رواية سنغافورية عن مآسي النساء تحت الاحتلال الياباني

الكاتبة جينج - جينج لي تروي فصولاً منها في «كيف اختفينا»

رواية سنغافورية عن مآسي النساء تحت الاحتلال الياباني
TT

رواية سنغافورية عن مآسي النساء تحت الاحتلال الياباني

رواية سنغافورية عن مآسي النساء تحت الاحتلال الياباني

عن دار «أقلام عربية للنشر» بالقاهرة، صدرت رواية «كيف اختفينا» للكاتبة السنغافورية جينج - جينج لي، ترجمة وليد سامي. تقع الرواية الضخمة في 500 صفحة، وهي ترصد بأسلوب يتسم بالعذوبة والشجن عذابات الشعب السنغافوري تحت الاحتلال الياباني في الفترة من 1942 حتى 1945، لا سيما على صعيد التطهير العرقي والاغتصاب الجماعي، فيما عرف باسم «نساء المتعة».

تقول المؤلفة عن ملابسات وكواليس تأليف الرواية في مقدمة العمل: «مثل معظم السنغافوريين عرفت وأنا أشب ما عاناه المدنيون خلال الاحتلال الياباني، بعضه من قصص رواها أقاربي في صمت لكن بأصوات مليئة بالمرارة وبعضه من برامج وروايات وخلاف ذلك وعلى شاشة التلفزيون». وتشير إلى أن الرواية الرسمية لما حدث نوقشت صراحة في الكتب المدرسية والجريدة الوطنية كل عام، حيث إن هناك يوماً لإحياء ذكرى الأشخاص الذين ماتوا خلال الاحتلال، خصوصاً أولئك الذين وقعوا أسرى وتعرضوا للتعذيب لكونهم جزءاً من المقاومة، لكن يظل الحديث عن أن قوات الاحتلال اغتصبت نساء محليات حديثاً متوارياً في خجل، وكأن ما حدث هو «وصمة عار» بغيضة وشخصية وليست مأساة عامة مرتبطة بالانتهاكات الجنسية في معظم آسيا آنذاك.

وتوضح أن سنغافورة بلد متناهي الصغر ما يجعل الأمور تبدو أضخم مما هى في الواقع، لا سيما في فترة الانعزال في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، حيث كان من الصعب أن تدع أي أحد يعرف أنك ضحية اغتصاب حتى لا تعرض نفسك للعار والإدانة لبقية حياتك، حتى إن المؤلفة عندما أجريت عشرات المقابلات مع ضحايا الاغتصاب كانت كل واحدة خلال ساعات من المقابلات الصوتية، كلما ذكر اغتصاب أو اختطاف، تحرص من تتم معها المقابلة على تأكيد أن هذا حدث لامرأة أخرى وأنها سمعت فقط بالأمر.

وتؤكد جينج - جينج لي أن السبب الرئيسي في إقدامها على كتابة الرواية هو أولاً توثيق مأساة ضحايا الاغتصاب من أبناء جلدتها، فضلاً عن استعراض حرب الإبادة الجماعية التي تعرض لها شعبها، حيث إن أقل التقديرات تشير إلى أن ضحايا الاحتلال الياباني من السنغافوريين يقدرون بـ40 ألف نسمة، وهو رقم ضخم بالنظر إلى أن عدد سكان البلاد عام 1942 كان لا يتجاوز 800 ألف نسمة.

وتعرب المؤلفة عن مدى شعورها بالمرارة حين وجدت أن عدداً من المثقفين والمبدعين، واسعي الإطلاع، من خارج سنغافورة لم يسمعوا عن تلك الإبادة التي تعرض لها شعبها وفي أحسن الأحوال سمعوا بصورة مبهمة غامضة عن « نساء المتعة» فجال بخاطرها أنه من الظلم أن تمر المأساة مرور الكرام كقصة عابرة تذروها الرياح بالنسبة لعالم لا يهتم بسنغافورة ويراها شديدة الضآلة.

تتناول الرواية قصة أسرة سنغافورية بسيطة تعيش بهدوء في إحدى القرى قانعة بحياتها رغم ما تعانيه من شظف العيش، إلى أن تأتي قوات الاحتلال وتختطف الفتاة « وانج دي» وتعتدي عليها ثم تمنحها امتيازات وتحاول إقناعها بتجنيد الفتيات الأخريات للعمل في الترفيه عن تلك القوات مقابل المزيد من الامتيازات. ولجأت الكاتبة إلى تقنية «تعدد الأصوات» في السرد عبر الشخصيات المختلفة فضلا عن تقنية الرسائل.

والمؤلفة من مواليد 1985 وحصلت على درجة « الماجتسير» في الكتابة الإبداعية من جامعة أكسفورد وهى تكتب بالإنجليزية وصدرت لها مجموعة قصصية بعنوان « لو كان بإمكاني أن أخبرك» وديوان شعر بعنوان « وأنهار أخرى».

يظل الحديث عن أن قوات الاحتلال الياباني اغتصبت نساء سنغافوريات حديثاً متوارياً في خجل

من أجواء الرواية نقرأ:

فقدت إحدى الفتيات وعيها بعد أن جرحت جبهتها في الحوض مرة أخرى، كان لابد من حملها إلى خارج غرفتها عندما أبت أن تهدأ. شاهدت من خلف الباب نصف المغلق السيدة (ساتو) وهي تشرف على إخراجها، حارس يحمل الفتاة من كتفيها والمشرفة تحملها من قدميها. لم أر الفتاة مرة أخرى قط، سألت (جيوم سون) في الصباح التالي: ماذا حدث للفتاة التي تم إبعادها أمس؟ كانت قد تعرضت للطعن من أحد الرجال قبل أسبوعين، أبى جرحها أن يبرأ. أعتقد أنه تلوث ولم تكن هذه هي المرة الأولى خلال ستة أشهر. هذه الحوادث أصبحت أكثر تواترا مع القصف وكأن الخوف قام بتكسير الرجال وصنع منهم وحوشا وهم الذين كانوا يوما أشخاص عاديين قبل أن يغادروا وطنهم ويأتوا إلى هنا.

في رأيك أين أخذوها ؟ هزت (جيوم سون) كتفيها، كانت أكثر إرهاقا من أن تتكهن. كنت أريد أن أخبرها أنه كان ينبغي أن أحل محل الفتاة، أنا من كان ينبغي أن يكون هذا مصيرها، أنا من قتلها ويقتل كل الأخريات في المنزل ذي اللونين الأسود والأبيض. أنا من يشغل مساحة ومن يتناول طعاما كان من الممكن أن يتم اقتسامه وبالتالي كان يمكن إنقاذ الفتاة وأخريات مثلها. في كل مرة أتت فيها السيدة (ساتو) لتطعمني بلقيمات إضافية، كان حلقي يشتعل بالخزي تماما وأنا ألتهم كل لقيمة. كنت خائفة من أن تفضحني الرائحة الكريهة لفاكهة اليوسفي على ثوبي وفكرت مرارا في الاحتفاظ جانبا بشيء منه من أجل (جيوم سون) لكني لم أفعل أبدا. في بعض الأحيان كنت أتحدث إلى نفسي، إلى الطفل الذي أحمله في أحشائي، أخبره أنني أفعل ذلك حتى أضمن غذاءه وهكذا كنت استمر في الأكاذيب لإلهاء نفسي».


مقالات ذات صلة

أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

ثقافة وفنون أليخاندرا بيثارنيك

أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

يُقال إن أكتافيو باث طلب ذات مرة من أليخاندرا بيثارنيك أن تنشر بين مواطنيها الأرجنتينيين قصيدة له، كان قد كتبها بدافع من المجزرة التي ارتكبتها السلطات المكسيكية

ماغنوس وليام أولسون باسم المرعبي (ترجمة)
ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
ثقافة وفنون مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية

«الشرق الأوسط» (الظهران)
ثقافة وفنون أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب

«الشرق الأوسط» (الرياض)

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)

تحت عنوان «النقد الفلسفي» انطلقت صباح اليوم، فعاليات مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة بدورته الرابعة، الذي يقام بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر بيت الفلسفة بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة، هو أول مؤتمر من نوعه في العالم العربي ويشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً من تعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة مثل الفلسفة والأدب والعلوم.

ويتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطور الفكر المعاصر.

الدكتور عبد الله الغذامي (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويسعى المتحدثون من خلال هذا الحدث إلى تقديم رؤى نقدية بناءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي ومفاهيم مثل «نقد النقد» وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

وتسعى دورة المؤتمر لهذا العام لأن تصبح منصة غنية للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش، حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

ويأتي المؤتمر في ظل الاحتفال بـ«اليوم العالمي للفلسفة» الذي يصادف الخميس 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، والذي أعلن من قبل «اليونيسكو»، ويحتفل به كل ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر، وتم الاحتفال به لأول مرة في 21 نوفمبر 2002.

أجندة المؤتمر

وعلى مدى ثلاثة أيام، تضم أجندة مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة؛ عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتتح اليوم بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد بيت الفلسفة، وكلمة لأمين عام الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتتضمن أجندة اليوم الأول 4 جلسات: ضمت «الجلسة الأولى» محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

كما ضمت الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أمّا الجلسة الثالثة، فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما تضم الجلسة الرابعة، محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، ويرأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما تضم أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

الدكتور أحمد البرقاوي عميد بيت الفلسفة (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويتكون برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر 2024) من ثلاث جلسات، تضم الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، ويرأس الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وتضم الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، ويرأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وتضم الجلسة الثالثة، محاضرة الدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم إي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

ويتكون برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تتناول الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي على طلاب الصف الخامس» تشارك فيها شيخة الشرقي، وداليا التونسي، والدكتور عماد الزهراني.

وتشهد الجلسة الثانية، اجتماع حلقة الفجيرة الفلسفية ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.