هدى النعيمي: التاريخ شائك... وليس هناك مساحة آمنة للكتابة

الكاتبة القطرية لا تتخفّى وراء الأقنعة وهي تكتب سيرتها الذاتية

 هدى النعيمي
هدى النعيمي
TT

هدى النعيمي: التاريخ شائك... وليس هناك مساحة آمنة للكتابة

 هدى النعيمي
هدى النعيمي

تتميز التجربة الإبداعية للكاتبة القطرية هدى النعيمي بالصدق مع الذات والآخر، وتصوير تحوّلات الإنسان العربي في منعطفات تاريخية مهمة منذ التسعينات وحتى الآن، ورغم أنها كثيراً ما تجعل هواجس المرأة وأسئلتها الحائرة همَّها الأول وخيارها الرئيسي، فإنها تصنع ذلك في إطار إنساني عريض، وليس تعصباً للنوع، أو انتصاراً أعمى للمرأة في مواجهة الرجل.

يتنوع إنتاجها ما بين الرواية والسيرة الذاتية والقصة القصيرة ومسرح الطفل، ومن أبرز أعمالها «المكحلة»، «أنثى»، «عين ترى»، «عندما يبوح النخيل»، و«زعفرانة»... وبموازاة أدبها، واصلت هدى النعيمي مسيرتها على المستوى العلمي، فحصلت على الدكتوراه في الفيزياء النووية، وهي تشغل حالياً مديرة إدارة الصحة والسلامة في مؤسسة «حمد» الطبية بقطر.

هنا حوار معها حول روايتها الجديدة وتجربتها الأدبية:

*في روايتك الجديدة «زعفرانة» تعودين للتاريخ من باب الحرب في «ظفار»، عبر حقبة زمنية تكاد تغطي قرناً من الزمان، وتتنوع مكانياً ما بين الخليج ودول أخرى، ما مبرّرات هذه العودة؟

- التاريخ مغلّف بالأسرار والغموض، وإذا تحدثنا عن «حرب ظفار»، سنجد أنه كان من شبه المحرّمات الحديث عنها، أو تناولها في أي مرجع لسنوات طويلة، فقد غابت عن كُتب التاريخ في المنطقة، فخرج جيلي، وجيل بعدي لا يعرف عنها شيئاً، رغم أنها استمرت أكثر من عقد من الزمان.

في السنوات الأخيرة فقط خرجت بعض المراجع الجادّة لتؤرّخ لتلك الفترة، كما خرجت روايات عُمانية تتحدث عن «حرب ظفار» أيضاً. وجاءت روايتي «زعفرانة» لتطرح بعض الإجابات، والكثير من الأسئلة أمام القارئ، الذي يجب أن يعرف ما حدث في تاريخ منطقته، وإذا أراد أن يعرف أكثر فليبحث عن المزيد من القراءات.

* تنتمي روايتك «زعفرانة» لما يسمى «رواية الأجيال»... كيف ترين الرأي القائل بأن هذا الشكل الأدبي بات مستهلَكاً؟

-لا أتفق بالطبع مع هذا الرأي، ستظل رواية الأجيال شكلاً أدبياً جاذباً للقراء، لكن على الكاتب أن يُحسن قراءة تاريخ روايته، ويُحسن رصد التغيرات التي مرّت بها أجيال عمله الروائي، فلكل حقبة تاريخية خصوصية في جوانبها السياسية والاجتماعية، وتتطوّر الشخصيات وتتشعّب اهتماماتها، بل تتغيّر جذرياً أحياناً من جيل إلى جيل، وعلى من يتصدى لرواية الأجيال أن يدرك هذا، وأن يطوّر تصوير شخصياته من جيل إلى جيل.

* ما تفسيرك لظاهرة اتجاه أدباء الخليج إلى الغوص في تاريخ المنطقة، وطرح أسئلة الهوية والمستقبل من خلال هذا الشكل الأدبي؟

-أشُدّ على يد هؤلاء الذين يتصدّون للغوص في تاريخ المنطقة، فالتاريخ لدينا لم يوثّق بشكل قوي، نعم هناك كتابات، ولكن الأديب أو المبدع قادر على قول ما لا يجرؤ الباحث أو المؤرّخ على أن يقوله، لكن الرواية في صورتها الأدبية تحكي ما لم يُحكَ، وهذا لا ينطبق على الخليج فقط، بل على عوالم عربية وغير عربية حول العالم.

* البعض ينتقد ما يسمى بـ«الرواية التاريخية» في تجلياتها العربية عموماً، ويقول إنها تعكس الرغبة في البحث عن مساحة إبداعية «آمنة»، من خلال العودة للماضي الذي تتوفر فيه الأحداث والتفاصيل والشخصيات بكثافة، كيف ترين الأمر؟

- أختلف مع هذا الاتجاه في النقد، فالتاريخ منطقة شائكة، وليست آمنة للكاتب كما يعتقد بعض النقاد، بل هو حقل ألغام يجب التحرك خلاله بحذر شديد؛ لأن الماضي لا بد أن يكون موصولاً بطريقة ما مع الحاضر. وتستدعي الرواية التاريخية الكثير من القراءات والبحث والمراجعات، وعند استدعاء شخصية تاريخية، فإن ذلك يحتاج إلى شجاعة، فأغلب الشخصيات التاريخية شخصيات جدلية تحوم حولها الأساطير، والحكايات المتناقضة، فكيف تكون مساحة آمنة؟

* أثار قرارك بكتابة سيرتك الذاتية «حين يبوح النخيل» وأنت في هذه السن المبكرة استغراب كثيرين ممن اعتادوا على قراءة السير الذاتية، حين يكون صاحبها شارَف محطته العمرية الأخيرة، ماذا كانت مبرّراتك؟

- سيرتي هي سيرة بلد فتيّ هو بلدي قطر، لقد سجّلت في كتابي هذا انعكاس تطور البلاد على سيرة امرأة مثلي، وأوجدت بلادي لنفسها مكانة دولية في خلال سِنِي عمري، وأوجدت لنفسي بحمد الله مكانة عربية ودولية في مجال العلوم الذي تخصصت به، والكتاب لا يتحدث عن شخصي فقط، لكنه يتحدث عن دولة حصلت على استقلالها حديثاً عام 1971، ثم صارت اسماً عالمياً خلال 50 عاماً فقط، ولي أن أفخر أن أكون ابنة هذه البلاد، فسجّلت سيرة تنهض على التماس بيني وبين بلدي.

* لماذا لم تلجئي إلى الحل الأسهل، وهو أن تكتبي سيرتك من خلف قناع شخصية رئيسية في رواية، وتتجنّبي المواجهة الصريحة المباشرة مع القارئ، كما تفعل معظم الكاتبات العربيات حالياً؟

- لم أحتَج إلى قناع في كتابة سيرتي الذاتية، نعم هذا يحدث كثيراً مع كاتبات وكُتّاب عرب أيضاً، بخاصة عند الخوض في مناطق المحرّمات السائدة أو «التابوهات»، أو عند تصوير علاقات إنسانية يشوبها الاختلال. يرفع الكاتب أو الكاتبة نفسه عن الأحداث التي عاشها وينسبها إلى شخصيات روائية، ولا ضيرَ في ذلك، ولكنني بالفعل لم أحتَج إلى التخفّي أو إلى الأقنعة وأنا أكتب «حين يبوح النخيل».

* ما الذي يجمع بينك وبين «النخيل» الذي تصدّر غلاف سيرتك؟

- النخلة شجرة معطاءة، كريمة وفياضة العطاء، وهي تأخذ القليل، ويُسعدها العطاء أكثر من الأخذ، النخلة تهب السعف وتهبنا رُطَباً ندياً. وحين أردت أن أكتب سيرتي، وجدت أني أشبه النخلة في الرضا والعطاء، أو أحاول أن أتشبّه بها في رضاها وفي عطائها. أما الشموخ الذي تتمتع به النخلة فهذه حكاية أعشقها وأدور حولها، نعم أعشق شموخ النخيل، الذي يصعد بسعفه إلى السماء، وأتشبّه به في غَرس جذوره بالأرض الطيبة.

* حصلتِ على الدكتوراه في الفيزياء النووية، وتعملين في تخصصات علمية دقيقة، كيف يتقاطع عملك سلباً أو إيجاباً مع عوالمك الإبداعية؟

-العمل في المجال العلمي شاقّ، ويحتاج إلى تركيز ورعاية دقيقة، والإبداع أو الكتابة الإبداعية أيضاً عمل جميل وشيق، لكنه يحتاج من المبدع التدقيق في كتاباته والعناية بها، وعدم التصريح أو الإفراج عن الكتابة للقراءة إلا بعد الكثير من التدقيق، والحرص على جماليات اللغة والمعني.

أما التقاطع فهذا صحيح، لقد أخذ العمل مني الكثير من الزمن، الذي ربما كنت قد أنتجت خلاله أعمالاً أدبية كثيرة، لكن إدارة الوقت لم تكن تسمح بأكثر مما كان، في ذات التوقيت قد زادت خبرتي في الحياة، من خلال الانخراط في العمل مع عالم متنوع من البشر، والكثير من التضاربات بينهم، وهذا ينعكس على أعمال إبداعية قد تصدر يوماً بإذن الله، خصوصاً أنني تفرغت حالياً للقراءة والكتابة.

* كيف تنظرين إلى الإسهام النسائي في الرواية على الساحة الخليجية؟ وهل رفعت المرأة المبدعة أخيراً شعار «لن أعيش في جلباب الوصاية أياً كان مصدرها؟».

- حققت الكاتبة الخليجية في السنوات الأخيرة الكثير من الأهداف، دون أن أقارن بين الكاتب والكاتبة في الخليج، لكن المرأة التي عاشت لوقت طويل خاضعةً لوصاية الرجل، ممثَّلاً في الأب أو الأخ أو الزوج أو المجتمع بأسره، استطاعت في سنوات قليلة أن تخرج بالفعل من ثوب الوصاية، وتمثّل نفسها وبنات جيلها بحرية تامة، أيضاً جيل ما قبلها.

استطاعت أن تعبّر عن قضايا عامة على عكس الوصاية، ورفضت إحكام القبضة على حياتها، كما حدث مع كتابات كثيرة في السابق. الكاتبة الخليجية اليوم تخوض في إبداعها عوالم كانت مظلِمة، فتكتب عما حولها كما يكتب الرجل، وربما أفضل كأيّ كاتب حر.

* أخيراً، برأيك ما سر ظهور فن الرواية على الساحة القطرية متأخِّراً مقارنةً ببقية بلدان الخليج العربي؟

- ربما يعود السبب إلى عدم وجود دُور نشر في قطر لتشجّع على نشر الرواية، فقد غابت هذه الدُّور لوقت طويل، الأختان دلال وشعاع خليفة قامتا بطباعة أول روايتين قطريتين لهما في بيروت مطلع التسعينات، وهذا عمل شاقّ، ليس بمقدور الكثيرين القيام به، واكتفى الكاتب والكاتبة القطريَّين بنشر القصص القصيرة والشعر في المجلات المحلية التي تستقبل الإنتاج الأدبي، مثل «العهد» و«العروبة» و«الدوحة»، ولكن ما إن نُشرت روايات دلال وشعاع حتى فتح المجال واسعاً للكُتّاب الروائيين، وبدأ نشر الرواية القطرية خجولاً، ثم ازدهر بعد ذلك بوجود عدد من دُور النشر المحلية في قطر حالياً، ومنها دار «الوتد» التي أصدرت رواية «زعفرانة».



«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية
TT

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ حول منظومتها، لتقوم بطرح أسئلة تُفند بها ذلك الخطاب بداية من سؤالها: «هل تحتاج الأمومة إلى كتاب؟»، الذي تُبادر به القارئ عبر مقدمة تسعى فيها لتجريد كلمة «أمومة» من حمولاتها «المِثالية» المرتبطة بالغريزة والدور الاجتماعي والثقافي المُلتصق بهذا المفهوم، ورصد تفاعل الأدبين العربي والعالمي بتجلياتهما الواسعة مع الأمومة كفِعل وممارسة، وسؤال قبل كل شيء.

صدر الكتاب أخيراً عن دار «تنمية» للنشر بالقاهرة، وفيه تُفرد أبو النجا أمام القارئ خريطة رحلتها البحثية لتحري مفهوم الأمومة العابرة للحدود، كما تشاركه اعترافها بأنها كانت في حاجة إلى «جرأة» لإخراج هذا الكتاب للنور، الذي قادها «لاقتحام جبل من المقدسات، وليس أقدس من الأمومة في مجتمعاتنا ولو شكلاً فقط»، كما تقول، وتستقر أبو النجا على منهجية قراءة نصوص «مُتجاورة» تتقاطع مع الأمومة، لكاتبات ينتمين إلى أزمنة وجغرافيات مُتراوحة، ومُتباعدة حتى في شكل الكتابة وسياقها الداخلي، لاستقراء مفهوم الأمومة وخطابها كممارسة عابرة للحدود، ومحاولة فهم تأثير حزمة السياسات باختلافها كالاستعمارية، والقبلية، والعولمة، والنيوليبرالية، وغيرها.

فِعل التئام

يفتح اختيار شيرين أبو النجا للنصوص الأدبية التي تستعين بها في كتابها، في سياق القراءة المُتجاورة، مسرحاً موازياً يتسع للتحاوُر بين شخصيات النصوص التي اختارتها وتنتمي لأرضيات تاريخية ونفسية مُتشعبة، كما ترصد ردود أفعال بطلاتها وكاتباتها حِيال خبرات الأمومة المُتشابهة رغم تباعد الحدود بينها، لتخرج في كتابها بنص بحثي إبداعي موازِ يُعمّق خبرة النصوص التي حاورت فيها سؤال الأمومة.

يضع الكتاب عبر 242 صفحة، النصوص المُختارة في مواجهة المتن الثقافي الراسخ والنمطي لمنظومة الأمومة، تقول الكاتبة: «الأمومة مُتعددة، لكنها أحادية كمؤسسة تفرضها السلطة بمساعدة خطاب مجتمعي»، وتتوقف أبو النجا عند كتاب «كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها»، صدر عام 2017 للشاعرة والكاتبة المصرية إيمان مرسال بوصفه «الحجر الذي حرّك الأفكار الساكنة المستكينة لفكرة ثابتة عن الأمومة»، على حد تعبير أبو النجا.

تتحاور الكاتبة مع منطق «الأشباح» وتتأمل كيف تتحوّل الأمومة إلى شبح يُهدد الذات سواء على المستوى النفسي أو مستوى الكتابة، تقول: «في حياة أي امرأة هناك كثير من الأشباح، قد لا تتعرف عليها، وقد تُقرر أن تتجاهلها، وقد تتعايش معها. لكن الكتابة لا تملك رفاهية غض الطرف عن هذه الأشباح»، ومن رحِم تلك الرؤية كانت الكتابة فعل مواجهة مع تلك «الشبحية»، ومحاولة تفسير الصراع الكامن بين الذات والآخر، باعتبار الكتابة فعلاً يحتاج إلى ذات حاضرة، فيما الأمومة تسلب تلك الذات فتصير أقرب لذات منشطرة تبحث عن «التئام» ما، ويُجاور الكتاب بين كتاب إيمان مرسال، وبين كتاب التركية إليف شافاق «حليب أسود: الكتابة والأمومة والحريم»، إذ ترصد أبو النجا كيف قامت الكاتبتان بتنحّية كل من الشِعر والسرد الروائي جانباً، في محاولة للتعبير عن ضغط سؤال الأمومة وفهم جوهرها بعيداً عن السياق الراسخ لها في المتن الثقافي العام كدور وغريزة.

تقاطعات الورطة

ترصد أبو النجا موقع النصوص التي اختارتها ثقافياً، بما يعكسه من خصائص تاريخية وسياسية ومُجتمعية، المؤثرة بالضرورة على وضع الأمومة في هذا الإطار، فطرحت مقاربةً بين نص المُستعمِر والمُستعمَر، مثلما طرحت بمجاورة نصين لسيمون دو بوفوار المنتمية لفرنسا الاستعمارية، وآخر لفاطمة الرنتيسي المنتمية للمغرب المُستعمرة، اللتين تشير الكاتبة إلى أن كلتيهما ما كان من الممكن أن تحتلا الموقع الذي نعرفه اليوم عنهما دون أن تعبرا الحدود المفروضة عليهما فكرياً ونفسياً ومجتمعياً.

كما تضع كتاب «عن المرأة المولودة» للأمريكية إدريان ريتش، صدر عام 1976، في إطار السياق الاجتماعي والقانوني والسياسي الذي حرّض آنذاك على انتقاد الرؤى الثابتة حول تقسيم الأدوار بين الجنسين وبين ما يجب أن تكون عليه الأم النموذجية، ما أنعش حركة تحرير النساء التي خرجت من عباءة الأحزاب اليسارية والحركات الطلابية آنذاك، وتشير إلى أن هذا الكتاب أطلق على الأمومة اسم «مؤسسة» بما يجابه أطراف المؤسسة الذكورية التي ترسم بدقة أدوار النساء في العائلة وصورهن، وصاغت ريتش هذا الكتاب بشكل جعله يصلح للقراءة والتأمل في بيئات مُغايرة زمنياً وجغرافياً، ويخلق الكتاب تقاطعات بين رؤية ريتش مع تجربة شعرية لافتة بعنوان «وبيننا حديقة» للشاعرتين المصريتين سارة عابدين ومروة أبو ضيف، الذي حسب تعبير شيرين أبو النجا، يمثل «حجراً ضخماً تم إلقاؤه في مياه راكدة تعمل على تعتيم أي مشاعر مختلفة عن السائد في بحر المُقدسات»، والذات التي تجد نفسها في ورطة الأمومة، والتضاؤل في مواجهة فعل الأمومة ودورها. تجمع شيرين أبو النجا بين النص الأميركي والديوان المصري اللذين يفصل بينهما نحو 40 عاماً، لتخرج بنص موازِ يُعادل مشاعر الأم (الكاتبة) وانسحاقها أمام صراع بين القدرة والعجز، والهوية وانسحاقها، لتقول إنه مهما تعددت الأسئلة واشتد الصراع واختلفت تجلياته الخطابية انسحبت الكاتبات الثلاث إلى حقيقة «تآكل الذات»، وابتلاع الأمومة للمساحة النفسية، أو بتعبير الشاعرة سارة عابدين في الديوان بقولها: «حروف اسمي تتساقط كل يوم/ لأزحف أنا إلى هامش يتضاءل/ جوار متن الأمومة الشرس».

في الكتاب تبرز نماذج «الأم» المُتعددة ضمن ثيمات متفرقة، فتضعنا الناقدة أمام نموذج «الأم الأبوية» التي تظهر في شكلها الصادم في أعمال المصرية نوال السعداوي والكاريبية جامايكا كينكد التي تطرح الكاتبة قراءة تجاورية لعمليهما، وتتوقف عند «الأم الهاربة» بقراءة تربط بين رواية «استغماية» للمصرية كاميليا حسين، وسيرة غيرية عن الناقدة الأمريكية سوزان سونتاغ، وهناك «الأم المُقاومة» في فصل كرسته لقراءة تفاعل النص الأدبي الفلسطيني مع صورة الأم، طارحة تساؤلات حول مدى التعامل معها كرمز للأرض والمقاومة، فيما تُشارك شيرين أبو النجا مع القارئ تزامن انتهائها من هذا الكتاب مع «طوفان الأقصى» وضرب إسرائيل لغزة، في لحظة مفصلية تفرض سؤالها التاريخي: ماذا عن الأم الفلسطينية؟ أمهات الحروب؟ الأمهات المنسيات؟