تاريخ مصر الحديث في روايتين

«الأزبكية» و«الأنتكخانة» لناصر عراق

تاريخ مصر الحديث في روايتين
TT

تاريخ مصر الحديث في روايتين

تاريخ مصر الحديث في روايتين

تأتي رواية «الأنتكخانة» (2022) لتؤكد شغف الروائي ناصر عراق بتاريخ مصر الحديث واستمرار محاولاته لانتقاء لحظات منه لصياغتها في قالب قصصي. فهو بدأ مع بداية ذلك التاريخ الحديث إبان الحملة الفرنسية على مصر في آخر القرن الثامن عشر في رواية «الأزبكية» (2015)، متناولاً الفترة التي مهدت لبناء مصر الحديثة على يد محمد علي باشا، مواصلاً في «الأنتكخانة» تصوير ما يمكن تسميته بالنهضة الثانية في تاريخ مصر الحديث، إبان محاولة الخديوي إسماعيل، حفيد محمد علي، مواصلة البناء على ما أسسه جده. الرواية تدور في اللحظة الفارقة في أواخر أيام إسماعيل وقبل أن يتخاذل حكمه ويُضطر للتنازل عن العرش لابنه الخديوي توفيق، ما يفتح الباب للانتكاسة الثانية للنهضة المصرية الحديثة. نشهد في الرواية بوادر الحراك الشعبي والنهضة الوطنية التي تجسدت في الحركة العُرابية، لكن الرواية تستقيل عند تلك اللحظة، التي نعرف تاريخياً ما تلاها سريعاً من الاحتلال البريطاني الطويل لمصر.

قد تُكتب الرواية التاريخية بهدف تعليمي كما كان الحال في روايات جورجي زيدان عن التاريخ الإسلامي، وقد تُكتب بهدف الإسقاط على الحاضر كما فعل نجيب محفوظ في بعض رواياته التاريخية، ولكنها في الحالين - وكما في فنون الرواية جميعاً - تهدف أيضاً إلى التشويق والإمتاع. في روايتي عراق نجد الأغراض الثلاثة مجتمعةً. في الروايتين عنصر تعليمي خفيف في معالجتها للقرن التاسع عشر من تاريخ مصر، وفي «الأنتكخانة» على التحديد نجد ما يمكن وصفه بالإسقاط على اللحظة الراهنة، حيث إن عصر إسماعيل ارتبط في الوجدان المصري بسلبيات الاستدانة من البنوك والقوى الأجنبية، وهي السياسة التي – بغض النظر عن غرضها الأسمى وهو تحديث البلد و«جعل مصر قطعة من أوروبا» – أدت إلى تنحية إسماعيل عن العرش وانتهت بالاحتلال البريطاني في 1882. يمكن إذن اعتبار الرواية إسقاطاً على الأوضاع الاقتصادية الحالية في مصر، من جهة أن الدولة غارقة في الديون، ومنشغلة ببيع الأصول المصرية إلى جهات أجنبية. ولكن في المحك الأخير فلنقرر أنه إنْ كان الهدف التعليمي واضحاً بذاته، فإن الهدف الإسقاطي مستتر، ويقوم على قدرة القارئ على الربط بين ما يقرأه وبين المشهد المعاصر الذي يعيشه.

على أنني آخذ على الكاتب أنه وقع تحت تأثير توفيق الحكيم في ذروة كتاباته الوطنية عقب ثورة 1919، وفي ظل النضال ضد الاحتلال البريطاني. ومثل توفيق الحكيم نراه يعهد لعلماء الآثار الأجانب بمهمة تمجيد الحضارة المصرية والإنسان المصري. في رواية الحكيم التأسيسية «عودة الروح» (1933)، ثمة حوار مُطوَّل يستغرق فصلاً كاملاً أقحمه الحكيم إقحاماً لأغراضه الوطنية المشروعة في حد ذاتها، ولكن ربما غير المشروعة فنياً حيث يُوقف الكاتب السرد ليتخيل حواراً مستحيلاً بين عالم آثار فرنسي ومفتش زراعة إنجليزي. الأول يتغنى بأمجاد مصر القديمة وبأن الفلاح المصري الذي قد يبدو جاهلاً متخلفاً اليوم، إنما هو يحمل في قلبه حضارة آلاف السنين، بينما الثاني - ممثل الاحتلال - لا يكنّ إلا الاحتقار للمصري المعاصر والاستخفاف بآراء الأثري الفرنسي. هذه «التقنية الوطنية» إن جاز التعبير، استخدمها ناصر عراق على نحو مماثل في «الأزبكية» حين قدّم شخصية رسّام فرنسي يُجِلّ المصريين وحضارتهم العظيمة وجعل منه نقيضاً للعسكرية الفرنسية المحتلة. ومرة أخرى لجأ عراق إلى نفس «التقنية الوطنية» في «الأنتكخانة»؛ إذ جنَّد الأثريين الفرنسيين والألمان للتغني بأمجاد الحضارة المصرية القديمة، بينما ينعون على المصري الحديث تخلفه وعدم تقديره لتراثه الهائل، وإن كان بعضهم يؤمن بأن اليوم آتٍ لا محالة حين يُفيق المصريون من سُباتهم ويدركون قيمة كنوزهم وعظمة أجدادهم. كان لتوفيق الحكيم أهداف وطنية ملحّة حين لجأ لتلك التقنيات الساذجة منذ ما يقرب من مائة عام، ولكن يصعُب تصوُّر الهدف منها اليوم.

على أن هذا ليس العَرَض الوحيد لاقتفاء عراق أثرَ الحكيم في غير داعٍ. ففي «الأنتكخانة» يقدّم لنا الروائي قصة حب بين الأثريّ المصري الشاب أحمد أفندي كمال وبين الفتاة الفرنسية جوزفين القادمة من باريس لتعمل معاونةً لعالم الآثار الفرنسي مارييت باشا. تبدو قصة لقاء بين حضارتين على نسق قصة الحب الشهيرة في رواية الحكيم «عصفور من الشرق» (1938) بين الشاب المصري محسن وبين عاملة شباك التذاكر الفرنسية. المسرح مختلف ولكن اللقاء الجنسي هو ذاته. في رواية الحكيم كان اللقاء لقاءً حضارياً لأن الحكيم أراد للفتى والفتاة أن يرمز كل منهما لحضارته حسب رؤيته؛ المصري ساذج بريء عاطفي، بينما الفرنسية ماكرة مخاتلة مُستغِلّة (هي العلاقة بين مصر وأوروبا في ذلك الوقت)؛ ولذلك فإن الفتاة تستغل محسن لتأجيج غيرة حبيبها الحقيقي الذي كان اهتمامه بها قد فتَر، فإذا ما تحقق لها غرضها واستعادت حبيبها، ألقت بمحسن جانباً في غير تردُّد.

في «الأنتكخانة» نجد موقفاً شبيهاً، فجوزفين بعد استسلامها لمغازلة أحمد الملحّة، توافِق على أن تصبح زوجةً ثانية له (موقف غير محتمل من فتاة فرنسية في ذلك الوقت أو في أي وقت)، إلا أنها في لحظة الحسم تتراجع وتهجره إلى فتى فرنسي جاء به الروائي فجأة من لا مكان ليلعب دوراً اصطنعه له قبل أن يختفي فجأة أيضاً. التشابه مع الموقف في «عصفور من الشرق» واضح، إلا أن الرمزية ضعيفة للغاية لأن أحمد كمال ليس بريئاً بل هو مندفع نحو شهواته الجنسية وميله لاستكشاف امرأة من عنصر مختلف، ولا يعنيه في شيء أن له زوجة محبة وأولاداً منها، بل يخونها ويخفي عنها مشروعه في الزواج من امرأة أخرى، ما يجعله صِنواً لجوزفين في المخاتلة. بذلك تصبح العلاقة من حيث قيمتها المجازية في حالة ارتباك بالمقارنة على ما كانته عند الحكيم.

يعود أحمد كمال، وقد رفضته المرأة الفرنسية، نادماً لأسرته وزوجته البسيطة التي يشرع في تعليمها القراءة والكتابة، إضافة لما كان يفتنها به من حكايات عن تاريخ مصر القديم. تُرى هل ترمز الزوجة لمصر الجاهلة المتخلفة والزوج للمصري العصري المتعلم الذي يأخذ على عاتقه تعليمها وتمدينها؟ هل ينتقل الروائي هنا من توفيق الحكيم إلى نفحة سريعة من يحيى حقي و«قنديل أم هاشم»؛ إذ يأخذ الطبيب الدارس في أوروبا على عاتقه علاج وتمدين ابنة عمه فاطمة التي أيضاً ترمز لمصر؟ ربما. التراث الروائي يُعمل أثره جيلاً بعد جيل. ولا بأس أن نجد لوناً من التناصّ هنا أو هناك. المهم أن يضيف الجديدُ إلى القديم ولا يبقى عالةً عليه أو تكراراً له. الروائي هنا مشغول بالحدث وملاحقته السريعة، ما لا يتيح له فرصة التأني والتأمل والسماح للوقائع أن تُشكّل معانيها وللشخصيات أن تُبرز دواخلها.

تكلمتُ عن عنصرَي التعليم والإسقاط في الرواية. يبقى أن أقول شيئاً في مجال التسلية التي هي عنصر مطلوب في كل رواية، بشرط أن تكون موظّفة وأن تلتحم بنسيج الرواية، لا أن تكون هناك لمجرد الإضحاك أو الإثارة، وهو ما لا يحدث في «الأنتكخانة»، وبالأخصّ التسلية الجنسية. لا اعتراض على الجنس في الفن الروائي ولا على مدى الصراحة فيه والتفصيل، بشرط أن يكون جزءاً من النسيج الروائي وأن يكون ذا دور في دفع الحدث أو الكشف عن الشخصية أو غيره. أما في «الأنتكخانة» فيبدو أن كل الذكور تقريباً يعانون من الغُلمة ويحركهم الشبق الجنسي، سواء النجار القاتل الجالب للخادمات الريفيات إلى فراشه كل ليلة، يسرقن التحف من أجله ويمنحنه أجسادهن حتى إذا ما طالبن بالزواج كان نصيبهن القتل والدفن في حديقة الدار، أو أحمد أفندي الذي يسيل لعابه طَوال الوقت ما بين زوجته المصرية وجوزفين الفرنسية، أو عالم الآثار الألماني الذي يلاحق زوجته في حالٍ دائمة من الشهوة، ولا يكاد يرى عجيزتها حتى ينسى أبحاثه وما هو بصدده من عمل ويقوم وراءها... إلخ إلخ. هذه المواقف تتكرر كثيراً، ونادراً ما يكون لها وظيفة اللهم إلا في حالة الفضول الجنسي لأحمد كمال تجاه جوزفين الفرنسية.

أخيراً أود أن أتوقف عند اللغة التي أجدها إشكالية في الرواية. يستخدم الكاتب لغة أحادية النغمة لا تتغير قيد أنملة ما بين السرد والحوار. كما أن لغة الحوار لا تتغير ما بين شخصية وأخرى. لا يهم إن كان المتكلم متعلماً أو جاهلاً، خواجة أو مصرياً، سيدة أو خادمة. الكل يتكلم نفس اللغة الفصحى بدون أي تفاوت أو تمييز. لا يهمني أن الحوار مكتوب بالفصحى، ولكن الفُصْحَيات تتفاوت كما أن العاميّات تتفاوت. وفصحى الحوار لا يجب أن تتساوى بين كل الشخصيات، كما أنها لا يجب أن تتساوى مع فصحى السرد. يُلاحظ أيضاً أنه ليست هناك أي محاولة لمحاكاة لغة القرن التاسع عشر في مصر لا في السرد ولا في الحوار، وهو ما كان حريّاً أن يخلق نوعاً من الواقعية التاريخية في النص.



عودة الراحلين في معرض القاهرة الدولي للكتاب

عودة الراحلين في معرض القاهرة الدولي للكتاب
TT

عودة الراحلين في معرض القاهرة الدولي للكتاب

عودة الراحلين في معرض القاهرة الدولي للكتاب

في نهاية يناير (كانون الثاني) من كل عام ينتظر القراء والكتاب معرض القاهرة الدولي للكتاب؛ الحدث الثقافي الأبرز، بكل ما يحمله من زخم ثقافي، وفعاليات فنية، وكتب جديدة يسارع الناشرون لتجهيزها وطباعتها لطرحها بالمعرض، وفي المقابل تتحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى معرض افتراضي، إذ ينشط المؤلفون ودور النشر المختلفة في الإعلان عن كتبهم الجديدة، بأغلفتها الزاهية، وتمتلئ أجنحة دور النشر بحفلات التوقيع، ليلتقي القراء بمؤلفيهم المفضلين، يتحلقون حولهم، ويلتقطون الصور معهم، حيث يلعب الحضور الجسدي دوراً مهماً في بلورة علاقة حية من التواصل المادي الملموس بين المؤلف والقارئ؛ هذا الطقس الذي يتكرر سنوياً ويظل مبهجاً للقراء والكتاب.

ومع بدء الدورة السادسة والخمسين التي تنطلق غداً (الخميس) وتستمر فعالياتها حتى 5 فبراير (شباط) المقبل، يعيش المعرض ظاهرة لافتة قلما تتوافر في دوراته السابقة، وهي وجود كتب جديدة لن يتمكن مؤلفوها من رؤية أغلفتها وملامسة أوراقها، ولن يقيموا لها حفلات توقيع، فلن يحضروا بأجسادهم بين القراء، وذلك عقب لجوء عدد من دور النشر، الحكومية والخاصة، لإصدار كتب جديدة لمؤلفين راحلين من كبار الكتاب والرموز الأدبية والفنية، بعض هذه الكتب ينشر للمرة الأولى، وبعضها يعاد طبعه بعد نفاد طبعاته السابقة، ومعظمها مرشح لخطف الأضواء، حتى من كتب المؤلفين الأحياء، نظراً لأهميتها الكبيرة، أو لأسماء المؤلفين الراحلين الراسخة في مجالاتها، والذين يشاركون بإبداعهم من موقعهم في العالم الآخر.

ناصف والعطار: في مرايا النقد والحداثة

من الأسماء المهمة التي سيكون لها حضور قوي في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام، الناقد والمفكر والأكاديمي الراحل مصطفى ناصف (1921 - 2008)، وهو أحد أهم النقاد العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، إذ تعاقدت الهيئة المصرية العامة للكتاب على نشر أعماله، كواحد من أبرز الداعين إلى تجديد مناهج النقد العربي عبر عملية جدلية تضع في حسبانها علاقة الذات العربية بكل تراثها الثقافي والفكري المتراكم، مع الآخر الغربي بكل إنتاجه الفكري والفلسفي. فكان ينظر إلى مناهج الحداثة الغربية بعين عربية فاحصة، تلتقط الصالح منها وتتجنّب كل ما يتنافى مع الخصوصية الحضارية للثقافة العربية.

ووفقاً هذا التعاقد، نشرت الهيئة المصرية العامة للكتاب، ضمن إصداراتها لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، عدة كتب للناقد الراحل، منها «الصورة الأدبية»، و«نظرية المعنى في النقد العربي»، و«مسؤولية التأويل»، و«لعبة الكتابة».

من مصطفى ناصف، أحد أشهر أساتذة الأدب في جامعة عين شمس، إلى الأكاديمي البارز والمترجم الراحل سليمان العطار (1945 - 2020) الأستاذ في كلية الآداب جامعة القاهرة، استمر اهتمام الهيئة المصرية العامة للكتاب بإعادة نشر الفكر الأكاديمي والبحثي الرصين، وتعاقدت على إصدار الأعمال الكاملة له، كأحد أبرز المفكرين والمثقفين المصريين، بفكره المتميز العميق وأسلوبه النقدي، واهتمامه الخاص بقراءة التراث، وكان للخيال مكانة خاصة في فكره، واعتبره أداة للخلق المعرفي والابتكار، فدرس نظرية الخيال عند ابن عربي، في كتابيه «الخيال والشعر في تصوف الأندلس»، و«الخيال: النظرية والمجالات عند ابن عربي». كما ترجم العطار أعمالاً أدبية عالمية مثل «مائة عام من العزلة» لغابرييل غارسيا ماركيز، و«دون كيخوتي» لثرفانتس، فضلاً عن أن له كتابات إبداعية، مثل رواية «سبعة أيام»، ورواية «عصابة سرقة الآثار» ومجموعة قصصية «النساء لن تدخل الجحيم».

خيري شلبي... حكايات لا تموت

ومن الفكر النقدي والبحث الأكاديمي، إلى الخيال الأدبي، إذ يشارك في المعرض الروائي الكبير الراحل خيري شلبي (1938 - 2011)، أحد أهم روائيي جيل الستينات، الذي رحل عن عالمنا منذ 13 سنة تقريباً، لكن ما زالت في أدراجه أعمال لم تنشر، وعكفت أسرته على جمع مقالاته وكتاباته المتناثرة في عدد من الصحف والمجلات، ونشرها لأول مرة في عدة كتب هذا العام، وسينشر في المعرض، حسب نجله زين العابدين خيري شلبي، كتاب عن فؤاد حداد، وقد كتب عنه شلبي عشرات المقالات، تم جمع عدد منها في كتاب «القطب الأكبر»، ويصدر عن «دار غايا».

يضيف زين: «هناك كتب أخرى جديدة سوف تصدرها تباعاً (غايا)، ومنها كتاب (أساتذتي)، وهو تجميع لمقالات الراحل عن كبار الكتاب الذين كتب عنهم أكثر من مرة، مثل نجيب محفوظ وطه حسين وتوفيق الحكيم ويحيى حقي. أما الكتاب الثالث (منازل العاشقين)، فيجمع مقالاته في الثقافة الإسلامية والتصوف، بعضها سبق نشره في كتيبات صغيرة، وبعضها نشره في سلسلة مقالات بمجلة (الإذاعة والتليفزيون)، حيث كان يعمل صحافياً بها، ولم تنشر في كتب من قبل. في حين أن الكتاب الرابع (في وداع الأحباب) يصدر في جزأين، ويضم مقالات الرثاء التي كتبها شلبي في وداع الكتاب والفنانين والمثقفين وغيرهم ممن رحلوا وعاصر هو رحيلهم، أو ممن تذكرهم في ذكراهم، وهذه المقالات أيضاً كانت منشورة بشكل متفرق في مجلة (الإذاعة والتليفزيون)، ولم يسبق جمعها في كتاب».

ويضيف زين أن هناك أيضاً سبعة كتب، تصدر عن دار «بيت الحكمة»، تجمع أغلب بورتريهات شلبي التي كتبها في مجلة «الإذاعة والتليفزيون» وصحف أخرى، واخترنا البورتريهات المكتوبة عن المصريين، وجمعناها في كتاب «أعيان مصر»، وهو العنوان الذي وضعه الراحل لبعض مقالاته هذه، ولم يسبق من قبل نشر هذه البورتريهات مجمعةً في كتاب بعنوان واحد، وهو ما تصدت له «بيت الحكمة» لنشره في سبعة أجزاء.

مذكرات عميد المسرح العربي

ومن الأدب إلى الفن، فقد أصدرت «دار المعارف» طبعة جديدة من مذكرات أحد أهم رموز الفن، عميد المسرح العربي يوسف بك وهبي (17 يوليو/تموز 1898 - 17 أكتوبر 1982) بعنوان «عشت ألف عام»، بعد نفاد طبعاته السابقة. وكانت مؤسسة «دار المعارف»، حسب مدير النشر فيها إيهاب الملاح، هي التي نشرت الطبعات المتعددة والمتعاقبة من هذه «المذكرات»، وأعادت إصدارها أكثر من مرة، كانت آخر طبعة كاملة منها في عام 1976، في ثلاثة أجزاء؛ وأقبل عليها القراء، ما دفع «دار المعارف» آنذاك إلى إصدار طبعات جديدة منها في غضون فترات زمنية قليلة. وطوال ما يقرب من أربعة عقود كاملة، اختفت المذكرات تماماً، ولم تعد متاحة سوى بنسخ مفردة وقليلة جدّاً لدى باعة الكتب القديمة.

وفي سنة 2021 صدر الكتاب في طبعة كاملة بمجلد واحد يضم الأجزاء الثلاثة مجتمعة، منذ آخر طبعة صدرت عنها بين عامي 1976 و1982، وتضم ملحقاً وافراً بالصور النادرة والفريدة لعميد المسرح العربي يوسف وهبي في أعماله المسرحية والسينمائية، قبل أن تصدر هذه الطبعة الأحدث من الكتاب بالتزامن مع الدورة الـ56 من معرض القاهرة للكتاب.

أسامة أنور عكاشة... «ظل لا يغيب»

الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة (1941 - 2010)، المعروف بأيقونة الدراما التليفزيونية، سيكون حاضراً في دورة المعرض هذا العام، لكن بأعماله القصصية الأولى، إذ بدأ الراحل مسيرته كاتباً للقصة القصيرة، قبل أن يتجه للدراما التليفزيونية التي أصبح أحد أعلامها الكبار، وقد جمعت ابنته نسرين أعماله القصصية في كتاب بعنوان «ظل لا يغيب»، يصدر عن دار «بيت الحكمة»، ويضم الكتاب الأعمال القصصية الكاملة للراحل، وهي ما نشره في مجموعتي: «خارج الدنيا» (1967)، و«مقاطع من أغنية قديمة» (1985)، والقصص التي يتضمنها كتاب «على الجسر» (2005)، بالإضافة إلى قصة لم تُنشر من قبل، هي «ظلٌ لا يغيب»، التي تُعد من بواكير أعماله، وتبدو فيها البذرة التي ستنمو بعد ذلك في مسيرته الدرامية الطويلة، ويُعد عنوانها علامةً على حضوره الدائم في الساحة الإبداعية.

صحيح أن هؤلاء المؤلفين وغيرهم من الراحلين الذين صدرت طبعات جديدة من أعمالهم، غادروا عالمنا، لكن الأفكار الحقيقية والرصينة لا تموت، وقادرة على تجديد ذكرى أصحابها، ليظل دائماً حضورهم مشعاً في الوجدان والتاريخ.