المرأة الجاهلية ترشد الشعراء إلى مطالع قصائدهم

بريقها الهارب زاد من توهجه الامتداد اللانهائي للصحراء

المرأة الجاهلية ترشد الشعراء إلى مطالع قصائدهم
TT

المرأة الجاهلية ترشد الشعراء إلى مطالع قصائدهم

المرأة الجاهلية ترشد الشعراء إلى مطالع قصائدهم

لم يكن العرب الجاهليون هم الذين استولدوا من عندياتهم نوازع العشق والصبابة والشغف بالأنوثة، ولا كانوا السباقين إلى شعر الحب والغزل بين الأمم، بل كانت هذه النوازع وتعبيراتها في اللغة والفن، لصيقة بالبشر منذ عصر الكهوف والمجتمعات البدائية الأولى. ومع ذلك فقد كان احتفاؤهم المفرط بالمرأة وإفرادهم لها مكانة خاصة في حياتهم وشعرهم، ثمرة تضافر وثيق بين طبيعة المكان الصحراوي، بهدوئه الشاعري أو تقلباته المناخية القاسية، وبين طبيعة الحياة المعيشة والآهلة بأشكال مختلفة من القسوة والعنف وفقدان الأمان.

فحيث لا تعرف الصحراء مجالاً للاعتدال، وحيث شمس النهار الحارقة تسلط أشعتها على الكثبان وتحولها إلى مساحات مترامية من الأديم الساخن، وحيث الجفاف والجدب يثلمان الأرواح قبل الأجساد، تتحول المرأة بما تملكه من عذوبة الحضور إلى حالة مائية قادرة على سد حاجة الرجل العاشق إلى السكينة والارتواء. ولم يكن ليل الجاهلي بالمقابل أرفق به من النهار. صحيح أن البرودة الليلية المنعشة كانت تتيح له التخفف من الوطأة القاسية للقيظ، بينما كان الصمت الهائل للوجود، والسماء المضاءة على اتساعها بعدد لا يحصى من النجوم، يوفران لشاعريته الفطرية كل أسباب الانبثاق والتوهج، لكن الصحيح أيضاً أن الليل بسواده الحالك وامتداده اللانهائي، وإغضائه على أحابيل الأعداء ومكائدهم، كان يتحول إلى حصالة دائمة للأشباح والكوابيس.

إن الليل بالنسبة لمن يتهدده القلق الخوف، أو للممعن في التيه هرباً من بطش أعدائه، أو للمنتظر حبيباً تأخر عن موعده، لا يعود مساوياً لمساحته الزمنية وحدها، بل هو يمعن في بطئه، حتى تبلغ الثانية فيه مقدار ساعة من الزمن، وتوازي الساعة دهراً بكامله. ولعل ما نظمه امرؤ القيس في معلقته من توصيف لمعاناته مع الليل، وتعقُّبٍ دقيق لما كان ينتابه خلاله من وساوس، يشكل أحد التجليات الأمثل للشعرية الجاهلية، التي يلتقي فيها المحسوس بالمجرد، والتشكيل المشهدي بالتقصي العميق لأغوار النفس الإنسانية، كما في قوله:

وليلٍ كموج البحر أرخى سدولهُ

عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي

فقلت له لما تمطّى بصُلْبهِ

وأردف أعجازاً وناء بكلكلِ

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلِ

بصبحٍ وما الأصباحُ منكَ بأمثلِ

وإذا كان ليل النابغة الذبياني لا يختلف كثيراً عن ليل امرئ القيس، حيث البطء نفسه والخوف إياه، فالأمر ليس عائداً إلى تشابه الصحارى فحسب، بل إلى تشابه مماثل في ظروف الشاعرين وتجربتهما الحياتية. فإذا كان ليل امرئ القيس الثقيل انعكاساً لمقتل أبيه المأساوي، فإن مكابدات النابغة مع الليل وأشباحه السوداء كان سببها خلافه المستحكم مع النعمان بن المنذر، بعد أن غضب عليه هذا الأخير بسبب تغزله الصريح بزوجته المتجردة. ولذلك فهو يطلب من ابنته أميمة أن تعفي نفسها من تبعات ما اقترفت يداه، وأن تتركه وشأنه في مواجهة ليله البطيء، الذي يتخلى عن بطئه أحياناً لينقض على الشاعر المثقل بمخاوفه، متخذاً صورة القضاء والقدر، فيهتف النابغة بالنعمان:

وإنك كالليل الذي هو مدركي

وإن خلتُ أن المنتأى عنكَ واسعُ

وقد وجد بعض الشعراء الجاهليين، كالصعاليك والخارجين على السلطة والمحكومين بلعنة الخوف على المصير، ضالتهم المنشودة في الهجوم على الحياة واقتحامها بلا هوادة، كما فعل طرفة بن العبد، الذي رأى في الخمر والفروسية والحب الجسدي، ثالوثه الأنجع لمواجهة عالم الصحراء المأهول بالوساوس. ومع أن الشاعر المترنح على الحبال الفاصلة بين العبث الوجودي والقاع الحزين للأشياء، لم يلبث أن قضى شاباً على يد الملك عمرو بن هند، إلا أنه وجد في اختلائه بامرأة دافئة ومكتنزة اللحم، أو «ببهكنة تحت الخباء المعمَّد»، أفضل ما يقصّر به ليله الطويل، كما يشير في معلقته.

وإذا كان التعلق المفرط بالمرأة لدى الجاهليين متصلاً من بعض نواحيه بالحاجة إلى التعويض الرمزي عن شح الموارد الطبيعية ونقصان مباهج الحياة، فإن جانباً من سلوكياتهم فرضه الخلل الواضح بين الجسد وفضائه المكاني، حيث يشعر البدوي بضآلة حضوره إزاء الامتداد اللانهائي للخلاء المقفر. وهو إذ ينكمش على وحشته مكتنفاً بالخوف من المجهول، يرى نفسه من جهة أخرى ملزماً بالخروج من خيمته، بحثاً عما تضمه الصحراء في واحاتها المتباعدة من الماء والكلأ. الأمر الذي يضعه في حالة صدام حتمي مع الآخرين الذين يزاحمونه دون رحمة على المصادر الشحيحة للعيش. وقد تتحول النزاعات بين القبائل إلى دوامة من الاقتتال، لا تخمد نيرانها إلا بعد سنين طويلة من الاضطرام، كما حدث في حربي البسوس وداحس والغبراء.

وليس بالأمر العادي أن تحتكر المرأة بوجوهها المختلفة أبرز المطالع التي استهل بها الشعراء الجاهليون قصائدهم ومعلقاتهم.

فالمطالع وفق معظم النقاد هي المفاتيح النفسية والتعبيرية لقصائد الشعراء، وهي التي يتم وفق هندستها الوزنية وتركيبها اللغوي، ترسيم النصوص وتنظيم مساراتها الأسلوبية وتموجها الإيقاعي. كما لا نملك ألا نتوقف قليلاً عند مسألتين اثنتين مهمتين، تتعلق أولاهما بالتلازم بين النساء والأطلال في الكثير من النصوص التي وصلتنا، بينما تتعلق الثانية بكون المرأة التي يرد ذكرها في مطالع القصائد، هي ليست بالضرورة حبيبة الشاعر ومعشوقته، بل يمكن أن تكون زوجته أو ابنته أو أخته في بعض الأحيان.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)

تحت عنوان «النقد الفلسفي» انطلقت صباح اليوم، فعاليات مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة بدورته الرابعة، الذي يقام بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر بيت الفلسفة بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة، هو أول مؤتمر من نوعه في العالم العربي ويشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً من تعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة مثل الفلسفة والأدب والعلوم.

ويتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطور الفكر المعاصر.

الدكتور عبد الله الغذامي (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويسعى المتحدثون من خلال هذا الحدث إلى تقديم رؤى نقدية بناءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي ومفاهيم مثل «نقد النقد» وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

وتسعى دورة المؤتمر لهذا العام لأن تصبح منصة غنية للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش، حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

ويأتي المؤتمر في ظل الاحتفال بـ«اليوم العالمي للفلسفة» الذي يصادف الخميس 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، والذي أعلن من قبل «اليونيسكو»، ويحتفل به كل ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر، وتم الاحتفال به لأول مرة في 21 نوفمبر 2002.

أجندة المؤتمر

وعلى مدى ثلاثة أيام، تضم أجندة مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة؛ عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتتح اليوم بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد بيت الفلسفة، وكلمة لأمين عام الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتتضمن أجندة اليوم الأول 4 جلسات: ضمت «الجلسة الأولى» محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

كما ضمت الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أمّا الجلسة الثالثة، فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما تضم الجلسة الرابعة، محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، ويرأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما تضم أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

الدكتور أحمد البرقاوي عميد بيت الفلسفة (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويتكون برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر 2024) من ثلاث جلسات، تضم الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، ويرأس الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وتضم الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، ويرأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وتضم الجلسة الثالثة، محاضرة الدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم إي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

ويتكون برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تتناول الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي على طلاب الصف الخامس» تشارك فيها شيخة الشرقي، وداليا التونسي، والدكتور عماد الزهراني.

وتشهد الجلسة الثانية، اجتماع حلقة الفجيرة الفلسفية ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.