الرواية الفلسطينية... ممارسات الاحتلال وآليات المقاومة

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

الرواية الفلسطينية... ممارسات الاحتلال وآليات المقاومة

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

«أسئلة الرواية الفلسطينية» هو الكتاب الحادي عشر في النقد الروائي للشاعر والناقد اللبناني سلمان زين الدين، وقد صدر مؤخّراً عن «مركز ليفانت للدراسات والنشر» في الإسكندرية. ويشتمل على قراءة في ثلاثين رواية فلسطينية، صدرت في العقود الثلاثة الأخيرة، وكتبها فلسطينيون أو متحدّرون من أصول فلسطينية، ينتمون إلى أجيال عدّة. فبين «حارة النصارى» لنبيل خوري الصادرة في عام 1995 و«القمح المرّ» لجلال جبّارين الصادرة في عام 2023، نحو ثلاثة عقود، شهدت خلالها القضية الفلسطينية الكثير من التحوّلات، وتمخّض فيها الواقع عن كثير من الأسئلة، وهو ما تطرحه الروايات المدروسة في الكتاب. و«لأن الواقع الفلسطيني موغلٌ في الغرابة إلى حدّ السوريالية، ولا يشبهه واقع آخر؛ فإنّ الرواية الراصدة له تكتسب خصوصيّة معيّنة، بالمقارنة مع الرواية العربية، لا سيّما على المستوى الحكائي. وهي إذا كانت تتقاطع مع الأخيرة في أسئلة كثيرة، فإنّها تفترق عنها، في معظم الأسئلة؛ لأنّها تصدر عن واقع مغاير، غرائبي، سحري، سوريالي، موجع، قاتل، ما يمنحها هوّيّتها الخاصّة»، على ما ورد في تقديم الكتاب.

تتراوح الأسئلة المطروحة بين تلك المتعلّقة بالاحتلال وتداعياته المدمّرة على الشعب الفلسطيني، من قبيل: الاعتقال، اللجوء، النزوح، التهجير، السلطة، الهجرة غير الشرعية، الإرهاب، التطبيع، العمالة، وبين تلك المتعلّقة بالمقاومة وآليّات عملها المستخدمة في تحرير الأرض واستعادة الحقوق المشروعة، من قبيل: التاريخ، الذاكرة، الانتماء، الجذور، المكان، الأرض، والعمل الفدائي. على أنّ السؤال نفسه قد تطرحه روايات عدّة بخطابات روائية مختلفة، والرواية الواحدة قد تجمع بين أسئلة عدّة في الحيّز الروائي نفسه. ولعلّه من المفيد، في هذا السياق، الإشارة إلى أنّ الدارس يتوقّف في درسه النقدي عند ماهيّة السؤال / الأسئلة المطروحة في الرواية المدروسة، من جهة، وعند كيفيّة طرحها، من جهة ثانية؛ ما يجعل الدرس النقدي يجاور بين ماهيّة السؤال وكيفيّة الطرح، في الوقت نفسه، ويجعل الفائدة المرجوّة من القراءة مضاعفة.

في «أسئلة الرواية الفلسطينية»، يطرح نبيل خوري سؤال القدس، ويكتب إبراهيم نصر الله عن القيادة والإرادة والتاريخ، ويتناول إلياس خوري سؤالَي الذاكرة والتطبيع، وباسم خندقجي سؤالَي التاريخ والمقاومة، ومروان عبد العال سؤال الأرض، ويحيى يخلف سؤال الجذور، وسلوى البنّا سؤالي السلطة والإرهاب، وحنان بكير سؤال المرأة. تتعدّد الأسئلة وتتنوّع، من منظورات روائية مختلفة.

وعليه؛ يقدّم «أسئلة الرواية الفلسطينية» مادّة نقدية حرص المؤلف على تقديمها بطريقة تتعدّى الانطباعات النقدية السريعة ممّا تزخر به الصفحات الثقافية، من جهة، ولا تسقط في درك التقعّر النقدي ممّا يسقط فيه الدرس النقدي الأكاديمي، من جهة ثانية. ويضاعف من أهمّية الكتاب تزامن صدوره مع التحوّلات الكبرى التي تعيشها القضية الفلسطينية.


مقالات ذات صلة

الفتى حامل الطير وعنقود العنب

ثقافة وفنون شاهد قبر من البحرين، يقابله شاهدان من تدمر

الفتى حامل الطير وعنقود العنب

يحتفظ متحف البحرين الوطني في المنامة بمجموعة كبيرة من شواهد القبور الأثرية المزينة بنقوش تصويرية آدمية، منها شاهد مميّز يمثّل فتى يحمل عصفوراً وعنقوداً من العنب

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون ريما بالي

الكاتبة السورية ريما بالي: أُواجه الحرب بالخيال وقصص الحب

تهتم الكاتبة الروائية السورية ريما بالي بسردية بلادها ما بعد الحرب، وتوليها عناية خاصة من خلال أعمالها التي تتحدث فيها عادة عن مسقط رأسها «حلب» في سياقات مختلفة

منى أبو النصر (القاهرة)
ثقافة وفنون "نصب الحرية" لجواد سليم

كلام الشموع

لأم كلثوم أغنية من تأليف أحمد رامي وتلحين محمد القصبجي عنوانها «سكت والدمع تكلّم على هواه»، تعود إلى ثلاثينات القرن الماضي

حيدر المحسن
كتب إميلي هنري

إيميلي هنري... كتب تحقق أعلى مبيعات من دون ترويج ولا «تيك توك»

لم يسبق لإيميلي هنري قط أن أجرت جولة للترويج لأحد كتبها أو قرأت مقاطع من كتبها داخل إحدى المكتبات بهدف الترويج.

إليزابيث إيغان
كتب «منازل العطراني»... سيرة ذاتية بنكهة الرواية الحديثة

«منازل العطراني»... سيرة ذاتية بنكهة الرواية الحديثة

رواية «منازل العطراني» للروائي جمال العتابي، الصادرة عام 2023، سيرة ذاتية بنكهة الرواية الحديثة

فاضل ثامر

«أسفل مانهاتن»... استكشاف قاع نيويورك في مغامرة فريدة

«أسفل مانهاتن»... استكشاف قاع نيويورك في مغامرة فريدة
TT

«أسفل مانهاتن»... استكشاف قاع نيويورك في مغامرة فريدة

«أسفل مانهاتن»... استكشاف قاع نيويورك في مغامرة فريدة

عن دار «العربي» بالقاهرة، صدر كتاب «أسفل مانهاتن - الحياة السرية لمدينة نيويورك»، للمستكشف ومتسلق الجبال إيرلينج كاج الذي تخلى هذه المرة عن مناطحة قمم الجبال وقرر الهبوط إلى شبكة أنفاق المترو والمجاري ليكتشف الوجه الآخر لواحدة من أشهر مدن العالم. إنها مغامرة فريدة من نوعها يخوضها كاج برفقة المصور والمؤرخ ستيف دانكن؛ إذ قرر الاثنان رصد عالم كامل موازٍ لعالمنا وإن كان خفياً ومحجوباً، لكنه مليء بالحكايات الإنسانية لبشر جعلوا من تلك الأماكن الضيقة المظلمة التي تفوح بروائح كريهة موطناً بديلاً لهم.

يتضمن الكتاب مسيرة استثنائية وسط الظلام والأصوات البعيدة القادمة للسيارات من أعلى بطول نيويورك من محطة «برونكس» إلى محطة حي «مانهاتن»، ثم محطتهما الأخيرة «المحيط الأطلسي». ومن خلال الوصف الأدبي والحس الروائي في تقنيات الكتابة المشبع بالرؤى والتأملات الفلسفية ينفتح أمام الراوي والمصور عالم كامل لم يتم استكشافه من قبل، يؤكد إيرلينج أنه تجسيد بديع لما يصفه بـ«الجمال السلبي» الذي يتكون من غياب اللون والضوء والنظام الطبيعي. يصادف المؤلف خلال رحلته تحت الأرض أشخاصاً يعيشون حيواتهم كلها في الأسفل، منقطعين عن عالمنا مكتفين بكل ما يجدونه في طريقهم، راضين عن حياتهم بعيداً عن صخب الحياة فوق الأرض، ومدركين لما يحيط بهم من مخاطر.

يُذكر أن إيرلينج كاج علاوة على أنه مستكشف ومتسلق للجبال هو أيضاً كاتب وناشر ومحامٍ نرويجي من مواليد عام 1963. وهو أول من وصل إلى القطب الشمالي والجنوبي وقمة جبل إفرست سيراً على الأقدام. بدأ حياته العملية بالعمل في المحاماة وكان شغوفاً بالمغامرات والأدب، فدرس الفلسفة وأسس دار «كاج فولارج» للنشر في أوسلو، وبدأ في نشر كتب المغامرات التي سجل فيها رحلاته ومغامراته. ويعد كتاب «أسفل مانهاتن» من أشهر كتب كاج وأكثرها مبيعاً وقراءة. كتبت عنه صحيفة «الغارديان»، مؤكدة أنه من أفضل عشرة كتب في العالم، كما وصفت صحيفة «نيويورك تايمز» كاج بأنه رجل رائع ومغامر، فيلسوف أو ربما حتى عالم.

ومن أجواء الكتاب نقرأ:

«فور نزولي الحفرة، أعدت غطاء البالوعة إلى مكانه فوق رأسي وأصدر الغطاء صوت رنين وبعدها أحاط الظلام الدامس بنا. كان بإمكاني سماع صوت خرير ماء الصرف على بعد خمسة أو ستة أقدام أسفلنا. أخرجت مصباحي اليدوي من جيب حزامي وقمت بتشغيله وأكملت نزولي. كان الممر ضيقاً ووقف ستيف ينتظرني في الأسفل، سمح النفق بالكاد بوجود شخصين فيه، وكان مصنوعاً من الأسمنت ويبلغ ارتفاعه ثلاثة أقدام وعرضه كذلك. كانت درجة الحرارة أكثر دفئاً بعدة درجات عن المعتاد بسبب مياه الصرف مع كثافة الهواء ونفاذ الرائحة النتنة. لم أعد أرى ستيف أمامي؛ إذ انحنى وانطلق في طريقه إلى شارع القناة، لطالما حلم ستيف باكتشاف هذا الجزء من المدينة. قمت بتشغيل مقياس الهواء المثبت على جيبي الأيمن فظهر القياس أنه صفر للغازات السامة و20 .9 للأكسجين. كانت بيئة مثالية، جثمت وبدأت رحلتي إلى الأمام بظهر منحنٍ وأذرعي أمامي لكي أقلل من المساحة التي يشغلها جسدي قدر الإمكان. كان التقدم إلى الأمام صعباً وواجهت صعوبة في التنفس. تحركنا ببطء في اتجاه تدفق مياه الصرف نفسها. في تلك الساعة المتأخرة من الليل كان معظم ما يتم التخلص منه هو مياه الغسالات والأحواض وليس فضلات المرحاض. قال ستيف:

- إنه وقت مثالي لاستكشاف قنوات الصرف.

كان صوت قطرات مياه الصرف واندفاعها رتيباً، فضلاً عن ضجيج المرور فوقنا في شارع جرين. وفي كل مرة تصطدم فيها عجلة سيارة بأغطية البالوعات تصدر رنيناً عالياً. كان صخب صوت المحرك يهدأ في النهاية ولكن صدى حركة الغطاء يستمر في الرنين عند احتكاكه بالمعدن فوقنا».