كتاب يرد الاعتبار لجيل مسرحي منسي

كتاب يرد الاعتبار لجيل مسرحي منسي
TT

كتاب يرد الاعتبار لجيل مسرحي منسي

كتاب يرد الاعتبار لجيل مسرحي منسي

يستعيد كتاب «ضحايا حريق الفن – الجيل المفقود في مسرح بني سويف» سيرة جيل كامل من مبدعي المسرح المصريين الذين لقوا حتفهم في الحريق المأساوي الذي اندلع بمسرح محافظة «بني سويف» بصعيد مصر في سبتمبر (أيلول) عام 2005. ويسعى الكاتب والشاعر عيد عبد الحليم في كتابه الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة إلى الاقتراب من التجربة الإبداعية لعدد من الفنانين والنقاد والمخرجين الـ55 الذين راحوا ضحية الحادث المروع، ومنهم: بهائي الميرغني، وصالح سعد، وحازم شحاتة، ومحسن مصيلحي، وأحمد عبد الحميد، ومدحت أبو بك، وحسن عبده، ومؤمن عبده، وحسني أبو جويلة.

يصف المؤلف الضحايا بأنهم من خيرة وصفوة النخبة المسرحية في مصر والعالم العربي ومعظمهم ينتمي إلى جيل السبعينات، ذلك الجيل المفصليّ في الثقافة المصرية والعربية، وكلهم لهم تجارب على مستوى التأليف والإخراج والإعداد المسرحي والإدارة المسرحية والنقد. وكان لكلٍّ منهم مشروعه الفني الخاص بالإضافة إلى صفة أساسية جمعتهم جميعاً هي حب الفن والإخلاص والتفاني من أجل رسالته السامية دون انتظار مقابل.

جيل كامل من عشاق المسرح حصدتهم النيران اللعينة نتيجة إهمال مهني، فالقاعة التي وقع فيها الحادث المشؤوم تخلو من أي وسائل للسلامة أو الأمان، وهي عبارة عن قاعة صماء لا توجد فيها نافذة واحدة، ومدخلها الرئيسي عبارة عن باب صغير أغلقه مُخرج العرض بحجة استغلاله في الديكور.

يذكر الكاتب أن حريق مسرح بني سويف لم يكن الأول من نوعه في تاريخ الثقافة المصرية، إذ كان أول هذه الحرائق في سبتمبر (أيلول) أيضاً من عام 1971، حين اشتعلت النيران في دار الأوبرا المصرية، ذلك البناء الشامخ الذي لا يعوَّض والذي بني في عهد الخديو إسماعيل على طراز معماري يعجز أكبر المصممين الآن عن الإتيان بمثله، فقد كان تحفة معمارية نادرة.

وفي عام 1975 شبَّ حريق مماثل في مسرح البالون، في بداية الثمانينات، حيث احترقت مجموعة من المسارح منها على سبيل المثال: مسرح «محمد فريد»، ومسرح «العرائس»، و«الهوسابير»، ومسرح «نجم»، ومسرح «الجلاء»، وغيرها. ورغم أن معظم هذه الحرائق لم يكن فيها ضحايا، فإنها شهدت خسائر كبيرة وتلفيات في المعدات المسرحية.

ويشير المؤلف إلى وجود مجموعة من العناصر المشتركة جمعت بين النقاد الراحلين في حريق مسرح قصر ثقافة بني سويف؛ أولها أن معظمهم من أبناء جيل واحد هو جيل السبعينات، وهو جيل محوري في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية المصرية، أبناؤه شاهدوا وهم في نهاية الصبا انهيار دولة المد القومي العروبي بعد هزيمة يونيو (حزيران) 1967. ومع بدايات الشباب وجدوا أن البديل السياسي الذي حل محلها مع حكم السادات أكثر شراسة وضراوة وقسوة على المجتمع نتيجة «سياسات الانفتاح» التي حوَّلت كل الأشياء إلى سلعة حتى الفن. ولذلك انخرط عدد كبير منهم في الحركة الطلابية مؤمنين بفكرة التغيير وكانوا مع غيرهم من الشعراء والروائيين.

وجمعت أبناءَ هذا الجيل، لا سيما حازم شحاتة وبهائي الميرغني ومدحت أبو بكر ومحسن مصيلحي ونزار سمك وصالح سعد، صفةٌ لازمتهم، هي التمرد المؤسَّس على التجديد. انعكس ذلك عبر حركة مسرحية تحاول الخروج عن الأطر التقليدية للمسرح وتقديم ألوان جديدة من «الفرجة الشعبية»، حركة تؤمن بضرورة العودة إلى المنبع حيث التراث المصري والعربي مع عدم إغفال المدارس الجديدة في فنون الأداء.



«أولمبياد 2024»... هل تنجح فرنسا في بناء قوتها الناعمة؟

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

«أولمبياد 2024»... هل تنجح فرنسا في بناء قوتها الناعمة؟

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

ليست دورة الألعاب الأولمبيّة لعام 2024، التي ستنطلق في باريس في السادس والعشرين من يوليو (تموز) الحالي، بأولى الدّورات التي ستستضيفها العاصمة الفرنسية، بل الثالثة؛ إذ حظيت بشرف تنظيم أول دورة في القرن العشرين (1900)، ولاحقاً دورة عام 1924، ما يجعلها المدينة الأكثر استضافة للألعاب تساوياً مع العاصمة البريطانية لندن.

وعلى الرّغم من كل الضّجيج الذي سعت الدّولة الفرنسيّة إلى إطلاقه حول كيف ستجعل من «باريس 2024» مختلفة عن الدورات السابقة لتعكس موقع الريادة الفرنسية في العالم كما في خطاب توني إستانغيه، رئيس اللجنة المنظمة، العالي النبرة: «نريد أن نعرض أفضل ما في فرنسا. لدينا الكثير لنقدمه، وسنثبت أن هذا البلد لديه كل القوة والإمكانات للتأكد من أن هذه الألعاب ستبقى في الذاكرة إلى الأبد»، فإن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أيضاً سعى إلى أن تكون احتفالاً صاخباً في عهده بينما يدخل النصف الثاني من ولايته الأخيرة، بينما فرنسا تخطو نحو يوم الافتتاح في لجج من أزمات سياسيّة متعددة، ويعتريها قلق من أن يجعل المعارضون من «الألعاب» منصّة لتسجيل مواقفهم ضدّ السلطة؛ لا سيما موقفها المدان من الحرب على غزّة، والأسوأ أن الهيئة المنظمة اختارت، على خلاف المعتاد، أن تجري الأنشطة الأساسية للدورة في قلب المدينة لا على أطرافها (كما في دورتي لندن عام 2012، وريو دي جانيرو في 2016، مثلاً)، مما يهدد بتحديات لوجيستية وأمنية جمّة بدأت إرهاصاتها في الظهور منذ اليوم، فيما الجمهوريّة على موعد مع وزير داخلية جديد سيتسلم مسؤولياته قبل أسبوعين فقط من ليلة الافتتاح، بينما نصف سكان العاصمة باريس يعتقدون أن استضافتها الحدث الرياضي الأهم «فكرة سيئة للغاية».

وكانت باريس قد تعهدت بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى النصف مقارنة بمستوياتها في دورتي «لندن» و«ريو دي جانيرو»، وتبنت لذلك إجراءات غير مسبوقة؛ إذ لن يسمح مثلاً باستخدام مولدات الديزل لتشغيل عربات البث المباشر، وهناك كميات أقل من اللحوم على قوائم إطعام الرياضيين، وعدد محدود للغاية من أعمال بناء منشآت جديدة، وذلك في استعراض لمؤهلات الدّولة الفرنسية بيئياً، وأيضاً لتحقيق طموح «اللجنة الأولمبية الدولية» في إثبات أن أكبر حدث رياضي في العالم يمكن أن يصبح صديقاً للبيئة. لكن أكاديميين ونشطاء بيئيين شككوا في إمكانية تحقيق ذلك، وسط تساؤلات حول الحجم الإضافي للسفر الجوي الذي تتطلبه دورة بهذا الحجم، والضغط الذي ستضيفه على قدرة قلب المدينة لضمان ديمومة حركة النقل وانسيابها؛ الأمر الذي دفع بـ«منظمة مراقبة الكربون» إلى الزعم أن «خطط العاصمة الفرنسية لخفض الانبعاثات لم تذهب بعيداً بما فيه الكفاية، وستكون دورة الألعاب دون مساهمة فعلية في مواجهة تغير المناخ».

وقد عاندت باريس بشدة دعوات مزدادة لإعادة التفكير في الحدث، وتحويله إلى سلسلة أحداث محلية يمكن توزيعها على مناطق عدة عبر فرنسا وربما جيرانها أيضاً؛ لأنه يفقد حينئذ ميزة العملقة التي تخدم أغراض الاستعراض السياسي وبناء القوة الناعمة. ويتهم البعض الحكومة باستغلال المناسبة العالمية لتمكين مشروع ضخم للمراقبة المكثفة في فرنسا عبر نشر شبكة هائلة من كاميرات الرقابة في بلد ظل حساساً دائماً لناحية الحق في الخصوصية.

فهل خلط الفرنسيون رياضة العالم بسياستهم؟

إن تاريخ الأولمبياد، منذ استعاد العالم مزاج الألعاب الرياضية الإغريقية القديمة في ثوب عصري بداية من عام 1896 (دورة أثينا)، ظلّ دائماً شديد الارتباط بالسياسة وموازين القوى بين الأمم، وعكست مسائل اختيار المدن المضيفة، والدول التي تُدعى فرقها للمشاركة فيها، المزاج السياسي والتحالفات الدّولية في وقتها، وتداخلت مع توجهات الأمم الرائدة والصاعدة لبناء مصادر قوتها الناعمة.

يقول المؤرخون مثلاً إن باريس عندما نظّمت «أولمبياد 1900» كانت تمور بالأفكار التي وجدت قنوات لها للتجسد في مختلف مجالات الفنون والعلوم والصناعة، وتلازم تنظيم دورة الألعاب حينها مع استضافتها المعرض الدّولي الذي كان يستقطب الزائرين من مختلف أرجاء العالم للاطلاع على أحدث الاختراعات والإنجازات الصناعيّة المبهرة، فأصبحت الدورة الرياضية كأنّها مجرد نشاط ترفيهي ملحق بالمعرض. ولا شكّ في أن فرنسا استخدمت نفوذها السياسيّ الطاغي حينئذ لفرض أجندتها على «اللجنة الأولمبيّة الدّولية» ووضع الدورة في خدمة أولويات الدولة الفرنسية اقتصادياً وسياسياً.

وتصف صحافة تلك الفترة ضخامة الحدث؛ الذي استمر لما يزيد على 5 أشهر - من منتصف مايو (أيّار) إلى نهاية أكتوبر (تشرين الأول) - بمشاركة 59 ألف رياضيّ حضروا للمنافسة من مختلف أرجاء العالم، وجمع لحمايتهم وإسنادهم أكثر من 10 آلاف رجل من الإطفائيين والمسعفين والصيادين، وهؤلاء شاركوا في منافسة لصيد الأسماك من نهر السين سعياً لتوفير الأموال التي تدفع لاستيراد الأسماك البحرية من دول مجاورة، ناهيك بعدد هائل من موظفي الحكومة الفرنسية الذين أداروا الأنشطة المرافقة للدورة عبر شبكة ضخمة من لجان فرعية توجهها لجنة تنظيم مركزية تتبع وزير التجارة الفرنسي.

ويقول المؤرخ البريطاني ديفيد أوين في كتابه «القوات الأخرى: الرياضة عند الفرنسيين من وجهة نظر إنجليزية (2024)» عن دورة عام 1900 إن التقرير النهائي الذي صدر عن وزارة التجارة والصناعة الفرنسية - لا عن جهة رياضيّة - أفاض في وصف العربات والآليات التي تنتجها المصانع الفرنسية - سواء للأغراض المدنية والعسكرية - والتي شاركت في أنواع مختلفة من رياضات السباق، إضافة إلى وصفه المكثف نشاطات موازية استعرضت كفاءة تلك العربات وغيرها من الآليات الثقيلة وسيارات النقل ومعدات القتال أمام الجماهير على هامش سباقات الأولمبياد. ويلاحظ كذلك أن أنشطة الرّماية وسباقات المناطيد (وصل أحدها إلى جوار كييف على بعد 1900 كيلومتر من باريس) والمنافسات بين وحدات المدفعية (هذه الأخيرة اقتصرت المشاركة فيها على الفرنسيين) شكلت في مجموعها الجزء الأهم من الفعاليات التي نظمت تحت مظلّة الدّورة بما يخدم توجهات العسكرة للدولة الفرنسية حينها.

وهكذا؛ بين «باريس 1900» و«باريس 2024» تغيرت أولويات الدولة الفرنسية، وتفاوتت الرياضات المشمولة بالأولمبياد، ولكن مبدأ اختلاط السياسة بالرياضة ظل ثابتاً لا يتبدل.