ملف الطالب طه حسين... حقبة غير معروفة

ملف الطالب طه حسين... حقبة غير معروفة
TT

ملف الطالب طه حسين... حقبة غير معروفة

ملف الطالب طه حسين... حقبة غير معروفة

عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة، صدر كتاب «وثائق ملف الطالب طه حسين» للباحثة د. جيهان أحمد عمران. يحتوي الكتاب على الأوراق الخاصة بعميد الأدب العربي حين كان طالباً بكلية الآداب، جامعة القاهرة، في الفترة من 5 ديسمبر (كانون الأول) 1910 حتى 22 أبريل (نيسان) 1914. وتوجد هذه الوثائق ضمن الملف الوظيفي للدكتور طه حسين المحفوظ ورقياً بأرشيف كلية الآداب بكود أرشيفي هو «م - 16/1»، كما توجد نسخة رقمية منه مخزنة بوحدة الذاكرة الإلكترونية بالكلية، حيث يحتوي هذا الملف الوظيفي على 275 وثيقة.

وتكمن أهمية الكتاب في أنه يلقي الضوء للمرة الأولى بشكل موثق على حقبة غير مطروقة كثيراً في حياة صاحب «الأيام»، وهى معاملاته البيروقراطية مع موظفي الجامعة وما شابها من عنت ومعاناة أحياناً. وتشمل الوثائق إجراءات القبول بالجامعة المصرية ونتائج الامتحانات، ومنها استمارة التحاق الطالب طه حسين بالجامعة المصرية للعامين الدراسيين 1910 و1911، ثم خطاب إفادة من الجامعة المصرية إلى الجامعة الأزهرية بشأن التأكد من قيد الطالب بالجامعة الأزهرية ورسوم حضور الدروس وتأدية الامتحان ونماذج نتائج امتحانات الطالب.

وتتضمن الوثائق كذلك مذكرتي شكوى، الأولى قدمها طه حسين إلى سكرتير الجامعة مؤرخة في 23 من يناير (كانون الثاني) 1912 نتيجة «الإهانة التي تعرض لها من أحد موظفي السكرتارية حال منعه من حضور الدرس لعدم دفعه رسوم حضور الدرس»، أما الشكوى الثانية فتقدم بها بعض طلبة الجامعة، منهم طه حسين، إلى رئيس إدارة الجامعة المصرية ومؤرخة في 3 من فبراير (شباط) 1912 بشأن سوء المعاملة التي يتعرض لها طلبة الجامعة من جانب موظفي الجامعة.

ويتناول قسم من الوثائق تفاصيل النشاط الطلابي له خلال فترة انتسابه إلى الجامعة المصرية مشاركاً مع طلبة الجامعة وتأليفهم «جماعة طلبة الجامعة المصرية» في 9 مارس (آذار) 1912 ووضع قانون ينظم عمل هذه الجماعة واختيارهم طه حسين رئيساً منتخباً لها. وتوضح بنود هذا القانون أغراض هذه الجماعة وأعضاءها وأحكامها وكيفية انتخاب مجلس الإدارة وضوابط اجتماعات الجماعة ومصدر إيراداتها المالية. وجاء هذا القانون في ملف الدراسة مرفقاً بخطاب مقدم من رئيسها طه حسين إلى رئيس الجامعة المصرية يطلب الإذن ببدء النشاط الثقافي للجماعة.

وتوضح الوثائق أن طلبة الجامعة كانوا قسمين في ذلك الوقت، الأول هم «المنتسبون» من خريجي المدارس العليا والخصوصية والأزهر وغيرها ممن يلتحق بالدراسة للحصول على شهادة أو لقب علمي. والقسم الثاني هم «طلبة مستمعون متطوعون»، فكان التحاق طه حسين بالجامعة من خلال القسم الأول المنتسب. وتم تدوين بيانات نموذج طلب الالتحاق بالجامعة باللغة العربية يميناً، كما تم تدوينه في نموذج آخر بالفرنسية يساراً. وبدأ النموذج العربي بترويسة توضح اسم الجامعة المصرية وبأنها تحت رعاية الخديو وبرئاسة الأمير أحمد فؤاد باشا، تليها بيانات النموذج الذي يدونها الطالب المتقدم للالتحاق بالجامعة التي بدأت بالبيانات التالية: طلب الانتظام إلى الكلية، ثم القسم، ثم اسم الطالب، ولقب الطالب، والمدارس التي تعلم بها، والمدرسة الموجود فيها حين التقدم للجامعة ووظيفته واللغات التي يجيدها، ومحل الإقامة، واسم الوالد، ثم عبارة تفيد تعهد الطالب بدفع الرسوم المقررة في مواعيدها واتباع اللوائح والقوانين الجامعية بكل دقة. ثم يأتي توقيع الطالب إلى سكرتير الجامعة المصرية بأن يقبل الطالب منتسباً إلى الجامعة ومحدداً في هذا الطلب الدروس التي سيحضرها في الكلية ثم توقيع الطالب وعنوانه مرة أخرى بالضبط وتاريخ تحرير الطلب.

وجاءت بيانات طه حسين في النموذجين، العربي والفرنسي، متماثلة ما عدا البيانات الخاصة باللغات التي يجيدها، إذ جاءت في النموذج الأول إشارة إلى أن تلك اللغات تتمثل في «العربية وقليل من الفرنسية»، أما النموذج الثاني فنص صراحة على إجادة اللغة الفرنسة عموماً. وجاء عنوان السكن بالنموذج الأول: «منزل رقم 271، درب الجماميز بمصر». واختلف العنوان في النموذج الثاني، حيث جاء كالتالي: «شارع البرموني، منزل نمرة 4، بمنطقة المقدم». أما الدروس الجامعية التي يحضرها الطالب فقد جاءت في النموذج الأول إجمالاً دون تحديد لعناوينها في عبارة «دروس الآداب والفلسفة كافة». أما النموذج الثاني فقد ذكرت فيه عناوين الدروس التي يحضرها الطالب تفصيلاً وهي «الآداب العربية، الجغرافيا، التاريخ الإسلامي، تاريخ الشرق القديم، تاريخ اللغات السامية، الفلسفة العربية، تاريخ المذاهب الفلسفية، آداب اللغة العربية».


مقالات ذات صلة

أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

ثقافة وفنون أليخاندرا بيثارنيك

أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

يُقال إن أكتافيو باث طلب ذات مرة من أليخاندرا بيثارنيك أن تنشر بين مواطنيها الأرجنتينيين قصيدة له، كان قد كتبها بدافع من المجزرة التي ارتكبتها السلطات المكسيكية

ماغنوس وليام أولسون باسم المرعبي (ترجمة)
ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
ثقافة وفنون مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية

«الشرق الأوسط» (الظهران)
ثقافة وفنون أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب

«الشرق الأوسط» (الرياض)

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون
TT

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون

في اليوم العالمي للتسامح الذي صادف أمس، ينبغي لنا، نحن العرب تحديداً، أن نتساءل: ما بال العالم كله ينعم بالسلام ويتقلب في رغد العيش، ونحن نخرج من حرب لنلبس لأمة الحرب من جديد؟ وإن كانت أوكرانيا قد خرقت القاعدة، إلا أن الأعم الأغلب من دول العالم يعيش حياة طبيعية، تختلف عما نراه في أفلام السينما. بمناسبة اليوم، سنمر بمحطات تاريخية ذات علائق بالموضوع، ولعل أول رمز للتسامح في تاريخ الفكر هو سقراط، كما تجلّى في محاورات تلميذه أفلاطون، وتجلّت معه روح التسامح في أسلوبه الحواري كجزء من بحثه عن الحقيقة.

في المحاورات، كان متسامحاً للغاية مع محاوريه، ويدعوهم للسعي وراء الحقيقة أينما انطلق بهم هذا السعي. ولطالما شجّع خصومه على تفنيد كل ما يقول، وأن هذه هي الطريقة المُثلى للكشف عن وجه الحقيقة. وفي إحدى المحاورات يصف نفسه بأنه يبتهج بدحض الآخرين لأقواله أكثر من ابتهاجه بدحضه أقوال الآخرين، لأن النجاة من الشر خير من إنقاذ الآخرين.

السعي وراء الحقيقة، بالنسبة إلى سقراط، مرتبط بالعقل المنفتح، وهذا الشكل من التسامح الحواري يفترض بالطبع أن يؤدي إلى رؤية موحدة للحقيقة. لا بد أن تشعر في بعض الأحيان بأن تسامح سقراط مبالغ فيه للغاية، لكن ربما هذا هو أساس فكرة «المحاورات»، أن تخلق الإنسان الكامل المرجعي في كل شيء، مع أننا نعلم أنه في النهاية إنسان، ولا بد أن يكون غضب ذات مرة، بل مرات.

محطة التسامح الثانية يمكن أن نراها واضحة وأكثر تطوراً في رواقية إبكتيتوس وماركوس أوريليوس وسينيكا، فالفكرة الرواقية هي وجوب التركيز على تلك الأشياء التي يمكننا التحكم فيها، مثل آرائنا وسلوكياتنا، مع تجاهل تلك الأشياء التي لا يمكننا التحكم فيها، وخاصة آراء وسلوكيات الآخرين. ترتبط الفكرة بالاستسلام واللامبالاة، كما هو واضح في حالة إبكتيتوس، الذي قد يفسر وضعه الاجتماعي نصائحه بالتحرر الذهني، لا الجسدي، فقد نشأ مستعبداً عند الرومان.

بطبيعة الحال، صبر المستعبد ليس مثل تسامح المتسامح الذي يملك القدرة على الرفض، قدرة لا يمتلكها المستعبد، فالتسامح فضيلة القوي، كما يقول الإمبراطور ماركوس أوريليوس. وقد يرتبط الأمر بفضائل أخرى مثل الرحمة والإحسان، غير أن نظرة الرواقيين إلى التسامح لا تصل إلى درجة احترام الاستقلالية وحرية الضمير، كما الحال في الليبرالية الحديثة، إذ لم تكن الحياة السياسية الرومانية متسامحة مثل الحياة السياسية الحديثة، وعلى الرغم من أن «تأملات» ماركوس تحتوي على نصوص كثيرة تستحضر روح التسامح، فإن ماركوس نفسه كان مسؤولاً بشكل شخصي عن سحق واضطهاد المسيحيين في زمنه.

ولم يصبح التسامح موضوعاً جدياً للاهتمام الفلسفي والسياسي في أوروبا حتى القرنين السادس عشر والسابع عشر، بل قبل ذلك خلال عصر النهضة والإصلاح في القرنين الخامس عشر والسادس عشر رفع الإنسانيون من مثل إيراسموس ودي لاس كاساس ومونتين شعار استقلالية العقل البشري ضد دوغمائية الكنيسة التي كانت توقد نيران محاكم التفتيش وتلقي بالناس فيها وتقتل المخالف.

في أعقاب الانقسامات التي خلّفها مشروع الإصلاح اللوثري والإصلاح «الكاثوليكي» المضاد، دُمرت أوروبا بسبب الحرب التي أثيرت باسم الدين، حروب بلغت ذروتها في حرب الثلاثين عاماً (1618 - 1648). بسبب هذه الحرب الشنيعة، وكل الحروب كذلك، أدرك العلماء والحكماء حجم القوة التدميرية الكامنة في التعصب، فنهضوا لاجتثاث ذلك التدمير من خلال استعادة نصوص التسامح وإعادة النظر في العلاقة بين المعتقد الديني والسلطة السياسية.

لافونتين

وكان هناك تأثير ثقافي للتيار الذي قام من أجل تعريف معنى السيادة وتطهير الدين في بريطانيا مما علق به خلال الحروب الأهلية البريطانية (1640 - 1660)، ويضاف إلى كل ذلك تكاثر المعلومات عن الاختلافات الثقافية مع بداية عهد الرحلات واكتشاف العالم، وكان لاكتشاف الصين تحديداً أعظم الأثر، فقد صُدم المسيحيون صدمة فكرية عنيفة عندما وجدوا شعباً أخلاقياً لا يؤمن بدين، بمعنى أنهم وصلوا إلى أن الدين ليس مصدر الأخلاق. ورفع الإنسانيون في حركة الإصلاح شعاراً يقول: هل لديكم معرفة منقولة عن الله معصومة من الخطأ تبرر قتل من يُتهم بالزندقة؟ ولم يلبث هذا القلق بشأن قابلية الإنسان للخطأ أن فتح الطريق إلى ما يعرف باسم «التسامح المعرفي»، ومع اقتران الاعتراف بقابلية الإنسان للخطأ وانتقاد السلطة الكنسية، نشأت أشكال جديدة وأكثر عمقاً، من التسامح السياسي. وأخذ التسامح في القرن السابع عشر صورة الممارسة العملية في أجزاء معينة من أوروبا.

ربما حدث هذا نتيجة زيادة التجارة والحراك الاجتماعي. وصاغ سبينوزا حجة للتسامح ترتكز على 3 دعاوى، أولاً، تقييد حرية الفكر مستحيل. ثانياً، السماح بحرية الفكر لا يمس بسلطة الدولة. وثالثاً، يرى سبينوزا أن السلطة السياسية يجب أن تركز على التحكم في الأفعال، وليس على تقييد الفكر. هذا التركيز على الفرق بين الفكر والفعل أصبح قضية جوهرية في مناقشات المفكرين اللاحقة حول التسامح، خصوصاً عند لوك، وميل، وكانط. ويمكن العثور على صورة مختلفة إلى حد ما عن رؤى سبينوزا الأساسية في رسالة لوك الشهيرة حول التسامح (1689)، وهي مقالة كتبها أثناء منفاه في هولندا. وتركز حجة لوك بشكل خاص على الصراع بين السلطة السياسية والمعتقدات الدينية. لقد عبّر عن وجهة نظر مبنية على دعواه بأنه من المستحيل على الدولة فرض المعتقد الديني بالإكراه. وقال إن الدولة يجب ألا تتدخل في المعتقدات الدينية التي يختارها الأفراد، إلا عندما تؤدي هذه المعتقدات الدينية إلى سلوكيات أو مواقف تتعارض مع أمن الدولة. رسالة جون لوك اليوم لا تزال هي المانيفستو الأساس لكل مطالب التسامح، رغم أنها لم تكن كاملة في البداية.