هانا أورستافيك: الجوائز لا تعنيني ولا أقرأ ما يكتبه النقاد عني

الأديبة النرويجية تقول إنها قرأت أعمال محفوظ وتأثرت بشخصياته

هانا أورستافيك (الشرق الأوسط)
هانا أورستافيك (الشرق الأوسط)
TT

هانا أورستافيك: الجوائز لا تعنيني ولا أقرأ ما يكتبه النقاد عني

هانا أورستافيك (الشرق الأوسط)
هانا أورستافيك (الشرق الأوسط)

تُعدّ هانا أورستافيك أحد أبرز الأسماء النسائية على الساحة الأدبية في النرويج وأوروبا في الوقت الحالي، وقد تُرجمت روايتها الأشهر، «حب»، إلى 18 لغة، كما اختيرت عام 2006 ضمن أفضل 25 كتاباً في النرويج على مدار الـ25 عاماً التي سبقت هذا التاريخ. وتتميز كتاباتها بالنبرة الخافتة والتركيز على التوترات الداخلية في مرايا الشخصيات، وذلك من خلال حبكة بسيطة للغاية تنفتح في نهاية النص على معانٍ ورسائل إنسانية.rn«الشرق الأوسط» التقتها على هامش زيارتها لمصر مؤخراً، ضمن فعاليات «معرض القاهرة الدولي للكتاب»، حيث وقّعت روايتها، كما ألقت محاضرة عن علاقتها بأدب نجيب محفوظ.

> بماذا تفسرين نجاح روايتك، «حب»، وترجمتها إلى كل هذا العدد من لغات العالم؟

- لا أعرف سبباً محدداً قاطعاً ونهائياً، لكن ربما كان الصدق في التعبير عن الحالة النفسية والداخلية للبطلة الموزعة ما بين مشاعرها بوصفها أنثى تبحث عن الحب وتتوهم أنها وجدته لتفيق على سراب، وأمومتها بوصفها سيدة. بالطبع أنا سعيدة بنجاح هذا العمل، وربما كان السبب في هذا التفاعل العالمي معه أنه يعزف على وتر مشترك بين جميع البشر، وهو هذا الاحتياج الصارخ للحب على نحو يوحّد بينهم.

> الملاحظ أن الرواية قصيرة نسبياً، حتى إنه يمكن تصنيفها بوصفها «نوفيلا»؛ ألم تنشغلي بالفكرة السائدة لدى كثير من الكتاب، بأن الروايات المهمة ينبغي أن تكون ضخمة وكبيرة الحجم؛ ما يعطي فرصة أفضل لتسويقها؟

- العبرة في الأدب بالمضمون ومدى قدرة النص على أن يلمس روحك وليس بالحجم إطلاقاً، نحن نتحدث عن منتج جمالي إبداعي إنساني وليس مواصفات شحنة فاكهة في الميناء. روايتي تنشغل بسؤال أساسي هو: ما الحب؟ وكيف نفهمه؟ ولماذا نبدو طوال الوقت في رحلة دائمة من البحث عنه...؟ هذا ما جعلها تؤثر في المتلقي.

> يتناول العمل انتقال أمّ وابنها إلى إحدى البلدات الصغيرة، شمال النرويج، في طقس شديد البرودة ومفعم بالعواصف الثلجية، إلى أي حد يمكن القول إن قسوة المناخ تبدو معادلاً موضوعياً لافتقاد الحميمية في التعامل بين الأم والابن؟

- افتقاد الدفء العاطفي هو المأزق الحقيقي على جميع الأصعدة؛ سواء في علاقة البطلة (فيبيكه) التي تعاني من الوحدة وتفتقد للحب، وتنطبق عليها مقولة: «فاقد الشيء لا يعطيه»، لذا نرى انخفاض منسوب الحميمية في علاقتها بابنها (يون). إنها تتعرف على «توم» الذي يعمل في الملاهي وتقضي ليلة بصحبته، لكنها تكتشف أنها كانت تطارد وهماً جميلاً.

> اختيار «ثيمة» إنسانية، مثل الحب، أتاح للرواية الانتشار عالمياً، لكن ألم يحرمك هذا الاختيار من موضوعات أخرى تبرز خصوصية البيئة المحلية في النرويج؟

- لم أكن منشغلة بما يسمى الخصوصية لكل بلد على حدة، بقدر ما انصبَّ اهتمامي على موضوع يلمسنا جميعاً كبشر، بصرف النظر عن فروق اللغة والثقافة والعادات والتقاليد. الكتابة في جزء منها اختيار، وهذا كان اختياري؛ فلماذا أتجنبه وأذهب لأشياء أخرى تحت دعاوى غير مفهومة بالنسبة لي؟!

> علاقتك بأدب نجيب محفوظ تنطوي على مفاجآت؛ فلم يكن أحد يتصور أنها بهذا العمق والقوة؟

- قرأتُ أعمال محفوظ بشغف واستمتاع، لا سيما عمله الأهم: «الثلاثية»، الذي يضم روايات «السكرية» و«قصر الشوق» و«بين القصرين»، وأعتقد أنني تأثرت بشخصياته للغاية، لا سيما «أمينة» في علاقتها بـ«السيد عبد الجواد»، وبحثها الدائم عن التوق والخلاص. وأعتقد أن نجيب محفوظ في هذا العمل يتحدث أيضاً عن الحب، وكيف يمكن أن تغطيه الأكاذيب؛ سواء المقبلة من المجتمع أو من داخل أنفسنا، وكيف أننا بهذا السلوك نجعل الأمور أكثر تعقيداً وصعوبة على أنفسنا وعلى الآخرين، وهذا بالضبط ما أسير على خطاه.

> لكن نجيب محفوظ اتخذ من «الخصوصية المحلية» نقطة انطلاق نحو العالمية، في حين يبدو أن هذا الأمر لا يثير اهتمامك؟

- ما يثير اهتمامي واهتمام كل أديب حول العالم مصداقية ما نكتب، وكيف يمكن لعدة أسطر وعدة كلمات أن تصنع الفارق لدى المتلقي، أياً كان بلده وموقعه الجغرافي.

> إلى أي حد تملكين فكرة جيدة عن الأدب العربي؟

- للأسف الشديد، لا أعرف الكثير عن الأدب العربي، وأيضاً لا أعرف إن كان الأدباء والقراء العرب يعرفون الكثير عن الأدب النرويجي.

> هل تهتمين باختيار موضوعات مثيرة لاهتمام القارئ؟

- أثناء الكتابة لا يشغلني سوى البحث عما يثير انفعالي ويحركني من الداخل؛ أريد أن أكتشف نفسي عبر الكلمات وأقابل ذاتي عبر شخصياتي. الكتابة بالنسبة لي رحلة بحث عن الذات واستكشاف لها في المقام الأول والأخير.

> هل تكتبين لنفسك إذن؟

- هذا صحيح تماماً؛ أنا أكتب لنفسي في المقام الأول والأخير. الآخرون خارج حساباتي تماماً؛ أتحرى الصدق في مخاطبة ذاتي، وأسعى للتعبير بالخيال المكتوب عما يختلج في أعماقي بأسلوب بالغ البساطة والحميمية.

> لكن البعض قد يتهمك بـ«المثالية» المبالَغ فيها أو حتى الادعاء، حيث إنك لا تعيشين وحدك في العملية الإبداعية؛ فهناك أطراف أخرى، مثل القارئ الذي يبحث عن التسلية والمتعة، وكذلك الناشر الذي يهتم بالمبيعات.

- مرة أخرى، العبرة بالصدق. القارئ قد يبحث عن شيء ممتع مسلٍّ، لكنني على يقين من أنه يبحث بصورة أكثر وجديدة عن شيء صادق وحميم يلامس عقله وقلبه وروحه. وبالمناسبة، مَن الذي فاز بـ«جائزة نوبل»، العام الماضي؟ إنه مواطني الكاتب النرويجي يون فوسه، كثيرون قد يرون أن كتاباته ليست بهذا القدر من المتعة والتشويق، وهذا دليل آخر على أن الكاتب يجب أن ينصت لصوته الداخلي فقط دون الانشغال بأي عوامل خارجية أخرى.

> وماذا عن النقاد والجوائز؟

- لا أقرأ ما يكتبه النقاد عني على الإطلاق. يكفيني أنني عبرتُ عما بداخلي بصدق وكفى. بالطبع أي كاتب تسعده فكرة التكريم والتقدير التي تنطوي عليها الجوائز التي حصلتُ على كثير منها داخل وخارج النرويج، لكنني في النهاية لا تعنيني الجوائز بالفعل، ولا أعدّها هدفاً؛ هي مجرد لحظة سعادة عابرة أو مؤقتة للغاية. السعادة الحقيقية، النجاح الحقيقي، وصول فكرتك للقارئ فيستشعرها وتلامس قلبه.



الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة
TT

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

يُولي الكاتب والروائي الكويتي عبد الوهاب الحمادي التاريخ اهتماماً كبيراً فيُعيد تشكيل أسئلته وغرائبه في عالمه الأدبي، منقباً داخله عن الحكايات الناقصة وأصوات الهامش الغائبة، وهو ما يمكن استجلاؤه بوضوح في روايته الأحدث «سنة القطط السمان»، الصادرة أخيراً عن دار «الشروق» بالقاهرة. وكان قد صدر له من قبل عدد من الأعمال منها «دروب أندلسية»، و«الطير الأبابيل»، ورواية «لا تقصص رؤياك»، التي وصلت للقائمة الطويلة لجائزة «البوكر» العربية عام 2015.

هنا حوار معه حول روايته الجديدة واهتمامه بالتاريخ وأدب الرحلة:

> تُلازم بطل «سنة القطط السمان» نبرة تأنيب ومراجعة ذاتية مُتصلة، هل وجدت أن استخدام ضمير المخاطب يُعزز تلك النبرة النقدية في صوت البطل؟

- اعتماد الراوي المخاطب للتعبير عن البطل، كان خياراً صعباً، ترددت كثيراً قبل اعتماده لمعرفتي أن القارئ قد لا يستسيغه، لكن بعد أن جرى نهر الكتابة وتشكلت الشخصيات والمواقف وتعقّدت الحبكة، وجدت أن ضمير المخاطب استطاع تكوين شخصية خاصة بالبطل، وأكسبه حضوراً خاصاً، ذلك، بالإضافة إلى الراوي العليم وكل الأدوات السردية التي استخدمتها محاولاً إيصال ما أريده. ثم عاد الخوف من انطباعات القراء بعد صدور الرواية، وسرعان ما تبدد الخوف بعد ظهور المقالات المتعددة من القراء والنقاد التي أكرموني بها.

> بطل الرواية (مساعد) دائماً ما يصطحب معه «القاموس»... تبدو علاقته باللغة مهجوسة بالمراجعة بالتصويب فهو «يصحح كلمات أصحابه»، فلا تبدو اللغة مجرد أداة عمله مترجماً، ولكنها أوسع من هذا. حدثنا عن تلك الآصرة اللغوية.

- اللغة بطبيعتها انتماء وهُوية وانسجام مع محيط واسع، هل كان البطل يبحث عن انتماء عبر تصحيح كلمات أصحابه؟ أو إرجاعه كلمات إلى أصولها؟ ربما والإجابة الأكيدة عند القارئ لا شك. لكنها التقاطة جميلة منكِ، ومُعبرة، عن مساعد، بطل العمل الذي صرّح في أحد الفصول بأن الزمان لو كان هانئاً لألَّف قاموساً يتتبع فيه أصول الكلمات. القاموس قصة غرام بين الشخصية الرئيسة والكلمات ويحمله أغلب الرواية، قاموس يتوسّط لغتين، العربية والإنجليزية، كأنما هو نقطة تلاقي الشرق بالغرب.

> أود الاقتراب من تشريح العمل لخريطة المجتمع الكويتي والمعتمد البريطاني والوافدين، ما بين مسرح «سوق الخبازين» وساحة المسجد ومكتب المعتمد البريطاني. حدثنا عن عنايتك بالترسيم المكاني في الرواية لرصد الحالة الكويتية في ثلاثينات القرن الماضي.

- لن أقول جديداً إن قلت إن صورة الخليج في الذهنية العربية أقرب لصورة نمطية، قد تتفوق في أحيان كثيرة على الصورة النمطية الغربية تجاه العرب. وأسباب هذه النظرة طويلة ومتجذرة ولن أخوض فيها حفاظاً على الوقت والمساحة، لكن أجدني دونما وعي أصف ما كان آنذاك من مكان وأناس وأحداث، لتثبيت صورة مُغايرة عمّا يرد لأذهان من عنيت في أوّل الإجابة... هل أكتبها لهم ولهذا الغرض؟ بالطبع لا، ففي المقام الأول وصف المكان أداة من أدوات الكتابة تُغني العمل عبر التفاعلات مع شخصياته، ولولا خصوصية المكان لن تكون الشخصيات نفسها والعكس قد يكون صحيحاً، إذ كما أسلفت العلاقة تبادلية، وهو ما يصنع خصوصية مكان ما وخصوصية شخصياته، ومما ساعدني في ذلك، انغماسي في قراءة كتب تاريخ المنطقة بشكل عام والكويت بشكل خاص، وأفادتني كتب مثل: «معالم مدينة الكويت القديمة» الذي صدر حديثاً عن مركز البحوث والدراسات، وإصدار آخر هو «الأسواق القديمة في الكويت»، بالإضافة إلى مراسلات المعتمد البريطاني آنذاك. وفي النهاية مشاورة الأصدقاء الضليعين في تاريخ المنطقة وتفاصيله.

> تتكشف ملامح شخصيات الرواية وأصواتها من المسافة التي تفصلهم من «الهندستاني»، ورغم أن الحدث المركزي في الرواية كان دائراً حول اللغط بشأن مطعمه، فإن حضوره ظلّ على مسافة، لماذا لم تمنحه صوتاً في الرواية؟

- في بداية كتابتي للرواية كان صوت الهندستاني حاضراً في الذهن والكتابة، ثم تقلّص ليكون مبثوثاً بصوته بين الفصول يتحدّث إلى (مساعد)، إلى أن اتخذت قراراً بحجبه كشخصية إلا على لسان الجميع، هل كنت أريده أن يكون أرضية للقصة تحرك الشخصيات والأحداث وفقاً لتفاعلاتها؟ ربما، لكنني فعلت ما أحسست أنه سيفيد الرواية ويجعل الحدث مركّزاً والأفكار متضافرة.

> استخدمت التقويم الزمني المحلي الكويتي «سنة الطفحة»، «سنة الهدامة»... كيف شكّلت تلك السنوات المتراوحة بين القحط والثروة لديك محطات تحريك لأحداث الرواية؟

- من المعروف أن العرب مثل كثير من الأمم تحفظ تاريخها بتسمية الأيام والأعوام، وأشهرها عام الفيل في التاريخ الإسلامي، الذي سبق زمن البعثة النبوية بقليل. واستطاع ذلك النهج عند المؤرخين والعامة أن يستمر وصولاً للعصر الحالي، عندما نقول عام أو سنة الاحتلال العراقي أو الغزو، سنة النكبة، سنة النكسة، سنة الكورونا إلى آخره. لذلك كنت محظوظاً عندما كانت لحظة الحدث الأساس في الرواية، حادثة المطعم، سنة مفصلية في تاريخ الكويت الحديث، لحظة بين بوار تجارة اللؤلؤ وإرهاصة اكتشاف النفط، وما لحقه من تبدّل نمط التجارة الكويتية تبدّلاً جذرياً، مما انعكس على طموحات الشباب المتعلم آنذاك، وما صاحبه من ثورة في وسائل المواصلات كالسيارة والطائرة والسفن الحديثة وهبوب رياح انتشار الطباعة في المنطقة، وبالتالي توفّر المجلات والكتب وارتفاع سقف الطموحات مما يجر الطموح والرغبة في التوسع، وبالتالي قد يجر الطمع. وهذا هو سياق فهم «مساعد» خلال أحداث الرواية، وربما ينطبق ذلك على أغلب الشخصيات التي وصفتها إحدى المقالات بمصطلح «الداروينية الاجتماعية».

> في «لا تقصص رؤياك» رسمت ملامح عنصرية داخل المجتمع الكويتي، ولكنها كانت تدور في زمن أحدث من «سنة القطط السمان». هل برأيك يظل الكاتب مسكوناً بأسئلة دائماً يبحث عنها عبر مشروعه حتى لو تنقّل بين الأزمنة الروائية؟

- سؤال رائع، بالفعل، يظل الكاتب في ظني مسكوناً بهواجس لا تُخرسها الكتابة، قد تخفف منها قليلاً، لكنها ما تلبث أن تتوهّج وتندلع في حريق وتبدأ كتابة جديدة. الأزمنة والأمكنة والشخصيات مجرد أعذار لكتابة الأسئلة المؤرقة والهموم الشخصية والعامة وأنصاف الإجابات على هيئة رواية.

> في روايتِك «ولا غالِب» تعرضت لحدث احتلال العراق للكويت عبر مدّ خيوط سردية مُتخيّلة تتواشج مع زمن سقوط الأندلس، هل كنت تبحث في عمق تلك الهزيمة التاريخية عن مرتكز لفهم فجيعة احتلال بلادك التي شهدتها في سنواتك المبكرة؟

- صحيح، كنت أفعل ما يمكّنني من فهم فجيعة هي الأقوى ليست في حياتي أو في تاريخ بلدي، بل هي الأكبر - برأيي - في المنطقة العربية، وتفوق برأيي النكسة، إذ إن حرب الأيام الستة كما تسمى في الغرب، كانت بين عدو واضح المعالم، ونظام عربي واضح، ولم تكن حرباً عربية - عربية، بل لا أجازف كثيراً إن سميتها: الحرب الأهلية العربية، حرب تبارت فيها الأنظمة والشعوب في الاستقطاب (مع أو ضد) والتعبير عن كل مخزونات المشاعر المتراكمة تجاه الآخر. في «ولا غالب» حاولت عبر الشخصيات الكويتية والمرشد الفلسطيني، واستغلال الحشد الأميركي لغزو العراق في عام القصة أواخر 2002. واختيار غرناطة الأندلس لتكون مكان الحدث، غرناطة الحاضر والماضي عبر التاريخ البديل، أن تشتعل المقارنة الفكرية بين القناعات، وجعل القارئ يناظرها عبر مفاهيمه ويجادل أفكاره كما فعلت أنا قبله أثناء الكتابة.

> تحتفظ كتب عبد الله عنان وشكيب أرسلان بمكانة خاصة لديك، حتى أنك أشرت لهما في مقدمة كتابك «دروب أندلسية». ما ملامح هذا «الهوى» الخاص الذي تتنسمه في تلك الكتابة المتراوحة بين الرحلة والتاريخ؟

- عندي هوى وهوس بالتاريخ القديم والحديث، وشغفت بالكتب التاريخية وأدين لها بالكثير، إذ لا يجاري مكانتها في نفسي شيء، وبالتالي إن جئنا للتاريخ الأندلسي سيكون لعنان تحديداً عامل فكري كبير مؤثر في نفسي، إذ، كيف استطاع ذلك المحامي غير المتخصص في التاريخ أن يراكم مجلدات تلك الموسوعة التي لم يجاوزها أحد منذ سبعين عاماً؟ كيف ترجم ونقل وقارن وحلل بذكاء نادر؟ وذلك انعكس في ذائقتي على صعيد الرواية قراءة وكتابة، ولا أخفي بالطبع تأثري بمسار وكتابات أمين معلوف بالدرجة الأولى ومن ثم غازي القصيبي، والطيب صالح، وفواز حداد، وبالطبع التجلي الروائي الأكبر عربياً وحتى عالمياً وهو نجيب محفوظ، صاحب الأثر الأهم في قناعاتي تجاه الحياة والكتابة.

> أنت مُحِب للسفر، هل ترافقك بين مشاهد المدن ومرافئها قصيدة «المدينة» لكفافيس، التي صدّرت بها روايتك الأخيرة، وما تعريفك الخاص لـ«المدينة التي تُلاحقك» بتعبير الشاعر اليوناني الراحل؟

- تطور السفر بالنسبة لي من خلال القراءة والكتابة، وتبعها تحويل كتابي الأول «دروب أندلسية» إلى رحلة تطوف إسبانيا، كان انبثاق تدشين مرحلة الرحلات الجماعية المهتمة باكتشاف العالم، عبر التعرف على تاريخه ومجتمعاته وحضاراته، وكنت محظوظاً مرّة أخرى لأن هذه الرحلات زادت معرفتي بالناس في البلدان المختلفة، بالإضافة لخبرات التعامل مع المشتركين المتحدرين من بلدان عدّة، كل ذلك منحني معرفة لا تشترى بمال ولا تعلّم في المدارس. وعندما واجهت قصيدة كفافيس وعدت إليها، وجدت أنها معبرة عن بطل رواية «سنة القطط السمان»، لكنها، ولأعترف، معبّرة عني في أحد معانيها، كما هي الحال في قصيدة محمود درويش «لا شيء يعجبني»، التي كانت تنافس كفافيس في تصدير الرواية حتى تفوقت قصيدة شاعر الإسكندرية وتصدّرت أولى عتبات النص الروائي. وسؤالي لكِ وللقراء: ألسنا كلنا ذلك الموجوع بمدينته؟ عندما وصفنا كفافيس: وما دمت قد خربت حياتك هنا، في هذا الركن الصغير، فهي خراب أينما كنت في الوجود!