«الصديقة الرائعة» لألينا فيرانتي أجمل روايات الربع الأول من هذا القرن

«نيويورك تايمز» تستطلع آراء 500 كاتب وصحافي وقارئ

مشهد من المسلسل المأخوذ عن رواية «صديقتي الرائعة»
مشهد من المسلسل المأخوذ عن رواية «صديقتي الرائعة»
TT

«الصديقة الرائعة» لألينا فيرانتي أجمل روايات الربع الأول من هذا القرن

مشهد من المسلسل المأخوذ عن رواية «صديقتي الرائعة»
مشهد من المسلسل المأخوذ عن رواية «صديقتي الرائعة»

* تسرد «الصديقة الرائعة» سيرة نشوء صداقة بين طفلتين ترعرعتا في أحد أرباض مدينة نابولي بعد الحرب العالمية الثانية، ونضوج هذه الصداقة على مر السنين

على مشارف انقضاء الربع الأول من القرن الحالي قررت صحيفة نيويورك تايمز استطلاع آراء ما يزيد عن 500 كاتب وشاعر وناقد وصحافي وقارئ حول أفضل 10 روايات صدرت منذ بداية هذه الألفية بهدف اختيار «الأجمل» من بينها. وكانت النتيجة أن حلّت في المرتبة الأولى رواية L’amica Geniale «الصديقة الرائعة»، وهي باكورة «رباعية نابولي» للكاتبة الإيطالية التي منذ خمسة عشر عاماً تنشر أعمالها تحت الاسم المستعار إلينا فيرانتي، وما زالت هويتها الحقيقية حتى الآن سراً تحرص ودائرتها الضيقة على عدم كشفه.

وحلّت في المرتبة الثانية رواية «دفء الشموس الأخرى» للصحافية الأميركية إيزابيل ويلكرسون، التي تستعرض تاريخ الهجرة الأفريقية الكبرى إلى الولايات المتحدة، بينما حلّت في المرتبة الثالثة رواية «رواق الذئب» للكاتبة الإنجليزية هيلاري مانتيل، وتدور حول شخصية توماس كرومويل وصعود ه السريع إلى السلطة في بريطانيا على عهد الملك هنري الثامن.

كان اختيار رواية فيرانتي مفاجأة بالنسبة للمشرفين على الاستطلاع، ولكثير من النقاد، لأن الأدب المترجم من اللغات الأخرى إلى الإنجليزية لا يشكّل سوى جزء ضئيل جداً من السوق الأميركية.

بعد الإعلان عن نتيجة الاستطلاع كتب الناقد الأدبي والصحافي الإيطالي ماسّيمو مونتانا يقول: «قراءة (الصديقة الرائعة) مغامرة لذيذة محفوفة بالمخاطر والتشويق كمثل ركوب دراجة هوائية على الجليد أو فوق حصى الشاطئ». وكانت فيرانتي قد حصلت في السابق على عدة جوائز أدبية، بينها جائزة مهرجان أوترخت الدولي للأدب وجائزة الـ«صنداي تايمز» للامتياز الأدبي.

تسرد «الصديقة الرائعة» سيرة نشوء صداقة بين طفلتين ترعرعتا في أحد أرباض مدينة نابولي بعد الحرب العالمية الثانية، ونضوج هذه الصداقة على مر السنين قبل أن تتحول إلى علاقة عاطفية تطل منها الكاتبة على مروحة واسعة من المشكلات الاجتماعية التي ما زال معظمها يعتمل بحدة، وأحياناً كثيرة بعنف في الجنوب الإيطالي.

منذ صدور الجزء الأولى من الرباعية في عام 2010 تجاوزت شهرة فيرانتي الحدود الإيطالية بسرعة، حيث باعت حتى الآن ما يزيد عن 10 ملايين نسخة من كتبها التي ترجمت إلى 40 لغة، ونقلت إلى الشاشة الصغيرة في مسلسل يلاقي نجاحاً منقطع النظير في التلفزيون الإيطالي.

هذه الشهرة الواسعة زادت الاهتمام بالكشف عن هوية فيرانتي الحقيقية التي راجت عدة نظريات وترجيحات حولها كانت دار النشر «F-O» تسارع إلى تكذيبها، ومناشدة وسائل الإعلام والقراء احترام خصوصية الكاتبة وحرصها الشديد على التكتم عن هويتها. ومع مرور الوقت راحت فيرانتي «تكشف»، دائماً بواسطة دار النشر، عن بعض المعلومات الخاصة بها، مثل أنها من مواليد نابولي، حيث أمضت طفولتها وصباها الأول، وأن والدتها كانت خياطة في أحد الأحياء الشعبية، وأنها متزوجة ولها أولاد. لكن تصريحاً صدر عنها في إحدى المقابلات الصحافية قالت فيه: «زوّرت الحقائق غير مرة عندما اقتضى الأمر لحماية نفسي ومشاعري وضغوطي» أضفى سدولاً من الشك حول صدق المعلومات الخاصة التي «كشفتها»، وعززت النظرية القائلة بأن لغز الهوية ليس سوى وسيلة تجارية لتسويق أعمالها وزيادة شهرتها.

وفي مقابلة مع مجلة The Paris Review عام 2010 بمناسبة صدور الرواية، قالت فيرانتي إن «الخجل» هو السبب الذي دفعها إلى عدم الكشف عن هويتها الحقيقية، وأنها تتوجس كثيراً الخروج من العتمة إلى النور. لكن مع اتساع شهرتها راحت أسباب التكتم التي تذكرها في المقابلات الصحافية القليلة التي تجريها تنحو نحو المبررات الإبداعية والفلسفية. ونقع أيضاً على بعض المعلومات الشخصية عنها في المقالات التي نشرتها طيلة عام كامل في صحيفة الغارديان اللندنية، وفي بعض الصحف الإيطالية خلال السنوات العشر المنصرمة، وفي كتابها «رحلة في الكتابة» ومراسلات مع بعض الصحافيين، لكن ليس هناك ما يؤكد صحة كل هذه المعلومات ما دامت هويتها الحقيقية في طي الكتمان.

في عام 2016 نشر الصحافي الإيطالي كلاوديو غاتّي تحقيقاً مطولاً قال إنه أمضى عاماً كاملاً في إعداده يراجع عشرات السجلات العقارية والبيانات المالية، يؤكد فيه أن فيرانتي هي Anita Raja المترجمة في دار النشر «F-O» التي تصدر عنها رواياتها، وهي زوجة الكاتب المعروف دومينيكو ستارلوني. ويذهب غالّي إلى أبعد من ذلك ليقول إنه أجرى بحوثاً معمقة ومقارنات لغوية بمساعدة نقّاد واختصاصيين في الألسنية، أظهرت وجوه تشابه كبير بين أسلوب ستارلوني ونصوص فيرانتي.

وقد أثار ذلك التحقيق موجة واسعة من الانتقادات والاحتجاجات على هذا «الاقتحام» لخصوصية الكاتبة، كان أشدها البيان الذي صدر عن دار الناشر التي نفت ادعاءات غاتّي وجاء فيه: «هذه الاستنتاجات هي محض خيال ليس أكثر، ومحاولة دنيئة لتعرية الكاتبة فيها من العنف والقسوة والتجني، ما يمكن أن يقضي على قدرتها الإبداعية، هي التي قالت غير مرة إنها لا تستطيع الكتابة والإبداع إلا متسترة». واتهمت الدار الصحافيين الذين يحاولون الكشف عن هويتها بمعاملتها كما لو كانت مجرماً من زعماء المافيا. وتقول مترجمتها إلى الإنجليزية آن غولدشتاين إنها لا تعرف هويتها الحقيقية، ولم تحاول يوماً معرفتها، فيما يؤكد مايكل نيولدز مدير دار Europe Editions التي توزع كتبها في القارة الأوروبية وآسيا أنه لا يعرف من هي، ولا رغبة لديه على الإطلاق في ذلك.



لماذا انقلبت حفلة افتتاح الألعاب الأولمبية إلى هجوم ضد اليسار «الووكي»؟

جاك أتالي
جاك أتالي
TT

لماذا انقلبت حفلة افتتاح الألعاب الأولمبية إلى هجوم ضد اليسار «الووكي»؟

جاك أتالي
جاك أتالي

لا يزال الخلاف الذي يقسّم النخبة الثقافية والسياسية بخصوص «الووكية» في فرنسا تترصّده وسائل الإعلام، حتى إنه لا يمر أسبوع من دون أن يكون هناك هجوم ضد هذه الحركة الآيديولوجية الثقافية المحسوبة على اليسار.

للتذكير، فإن «الووكية»، المشتقة من فعل الاستيقاظ باللغة الإنجليزية، هي مفردة انتشرت في الولايات المتحدة في العقد الثاني من هذا القرن، وهي تعني حرفياً أن يكون الشخص يقظاً إزاء الظلم وانتهاك حقوق الأقليات سواء أكانت عرقية أم دينية أم جنسية. الدخول القوي لهذا التيار الفكري إلى المشهد الثقافي الفرنسي تحولّ إلى كابوس للنخبة اليمينية التي تعده «غولاً آيديولوجياً» يهدد ثقافة فرنسا ومؤسساتها العريقة ويستبدل بأنساق ثقافية تعد أساسية لاستقرار المجتمع، أخرى تفتيتية تخريبية ومدمرة. آخر حلقات هذه الحرب الثقافية كانت بمناسبة افتتاح دورة للألعاب الأولمبية التي تنظم حالياً في باريس إلى 11 من أغسطس (آب)، حيث طالت موجة من الانتقادات اللاذعة من مختلف أنحاء العام منظمي هذه الاحتفاليات، تحديداً بسبب مشهد «العشاء الأخير» اللّوحة المعروفة للرسام ليوناردو دافنشي التي تمثل النبي عيسى عليه السلام والتي تم تجسيدها بطريقة ساخرة مثيرة للجدل؛ حيث تضّمن المشهد فنانين من المتحولين جنسيّاً والشواذ، إضافة إلى ظهور المغني فيليب كاترين عارياً لتجسيد الإله اليوناني ديونيسيس في المشهد نفسه. العرض لم يصدم النخب السياسة والمجتمعات المسيحية والمسلمة فحسب، بل أيضاً النخب الفكرية اليمينية المحافظة التي عبرت عن غضبها موجهة أصابع الاتهام إلى اليسار «الووكي» الذي يسعى، حسب اتهامات اليمين إلى تفكيك المجتمع وفرض ثقافة دخيلة، بحجة الدفاع عن حقوق الأقليات.

بيرينيس لوفي

الفيلسوف الفرنسي آلان فينكلكروت، في مقال على صفحات جريدة «لوفيغارو» بعنوان: «العبقرية الفرنسية تألقت بغيابها في احتفاليات افتتاح الألعاب الأولمبية» كتب: «أنا مذهول بما رأيته في حفل افتتاح الألعاب الأولمبية، لم أكن أتصور أن تصل المشاهد إلى هذه الدرجة من القبح والابتذال... أين كان الذوق الرفيع، الرّقة، الخفة، الأناقة، الجمال؟ الجمال لم يعد موجوداً بحجة الدفاع عن كل أنواع التمييز»، ملمحاً بصفة واضحة ومباشرة لا تدع مجالاً للشك إلى «اليسار الووكي». وكان هذا الأخير قد ربط في عدة مناسبات بين الووكية وثقافة الرداءة، حيث كتب: «عندما نتوقف عن تعليم نتاجات الشعراء والفلاسفة والكتاب، وعندما يصبح التعليم تعليماً للجهل، تنطفئ النظرة، ولا يعود هناك أي عائق أمام تقدم القبح، إنها مشكلة الووك، إنهم يعيشون في غطرسة الحاضر وبحجة أنهم يقظون لكل أنواع التمييز فهم ليسوا بحاجة إلى شيء وتحديداً إنجازات الماضي التي لا يقرأونها لقراءة الذات، بل يستحضرونها ويستدعونها لمساءلتها وتوظيفها في خدمة روح العصر».

الباحث فرغان أزيهاري المندوب العام للأكاديمية الحرة للعلوم الإنسانية هاجم في عمود بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان «حفل افتتاح أكثر رجعية مما يبدو عليه»، التيار اليساري الذي يرُوج لثقافة الرداءة تحت أسماء الحرية؛ حيث كتب: «يبدو أن مقياس نجاح الأداء الفني أصبح مقروناً بقدرته على الإساءة للآخر، عندما يكون أول رد فعل يتبادر إلى ذهنك بعد عرض فني ليس مشاركة إعجابك، بل متعة المشاكسة لأنك أزعجت جارك، فماذا يقول ذلك عنك وعن علاقتك بالفن والثقافة والعالم؟ عدد السياح الأجانب الذين يتدفقون لزيارة متحف اللوفر والتحف الرائعة التي يضمها يفوق عدد الذين زاروا عمل بول ماكارتي المثير للجدل بسبب إيحاءاته الجنسية، والذي تألّق فقط بسبب موقعه في ساحة فاندوم، لأن الجميع نسيه الآن».

إدريس أبركان

أما الباحث الحاضر بقوة في وسائل التواصل الاجتماعي إدريس أبركان، فقال في مداخلة على حسابه على «اليوتيوب» بعنوان: «الألعاب الأولمبية في باريس: هل يزال هناك مكان للجميل في مجتمعاتنا؟»، ما يلي: «أن تكون فرنسا بلداً يسمح بحق التجديف شيء، ولكن أن تصبح الدولة هي حاملة هذا الشعار بسبب إرث 1968 و(شارلي إيبدو) فهذا عار كبير، ما كنا ننتظره من هذه الحفلة هو التمتع بالجمال والفن وليس عرضاً استفزازياً لنخبة يسارية أنانية نرجسية حاولت إحداث صدمة ليقال إنها طلائعية، لم يكن المكان مناسباً ولا الزمان».

الدخول القوي لتيار «الووكية» إلى المشهد الثقافي الفرنسي تحوّل إلى كابوس للنخبة اليمينية التي تعده «غولاً آيديولوجياً»

الفيلسوف ميشيل أونفري، رغم ميوله اليسارية المزعومة ودفاعه عن حق التجديف في قضية «شارلي إيبدو»، لم يترّدد في الهجوم على منظمي عرض الافتتاح في مدونتّه الخاصة، حيث كتب ما يلي: «كان حفل افتتاح الألعاب الأولمبية فرصة فرنسا لتقدم عرضها للعالم، فكان لحظة عظيمة من (التهريج)».

أونفري

ويضيف أونفري: «أعلن رئيس دولة من دون حكومة افتتاح الألعاب الأولمبية فكان بياناً (للووكية) عُرض على العالم بأسره وتّم فيه الاحتفال بالرجل الجديد... المفكك، من أجل فرنسا جديدة مختلطة، عالمية، مفتوحة على الأقليات الجنسية...». الباحث والإعلامي ماتيو بوك كوتي انتقد بالشّدة نفسها اليسار الووكي في عمود بعنوان: «ماذا وراء الجدل الذي رافق حفلة افتتاح الألعاب الأولمبية»، حيث كتب: «أراد مصممو هذه الألعاب سحق فكرة معينة عن فرنسا، أرادوا إذلال الوطنية الفرنسية، من هنا جاء مشهد الرأس المقطوع لماري أنطوانيت، أما الحضور القوي للمتحولين جنسياً والذين أصبحوا بمثابة حاملي لواء التقدمية الغربية فهو سعي واضح لتفكيك حضارتنا بأكملها». وفي عمود على صفحات جريدة «لوفيغارو» بعنوان: «الحفلة لم تعظم الروح الفرنسية بل فرنسا التي يريد المنظمون أن يروها في المستقبل» كتبت الفيلسوفة بيرينيس لوفي، ما يلي: «تاريخنا لم يكن سوى سوق استغلها المنظمون كما أرادوا، كل شيء كان مقروناً بـ(الحاضر) ولكن من يصنع نكهة مدينة كـ(باريس) سوى ماضيها التاريخي؟ هذا العرض كان رسالة للعالم بأسره بأننا - نحن الفرنسيين - لم نعد نعرف ماذا نفعل بتاريخنا وبماضينا، وكأننا نرمي (الاستثناء الفرنسي) في سلّة المهملات، أقولها وأعيدها، هذا الحفل كان عرضاً (ووكيا) ولا يمكن لتوماس جولي وفريق المنظمين إنكار أن الهدف منه هو الدعاية للتعددية الثقافية والهويات الخاصّة». الكاتب والمفكر والمُنظر السياسي، جاك أتالي، في مداخلة على منصّات التواصل الاجتماعي، صرّح بأن التاريخ هو الذي سيحكم: «بعد عشر سنوات، إما أن تصبح هذه التجاوزات طبيعية ومألوفة وإما أن تُعدّ مقياساً لما كان عليه عام 2024 من انحطاط».