«نهاية دولة فلسطين الشعرية»... أي سردية ممكنة!

(ردود) عن الأمثولة العربية في قرن كامل

جمال الغيطاني
جمال الغيطاني
TT

«نهاية دولة فلسطين الشعرية»... أي سردية ممكنة!

جمال الغيطاني
جمال الغيطاني

(نشرنا يوم الأحد 25/2 مقالاً بعنوان «ماذا بقي من دولة فلسطين الشعرية؟» للدكتور أحمد الزبيدي، وهنا رد على المقال)

* يزعم الزبيدي أن إسرائيل قد نجحت، خلاف العرب، بتأسيس سردية لها، سمّاها سردية إسرائيل. ولا أعرف ما أدلة الناقد على هذا الزعم العجيب

بعد ست وسبعين سنة من تأسيس إسرائيل في فلسطين، وما أعقبها وتأسس على أساسها من حوادث تاريخية كبرى «النكبة: 1948، العدوان الثلاثي: 1956، هزيمة حزيران: 1967، حرب تشرين: 1973، وقبلها تأسيس منظمة فتح الفلسطينية (1957) ثم منظمة التحرير الفلسطينية، وما بين الحدثين من تأسيس منظمة الجبهة الشعبية (1967) ثم الديمقراطية (1968)، ثم الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان: 1982، وطرد المسلحين الفلسطينيين من لبنان لتونس»، وبعد انتفاضات فلسطينية كبرى ذات طابع شعبي، أو مسلح «كما يجري الآن في قطاع غزة» ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، نقرأ أسئلة مشكِّكة ترد في سياق مقالة كُتبت بلغة منفعلة عن «نهاية دولة فلسطين الشعرية» أو حسب العنوان المنشور في جريدة «الشرق الأوسط» الغراء «ماذا بقي من دولة فلسطين الشعرية؟ بعد غياب أبرز شعرائها الكبار: 25 فبراير (شباط) 2024». ولا بأس بالعنوان؛ لا بأس بالصياغات المشبعة بالانفعال والرغبة بالاعتراف، أو قل الجهر بأمر ما في سياق قضية كبرى مثل القضية الفلسطينية. أقول لا بأس؛ فهذا شأن المثقفين الجادين، كما هو حال الناقد الدكتور «أحمد الزبيدي»، الأكاديمي العراقي المختص بقضايا الشعر العربي الحديث. لكن المقالة لا تقف عند حدود «التحسُّر» المتحصل من استعادة كلمات منبرية قالها شاعر فلسطيني عاش ومات ببغداد اسمه خالد علي مصطفى عن شهداء يسقطون الآن «الحديث عن انتفاضة الأقصى: 2000» ولا شعراء كباراً يرثونهم؛ ولا نعرف كيف أمكن لـ«مصطفى» أن يُسقط من حسابات الشعر العربي، والفلسطيني خاصة، أسماء شعرية فلسطينية وعربية كبرى كانت موجودة في وقتها «2000»، ولم تصمت أو تموت، مثل محمود درويش «2007»، وسميح القاسم «2014»، وفدوى طوقان «2003»، وأمجد ناصر «2019»، بل إن الشعراء العرب المذكورين في كلمة «مصطفى» المنبرية ما زال بعضهم أحياءً حتى ذلك الوقت: مظفر النواب مثلاً «2022»، ومثله شعراء عرب كبار آخرون كرسوا قدراً لا يستهان به من شعرهم في تأسيس «سردية» كبرى اسمها فلسطين. أذكر منهم هنا: سعدي يوسف، وأحمد عبد المعطي حجازي وأغلب شعراء مصر الكبار. لماذا سقط هؤلاء من ذاكرة الأكاديمي العراقي، ومن قبله الشاعر خالد علي مصطفى!

فؤاد التكرلي

لا «سردية» عربية سوى قصة «حقيقية» اسمها فلسطين

لكن المفارقة لا تنتهي عند حدود التحوّل من «منطق» التحسر على «موت» دولة فلسطين الشعرية، أو في الأقل تحوّلها لحالة اليأس، إلى «منطق» الحكم على فلسطين بوصفها «سردية» غير موجودة في الرواية العربية، أو حسب ما كتب «الزبيدي» نفسه: «إنما أعني التكوين التخييلي لدولة فلسطين عبر (اللغة)، وأي لغة؟ إنها اللغة الشعرية التي أَعذبها أَكذبها»؛ فهل «السردية» حكر على الرواية أو السرديات عامة؟ واقع الأمر، أو كما كان العرب يعبرون بقولهم: إنه من نافلة القول، إن «السردية» هي مقولة «لسانية» و«معرفية» ذات بعد رمزي؛ لنقل إنها القصة الرمزية، أو الأمثولة، ولها أن تتحقق في الشعر كما لها أن تتحقق في أرضها الخصبة الرواية والقصة عامة، ولا فرق أبداً في الحالتين، ما دمنا نتحدث عن «السردية» بصفتها مقولات رمزية. ولأن اللغة، شعرية كانت أم سردية، لا يمكنها أن تحجب أو تبطل عمل «السردية» بوصفها أمثولة. ولا بأس سوى أن الناقد العراقي يمضي بعيداً في تأكيد كلامه فيذكر الناقد أسماء ثلاثة كتاب رواية عرب، اثنان منهم عراقيان، وهم: نجيب محفوظ وغائب طعمة فرمان وفؤاد التكرلي. والواضح لي أن اختيار هذه الأسماء جاء متعمداً لأن رواياتها، حسب ما يقول، لم تسعَ إلى تجسيد «فلسطين في تشكلها الوجودي التاريخي بوصفها رواية تاريخية». أقول كان بإمكان الناقد أن يوسِّع أفقه وينظر إلى خريطة «بل خرائط الرواية العربية بطبعاتها الوطنية المتعدِّدة» بعين منصفة. وفي بالي اسمان راسخان كان لهما مساهمة كبرى في تأسيس أمثولة فلسطين، وهما إلياس خوري في رواية «باب الشمس»، ورضوى عاشور في رواية «الطنطورية». ولن أذكر الأسماء الفلسطينية الأساسية، وفي طليعتها غسان كنفاني، لا سيّما روايته «عائد إلى حيفا: 1969» التي أسست لأمثولة العائد المتخيلة في سياق رواية الشتات الفلسطينية. لنعد إلى الأسماء الثلاثة التي اعتمدها الناقد حجة ودليلاً على موت أو تلاشي فلسطين بوصفها سردية، ولنبدأ بمؤسس الرواية العراقية الرائد غائب طعمة فرمان، وقد زعم الناقد «الزبيدي» أن روايات الكاتب العراقي الشهير قد خلت من التجسيد الوجودي التاريخي لفلسطين، وهذا زعم ترفضه القراءة الموضوعية لرواية المخاض، وهي الثالثة في رصيد فرمان، والمؤسسة لقصة المنفيّ العائد في الرواية العراقية. ونجد فيها أن فرمان يضع أمثولة الفلسطيني في مقابل قصة العائد العراقية، ونزيد بالقول إن «إسماعيل»، الشاب الفلسطيني، الذي يرفض الذوبان في المجتمع العراقي بزواجه من ماجدة، هو مرآة يرى فيها «كريم داود» نفسه وشخصه ومجتمعه. ولا نتحدث، هنا، عن صور الفلسطيني في الرواية العراقية، فهذا موضوع آخر نجد أصوله في دراسات وكتب ومقالات كثيرة، إنما نحن، هنا، في صلب سردية «الفلسطيني» من الشتات.

رضوى عاشور

نعم، لم يكتب نجيب محفوظ، ولا فؤاد التكرلي رواية تاريخية تجسد السردية الفلسطينية، نعم؛ هذا أمر مؤكد، لكن هذا التأكيد يسري على وقائع روايات محفوظ المباشرة، أو قل الأولية. فلا يسري، من ثمَّ، على إشكالية التأويل لمدونة محفوظ. إذ إن المعروف أن روايات محفوظ كتبت على مراحل؛ المرحلة التاريخية، والمرحلة الواقعية، والمرحلة الفلسفية وهكذا. وكل مرحلة ارتبطت أو تولَّدت عن السياق التاريخي للمجتمع المصري المرتبط، حتماً، بتحولات السلطة. فكان محفوظ يراقب مجتمعه مثلما يراقب السلطة المتحكمة به. هكذا كانت الثلاثية الشهيرة تتويجاً للمرحلة الواقعية، بحياتها المنتظمة ومسار السلطة الرتيب المتحكم بها، فيما ستختلف روايات المرحلة الفلسفية، وقد ارتبطت بنقد التجربة الناصرية القائمة على سردية الدولة الوطنية المستقلة الطامحة لضرب وتدمير «السردية التوراتية» في «إسرائيل»، واستعادة السردية الفلسطينية المزاحة، أو التي جرى إسكات صوتها، كانت بدايتها برواية «اللص والكلاب» «1961»، وهي الصياغة الأولى لقصة القاتل في الرواية العربية. فرقاً، أو قل تعويضاً عن نشوء الرواية البوليسية التي غابت بسبب عدم تطوّر مؤسسات الدولة الحديثة من بوليس جنائي إلى ضابط تحرٍّ، إلى مستلزمات رئيسة أخرى ظلت حركات الحداثة العربية تبشر بها من دون أن تصل إلى مرحلة تطبيقها. وفي رواية القاتل المحفوظية ثمة تقصٍّ لمصائر القاتل وضحاياه. والقصة تتولى، من ثمَّ، فضح مكيدة القاتل وسرديته بتجريده من سلطته القائمة على امتلاك السردية المغيبة، مما يجري المتاجرة بها وقمع الأصوات الفلسطينية الحقة. ولقد مهَّد محفوظ بنقده الجذري للقاتل العربي الذي حكمنا لرواية ما بعد هزيمة يونيو (حزيران) الشنيعة، وهذه وحدها كانت سردية فلسطينية كبرى. أتذكَّر، هنا، روايات رئيسة كانت محطة وقفت عندها أغلب الدراسات العربية والأجنبية. في طليعتها «عودة الطائر إلى البحر: حليم بركات/ 1969»، و«الزمن الموحش: حيدر حيدر/ 1973»، و«الزيني بركات: جمال الغيطاني/ 1974». هذه الروايات وغيرها أعادت التأسيس الرمزي لفلسطين بوصفها سردية عربية فلسطينية كبرى.

أحمد عبد المعطي حجازي

السردية الإسرائيلية... أي نكتة سمجة!

يزعم «الزبيدي» أن إسرائيل قد نجحت، خلاف العرب، بتأسيس سردية لها، سمّاها سردية إسرائيل. ولا أعرف، حقاً، ما أدلة الناقد على هذا الزعم العجيب. فالسردية تعني تأسيس قصة رمزية متكاملة، وهذا ما لم يحصل مطلقاً في حالة إسرائيل. إنما هناك خلط بين السردية التوراتية المشبعة بالبكائيات الناتجة عن قرون طويلة من الشتات، والصيغة الإسرائيلية الحديثة القائمة على تشريد شعب كامل، هو صاحب الأرض ومالكها الأول والحقيقي. هذا الخلط العجيب يُغري بعض الليبراليين العرب الناقمين على حكومات بلدانهم؛ فيزعمون أن الآلة العسكرية يمكنها أن تنتج سردية ظافرة. وليتفضل الدكتور الزبيدي ويقرأ ما ترجم إلى العربية من نصوص سردية إسرائيلية أذكر منها ما ترجم، مثلاً، لعاموز عوز، وليترك أذنه عند شخصيات تلك الروايات ليسمع أصوات الذات الجريحة التي لم تنته، بعد، من إسكات صوت ضحاياها. ولن ندعو أحداً ليشرح لنا كيف يمكن لشعب معين أن ينتج سردية، كيف لنا أن نفهم البناء الرمزي للقصص السردية. لنترك التاريخ يحكم ويقول رأيه. وعندي أن العرب لم يملكوا، في عصرهم الأحدث، قصة كبرى غير قصة فلسطين. وهذا ليس مدحاً للقضية أبداً، إنما هو تقرير واقع الحال العربي. فالعسكر استولوا على الحكم في دويلات العالم العربي بحجة رغبتهم بتحرير فلسطين، وأعادوا موضعة كل شيء على أساس هذه المزاعم، فلا صوت يعلو على صوت المعركة، لا حرية سوى «لغو» القائد الظافر. لا ديمقراطية ولا دول ولا مؤسسات سياسية أو ثقافية أو صحافية. لا قصة سوى قصة القائد، ولا قاتل سوى السيد الرئيس. لا شيء سوى الاتِّجار الرخيص بقضية شعب كامل اسمه شعب فلسطين. قرن كامل ليس للعرب من قصة سوى قصة فشلهم في امتلاك سردية فلسطين. نعم، هناك سردية فلسطين كبرى ولا نفع، أبداً، أن ننكر وقائع هذه السردية بكمٍّ من الجمل المنفعلة، وقد كان هذا شأن خطب السيد الرئيس، أو القائد الضرورة؛ فما عدا مما بدا!. علينا أن نواجه وقائع القصة، أن نضعها أمامنا، وأن نتوقف عن منح «عودنا» نصراً مجانياً بأن نمارس المهنة العربية الوحيدة التي نجيدها، وهي مهنة جلد الذات.


مقالات ذات صلة

أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

ثقافة وفنون أليخاندرا بيثارنيك

أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

يُقال إن أكتافيو باث طلب ذات مرة من أليخاندرا بيثارنيك أن تنشر بين مواطنيها الأرجنتينيين قصيدة له، كان قد كتبها بدافع من المجزرة التي ارتكبتها السلطات المكسيكية

ماغنوس وليام أولسون باسم المرعبي (ترجمة)
ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
ثقافة وفنون مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية

«الشرق الأوسط» (الظهران)
ثقافة وفنون أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب

«الشرق الأوسط» (الرياض)

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي
TT

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية، تناولت مفهوم الثقافة بالتساؤل عن معناها ومغزاها في ظل متغيرات عصر العولمة، وعرّجت على الدور الذي تضطلع به وزارة الثقافة السعودية في تفعيل المعاني الإيجابية التي تتصل بهذا المفهوم، منها إبراز الهويَّة والتواصل مع الآخر.

كما أثارت المجلة في العدد الجديد لشهري نوفمبر (تشرين الثاني)، وديسمبر (كانون الأول) 2024 (العدد 707)، نقاشاً يرصد آفاق تطور النقل العام في الحواضر الكُبرى، في ضوء الاستعدادات التي تعيشها العاصمة السعودية لاستقبال مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام في الرياض».

وفي زاوية «بداية كلام» استطلعت المجلة موضوع «القراءة العميقة» وتراجعها في العصر الرقمي، باستضافة عدد من المشاركين ضمن النسخة التاسعة من مسابقة «اقرأ» السنوية، التي اختتمها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي السياق نفسه، تطرّق عبد الله الحواس في زاوية «قول في مقال» إلى الحديث عن هذه «المسابقة الكشافة»، التي تستمد حضورها من أهمية القراءة وأثرها في حياتنا.

في باب «أدب وفنون»، قدَّم قيس عبد اللطيف قراءة حول عدد من أفلام السينما السعودية لمخرجين شباب من المنطقة الشرقية من المملكة، مسلطاً الضوء على ما تتناوله من هموم الحياة اليومية؛ إذ يأتي ذلك بالتزامن مع الموسم الخامس لـ«الشرقية تُبدع»، مبادرة الشراكة المجتمعية التي تحتفي بـ«الإبداع من عمق الشرقية».

وفي «رأي ثقافي»، أوضح أستاذ السرديات وعضو جائزة «القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، د. حسن النعمي، دور الجائزة في صناعة مشهد مختلف، بينما حلَّ الشاعر عبد الله العنزي، والخطّاط حسن آل رضوان في ضيافة زاويتي «شعر» و«فرشاة وإزميل»، وتناول أحمد عبد اللطيف عالم «ما بعد الرواية» في الأدب الإسباني، بينما استذكر عبد السلام بنعبد العالي الدور الأكاديمي البارز للروائي والفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي. أما علي فايع فكتب عن «المبدع الميّت في قبضة الأحياء»، متسائلاً بصوت مسموع عن مصير النتاج الأدبي بعد أن يرحل صاحبه عن عالم الضوء.

في باب «علوم وتكنولوجيا»، تناولت د. يمنى كفوري «تقنيات التحرير الجيني العلاجية»، وما تعِد به من إمكانية إحداث ثورة في رعاية المرضى، رغم ما تنطوي عليه أيضاً من تحديات أخلاقية وتنظيمية. وعن عالم الذرَّة، كتب د. محمد هويدي مستكشفاً تقنيات «مسرِّعات الجسيمات»، التي تستكمل بالفيزياء استكشاف ما بدأته الفلسفة.

كما تناول مازن عبد العزيز «أفكاراً خارجة عن المألوف يجمح إليها خيال الأوساط العلمية»، منها مشروع حجب الشمس الذي يسعى إلى إيجاد حل يعالج ظاهرة الاحتباس الحراري. أما غسّان مراد فعقد مقارنة بين ظاهرة انتقال الأفكار عبر «الميمات» الرقمية، وطريقة انتقال الصفات الوراثية عبر الجينات.

في باب «آفاق»، كتب عبد الرحمن الصايل عن دور المواسم الرياضية الكُبرى في الدفع باتجاه إعادة هندسة المدن وتطويرها، متأملاً الدروس المستفادة من ضوء تجارب عالمية في هذا المضمار. ويأخذنا مصلح جميل عبر «عين وعدسة» في جولة تستطلع معالم مدينة موسكو بين موسمي الشتاء والصيف. ويعود محمد الصالح وفريق «القافلة» إلى «الطبيعة»، لتسليط الضوء على أهمية الخدمات البيئية التي يقدِّمها إليها التنوع الحيوي. كما تناقش هند السليمان «المقاهي»، في ظل ما تأخذه من زخم ثقافي يحوِّلها إلى مساحات نابضة بالحياة في المملكة.

ومع اقتراب الموعد المرتقب لافتتاح قطار الأنفاق لمدينة الرياض ضمن مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام»، ناقشت «قضية العدد» موضوع النقل العام، إذ تناول د. عبد العزيز بن أحمد حنش وفريق التحرير الضرورات العصرية التي جعلت من النقل العام حاجة ملحة لا غنى عنها في الحواضر الكبرى والمدن العصرية؛ فيما فصَّل بيتر هاريغان الحديث عن شبكة النقل العام الجديدة في الرياض وارتباطها بمفهوم «التطوير الحضري الموجّه بالنقل».

وتناول «ملف العدد» موضوعاً عن «المركب»، وفيه تستطلع مهى قمر الدين ما يتسع له المجال من أوجه هذا الإبداع الإنساني الذي استمر أكثر من ستة آلاف سنة في تطوير وسائل ركوب البحر. وتتوقف بشكل خاص أمام المراكب الشراعية في الخليج العربي التي ميَّزت هذه المنطقة من العالم، وتحوَّلت إلى رمز من رموزها وإرثها الحضاري.