مواشيه بالمجان، لكنه لا يعطيه المال الذي يستحق، بل يحرمه الطعام والماء ويضربه ضرباً مبرحاً إذا طالب بحقوقه. نحن نعرف أهلنا جيداً ونعرف كيف يترفعون عن الاعتداء على الضعيف، ونعرف أيضاً كرمهم مع الضيف، وخصوصاً مع الغريب. ولو كان هذا الفيلم يتحدث عن حادثة فردية لما غضب أحد، فالمجرمون موجودون في كل مكان ولا يوجد مجتمع طهراني خالص، لكن الفيلم تعمد أن يسقط هذه القصة على المجتمع السعودي والمجتمع الخليجي ككل، ولم يكن مشغولاً بحكاية قصة فريدة، بل كان يسير في سياق السينما الغربية التي رسمت الصورة منذ زمن قديم، أيام بدايات السينما. ولا غرابة أن الفيلم بإنتاج هندي - أميركي مشترك.

هذا الفيلم الهندي اشتهر وشاهدته شريحة ليست بالقليلة من المشاهدين حول العالم بسبب الضوضاء التي أثيرت حوله، لكنه من الناحية الفنية فقير للغاية وتعيبه المبالغات الشديدة التي لا نجدها في الأعمال الفنية المحترمة. من المواقف غير المقنعة في القصة التي زعموا أنها حقيقية، هو أنه على رغم التعذيب والتجويع، لم يهرب العامل. أصحاب الإبل لا يبقون معها طوال الوقت، بل يعودون إلى بيوتهم، فلماذا لم يهرب وهو مطلق السراح ولم يقيده أحد بالسلاسل؟! كان بإمكانه طوال الوقت أن يهرب إلى الخط السريع وأن يركب مع أي عابر وأن يتوجه فوراً إلى سفارة بلاده التي ستطالب بمستحقاته. لكن شيئاً من هذا لا يحدث. هذا ما يمنعني من متابعة السينما الهندية، المبالغات المفرطة التي تحوّل الدراما كوميديا. وزعم الممثل الخليجي الذي قام بدور الشرير أن هذا الفيلم ترشح لجائزة الأوسكار، وبمرور سريع على موقع «آي إم دي بي» اتضح أن هذه الدعوى أيضاً غير صحيحة. هذه الدعوى محاولة كوميدية فاشلة أخرى عند هذا الفريق.

نحن نعلم أن هناك تجاوزات فيما يتعلق بموضوع الكفيل والمكفول، ونعلم أن كل دول الخليج تسعى إلى التخلص من نظام الكفيل برمته، لكن كل من عاش في السعودية يعلم أن الوصف الذي أدلى به الفيلم مزيف، ولم نسمع قط بمن يختطفون العمال من المطار، فمن يستقبلهم هم كفلاؤهم.

إنهم لا يعرفون بلادنا. فثمة فيلم سينمائي يحمل عنوان «كل المال الذي في العالم» يحكي قصة اختطاف شاب ينتمي إلى أسرة غنية، وسعي عائلته لاستعادته ودفع الفدية. وكان الداعي إلى الاهتمام بهذا العمل الفني هو أنه من إخراج البريطاني ريدلي سكوت، ذلك الفنان المميز القادر على صنع صورة لافتة للانتباه. سكوت رجل مثقف ومهتم بالتاريخ، وقد صنع عدداً من الأعمال التاريخية المهمة، ومع ذلك وجدناه في هذا الفيلم الدرامي يصور إحدى الشخصيات المحورية تزور جزيرة العرب (السعودية)، وكم هو مذهل تصوّر المخرج الفنان الشهير لها. لقد صوّر قطاراً يشق الصحراء الممتدة قادماً من الشمال، ليصل في النهاية إلى نهاية سكة الحديد التي ينقطع امتدادها وسط الصحراء وتقف عند فرسان أمراء من البدو يمتطون صهوات جيادهم وبجوارهم بيوت شَعر وبئر بترول. هذا الفيلم من إنتاج 2017، أي أن الفيلم حديث نسبياً، كما أنه يحكي قصة معاصرة ليست من التاريخ القديم.

إذا كان فنان مثقف، لعله أحد عشرة هم أفضل من يخرج الأفلام السينمائية اليوم، يتصور بلادنا على هذه الصورة فما بالك بمخرج «حياة الماعز»؟ صحراء جرداء وبيوت شَعر وبئر بترول لكل ساكن في تلك الصحراء. لا مدن حديثة ولا شوارع ضخمة ولا طرقات ولا فنادق ولا سيارات ولا مطارات. هل يعقل أنهم لا يعلمون أن الرياض وجدة ودبي وأبو ظبي والكويت والدوحة والمنامة لا تختلف اليوم عن كل المدن العالمية؟ لا شك أنهم يعلمون، لكنهم يريدون أن يتصوروا هذه الجزيرة خارج إطار الحداثة. هناك رغبة في أن يبقى الغرب غرباً والشرق شرقاً، وفي ألا يلتقيا أبداً رغم جهود العولمة في أن تجعل العالم قرية واحدة.

ثمة تقصير كبير في الحرص على الدقة عندما يأتي الحديث عن جزيرة العرب ودولها، لكن، يبدو أن مثل هذه الأعمال الفنية غير مشغولة بما يعتقده العرب، وغير معنية بتثقيف الغربيين عن هذا الجزء من العالم، بل تكتفي أن تنقل للمشاهد الصورة التي يريد أن يراها. يريدون أن يروا العربي بدوياً يقيم في الصحراء ويسكن في بيت شعر. رجل مهووس بالنساء، سريع الغضب، همجي في كل سلوكه، وكأنه لا يملك حسنة واحدة.

هناك سياق واحد تسير فيه كل الأعمال الفنية التي تتعلق بالجزيرة العربية منذ أن خرج للعالم أول فيلم سينمائي عن العرب والصحراء

هناك سياق واحد تسير فيه كل الأعمال الفنية التي تتعلق بالجزيرة العربية منذ أن خرج للعالم أول فيلم سينمائي عن العرب والصحراء، الفيلم الصامت «الشيخ» في عام 1921 وهو يحكي قصة درامية ومغامرة شاب عربي يتعلق بسيدة إنجليزية مستقلة التفكير فيخطفها ويهرب بها إلى الصحراء. ولم يلبث رودولف فالينتينو، بطل الفيلم، أن صنع فيلماً آخر بعنوان «ابن الشيخ» في 1926 مؤسساً لصورة نمطية لا يراد للعربي أن يخرج عن إطارها، فهو العاشق الكبير ورمز الرومانسية الشرقية وأيضاً هو خاطف النساء. يبدو لي أن فيلم «الشيخ» هو المؤسس للصورة النمطية للعرب على الشاشة الكبيرة، ثم تتالت بعده الإضافات التي تبني على الأساس الأول. ثم ازدادت الصورة النمطية قُبحاً مع السينما الناطقة وأكمل الكتّاب وضع الرتوش الأخيرة، في أعمال من مثل «لورانس العرب» الذي منحوه جائزة الأوسكار لأحسن فيلم عام 1963 رغم أنه يصور العرب على أنهم جماعة من اللصوص سفاكي الدماء، وأنهم لم ينالوا حريتهم من العثمانيين إلا بفضل جهود لورانس، ضابط المخابرات البريطانية.

ما أن يظهر اسم عربي حتى يرتبط ذلك الاسم بالجريمة ولا بد من استحضار العنف والدمار. ثم جاءت كارثة الإرهاب وحادثة 11 سبتمبر (أيلول) فيزداد تكريس الصورة وتعميقها عن العربي وكأنه هو وحده الإرهابي وأن وصف الإرهاب لا ينطبق على من قتلوا أكثر من أربعين ألفاً من أهل غزة، أكثرهم من النساء والأطفال، تحت بصر وسمع القوى الغربية التي باركت تلك الجريمة.

لا بد أن نتذكر هنا أن السينما ليست مجرد تسلية بريئة كما يتصور معظم الناس، بل هي وسيلة لتوجيه الوعي والهيمنة على التفكير وأداة ثقافية تخدم الأغراض السياسية.

* كاتب سعودي


مقالات ذات صلة

براد بت وجورج كلوني يتحدّثان لـ«الشرق الأوسط» عن فيلمهما الجديد

خاص لقطة مع كلوني وبت من «وولفز» (استديو أبل)

براد بت وجورج كلوني يتحدّثان لـ«الشرق الأوسط» عن فيلمهما الجديد

Wolfs (هكذا يختار الفيلم كتابتها) هو الفيلم السادس الذي يجمع بين الممثلَين المشهورَين عالمياً جورج كلوني وبراد بت.

محمد رُضا (ڤينيسيا)
يوميات الشرق من «واحد لواحد: جون ويوكو» (مركوري ستديوز)

ثلاثة أفلام تسجيلية تمر على أحداث متباعدة

«رايفنشتال» للألماني أندريس فايَل فيلم مفعم بالتوثيق مستعيناً بصور نادرة ومشاهد من أفلام عدّة للمخرجة التي دار حولها كثير من النقاشات الفنية  والسياسية.

محمد رُضا (ڤينيسيا)
يوميات الشرق السيناريست المصري عاطف بشاي (صفحته على «فيسبوك»)

الوسط الفني بمصر يودّع السيناريست عاطف بشاي

ودّع الوسط الفني بمصر المؤلف والسيناريست المصري عاطف بشاي، الذي رحل عن عالمنا، الجمعة، إثر تعرضه لأزمة صحية ألمت به قبل أيام.  

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق أنجلينا جولي في مهرجان ڤنيسيا (إ.ب.أ)

«الشرق الأوسط» بمهرجان «ڤنيسيا-4»... ماريا كالاس تعود في فيلم جديد عن آخر أيام حياتها

إذا ما كانت هناك ملاحظة أولى بالنسبة للأيام الثلاثة الأولى التي مرّت على أيام مهرجان ڤنيسيا فهي أن القدر الأكبر من التقدير والاحتفاء ذهب لممثلتين أميركيّتين.

محمد رُضا (فينيسيا)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» خلال مشاركتها في افتتاح مهرجان البندقية (الشرق الأوسط)

«البحر الأحمر السينمائي» تشارك في مهرجان البندقية بـ4 أفلام

تواصل «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» حضورها بالمهرجانات الدولية من خلال مشاركتها في الدورة الـ81 من مهرجان البندقية السينمائي بين 28 أغسطس و7 سبتمبر.

«الشرق الأوسط» (البندقية)

رواية «الأفغاني... سماوات قلقة» لأوسي في دراسة نقدية

رواية «الأفغاني... سماوات قلقة» لأوسي في دراسة نقدية
TT

رواية «الأفغاني... سماوات قلقة» لأوسي في دراسة نقدية

رواية «الأفغاني... سماوات قلقة» لأوسي في دراسة نقدية

عن دار «الحكمة» للنشر في لندن، صدر للباحث والناقد المصري الدكتور أحمد الصغير آل تمام كتاب نقدي بعنوان «السرد بين التاريخ والمتخيّل التاريخي... متاهة الهوية في رواية (الأفغاني سماوات قلقة) لهوشنك أوسي».

جاء الكتاب في 205 صفحات من القطع المتوسط، وتضمّن دراسة مطوّلة تناولت رواية أوسي من جوانب عديدة تحليلاً وتقييماً نقدياً، على صعيد الشخصيات والأمكنة والأزمنة والتاريخ والأحداث، فضلاً عن عرضه لظروف كتابة هذه الرواية. وأشاد الباحث بالرواية في أماكن عديدة من دراسته، واختلف مع كاتبها في أماكن أخرى، مما أكسب عملية التحليل النقدي والدراسة النقدية الموضوعية والتوازن، إذ لم تجنح نحو المديح المجّاني المفرط، ولم تنزلق نحو التهجّم العشوائي غير المستند إلى براهين وأسانيد موثّقة.

ومن العناوين الفرعية الداخلية لأقسام الدراسة نقرأ: «ظروف كتابة الرواية»، «السرد التاريخي وتكوين الوعي الثقافي»، «الأفغاني... سماوات قلقة، أولى عتبات النص»، «إهداء الرواية وعتبات أخرى»، «تعدد النوع الروائي في السردية»، «البداية السردية»، «السرد عبر السلب في مفتتح الرواية»، «البناء السردي وتكوين الرواية»، «الشخصيات كثرتها وتنوّعها»، «المكان ودوره في البناء السردي»، «الزمان في البناء السردي»، «الوصف في الرواية وعلاقته بالسرد»، «توظيف الشعر في السرد الروائي»، «توظيف الجنس في السرد»، «توظيف الموروث الشعبي»، «الموقف الثوري للسارد ورؤية السلطة»، وغيرها.

يقول الناقد في مقدّمة دراسته إنها «محاولة لاستكمال عمل السارد في إبداعه، وهو عمل وسط بين دور المبدع ودور القارئ أو المتلقي». وذكر أنه «اختار دراية هذه الرواية لسببين. الأول: يتعلّق بالقيمة الفنية والموضوعية للسردية وأفكارها التي لامست حاضر غالب الشعوب العربية وغيرها من الشعوب المقهورة، كما لامست تاريخ العالمين العربي والإسلامي منذ بداياتها تقريبًا... وتعرّضت لنواح اجتماعية وفلسفية وغيرها على درجة عالية من الخطورة والأهمية». أمّا السبب الثاني فلخّصه الناقد بالقول: «السارد نفسه وتمكنه من الفن الروائي. وأحسب أنه في زمن غير بعيد سوف يكون أحد أهم كُتّاب الرواية العربية».

وكان قد صدر للناقد عن دار الحكمة أربعة كتب، هي: «العرب: نشأتهم، أنسابهم، أزمانهم، آدابهم وآراء المستشرقين حولهم»، و«نحو نظرية لتحديد التواريخ المجهولة»، و«بنو تميم ومكانتهم في الأدب والتاريخ»، و«طه حسين المفترى عليه»، و«السرد بين التاريخ والمتخيّل التاريخي».