كيف عبّرت الكاتبات العربيات عن همومهن في السيرة الذاتية؟

باحثة مصرية تكتب عن تجلّياتها في كتاباتهن

كيف عبّرت الكاتبات العربيات عن همومهن في السيرة الذاتية؟
TT

كيف عبّرت الكاتبات العربيات عن همومهن في السيرة الذاتية؟

كيف عبّرت الكاتبات العربيات عن همومهن في السيرة الذاتية؟

يتناول كتاب «خطاب الذات في السيرة الذاتية النسائية»، للباحثة د. نعيمة عاشور، من خلال منهج لغوي نقدي تحليلي، هواجس عدد من الكاتبات العربيات اللواتي عبّرن عن ذواتهن، ضمن شكل محدّد هو السيرة الذاتية، وطبيعة الرؤى المطروحة لغوياً وفكرياً ضمن هذا الشكل. وتشير المؤلفة في كتابها، الصادر أخيراً عن دار «بيت الحكمة»، إلى أن مفهوم «السيرة الذاتية النسائية» ينصرف إلى السيرة التي كتبتها أنثى مبدعة في مجتمعها عن نفسها، لتكون المؤلف والراوي والبطل في آن.

ومن الملاحظ أن هذا النمط من الكتابات النسوية يتّسم بالفردية، وتركّز الذات فيه على عدة قضايا وجودية تعدها ركيزة أساسية في البحث عن ذاتها. وتتجلّى هذه السمات في العديد من السير المهمة، مثل «أوراق شخصية» للطيفة الزيات، و«على الجسر بين الحياة والموت»، لعائشة عبد الرحمن، المعروفة بلقب «بنت الشاطئ»، و«أثقل من رضوى»، لرضوى عاشور، و«يوميات مطلّقة»، لهيفاء بيطار.

نضال أنثوي

يرتبط خطاب الذات في هذه الأعمال بنضال المرأة المثقفة في مجتمعها، حيث تتصدى للبنى الفكرية والاجتماعية، من خلال توثيق تجربتها وهمومها، وإلقاء الضوء على الأنماط والتحيّزات القائمة على أساس الجنس أو النوع، فضلاً عن إحداث زعزعة جذرية للأعراف السائدة بهدف تغييرها مجتمعياً.

وتنتمي الذات الساردة في السيرة النسائية إلى طبقات وأعراق مختلفة، كما مرّت بتجارب حياتية مختلفة، وفي خطابها يتجلّى الكثير من الأخطاء والهموم والأزمات المحورية، سواء مع النفس أو المجتمع.

تقول لطيفة الزيات في «أوراق شخصية»: «الإدراك يواتيني متأخراً، ربما الحبوب المهدئة تصيب حواسّي بالتبلّد، وربما لأن الانتقال من حالة اكتئاب مرضي إلى حالة انتعاش انتقال لا يملك الإنسان التوصل إلى معرفة أبعاده، وربما لأن مثل هذا الإدراك لا يواتي الإنسان إلا في لحظة انفعالية مكثّفة تجمع وتشحذ وتُضاعف وتدرج كل اللحظات، الفرِحة والمعذّبة المنتصرة والمجروحة رغم كل منحنياتها، في خط بياني صاعد».

وتوضح الباحثة أن الأهمية الآيديولوجية للنص تكمن في تضافُر بعض مفرداته لتعطي معاني محدّدة، حيث إن بناء الكلمات «الحبوب المهدئة - اكتئاب مرضي - انتعاش - انفعالية»، تنتمي إلى مجال الطب النفسي، ووجود كل مفردة منها حدّد الموقع الآيديولوجي لها بواسطة الاشتباك الظاهر والمضمر بعضها مع بعض، فكلمة «الإدراك» تتضافر مع كلمة محذوفة هي «العقل»، وجملة «الحبوب المهدئة» تتضافر مع «الحواس»، وكلمة «اكتئاب» تتشابك مع «السلوك المرضي»، وكلمة «انتعاش» تتشابك مع كلمة «حالة». أنشأت هذه الكلمات نظاماً آيديولوجياً محدداً لنمط خطاب نفسي، بينما الكلمات «منحنياتها - خط بياني - صاعد» تنتمي إلى مجال آخر، وهو مجال الرياضيات؛ إذ تجمع اللحظات الانفعالية المكثّفة عدة لحظات أخرى تحقّق تصاعداً في الخط البياني رغم كل منحنياتها، فالمعاني المنوعة للمجالَين تتنوع بدلالة الألفاظ المترادفة والمتضادة.

ونقرأ لرضوى عاشور في «أثقل من رضوى» هذه العبارة: «فشلنا في مهمتنا، قمنا للمغادرة، ونحن وقوف، قبل أن نصافح رئيس الجامعة قال زميلنا أستاذ التاريخ: هذا هو الحال منذ عشرات السنين، نعاقب الطلاب ونتعقّبهم ونسجنهم ونقتلهم أحياناً، ثم في المرحلة اللاحقة نمجّدهم لأنهم صنعوا تاريخ البلاد. قال عبارته وسبقنا إلى الباب»، وهنا تركيز على العلاقات الاجتماعية السلبية والإيجابية بين المشاركين الظاهرين، كالطلاب النشطاء، وأساتذة الجامعات، ورئيس الجامعة، فأساتذة الجامعات المشاركون يجتمعون بمكتب رئيس الجامعة دون دعوة لمحاولة ثنيه عن قرار بحرمان النشطاء من الطلاب من دخول الحرم الجامعي عقاباً لهم على المشاركة في مظاهرة سياسية ما تخص مراحل تاريخية سابقة، لكنهم في الوقت ذاته يرفضون نهج المسؤولين وواقعهم في التعامل مع هؤلاء الطلبة منذ عشرات السنين، من معاقبتهم وتعقّبهم وسجنهم وقتلهم.

شاعرية لغوية

وفي «يوميات مطلّقة»، لهيفاء بيطار، نقرأ: «أعود إلى بيت أهلي، أعتني بالصغيرة الحلوة، أدفن رأسي في صدرها وبين ذراعيها، وأقول لها: هيا طبطبي على رأس الماما؛ لأني أنا الصغيرة وأنت الماما، أنت الملجأ والملاذ والأمل، أنت حبي الكبير الذي يفيض من صدري ويغمر الدنيا، وبعد أن تغفو صغيرتي في حضني وأنقلها إلى سريرها، أعود لأتراس رأس المثلث الوهمي، أبي وأمي وأنا، وتمر السنوات».

يجسّد النص هنا زخماً لغوياً شاعرياً ممثّلاً في صيغة الفعل المضارع المتناغمة في: «أعود» و«أعتني» و«أدفن» و«أقول»، ثم في نهاية المقطع «أنقلها» على نحو يُوحِي باستمرارية الحدث وديمومته، وتكشف السيرة الذاتية هنا عن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها الذات الساردة، والدخل المحدود للأطباء، حتى إنها تدفن همومها بين ذراعَي صغيرتها لتتخلّص مما يمر بها من أزمات متعددة، فالشاعرية اللغوية في النص لها وظيفة محدّدة، وهي تكوين صورة رهيفة معبّرة عن أزمة الذات، كاشفة عن حالاتها النفسية المتباينة، وتكوين مراحل حياتها المختلفة، ورغبتها في الخلاص من هذا الواقع.

وتقدّم عائشة عبد الرحمن في «على الجسر بين الحياة والموت» نموذجاً مختلفاً، يتمثّل في إصرار الكاتبة على إتمام تعليمها الذي حرمها منه الأب، قائلاً: «ليس لبنات المشايخ العلماء أن يخرجن إلى المدارس الفاسدة المفسدة، وإنما يتعلّمن في بيوتهن»، وتتطلّع الكاتبة لاستكمال تعليمها بمدينة «المنصورة»، وشاءت الظروف أن يتحدّد موعد امتحان القبول بها أثناء غياب والدها عن مدينتها «دمياط» في إحدى رحلاته المتتابعة لحضور مناسبة ما تخص الاحتفالات الصوفية بين القاهرة وطنطا ودسوق.

وتقول المؤلفة في موضع آخر: «ورقّ قلب أمي حين رأت إصراري على أداء الامتحان، وليكن بعد ذلك ما يكون، فجازفَت وتسلّلت بي من دمياط ذات صباح إلى المنصورة، حيث تركتني بالقسم الداخلي في مدرسة المعلمات، على أن أعود بعد أيام الامتحانات الأربعة مع زميلاتي من بنات دمياط، وأديت الامتحان الأول للسنة الثانية وأنا أقهر شعور الخوف من والدي، حتى إذا فرغت منه وأخذت أول قطار إلى دمياط عاودَني ذلك الخوف الذي أفلحتُ في مقاومته لمدى أيام، فعاد أقسى ضراوةً وحِدّة، وتدخّل الجد رحمه الله لحسم الموقف، فما زال بوالدي حتى انتزع موافقته المُكرهة على التحاقي بمدرسة (اللوزي – بنات)».

وتلفت المؤلفة إلى أنه يلاحَظ في السيرة الذاتية لعائشة عبد الرحمن هيمنة ثنائية «الهدف - تحقيقه»، فجاء الهدف نتيجة للمشكلة المتمثّلة في حرمان الكاتبة من التعليم، ويتمثل في إصرارها على إتمام تعليمها الذي حرمها منه الأب، وهو ما تحقّق بمساعدة الجد والأم والأهل والزملاء، وقبل كل ذلك بإصرارها نفسه.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)

تحت عنوان «النقد الفلسفي» انطلقت صباح اليوم، فعاليات مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة بدورته الرابعة، الذي يقام بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر بيت الفلسفة بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة، هو أول مؤتمر من نوعه في العالم العربي ويشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً من تعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة مثل الفلسفة والأدب والعلوم.

ويتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطور الفكر المعاصر.

الدكتور عبد الله الغذامي (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويسعى المتحدثون من خلال هذا الحدث إلى تقديم رؤى نقدية بناءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي ومفاهيم مثل «نقد النقد» وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

وتسعى دورة المؤتمر لهذا العام لأن تصبح منصة غنية للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش، حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

ويأتي المؤتمر في ظل الاحتفال بـ«اليوم العالمي للفلسفة» الذي يصادف الخميس 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، والذي أعلن من قبل «اليونيسكو»، ويحتفل به كل ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر، وتم الاحتفال به لأول مرة في 21 نوفمبر 2002.

أجندة المؤتمر

وعلى مدى ثلاثة أيام، تضم أجندة مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة؛ عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتتح اليوم بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد بيت الفلسفة، وكلمة لأمين عام الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتتضمن أجندة اليوم الأول 4 جلسات: ضمت «الجلسة الأولى» محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

كما ضمت الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أمّا الجلسة الثالثة، فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما تضم الجلسة الرابعة، محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، ويرأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما تضم أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

الدكتور أحمد البرقاوي عميد بيت الفلسفة (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويتكون برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر 2024) من ثلاث جلسات، تضم الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، ويرأس الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وتضم الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، ويرأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وتضم الجلسة الثالثة، محاضرة الدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم إي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

ويتكون برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تتناول الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي على طلاب الصف الخامس» تشارك فيها شيخة الشرقي، وداليا التونسي، والدكتور عماد الزهراني.

وتشهد الجلسة الثانية، اجتماع حلقة الفجيرة الفلسفية ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.