«عازف الغياب»... رواية «سوريالية» لنبيل أبو حمد

«عازف الغياب»... رواية «سوريالية» لنبيل أبو حمد
TT

«عازف الغياب»... رواية «سوريالية» لنبيل أبو حمد

«عازف الغياب»... رواية «سوريالية» لنبيل أبو حمد

عن «الدار العربية للعلوم ناشرون» ببيروت، صدرت للكاتب والفنان نبيل أبو حمد رواية بعنوان «عازف الغياب»، وهي، كما جاء على الغلاف الأخير «رواية سوريالية»... ربما منذ قرن لم يُكتب بالعربية مثلها... ربما في خمسينات القرن الماضي كتبت نصوص سوريالية عربية لكتاب مهاجرين إلى باريس هرباً من دكتاتورية النص والحكام.

وجاء في كلمة الناشر: «تتناول هذه الرواية سيرة حياة فنان يظهر وهو يحمل لوحة من القماش (الكانفاس) وعقله منشغل بالألوان والأشكال التي ينوي أن يمليها على بياض القماش وعندما يحاول العبور للوصول إلى المقهى في الضفة الأخرى من الشارع حيث ينتظره فنجان «الكابتشينو» كعادته كل صباح؛ تأتي سيارة مسرعة وتقذفه بمقدمتها طائراً في فضاء عبثي مليء بالجنون والضياع.

عبر هذا الحدث الفجائي «الاصطدام»، يرسم الكاتب لأحداث روايته فضاءً مجازياً لا وجود له في الواقع المحسوس. فالراوي «عازف الغياب» وهو - بطل الرواية - سوف يدخل في غيبوبة لا يفرّق فيها عقله بين الواقع والخيال، وليجد نفسه على ظهر ببغاء تحمله وتطير به بعيداً، خارج المكان والزمان، ومع كل محطة يتوقف عندها، يتغير حاله ويقابل أناساً مختلفين في صورهم وأشكالهم، ومنهم الزعماء، والكتّاب، والشعراء، والحكماء، والملائكة، والشياطين، والحيوانات، والطيور وغيرهم من الناس العاديين. لكن عند الحديث معهم يتحولون إلى أشكال غرائبية غير مألوفة، ويمارسون أفعالاً خارج المعقولية.

وربما أراد الروائي هنا من وضع شخصية «الفنان - عازف الغياب» على مفترق طرق بين النجاة والهلاك، وإدخالها في عالم غرائبي للتعبير عن أزمة الإنسان المعاصر وخيبته في تحقيق ما تصبو إليه ذاته داخل العالم الحقيقي؛ كما يكشف هلاكها عن شعور مليء بالعدمية واليأس».

وهذه الرواية هي التاسعة لنبيل أبو حمد، الذي كان قد أصدر من قبل «العطيلي» و«بيت من الشرق» و«راكمان وعبد الرحمن» و«الرحيقيون» و«تغريدة الصوفي»، و«النمر» و«شيخوخة الأمير الصغير»، و«حدث في باريس»، إضافة إلى مجاميع قصصية، وعدد من المطبوعات الفنية، منها «هواء نبيل أبو حمد، لوحات كاريكاتورية»، و«لوحات كاريكاتورية لمشاهير العالم» و«قصيدة ميا مع الشاعر نزار قباني» و«ساعة الموت شعراً، مع الشاعر السعودي غازي القصيبي»، وغيرها.

جاءت الرواية في 182صفحة من الحجم الصغير، وكانت لوحة الغلاف لأبو حمد.



صيد الأسود على وعاء معدني من سلطنة عُمان

وعاء جنائزي من محفوظات المتحف الوطني العُماني
وعاء جنائزي من محفوظات المتحف الوطني العُماني
TT

صيد الأسود على وعاء معدني من سلطنة عُمان

وعاء جنائزي من محفوظات المتحف الوطني العُماني
وعاء جنائزي من محفوظات المتحف الوطني العُماني

كشفت أعمال التنقيب الأثرية في سلطنة عُمان عن مجموعة من الأوعية المعدنية المزينة بنقوش تصويرية تعود إلى المرحلة الممتدة من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث للميلاد، منها وعاء عُرض ضمن معرض أقيم في ربيع 2023 بمتحف الفنون الجميلة في مدينة ليون الفرنسية، وحمل عنوان «رحلة إلى أرض اللبان». خرج هذا الوعاء المميز من مقبرة في ناحية من ولاية سمائل في محافظة الداخلية، تُعرف بناحية الباروني، وهو من القطع التي وصلت بشكل شبه كامل، وتزينه حلقة دائرية تصوّر فارساً يحمل رمحاً وسط ثلاثة أسود.

دخل هذا الوعاء المتحف الوطني العُماني في مسقط، وهو مصنوع من البرونز، على شكل زُبْدِيَّة يبلغ قطرها 16 سنتمتراً وعمقها 4.6 سنتمتر. يُزين وسط قاع هذه الزُبْدِيَّة نجم وردي يتكون من أربع شتلات بيضاوية مروّسة، تفصل بينها أربع شتلات دائرية. يستقر هذا النجم وسط إطار دائري تلتفّ من حوله أربعة حيوانات رباعية القوائم صُوّرت بشكل جانبي. يظهر صياد يعتلي دابة ضاع الجزء الأكبر من بدنها، غير أنها حافظت على رأسها، وهو على شكل حصان ظهرت ملامحه في وضعية جانبية بشكل كامل. يظهر هذا الصياد في وضعية مشابهة، ويبدو حليق الرأس، عاري الصدر، مرتدياً مئزراً بسيطاً يلتف حول حوضه وأعلى ساقيه.

نراه يمد ذراعه اليمنى إلى الأمام، ممسكاً بزمام حصانه، ويرفع يده اليسرى في حركة موازية، شاهراً رمحاً مسنوناً في اتجاه أسد ضخم يفتح شدقيه على اتساعهما، في مواجهة مباشرة مع الحصان. حدّد تكوين هذا الأسد بدقة تشهد لرهافة كبيرة في التنفيذ الحرفي. الجسم طويل، ومفاصله مجرّدة من التفاصيل، وأعضاؤه أربع قوائم مستقيمة، وذيل طويل وملتو، تعلو طرفه جمة بيضاوية.

تتكرّر صورة هذا الليث بشكل متطابق في الطرف المواجه، حيث تحضر بشكل معاكس، وبين الأسدين المتماثلين، يظهر حيوان ضاعت ملامحه بشكل شبه مبكر، وما تبقّى منها يُظهر أنّها تمثّل أسداً ثالثاً مشابهاً على الأرجح.

بين ظهر الفرس وظهر الأسد الذي يقف من خلفه، نرى ثعباناَ يلتوي عمودياً في الأفق. وفي الطرف المقابل، نرى ثعباناً مماثلاً يفصل بين الأسد المواجه للحصان والأسد الذي ضاعت صورته. يتبنّى هذان الثعبانان في تكوينهما طرازاً شاع خلال العصر الحديدي في نواحٍ عدة من شبه جزيرة عُمان، على مدى أكثر من ألف عام. وتشهد لهذا الشيوع عشرات الأفاعي المعدنية التي عُثر عليها في مقابر أثرية تتوزّع على مواقع تتبع في زمننا سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية.

في المقابل، يشكّل صيد الأسود الذي يزيّن هذا الوعاء مشهداً من المشاهد الحيوانية المتعدّدة التي تزيّن مجموعة من الأوعية المعدنية الجنائزية، كشفت عنها عمليات المسح والتنقيب المتواصلة في الكثير من المقابر الأثرية الخاصة بهذا الإقليم العُماني. تعود هذه الأوعية إلى المرحلة الممتدة من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث للميلاد، كما تشير اللقى المختلفة التي عُثر عليها في هذه المقابر، وتتميّز بنقوشها التصويرية التي يغلب عليها الطابع الحيواني بشكل شبه دائم. تحضر هذه النقوش في سلسلة من المشاهد تتغيّر ملامحها بين وعاء وآخر، غير أنها تتبع قالباً جامعاً يشكّل أساساً لها. ويتمثّل هذا القالب الواحد في نجم وردي مجرّد، تحيط به حلقة دائرية تصويرية تتغيّر عناصرها الحيوانية وتتبدّل.

يشابه مشهد صيد الأسود على وعاء سمائل مشهداً آخر على كسور من وعاء برونزي من موقع مليحة في الشارقة

خرج وعاء سمائل من محافظة الداخلية، حيث يقع الوادي المعروف بوادي سمائل بين سلسلتين من جبال الحجر، أولاهما سلسلة جبال الحجر الغربي، وقمتها الجبل الأخضر، وثانيتهما سلسلة جبال الحجر الشرقي، وقمتها جبل سمان. ونقع على أربعة أوعية عُمانية مزينة بنقوش حيوان تختلف مكوناتها بشكل كلّي عن مكونات نقش وعاء سمائل، ومصدر هذه الأوعية موقع عملا في ولاية عبري التابعة لمحافظة الظاهرة، وتبدو هذه المحافظة أشبه بسهل ينحدر من السفوح الجنوبية لسلسلة جبال الحجر الغربي، في اتجاه صحراء الربع الخالي.

يشابه مشهد صيد الأسود الذي يزيّن وعاء سمائل مشهداً يحضر بشكل مجتزأ على كسور من وعاء برونزي مصدره موقع مليحة في إمارة الشارقة، وفيه يظهر أسد في وضعية جانبية بين صيادَين ينقضان عليه. يرفع أحد هذين الصيادَين درعه في وجه الطريدة الوحشية، بينما يغرز رفيقه خنجره في مؤخرتها. كذلك نجد على طبق آخر مصدره موقع الدور في أم القيوين مشهداً من هذا الصنف، وفيه يظهر فارس يُطلق سهماً في اتجاه أسد ينتصب من أمامه، وفارس آخر يرفع رمحه في اتجاه أسد آخر يقف في مواجهة حصانه.تشهد هذه القطع الفنية لتقليد فني خاص بهذا الإقليم العُماني، ظهرت شواهده في العقود الثلاثة الأخيرة، وينقسم هذا التقليد كما يبدو فروعاً عدّة يجمع بينها أساس واحد. يمثّل نقش زُبْدِيَّة سمائل فرعاً من هذه الفروع، ويختزل جماليته بشكل بديع، تشهد له حرفية عالية في النقش المتقن والمرهف.