«أميرة البحار السبعة»... الحُب في زمن اللعنة

سلطة الموروث والخرافة في رواية المصري محمد عبد الجواد

«أميرة البحار السبعة»... الحُب في زمن اللعنة
TT

«أميرة البحار السبعة»... الحُب في زمن اللعنة

«أميرة البحار السبعة»... الحُب في زمن اللعنة

لطالما اقترن الرقم «سبعة» بخصوصية سِحرية في مُخيلة سرديات البِحار، فحكايات السندباد البحري وأسفاره السبعة تُحيلنا إلى متاهات البحور التي لا تنقطع حبائل غرابتها على مدار الحكاية «الألف ليلية» للسندباد البغدادي، وفي زمن روائي جديد تقطع «أميرة البحار السبعة» للكاتب والروائي المصري محمد عبد الجواد، فضاءات أخرى من الغرابة التي يفيض بها البحر بأساطيره وعطاياه وروائحه، حيث الحكايات تنفرج من سرائره في دورة سردية محكومة بسلطته الأبدية.

في هذه الرواية الصادرة عن دار «المرايا» للنشر في القاهرة، يتوسل أهل قرية «سيدي العوام» بالأسطورة بوصفها طريقة لتفسير مُجريات القدر، فالراوي العليم، الذي يُمكنّه الكاتب من ناصية السرد، يُمهد لنا أن سكان القرية يؤمنون بأن «أميرة» هي «ابنة البحر»، ويتعايشون مع تلك الرواية بوصفها واقعاً، يميلون أحياناً إلى تفسيره على أنه مِنحة ربانية، وأحياناً على أنه لعنة حلّت عليهم، فالبطلة «أميرة» تولد لأمٍّ غجرية، دون أن يعرفوا لها أباً، فيتداول أهل القرية أنها ثمرة حُب «حرام»، خصوصاً أنها وُلدت برائحة «زفارة» لصيقة بها تنبع من مسامها، فتصنع تلك الرائحة من حولها هالة غامضة من النفور والشفقة ممزوجة بشيء من «القداسة» التي منحها لها البحر برائحته المهيبة.

لا تستمد الأسطورة هنا سطوتها من قصة خلق «أميرة» الغرائبية بقدر ما تتكئ على «الواقع الراكد» للقرية الذي انفرج بميلاد «أميرة الزفرة»، كما يُطلقون عليها، فيربط أهل القرية بين ميلادها وبين رضا البحر الذي أفرج عن طوفان من أسماكه بعد سنوات من القحط التي كان يُعاني منها صيادو القرية، ليصبح ميلاد الفتاة «المعجزة» فاصلاً بين تاريخين: الأول سنوات الفقر والعوز، والثاني سنوات العطايا والانفراج، وهي تأويلات يكشف السرد عن دينامية تداولها العبثية بين سكان القرية، التي يهيمن عليها سلطة الموروث، والخرافة، فيبدون كأنهم يُزجون الحياة بنسج الأساطير، التي سرعان ما ينسونها، أو يتناسونها، ليصنعوا أسطورة جديدة، يفسرون بها الأطوار الجديدة لمدّ البحر وانسحابه، في زمن روائي مفتوح على صراع مكين بين المنح والسلب.

الحب المستحيل

يُهدي عبد الجواد روايته إلى غابريال ماركيز أو «المُعلِّم الذي لم يمت بعد» كما يصفه، ويبدو هذا الإهداء موصولاً في نهر روايته التي تتنفس برئة الواقعية السحرية، مدرسة ماركيز الأثيرة، فَقَرية «سيدي العوام» تصنع أسطورتها الخاصة كما تنهض قرية «ماكوندو» الماركيزية في عزلتها، ويمكن الاستدلال في قصة الحب التي تجمع بين «يحيى العازف» و«أميرة الزفرة» على ظلال من «الحب في زمن الكوليرا» لا سيما بمراوغاته بين المستحيل والانتظار، فحُب البطل عازِف «الأكورديون» الحالِم لأميرة يُبطل لديه مفعول رائحتها المُنفرة، فيستقبلها بـ«أنف مُحب» يزيل عنها الحرج الذي لطالما رأته في عيون أهل القرية، حيث تلاحقها «وصمة الغرابة والزفارة إلى الأبد»، فيسد الناس أنوفهم عند الاقتراب منها، ويُبدون شفقتهم لهذا المصير الذي التصق بها رغم جمال ملامحها، فتجذب القطط لتموء بغضب جائع، وتجعل الناس تشم أسماك البحر السابع، وتَلُوح هنا فكرة الحب المستحيل كما سيصفه أحد أبطال الرواية «حاتم الأحرف»، مرجعاً أبسط أسباب تلك الاستحالة إلى رائحة زفر السمك المنبعثة من جسدها، ورغم ذلك لم يتوقف البطل عن الغرق في غِمار هذا الحب المستحيل وما يتبعه من «انتظار» لالتفات «أميرة» لحُبه، فهو يعزف لها يومياً دون توقف حتى أحصى تلك الأيام فوجد أنه استمر في العزف لها «على مدار 624 يوماً»، ويُحيل إحصاء الأيام هنا لانتظار بطل ماركيز «فلورنتينو» وهو يُحصي انتظاره لفيرمينا بالسنة والشهر واليوم حتى لحظة استسلامها لحُبه.

يُفرد الراوي مساحة سردية مطوّلة لسيرة «أسماء» والدة «أميرة»، السيدة الغجرية التي ينتمي جمالها إلى «ممالك زانوبيا»، فتظهر كـ«ماركيزة وسط عبداتها» كما يصفها الراوي، فهي تعرف ما هي عليه من فتنة، ولا تكترث بنمائم أهل الصيد، وتمنح نفسها لصانع دُمى بائس «مصطفى أحمد شعبان» الذي تجذبها هشاشته ونظراته الطفولية، وهما الصفتان اللتان ستلعنهما بعد أن يجرف عمره البحر الذي شهد على فعل الحُب بينهما، ليترك السارِد مولِد «أميرة» حائراً بين علاقتها بصانع الدمى، وبين أسطورة أنها مارست الفحشاء مع البحر فولدت له فتاة فرح بولادتها فوهب القرية طوفاناً من أسماكه، وهي المروية التي تظل تُرددها عرّافة القرية وشيوخها، مما يدفع «أسماء» إلى نوبات جنون تجعلها تلوذ بصحبة دُمية سوداء كبيرة لرجل «بوجه مُعذب»، وهي الدمية التي تركها حبيبها صانع الدُمى ورحل، فتستعيض بتلك الدمية عن غيابه، وتصير تتحدث إليها كأنه رجل إنسيّ، تُبادله الحب وتشاركه أسرار لعنتها وقدرها.

يتقاسم أهل القرية الفضاء الرواية مع جارهم «البحر» الذي يُقسّم قاطني القرية إلى طبقتين: صيادين بؤساء وكبار مشايخ منتفعين

مراوحات البحر

يتقاسم أهل القرية الفضاء المكاني للرواية مع جارهم الأزرق الكبير «البحر» الذي يُقسّم قاطني القرية إلى طبقتين؛ صيادين بؤساء، وكبار مشايخ صيد منتفعين من فيض أسماكه مثل «رشدان اللول» الذي يفتتح في القرية مطعم أسماك فخماً على هيئة سفينة يطلق عليها «سفينة نوح الجديدة» يقدم خدماته للأغراب المقتدرين، فيحيله البحر وعطاياه من الأسماك إلى حال من البذخ الذي لن يتذوق طعمه أهل القرية الفقراء، في ملمح رأسمالي يتسلل إلى أجواء الرواية رغم سطوة الفضاء الأسطوري عليها، ففي أحد مشاهد الرواية يُلقي المعلم «اللول» بكميات ضخمة من الأسماك لـ«أميرة» التي باتت معروفة بين أهل القرية بقدرتها الفائقة على سرعة تنظيف قشور الأسماك التي لا تتأفف من رائحتها، فيُمهلها ثلاثين دقيقة فقط لتنظيف جبال السمك التي أمامها لاستيعاب توافد الزبائن على مطعمه: «خمسين كيلو من الدينيس وعشرين كيلو من الناجل وأريدهم في نصف ساعة» كما يأمرها بلهجته القاطعة منزوعة الرحمة.

وبنفس منطق الجشع والاستغلال ينسج صاحب «سفينة نوح الجديدة» ومشايخ القرية معه الشِّباك حول «أميرة» لتتودد إلى «أبيها» البحر بعدما بدأت تلوح أمارات غضبه وشُح رزقه، فتبدو «أميرة» محض روح معذَّبة تُستخدم لاسترضاء أهل البر والبحر، دون أن تمنحها الأسطورة أي سلطان، بقدر ما جلبت لها اللعنات.

وهكذا، يجترح الكاتب مراوحات جمالية وإنسانية في تشخيصه البحر على أنه بطل رئيسي وليس فضاءً محايداً، فتستمع لزفرات حزن البحر، وصوت بكائه، ودفقات فرحه، كما جعل للحظات الحب في الرواية تنهيدات بحرية، أما «أميرة» الوسيطة بين مملكتَي البر والبحر فتظل على مدار الرواية لا تُدرك ما هي عليه من رائحة تزكم الأنوف، وعندما تتعرف على رائحتها لأول مرة في حياتها، تكون هي لحظة انتهائها، وهي لحظة مُكاشفة، تنهار فيها الحوائط بين الواقع والغرابة، أو بتعبير أحد أبطال الرواية: «للفقر رائحة».


مقالات ذات صلة

1967 متنافساً من 49 دولة على «القلم الذهبي»

يوميات الشرق المستشار تركي آل الشيخ يتحدث خلال المؤتمر الصحافي للجائزة سبتمبر الماضي (هيئة الترفيه)

1967 متنافساً من 49 دولة على «القلم الذهبي»

انتهت المرحلة الأولى من عملية التحكيم للقائمة الطويلة التي شارك فيها 1967 كاتباً من 49 دولة حول العالم للفوز بـ«جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)

البازعي: «جائزة القلم الذهبي» متفردة... وتربط بين الرواية والسينما

بدأت المرحلة الثانية لـ «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» لتحديد القائمة القصيرة بحلول 30 ديسمبر قبل إعلان الفائزين في فبراير.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
ثقافة وفنون أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً

«الشرق الأوسط» (الأقصر (مصر))
ثقافة وفنون أليخاندرا بيثارنيك

أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

يُقال إن أكتافيو باث طلب ذات مرة من أليخاندرا بيثارنيك أن تنشر بين مواطنيها الأرجنتينيين قصيدة له، كان قد كتبها بدافع من المجزرة التي ارتكبتها السلطات المكسيكية

ماغنوس وليام أولسون باسم المرعبي (ترجمة)
ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.