«الرمز والدلالة»... من المعتقد الشعبي إلى المخيلة الثقافية

عبد الحكيم خليل يتتبع نشأتهما وطقوسهما التاريخية

«الرمز والدلالة»... من المعتقد الشعبي إلى المخيلة الثقافية
TT

«الرمز والدلالة»... من المعتقد الشعبي إلى المخيلة الثقافية

«الرمز والدلالة»... من المعتقد الشعبي إلى المخيلة الثقافية

يسعى كتاب «الرمز والدلالة» للدكتور عبد الحكيم خليل، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، إلى دراسة أثر الرمز في فنون التشكيل الشعبي، باعتبار الرمز هو كل علامة تتجاوز دلالتها معناها القريب المباشر إلى ما لا حصر لها من دلالات ترتبط بسياقها النصي من جهة، وبمنتج العلامة (مؤلف النص)، ومستقبلها (القارئ أو المتلقي) من جهة أخرى، سواء كانت تلك العلامة: كلمة أو صورة أو لون أو حركة أو إيماءة أو غير ذلك.

ويولي المؤلف اهتماماً خاصاً بالخلفية التاريخية لنشأة الرمز كخط موازٍ للتعبير الإنساني البدائي، الذي كان يفسر الوجود كألغاز وأحاج، وصار تعليله له بقدر ما يصيبه من ضرر أو نفع، واتخذ الدلالات لتشير إلى عقائده وطقوسه، فنحت لها التماثيل، وصوّرها على جدران كهوفه، مما جعل «جميع الصور والتماثيل التي أنجزها البدائيون سواء منها الآلهة أو الشياطين، ومختلف أشكال الطواطم الحيوانية والنباتية، وكذا التعاويذ السحرية والأقنعة، وكل ما يتعلق بالإنتاج الفني لعصور البداءة إنما تتخذ طابعاً رمزياً، وبخلاف الرموز المرسومة، ارتبطت كذلك الرموز بالانفعالات، وما تثيره الأشكال من معاني الخير والشر، فحاكت المقاطع الصوتية الأحداث الطبيعية، فسُميت الحيوانات بما يصدر عنها من أصوات، كما هو في أصول اللغات، فصارت الأصوات نفسها دلالات رمزية عن الأشياء».

روح ثقافية

يُشير الكتاب لرأي عالم الأنثروبولوجيا الأميركي كليفورد غيرتز، الذي يرى الثقافة حواراً للمعاني، ونقاشاً يتعلق بالرموز المتضمنة لتلك المعاني، حيث إن فهم الثقافة لا ينحصر على مجرد التصوّرات والأفكار والجوانب المعرفية في عقول الأفراد، فتلك تصورات عامة وخارجية، تخضع للدراسة العملية، فالثقافة تكون متضمنة، ويعبر عنها في رموز عامة، وهذه الرموز العامة لا تشير فقط إلى الجوانب المعرفية من أفكار ورؤى وتصورات للعالم، بل هي أيضاً تشير إلى الجوانب الوجدانية والمعيارية، التي يمكن أن يُطلق عليها «روح الثقافة».

وإذا كان الرمز يمثل ملمحاً تكوينياً معروفاً في الأدب والأمثال الشعبية، فإن مؤلف الكتاب يرى عدم انفصال الدلالات الرمزية عن الدلالات الاعتقادية، فالأمثال الشعبية، على سبيل المثال، تعد داخل بيئتها الثقافية والاجتماعية بمضامينها الاعتقادية المختلفة أداة للتواصل في اللغة اليومية المتداولة، التي تعكس من خلالها تجاربها وخبراتها وعاداتها ومعتقداتها، المستمدة من التراث الشعبي الأصيل لهذه المجتمعات.

ويخصص الكتاب الذي يقع في (270) صفحة، فصلاً مركزياً حول التجليات الرمزية للوشم في المعتقد الشعبي، الذي حسب الكتاب يمثل شكلاً من أشكال التعبير الفني الشعبي الذي قلّ الاهتمام به في الثقافة الإسلامية بشكل خاص، ولكنه في الوقت نفسه انفرد بخصوصية في الثقافة الشعبية التي دفعت الأفراد المعتقدين في أهميته داخل الحياة العامة، كدق الوشم للتزيّن أو العلاج الشعبي ضمن أبعاد اجتماعية وثقافية ترتبط بالمعتقدات والعادات الموروثة لدى ممارسيه، ما يجعل الوشم فناً له دلالات عقائدية وفلسفية واجتماعية.

ويشير المؤلف لتعبير فاطمة فائز، الباحثة في أنثروبولوجيا الدين والثقافة الشعبية بالمغرب، بأن الوشم يدخل ضمن آداب السلوك الاجتماعي، يرتبط بحياة الجسد الموشوم ويموت بموته، كما يشكل جسراً للربط بين ما هو روحي ومادي في الجسد ذاته، وللوشم كذلك رمزية اجتماعية وسياسية، عندما يشير للانتماء الاجتماعي، والشعور بالهوية المشتركة داخل المجتمعات القبلية، شأنه في ذلك شأن الزخارف النسيجية المبثوثة بشكل خاص في رداء المرأة المعروف بـ«الحايك»، أو «تاحنديرت».

تميمة وزخارف

يمر الدكتور عبد الحكيم خليل، وهو أستاذ ورئيس قسم العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية بالمعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون بالقاهرة، على أمثلة من تراث الوشم بدلالاته الثقافية، كوشم الوجه لدى نساء الصعيد، جنوب مصر، الذي يكون غالباً باللون الأخضر عند الذقن والشفة السفلى، وكثيراً ما يحمل الوشم علامة مميزة هي «نفر»، ومعناها باللغة المصرية القديمة «الجميلة»، كما وجد في بعض المومياوات المصرية القديمة، كما أن له مدلولاً جمالياً لدى المرأة اللبنانية الريفية، يتمثل في خط بسيط كالكحل لتزيين العين، ونجمة على الذقن، وسنابل على اليدين، وأشكال هندسية ونباتية على الذراعين والرقبة، وعند المرأة المغربية رسوم وزخارف تشغل كل أطراف الجسد.

أما لدى الرجال، فالوشم كان دلالة للشجاعة وعلامة انتماء الموشوم القبلي والبيئي، ويربط الكاتب بين الوشم كدلالة جمالية، أو عقائدية وبين المُخيلة الإبداعية التي اتخذت من الجسد فضاءً للتدوين، ولوحة للرسم والخط، ويستدعي من الشِعر العربي قول زهير ابن أبي سلمى عندما أراد للعرب البقاء والخلود وعدم الاندثار بسبب الحروب التي دارت بينهم، فقرنها بالوشم المُتجدد:

ودارٌ لها بالرقمتين كأنها

مراجيعُ وشم في مناشر معصم

ويُعلق مؤلف الكتاب هنا أن الوشم عند زهير في هذه الصورة هو بمثابة تميمة لصرف عوادي الزمن من حروب وغيرها، ويشير كذلك في هذا الصدد إلى عنترة بن شداد وما أراده لدار عبلة فقال:

ألا يا دار عبلة بالطوى

كرجع الوشم في رسغ الهدى

فالوشم، حسب مؤلف الكتاب، هو امتداد لعقيدة الطوطم في العصر البدائي مروراً بالفترات التاريخية المختلفة سواء في العصر المصري القديم، أو العصور المسيحية الأولى أو في فترة ظهور الإسلام التي كان لها تأثير في موضوع الوشم، كما تأثر الوشم وما شاع حوله من معانٍ ودلالات رمزية بالأساطير والحكايات الشعبية والمعتقدات حول الجسد والعلاج الشعبي والخوف من الحسد، مما جعل له دوراً مهماً في اعتقاد الأفراد الشعبيين لعادة دق الوشم.

ويرى صاحب كتاب «الرمز والدلالة» أنه رغم اندثار بعض أشكال الوشم بصيغته القديمة، فقد استحدثت له أشكال جديدة تؤدي وظائفه جعلته قادراً على مسايرة العصر الحديث من بوابة «الموضة».

وهكذا، يضع المؤلف في هذا الكتاب الشيق مختلف التمظهرات الشعبية، من أمثال وحكايات وطعام ومختلف ملامح هذه الثقافة تحت مظلة الرمز، الذي يرى أنه يصعب تفادي قيمته ودوره، فعلى حد تعبيره: «لا يمكن للإنسان أن يعيش في عالم فسيح دون نسق ثقافي يشمل الرموز والقيم، فالرمز هو الذي يربط الإنسان بعالم الموجودات المحسوس، وعالم الماهيات والماورائيات، لذلك يعد الإنسان رمزياً بامتياز، حيث أصبحت الرموز جزءاً من حياته لما تحقق من غايات كبرى».



أسماء معيكل: انحياز الأديب للسياسي يفقده شرط الحرية

أسماء المعيكل وروايتها تل الورد
أسماء المعيكل وروايتها تل الورد
TT

أسماء معيكل: انحياز الأديب للسياسي يفقده شرط الحرية

أسماء المعيكل وروايتها تل الورد
أسماء المعيكل وروايتها تل الورد

تعرف الأكاديمية والناقدة والروائية السورية، الدكتورة أسماء معيكل بدراساتها النقدية، وخاصة اهتمامها بقضايا النسوية والدراسات السردية والثقافية، وهي حائزة على الدكتوراه من جامعة عين شمس، وعملت أستاذة نقد حديث وباحثة في النقد الأدبي والدراسات الثقافية والنسوية.

ومن مؤلفاتها في «النقد»: «الأصالة والتغريب في الرواية العربية - حيدر حيدر نموذجاً»، و«الأفق المفتوح، نظرية التوصيل في الخطاب الروائي المعاصر»، و«في تلقي الإبداع والنقد»، و«سيرة العنقاء: من مركزية الذكورة المعاصرة».

وبالإضافة لروايتها الأولى: «خواطر امرأة لا تعرف العشق»، وروايتها الأخيرة «ليالي الخذلان»، قدمّت أسماء معيكل مشروعاً روائياً يتكون من ثلاث روايات عن المأساة السورية: «تلّ الورد»، و«عماتي الثلاث»، و«الجحش السوري».

هنا حوار معها:

> كتبتِ ثلاث روايات عن المأساة السورية: «تلّ الورد»، و«عماتي الثلاث» و«الجحش السوري»، كيف ترين دور الأدب والرواية خصوصاً في مثل هذه القضايا؟

- الأدب عموماً، والرواية على وجه الخصوص، ليسا ترفاً يتسلى به الكاتب، وليس خافياً على أحد مكانة الرواية في تعبيرها عن قضايا مجتمعاتها في مختلف أرجاء العالم، وما قمتُ به في رواياتي يتنزّل بين التمثيل السردي والتخييل السردي، في روايتيّ «تل الورد» و«عماتي الثلاث»، قمت بإعادة تمثيل سردي لما جرى في بلادي (سوريا) على امتداد حقبة زمنية طويلة، فـ«عماتي الثلاث» التي كتبتها ونُشرت بعد «تل الورد»، تسبقها زمنياً بأحداثها ووقائعها، حيث عُدتُ بعجلة الزمن إلى الوراء، إلى زمن «السفر برلك» في ظل الإمبراطورية العثمانية، وامتدت الرواية إلى العصر الحديث والحرب المدمرة في سوريا، وفي «تل الورد» عائلة المعراوي هي امتداد لعائلة الشيخ عبد الهادي في «عماتي الثلاث»، وفيها أعدت تمثيل ما جرى في بلادي منذ لحظة بدء المظاهرات السلمية، مروراً بتسليحها بعد القمع الوحشي الذي تعامل به النظام الديكتاتوري مع المظاهرات السلمية، وانتهاء بتحول سوريا إلى ساحة صراع بين قوى كبرى بعد التدخلات الخارجية فيها.

أمّا روايتي «الجحش السوري» فهي رواية ساخرة تعتمد على السخرية القائمة على المفارقة، على طريقة «دون كيخوته»، ولا تخلو من حس مأساوي يذكر بالملاحم الإغريقية القديمة، وقد اعتمدت فيها على التخييل السردي للتعبير عن حال بلادي في ظل الصراع المأساوي الذي عصف بها من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، وقد لجأت في تخييل أحداثها إلى لعبة سردية معروفة في روايات المسخ والتحولات، متخذة من تحول بطل الرواية إلى (جحش) ذريعةً سردية؛ للغوص في عمق ما يجري، والكشف عما آل إليه الحال بشفافية وموضوعية، عبر عين الجحش التي تشبه عين الكاميرا التي ترصد ما يجري بعيداً عن الأدلجة.

> هل يمكن للأديب أن يرى الحدث بمعزل عن ضوضاء الآيديولوجيات والاستقطاب السياسي؟ إلى من ينحاز الأديب في مثل هذه المواجهات؟

- من المفترض أن يتسلح الأديب بوعي عميق يجعله في منأى عن الوقوع في فخ الآيديولوجيات، والصراعات السياسية، وحالما يستجيب بطريقة ما إلى تلك المواجهات وينحاز إلى إحداها يصير بوقاً لها، العلاقة بين الثقافي والسياسي شائكة، فالسلطة السياسية من المفترض أن تكون في خدمة السلطة الثقافية، وفي حال حدوث العكس وتحول السلطة الثقافية إلى خادمة للسلطة السياسية، فسمة الثقافية تتلاشى، وتصير ناطقة باسم السلطة السياسية وترويج تطلعاتها وتسويغ أفعالها، وهنا يكون مقتل الأدب والأديب الذي ينبغي أن يتمتع بالحرية التي تمكّنه من الكشف عن الحقيقة، لا تلميع السلطة، وانحياز الأديب للسياسي يفقده شرط الحرية الذي هو شرط الإبداع، وقد وقع أدباء كثر في هذا المقتل فكانت أعمالهم أشبه بخطابات ومنشورات سياسية مؤدلجة، لا تغني ولا تسمن من جوع. إن ذلك لا يعني في حال من الأحوال أن يكون الأديب حيادياً جامداً لا رأي له فيما يجري من أحداث وصراعات في مجتمعه ومحيطه، بل ينبغي أن تكون له رؤية واضحة ينطلق منها في التعبير عن القضايا والظواهر التي يعالجها في أعماله، وهو منحاز بطبيعة الحال إلى تلك الرؤية، لكن انحيازه يكون للإنسان، والقيم الكبرى التي تلتقي حولها الإنسانية جمعاء، قيم الحق والخير والجمال، في مواجهة الظلم والشر والقبح.

> الروايات الثلاث كُتِبَتْ قبيل سقوط النظام، هل جاء التغيير كما حلم به الأدباء؟

- كتبت رواياتي الثلاث، سالفة الذكر، ونشرتها قبل سقوط النظام بمدة تتراوح بين خمس سنوات، حينها وعلى الرغم من انسداد الأفق، كانت هناك فسحة من الأمل بتغيير قد يحدث عاجلاً أو آجلاً، وظهر ذلك بشكل جليّ في روايتي «الجحش السوري». إن التغيير الذي حدث في سوريا وسقوط النظام، جاء في لحظة حلمية ما كان لأحد أن يتوقعها، أو يحلم بها على نحو ما حدث، ولا سيما في ظل إعادة تأهيل النظام البائد في السنتين الأخيرتين قبل سقوطه، وتصدّره المشهد بوصفه المنتصر على الإرهاب، وحينما فرَّ (...) في جنح الظلام على ذلك النحو الذي شهدناه، كان الحدث أكبر من أحلام الأدباء، وتوقعات المحلّلين السياسيين والعسكريين، كانت لحظة أذهلت العالم، لدرجة بقي الناس فيها لأكثر من شهر غير متيقنين مما حدث، ولديهم توجس من عودته، وأن يكون ما جرى مجرد حلم يستفيقون منه على كابوس نظام الأسد الجاثم على صدورهم منذ عقود.

الخوف من الخراب

> في «تل الورد» ختمتِ الرواية بفصلٍ حمل عنوان «حبطراش»، وهو مصطلح معروف في اللهجة الشامية، يرمز لمستوى عال من الخراب الذي لا يمكن إصلاحه... هل فعلاً ترين أن الخراب السوري لا يمكن إصلاحه؟

- لم يكن بإمكاني تقديم تفاؤل زائف في تلك الفترة، فقد شهدت تدمير بلادي بعد أن تحولت إلى ساحة صراع لقوى كبرى، وتصفية حسابات بين جماعات متقاتلة، عادت بعجلة الزمن إلى الوراء، وتكشّفت تلك المرحلة عن عنف لا مثيل له، ولذا فإن الخراب الذي ألحقته الحرب بسوريا كان هائلاً لدرجة يتعذّر فيها إصلاحه، وكما أسلفت في الإجابة السابقة، فإن التحدي ليس في إعادة إعمار البيوت ومدّ شبكات الكهرباء والمياه والطرق وغيرها من الخدمات، بل في إعادة بناء الإنسان الذي صار «حبطراشاً»، ومع ذلك لا أريد أن أكون متشائمة، وسأظل أحلم بإمكانية التغيير، فبعد سقوط النظام البائد لا شيء مستحيلاً، لكن يحتاج الأمر إلى سعي حثيث، وهمم عالية، وجهود كبيرة، وتكاتف أطياف الشعب كله لإعادة بناء سوريا الحرة، سوريا دولة المواطنة التي تكفل العيش الكريم وتحقّق العدالة الإنسانية لكل مواطنيها بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم الدينية، والمذهبية، والإثنية، والعرقية، والجندرية.

التحرر من الانفعالية

> كيف تجاوزتِ سرد المأساة الشخصية إلى سرد جماعي في «تلّ الورد»؟

- يتنزّل عمل الكاتب هنا تحديداً، أعني في تجاوز ما هو شخصي وتحويله إلى عمل يمسّ الجميع، وواقع الحال أن لكل إنسان حكايته ومأساته التي عاشها ويمكنه أن يحكيها، لكن ذلك لا يخلق منها رواية لها شروطها بوصفها عملاً فنياً، وليست نسخاً لحكايات يعيشها الإنسان.

الثقافة الذكورية أسهمت في خلق إناث حالمات وذكور نرجسيين

شهدتُ بدايات الأحداث في سوريا بنفسي في ربيع 2011، منذ أن بدأت المظاهرات السلمية، كنتُ وسط الأحداث، وأنا أتنقل يومياً بين مدينتي حلب وإدلب لأداء مهامي الأكاديمية والإدارية في جامعة حلب التي لها فرع في إدلب، فأرقب ما يجري، ودرجت على تسجيل بعض اليوميات، وحينما ابتعدت عن بلادي، صارت فكرة كتابة رواية تعيد تمثيل أحوال بلادي أكثر إلحاحاً، غير أنني لم أستطع الشروع في الكتابة، وأنا في حالة انفعال شديد، كنتُ أدرك بوعي الكاتب أنها ستحول دون رؤية واضحة وموضوعية لما يجري، فلذتُ بالصمت، لم أكن أرغب في كتابة رواية تسجيلية أو وثائقية عن الأحداث في بلادي. اللحظة التي شرعت فيها بالكتابة كانت حينما أصبحت قادرة على الفصل بين انفعالاتي بما يجري، وبين ما أريد الحديث عنه في روايتي، وهذا ما حال دون تحولها إلى سرد شخصي، فـ«تل الورد» ملحمة عبّرت عن المأساة السورية بمختلف مستوياتها، بل امتدت إلى خارج سوريا إلى بلدان عاشت تجارب مشابهة، ولعل أي قارئ يقرأ الرواية سيجد جانباً من مأساته فيها.

قهر المرأة

> ظهر اهتمامك بقضايا المرأة عبر شخصياتك النسوية في رواياتك السابقة، وفي روايتك الأخيرة «ليالي الخذلان» خصصتِها بمساحة أكبر، كشفتِ عن القهر الذي يطال المرأة، ونضالها ضد العنف العاطفي والنفسي والجسدي، كيف عالجت هذه الرواية تجربة القهر والاغتصاب والمقاومة عند المرأة؟- عملت نقدياً في كتابي «سيرة العنقاء... من مركزية الذكورة إلى ما بعد مركزية الأنوثة» على تفكيك المركزية الاجتماعية المتمثلة في هيمنة الذكورة، والثقافة الذكورية التي أقصت المرأة وهمّشتها، وحلّلت معظم قضايا النسوية التي أعاد تمثيلها السرد النسوي، ووجدت أن هناك بعض القضايا التي أغفلها ذلك السرد، أو قاربها على نحو سطحي، لذا أردت الوقوف عند بعض تلك القضايا ضمن مشروع روائي، بدأته بروايتي الأولى «خواطر امرأة لا تعرف العشق»، ثم توقفت عنه؛ لانشغالي برواياتي عن سوريا وحال بلادي الذي فرض نفسه بقوة، وبعد تفرّغي من رواياتي عن سوريا، عدت إلى مشروعي برواية «ليالي الخذلان» التي انطلقت فيها من تأثير الثقافة الذكورية على المرأة والرجل، وكيف أسهمت تلك الثقافة في خلق إناث حالمات وذكور نرجسيين، وحينما يلتقي النرجسي بالحالمة، فلا بد من أن تتعرض المرأة لمختلف أنواع القهر؛ لأن النرجسي المتمركز حول ذاته عاجز عن الشعور بمتطلبات شريكه أو التعاطف معه، ما يؤدي إلى الخذلان الذي لم تنج منه امرأة أياً كان شأنها، وتقصّدت في روايتي أن يكون أبطالها من المثقفين.