انطلاق جائزة إدوار الخراط الأدبية

مي التلمساني
مي التلمساني
TT

انطلاق جائزة إدوار الخراط الأدبية

مي التلمساني
مي التلمساني

انطلقت جائزة الأديب والناقد المصري الراحل إدوار الخراط (1926 - 2015) لتنضم إلى مشهد الجوائز الأدبية العربية، في تقدير «لدور الكاتب الراحل المتنوع في مجال السرد الأدبي والقصة القصيرة والرواية».

وفي بيان صدر (الأربعاء) الماضي، أعلنت الكاتبة الروائية المصرية مي التلمساني، رئيسة مجلس أمناء الجائزة وأستاذة الدراسات العربية والسينمائية بجامعة أوتاوا الكندية، عن تدشين الدورة الأولى من الجائزة التي تحمل اسم «إدوار الخراط للإبداع العربي» سنوياً، على أن تمنح الجائزة في الدورة الأولى لكاتب أو كاتبة من مصر وتليها في العام المقبل دورة عربية وهكذا بالتناوب، وتقدم الجائزة بدعم ورعاية أسرة الكاتب الراحل أدوار الخراط ممثلة في ابنيه، الدكتور إيهاب الخراط والفنان أيمن الخراط.

وتشير الدكتورة مي التلمساني إلى أن الجائزة بدأت نواتها بفكرة من أبناء الأديب الراحل إدوار الخراط منذ نحو عامين، حتى تم التوّصل لتأسيس مجلس أمناء للجائزة، التي اتفقت بعد عدة اجتماعات على شروط الجائزة، ومعاييرها، وملامحها الخاصة التي تميزها عن باقي خريطة الجوائز الأدبية.

تضيف التلمساني لـ«الشرق الأوسط»: «إدوار الخراط له أياد بيضاء في مجالات عديدة في الكتابة، من الإبداع للنقد الأدبي، وكان ينتصر لفكرة التجريب في الكتابة، فخرج عن عباءة كتاب الستينات، وترك بصمة في التجريب على مستوى الأنواع الأدبية، وكتب متتاليات قصصية، وما أطلق عليها (نزوات روائية)، مؤمناً بالحساسية الجديدة في الكتابة، والكتابة الطليعية، لذلك كان من الطبيعي أن تكون الجائزة المخصصة باسمه تنحاز لهذا النوع من الكتابة، بمنح تقدير للكتابة الطليعية أو التجريبية خارج النوع الأدبي المحدد».

إدوار الخراط

وتعد التلمساني أن تحديد الجائزة لشرط عدم تجاوز المتقدمين لها سن الأربعين هو شكل من أشكال دعم التيارات التجريبية في الكتابة لدى الشباب: «نريد أن نقول إن هناك مستقبلاً لهذه الكتابة، ونسعى بعد عدة دورات من إطلاق الجائزة أن نشير إلى تراكم لطاقة الأعمال التجريبية المتميزة في العالم العربي، كما نسعى لتجاوز محددات النوع الأدبي والانفتاح على تيارات الكتابة العابرة للنوع، وتتوفر فيها شروط الابتكار الخلاق على مستوى الشكل والمضمون».

وتقول التلمساني إن تخصيص الجائزة للشباب هو امتداد لروح إدوار الخراط الذي طالما دعم الشباب في وقته، أو من يطلق عليهم جيل التسعينات آنذاك، وكتب عن هذا الجيل، ودعم الأصوات الجديدة، والكتابة الجديدة، وما أطلق عليها الحساسية الجديدة.

ويضم مجلس أمناء الجائزة في عضويته الكاتب أحمد المسلماني أمين عام اتحاد كتاب أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، والكاتب والناقد إيهاب الملاح، والكاتبة الروائية ضحى عاصي، والكاتب الصحافي محمد شعير، والدكتور إيهاب الخراط استشاري الطب النفسي، والفنان أيمن الخراط المصور ومخرج الأفلام الوثائقية اللذين يمثلان أسرة الأديب الراحل.

وتُقدم الجائزة تحت مظلة اتحاد كتاب أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، ويُمنح الكاتب الفائز جائزة مالية تُقدر بخمسين ألف جنيه مصري (نحو ألف دولار أميركي).

وصدرت أخيراً رواية مشتركة تحمل عنوان «صدى يوم أخير» بين إدوار الخراط ومي التلمساني، عن دار «الشروق» بالقاهرة، وأشارت التلمساني في مقدمة الكتاب إلى أن تلك الرواية تعد «تجربة أدبية نادرة».

وترك الخراط تراثاً أدبياً متنوعاً في شتى حقول الإبداع، بلغ نحو 50 كتاباً ما بين القصة والرواية والشعر والنقد والترجمة، وحصل على العديد من الجوائز الأدبية من أبرزها جائزة النيل في الآداب، وجائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأميركية بالقاهرة، وجائزة الدولة التقديرية، كما فاز بجائزة ملتقى الرواية العربية، ومن أبرز أعماله الروائية «رامة والتنين» و«ترابها زعفران»، و«أضلاع الصحراء»، و«يقين العطش».


مقالات ذات صلة

أوانٍ حجرية من دبا البيعة

ثقافة وفنون ثلاث أوان من ولاية دبا البيعة في سلطنة عمان يقابلها كوب من جبل البُحيص إمارة في الشارقة

أوانٍ حجرية من دبا البيعة

خرجت من ولاية دبا البيعة في سلطنة عُمان مجموعة كبيرة من الأواني الأثرية المصنوعة من الحجر الصابوني الناعم، تشهد لتقليد فني راسخ

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون «اسكتشات» لحسين رشيد

«اسكتشات» لحسين رشيد

عن دار «أهوار للنشر والتوزيع» ببغداد - شارع المتنبي، صدر للقاص حسين رشيد مجموعة قصصية مصنفة «اسكتشات» بعنوان «بار دي لو مي»

«الشرق الأوسط» (بغداد)
ثقافة وفنون الثلاثي ميخائيل ومي وسهى نعيمة عاشوا معاً

ميخائيل نعيمة في عيده الـ135 لم ترحمه الحرب

تحدثت سهى لـ«الشرق الأوسط» بحزن عن الاحتفال الذي تأجّل ولم يُلغَ أبداً، «فنحن في أمسّ الحاجة للتعمّق في كتبه وأفكاره».

سوسن الأبطح (بيروت)
ثقافة وفنون سليم بركات

الهويّة... والحريّة الأدبيّة

ما الذي يحدّد هويّة الأدب: هل اللغة أم القضايا والمواضيع التي يعالجها؟ وهل يحقّ للأديب أن يختار لغةً غير لغته الأمّ من دون أن يُعدَّ خائناً لهويّته الثقافية؟

هيثم حسين
ثقافة وفنون نصب الشاعر مخدوم قولي

مخدوم قولي... حارس الأمة التركمانية

زرتُ عشق آباد قبل أيام، بدعوة من جمهورية تركمانستان، لحضور الفعالية المركزية والحفل الكبير بمناسبة مرور ثلاثمائة عام على ولادة شاعر تركمانستان مخدوم قولي فراغي

عارف الساعدي

عباقرة الشعر العربي

طه حسين
طه حسين
TT

عباقرة الشعر العربي

طه حسين
طه حسين

أعترف أني عاجز عن مواجهة كل هذا الدمار الحاصل حالياً. ولكن فلسفة التاريخ تقول لنا إن الكوارث الكبرى هي التي تصنع الأمم والشعوب. هل نسينا ما حصل لهذا الغرب المتغطرس ذاته؟ لقد دُمرت ألمانيا عن بكرة أبيها تقريباً بعد الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك فقد نهضت من تحت أنقاضها ورمادها كأعظم ما تكون. بل وكانت قد دمرت سابقاً إبان الحرب الطائفية الكاثوليكية - البروتستانتية في القرن السابع عشر، حيث سقط ثلث سكانها والبعض يقول النصف. وقل الأمر ذاته عن فرنسا التي اجتيحت اجتياحاً من قبل هتلر وأهينت وأذلت وسحقت في كرامتها وعمق أعماقها، وظن الناس أنه لن تقوم لها قائمة بعد اليوم. ولكن كل ذلك تم تجاوزه لاحقاً بفضل قائد تاريخي فذ يدعى شارل ديغول. هنا تكمن أهمية الرجال العظام في التاريخ. وقل الأمر ذاته عن الأمة العربية التي لم تقل كلمتها الأخيرة بعد. لحظتها آتية لا ريب فيها، ولكن بعد أن تحترق احتراقاً وتنصهر في أتون المعاناة انصهاراً. على مهلكم: «إني لألمح خلف الغيم طوفاناً». وأقصد به الطوفان الآخر: أي طوفان الفكر الأنواري الجديد الصاعق الذي سيخرج العرب من ظلمات العصور الوسطى إلى أنوار العصور الحديثة. وبعدها يسيطرون على العلم والتكنولوجيا.

نزار قباني

ولكن ليس عن هذا الموضوع سوف أتحدث الآن وإنما سألقي بنفسي في أحضان الشعر لكي أتعزى وأنسى وأتأسى.

يغتلي فيهم ارتيابي حتى

تتقراهم يداي بلمس

كان المعري يقول في ديوانه الأول «سقط الزند» هذا البيت الشهير:

وإني وإن كنت الأخير زمانه

لآت بما لم تستطعه الأوائل

لماذا قال هذا الكلام؟ لأنه كان يعرف أنه جاء بعد خيط طويل متواصل لا ينقطع من الشعراء العرب يمتد من امرئ القيس حتى أبي الطيب المتنبي. وكان يدرك صعوبة أن يأتي بشيء جديد بعد كل هؤلاء الفطاحل. هل غادر الشعراء من متردم؟ كان يتهيب الأمر ويعدّه شبه مستحيل. نقول ذلك وبخاصة إنه كان معجباً بعظمة الشعراء الذين سبقوه، بالأخص المتنبي الذي كان يقول عنه: «ناولوني معجز أحمد»، أي ديوان المتنبي. ومع ذلك فقد استطاع اختراق المستحيل والإتيان بشيء جديد لم يعرفه الأوائل ولم يخطر لهم على بال. والدليل على ذلك القصيدة التي مطلعها:

غير مجدٍ في ملتي واعتقادي

نوح باكٍ ولا ترنم شاد

هذه القصيدة لا مثيل لها في الشعر العربي. وأعتقد أنه تجاوز فيها كل شعراء العرب قاطبةً عندما قال هذه الأبيات:

صاح هذي قبورنا تملأ الرحب

فأين القبور من عهد عاد

سر إن اسطعت في الهواء رويداً

لا اختيالاً على رفات العباد

خفف الوطء ما أظن أديم

الأرض إلا من هذه الأجساد

يوجد هنا معنى جديد مبتكر كلياً وغير مسبوق في تاريخ الشعر العربي. ولا أحد يعرف من أين جاء به. وبالتالي فالمعري الشاب استطاع فعلاً أن يأتي بما لم تستطعه الأوائل بمن فيهم المتنبي ذاته. لقد حقق برنامجه تماماً وذلك لأنه كان يشعر بأنه تختلج في أعماقه قوى إبداعية خلاقة لا يعرف كنهها ولا مصدرها. ولكنه كان يعرف أنها سوف تتفتح أو تنفجر انفجاراً يوماً ما. كان المعري يعرف أنه مقبل على أمر عظيم. كان يعرف أنه سيتجاوز «عماه» بسنوات ضوئية.

والآن دعونا نطرح هذا السؤال:

إذا كان المعري يشعر بأنه جاء في آخر الزمن فما بالك بنا نحن الذين جئنا بعده بألف سنة أو أكثر؟ المتنبي أيضاً كان يعتقد أنه جاء متأخراً أكثر من اللزوم:

أتى الزمان بنوه في شبيبته

فسرهم وأتيناه على الهرم

لكن العبقرية الشعرية لا تنضب ولا تجف، ولا كذلك العبقرية الفلسفية. لو كان الإبداع ينضب لما ظهر كانط بعد ديكارت، ولا هيغل بعد كانط، ولا ماركس بعد هيغل... إلخ. ولما كان أرسطو قد ظهر مباشرة بعد أستاذه ومعلمه أفلاطون.

ولماذا لا نتحدث عن الشعر في عصرنا الراهن. هل نسينا قصيدة بدوي الجبل في المعري إبان المهرجان الشهير الذي انعقد في دمشق عام 1944 بحضور كبار المثقفين العرب؟ يقول:

أعمى تلفتت العصور فلم تجد

نوراً يضيء كنوره اللماح

من كان يحمل في جوانحه الضحى

هانت عليه أشعة المصباح

المجد ملك العبقرية وحدها

لا ملك جبار ولا سفاح

عندما وصل بدوي إلى هنا اهتز طه حسين طرباً ونهض واقفاً على الفور وقال: لقد نفد الأرنب. بمعنى أنه نال قصب السبق. وذلك لأن طه حسين كان يعرف أنه مقصود بهذا الأبيات وليس فقط المعري. ثم يضيف بدوي الجبل إلى قصيدته العصماء هذه الأبيات عاتباً على المعري لأنه أعرض عن الحب وشطبه كلياً من قاموسه:

إيه حكيم الدهر أي مليحة

ضنت عليك بعطرها الفواح

أسكنتها القلب الرحيم فرابها

ما فيه من شكوى ورجع نواح

يا ظالم التفاح في وجناتها

لو ذقت بعض شمائل التفاح

هنا يكمن فارق أساسي بين المعري وطه حسين. فعميد الأدب العربي لم يعرض عن النساء إطلاقاً وإنما تزوج فرنسية حسناء مثقفة تدعى سوزان بريسو. بل وأنجب منها الأطفال. وهذا من عجائب الأمور. كيف قبلت فتاة فرنسية عام 1917 بالزواج من عربي مسلم وعلاوة على ذلك أعمى؟! حتى العربية ترفض. يقال بأنها ترددت كثيراً في البداية لكنها حسمت أمرها في النهاية وربطت مصيرها بمصيره فأصبح اسمها: سوزان طه حسين. وهذا أجمل وأفضل. هل كانت تعلم أن هذا الشخص النكرة أو شبه النكرة سوف يصبح طه حسين: أي قائد التنوير العربي في القرن العشرين؟ هل كانت تعلم أنه سيجمع بين عبقرية العرب من جهة وعبقرية الأنوار الفرنسية من جهة أخرى، ويحقق، وهو الأعمى، أكبر ثورة فكرية وأدبية في تاريخنا الحديث؟ ولكن هل حقاً كان أعمى؟ البعض يعتقد أنه كان المبصر الوحيد في العالم العربي. لقد كان الرائي الوحيد في عالم غاطس كلياً في بحر من الجهالات والظلمات والخرافات. ولذلك قال عنه نزار قباني هذه الكلمات الرائعة من قصيدة مطلعها:

ضوء عينيك أم هما نجمتان

كلهم لا يرى وأنت تراني

لست أدري من أين أبدأ بوحي

شجر الدمع شاخ في أجفاني

حتى وصل إلى هذا البيت الحاسم الذي انتصر فيه بالضربة القاضية:

ارم نظارتيك ما أنت أعمى

إنما نحن جوقة العميان

قصيدة عصماء هزت القاهرة هزاً عندما ألقاها في إحدى قاعات جامعة الدول العربية عام 1973.

للإجابة على كل هذه التساؤلات وللتعرف على شخصية طه حسين بشكل أفضل يستحسن أن نقرأ كتاب زوجته سوزان الذي أصدرته عنه بعد رحيله بعنوان «معك». كلمة واحدة مكثفة تلخص كل ذكرياتها مع عميد الأدب العربي. كلمة واحدة تلخص عمق العلاقة التي ربطتها به وأدت إلى كل هذا التنوير العظيم. وهو الكتاب الذي نقله إلى العربية، في ترجمة ممتازة، الدكتور بدر الدين عرودكي. وبالتالي فلمن لا يعرف الفرنسية يوجد هنا كنز الكنوز. توجد إضاءات غير مسبوقة مسلطة على حياة العميد من قبل أقرب المقربين إليه. من المعلوم أنه قال عنها هذه العبارة التي ذهبت مثلاً: كانت المرأة التي أبصرت بعينيها. ثم أضاف هذه العبارة الأخرى التي لا تكاد تصدق: بدونك أشعر أنني أعمى. ألم نقل لكم بأن الحب يصنع المعجزات؟