لين ستالسبيرغ: أوروبا لم تتخلص من نظرتها الرجعية للمرأة

الكاتبة النرويجية قالت لـ « الشرق الأوسط » إنها تسعى إلى تكوين وعي ثقافي نقدي لفهم ظواهر عالمنا

لين ستالسبيرج
لين ستالسبيرج
TT

لين ستالسبيرغ: أوروبا لم تتخلص من نظرتها الرجعية للمرأة

لين ستالسبيرج
لين ستالسبيرج

تعمل الكاتبة النرويجية لين ستالسبيرغ في عدد من الصحف والمؤسسات الإعلامية منذ عام 2002 وهي حاصلة على الماجستير في علم الاجتماع من كلية لندن للاقتصاد. صدر لها كتابان مهمان الأول بعنوان «هل أنا حرة» والثاني «كفى - كيف تدمر الليبرالية الجديدة البشر والطبيعة»، وقد صدرت ترجمتهما للعربية عبر دار «صفصافة» بالقاهرة. هنا حوار معها - عبر الإنترنت - حول آرائها التي تبدو صادمة، خاصة في كتابها الثاني، وهموم الكتابة عموماً:

> لتكن البداية من كتابك الأخير «كفى».... ما الذي تقصدينه تحديداً بمصطلح «الليبرالية الجديدة»؟

- المصطلح له مفاهيم وتعريفات مختلفة، لكن الملاحظ أن كثيرين يستخدمونه لوصف النظام الاقتصادي الذي أنشأته رئيسة وزارة بريطانيا السابقة مارغريت ثاتشر من جهة، والرئيس الأميركي رونالد ريغان من جهة أخرى، ويقصدون به فكرة تطبيق «اقتصاد السوق» على كافة مناحي الحياة، بما في ذلك دور رعاية المسنين ورياض الأطفال. وبصرف النظر عن مدى دقة التعريفات الأكاديمية، فإن ما يهمني هنا هو الرؤية الثقافية التي تقف وراء المصطلح، حيث غاب عنه البعد الإنساني تماماً، وطغت عليه أفكار التسويق والاستثمار في مخاوفنا وأحلامنا وهواجسنا لتحقيق المزيد من الأرباح الهائلة للشركات الكبرى التي تحولنا نحن البشر إلى مجرد أرقام.

> ألا يمكن أن تكون نظرتك محملة ببعض المبالغة بسبب خلفيتك الفكرية اليسارية؟

- ليت الأمر كان كذلك، على الأقل كانت الصورة ستصبح مقبولة أو طبيعية نوعاً، ما لكن للأسف الشديد كل شيء من حولنا يثبت أن الواقع ليس وردياً كما يتصور البعض، وأن توصيفي للتأثير الكارثي للنظم الاقتصادية الحديثة لا يحمل أي شيء من المبالغة.

> هل لديك دلائل ملموسة، أو على الأقل مؤشرات على صحة ما تذهبين إليه؟

- الدلائل والمؤشرات أكثر من أن تحصى، يكفي على سبيل المثال أن نطالع الدراسات الحديثة في مجال علم النفس السلوكي والتي تؤكد أن كثيراً من مسببات القلق المرضي والاضطرابات والخوف والعجز والشعور الدائم بالتقصير وعقدة الذنب والإحساس بأنك لم تفعل ما ينبغي عليك فعله بالشكل الأمثل، كلها أعراض نابعة كلياً أو جزئياً من بيئة العمل التي فرضها اقتصاد السوق على الموظفين في كل مكان ووضعهم تحت ضغوط رهيبة نتيجة ما يسمى التقييمات المستمرة لأدائهم والتي تتضمن تهديداً خفياً طوال الوقت بفصلهم من العمل أو على الأقل تخفيض مستحقاتهم. هناك كاتبة سويدية تدعى نينا بيورك لها كتاب بعنوان «سعادة أبدية» تذهب فيه إلى أن السعادة تبدأ حين يصر المرء على تحقيق أحلامه قائلاً: «أنا غير راضٍ، أريد شيئاً آخر»، ولكن حتى أحلامنا مفروضة علينا نتيجة توقعات المجتمع من حولنا، فهناك صورة نمطية للسعادة تتمثل في البيت الأنيق والضاحية الهادئة والراتب المجزي والسيارة الفاخرة والزوجة الجميلة والمدخرات الكبيرة بالبنك، لكن هل حصلنا على السعادة؟ أبداً لم يحدث.

> أليس من المدهش أن من يقول ذلك أنت، ابنة النرويج والدول الإسكندنافية التي ينظر كثيرون إليها باعتبارها موطن الثراء والرفاهية؟

- هذه مشكلة أخرى مهمة تتعلق بالصورة النمطية والأفكار المغلوطة بين الشرق والغرب، فالصورة الخارجية البراقة لأوروبا كثيراً ما تخدع غير الأوروبيين، لا سيما في مناطق الشرق الأوسط، التي تعاني بشدة في ملفات اجتماعية وسياسية. والحق أننا أيضاً نعاني بقوة في ملفات كثيرة مثل جريمة الاضطهاد العرقي، الذي يستهدف الوافدين من الدول الفقيرة، وكذلك عدم العدالة في الأجور بين الجنسين، فضلاً عن الأدوار والتوقعات المبالغ فيها الملقاة على عاتق النساء بشكل ظالم، ناهيك عن صعود اليمين المتطرف الذي يحاول تغذية مشاعر الكراهية وقتل ثقافة التسامح. لا تظنوا أننا لا نعاني، وإياكم أن تتصوروا أننا نعيش في جنة لمجرد أن شوارعنا نظيفة وعيوننا ملونة.

> هل هذا هو السبب الذي جعلك تقدمين على نشر كتابك الصادم والمفاجئ الذي يحمل عنوان «هل أنا حرة»؟

- بالضبط، فإحدى تجليات الانطباعات المسبقة والمفاهيم المغلوطة أن المرأة في أوروبا نالت حريتها واستقرت أمورها وانتهى الأمر، وهذا غير صحيح على الإطلاق. وهذا ما جعلني في مقدمة الكتاب أطرح تساؤلات حائرة من نوعية: من أي شيء سيحررونني؟ وإلى أين سيأخذونني؟ وهل حصلت الآن على التحرر؟ أهذا هو المجتمع المثالي الذي كان مستهدفاً؟ أم وأب يعملان بدوام كامل بينما يبقى الأطفال في روضة الأطفال من ثماني إلى تسع ساعات؟ أم أن المستهدف كان شيئاً مختلفاً؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هو؟

> أليست مفارقة لافتة أن تصدر رواية في مصر عام 1954 بعنوان «أنا حرة»، التي يقول مؤلفها إحسان عبد القدوس: «ليس هناك شيء يسمى الحرية، وأكثرنا حرية هو عبد للمبادئ التي يؤمن بها، وللغرض الذي يسعى إليه، إننا نطالب بالحرية لنضعها في خدمة أغراضنا... وقبل أن تطالب بحريتك اسأل نفسك: لأي غرض ستهبها؟» ثم تطرحين أنتِ بعد 70 عاماً عنواناً وتساؤلات مشابهة؟

- لم أقرأ العمل أو أطلع على رؤية الكاتب لكن مصر بلد كبير ولها ثقافة ضاربة في عمق التاريخ، ونالت المرأة في عهد الفراعنة حقوقاً وامتيازات غير مسبوقة على مستوى العالم. هذه حقائق تاريخية معروفة، ولا أستغرب ما جاء في الرواية. مرة أخرى يثبت التاريخ أن هموم البشر وهواجسهم وأحلامهم متقاربة للغاية في جوهرها، فالكل يبحث عن الحرية والكرامة والعدالة وبالفعل كما قيل، ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.

> فيما يتجلى انعدام الحرية لدى المرأة الأوروبية بشكل محدد... هل من مثال؟

- ببساطة شديدة كيف يمكن للمرأة أن تكون حرة وهي مقيدة بأغلال العمل ومتطلباته لساعات طويلة وكذلك رعاية المنزل وشؤونه بما فيه الأطفال؟ هذا مجرد مثال بسيط. هنا تبرز معضلة الضمان الاجتماعي الذي توفره الدولة للعاملين والعاملات فقط، مما أجبر كثيراً من النساء على الخروج للعمل في وظائف تافهة ذات مرتبات هزيلة فقط للحفاظ على الضمان الاجتماعي الذي سيعينهن على الحياة في شيخوختهن بما يشمله من معاش شهري وتأمين صحي وغيره. كما أن هناك نساءً كثيرات اضطررن إلى العمل بنظام الدوام الجزئي حتى تتوفر لهن مساحة من الوقت لرعاية أطفالهن والقيام بالأعمال المنزلية.

هناك مثال آخر يتعلق بالأطفال الذين يعانون هم أيضاً بشدة، فهم مضطرون إلى الاستيقاظ مبكراً جداً حتى تضعهم أمهاتهم في الحضانات للحاق بموعد عملهن، وكثيراً ما يتعرضون لنسيان أحد والديهما المرور عليهم لاصطحابهم إلى المنزل، أو التعرض لأمراض كثيرة نتيجة للإهمال أو الاختلاط بأطفال مصابين بعدوى ما، وكل ذلك لأن ذويهم مضطرون إلى وضعهم في حضانات.

وتبرز مشكلة أخرى في هذا السياق تتعلق برعاية المسنين، فبعد أن كانت المرأة تقوم بهذا الدور بشكل رئيسي على مدار العصور في جو إنساني حميم، اختلف الوضع حالياً بسبب الضغط الاقتصادي مع خروج المرأة بكثافة واضطرار الكثير من النساء إلى العمل من أجل ضمان وضع اقتصادي آمن وثابت لها. أصبحت الحاجة ملحة إلى إنشاء دور للمسنين لإيوائهم بها، حيث لا يوجد من يقوم على رعايتهم الصحية ومصاحبتهم بشكل إنساني في شيخوختهم.

> هل تقصدين أن المرأة الأوروبية لم تحصل على كامل حقوقها بعد؟

- الحقيقة القبيحة التي يرفض كثيرون مواجهتها هي أن النظام الأوروبي، بوجهيه السياسي والاقتصادي، لم يتخلّص في جوهره من النظرة الرجعية المتخلفة للمرأة وكأن مهمّتها الأولى هي القيام بالأعمال المنزلية ورعاية الأطفال. وبالتالي، وتأسيساً على هذا الاعتقاد الراسخ تحت الجلد، حين تخرج إلى العمل تحصل غالباً على رواتب أقل، لمجرد أنها أنثى ويفوقها الرجل في تلك الجزئية لمجرد أنه ذكر.

> ألا يتهمك البعض بالتهويل والمبالغة؟

- حدث هذا طوال الوقت وأرد على المشككين دائماً بعبارة واحدة: انظروا إلى الحقائق على الأرض، راجعوا الأرقام والإحصائيات، إنها لغة صادقة لا تعرف الكذب أو التجميل. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ما يقرب من نصف الأمهات في النرويج يعملن بدوام جزئي، ومعظم النساء يعانين من ضيق الوقت في ظل تعدّد الأدوار المطلوبة منهن. وتفاقمت في السنوات الأخيرة مشكلة العنف اللفظي والجسدي تجاه النساء وزادت نسبة التضخم، مما أثر على الجميع وخصوصاً المرأة. هذا لا يعني أن النرويج تعاني أزمة حادة، فالأوضاع بشكل عام مريحة وجيدة، لكن هذا لا يعني أننا نعيش في الجنة.

> تنطلقين من اليسار كخلفية فكرية... ما الذي يعنيه لك ذلك؟

- لا يعنيني في نهاية الأمر سوى تكوين وعي ثقافي نقدي في تناول ظواهر عالمنا الحديث وهو ما يوفره لي اليسار.

> هل انضممت إلى أحزاب بعينها؟

- أنا كاتبة أعبر عن آرائي بالمقالات والمؤلفات ولا تعنيني الأحزاب السياسية إطلاقاً ولم أنضم إلى أي منها.

> زرتِ مصر في يناير (كانون الثاني) الماضي على هامش فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث أقيم لك حفل توقيع وندوة...كيف كانت أصداء تلك الزيارة؟

- زيارة لا تُنسى، القاهرة مدينة شديدة الحيوية تشعرك بأنك على قيد الحياة وتعج بالأفكار والمناقشات الملهمة التي استفدت وتعلمت منها كثيراً.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».