افتقاد الثقافة العربية لجماليات الخط العربي

من أعمال الفنان منير الشعراني
من أعمال الفنان منير الشعراني
TT

افتقاد الثقافة العربية لجماليات الخط العربي

من أعمال الفنان منير الشعراني
من أعمال الفنان منير الشعراني

حين أعلنت «اليونسكو» تسجيل الخط العربي على قائمة التراث العالمي اللامادي، لم يهتم الكثيرون، وهو ما تكرر في مناسبة مرور مائة عام على تأسيس مدرسة «تحسين الخطوط» بالقاهرة، بأمرٍ من الملك فؤاد، والتي تأثرت بها مدارس ومعاهد مشابهة في تركيا وإندونيسيا وماليزيا والهند وباكستان. هذه المفارقة يتوقف عندها الباحث والمؤرخ الثقافي د. خالد عزب في كتابه «البحث عن مصر» الصادر مؤخراً عن دار «بيت الحكمة بالقاهرة»، مؤكداً أن الثقافة العربية باتت تفتقد إلى جماليات ودفء إبداعات الخط العربي في تجلياته المذهلة، واستسلمت إلى برامج الكومبيوتر التي تتسم بالبرود والحياد والرتابة.

ويوضح أن تأسيس «مدرسة تحسين الخطوط» الملكية كان جزءاً من استرداد مصر دورها على صعيد العالم الإسلامي وفقاً لخطة توافق عليها كل من الملك فؤاد والنخبة المصرية، والتي كان منها تأسيس مجمع اللغة العربية، بعد أن توارى الدور التركي بإلغاء الدولة العثمانية، فكان على دولة ما ملء هذا الفراغ، في ظل هرولة تركيا نحو النموذج الأوروبي.

بدأت المدرسة المصرية باستدعاء خطاطين من إيران وتركيا، بهدف نشر الجديد في الخط العربي بمصر، فضلاً عن تزيين المنشآت المعمارية بإبداعات هؤلاء الخطاطين، ومن أبرز من جرى استدعاؤهم لمصر الخطاط الإيراني ميرزا سنجلاخ الخراساني، وهو من أشهر الخطاطين في العالم الإسلامي. وكان عبد الغفار بيضا خاروي ثاني خطاط إيراني جاء إلى مصر في عصر محمد علي، ومن المرجح أنه قدم إليها قبل عام 1824 م، والتحق بالعمل في دواوين الحكومة المصرية، وأحيل للمعاش في عام 1862. وتشير الوثائق إلى أنه كتب نصوص النياشين وقام بتذهيبها، كما كتب نصوص البردة في جامع محمد علي بالقلعة، ونصوص البردة بجامع البوصيري في الإسكندرية.

استدعت مصر أيضاً خطاطين من تركيا لكي تضفي نكهة أخرى على الخط العربي في مصر، ومن أبرز الخطاطين الأتراك الذين جاؤوا إلى مصر محمد أمين أزميري، دخل الخدمة في الحكومة المصرية في عام 1835، وكتب عدة آيات قرآنية بالخط الثلث بمداخل مسجد محمد علي، كما كتب أسماء الخلفاء الراشدين داخل المسجد بنفس الخط، وله لوحات تشهد على مقدرته المتفردة في الكتابات التشكيلية للجمل والصيغ المختلفة، مثل لوحة الإخلاص التي كتبها على شكل دائرة.

وفي عهد الخديو إسماعيل، برزت عدة أسماء في هذا المجال، منها عبد الله زهدي أفندي بن عبد القادر أفندي النابلسي، وهو فلسطيني الأصل، هاجرت أسرته إلى تركيا حيث تعلم أصول وفنون الخط العربي بها، ثم شارك في مسابقة الخط العربي في المسجد النبوي تحت رعاية السلطان عبد المجيد الذي أشرف بنفسه على مسابقة لاختيار أفضل خطاط لتنفيذ هذه اللوحات، سافر زهدي للمدينة المنورة ونفذ أروع نماذج الخط بالمسجد النبوي خلال سبع سنوات، وما زالت أعماله باقية إلى اليوم، غير أن وفاة السلطان عبد المجيد وانقطاع راتبه المخصص له من السلطان، دفعاه للهجرة إلى مصر، فاستقبله الخديو إسماعيل، وأطلق عليه لقب «خطاط مصر الأولـ« وذلك سنة 1866.

وهناك كذلك محمد بن إبراهيم مؤنس، شيخ الخطاطين المصريين في زمنه، اشتهر برسالته التعليمية «الميزان المألوف في وضع الكلمات والحروف» التي طبعت بأمر من علي باشا مبارك عام 1868، ووزعت على طلاب المدارس، ولد في القاهرة وتعلم الخط من والده إبراهيم أفندي مؤنس الذي كان خطاطاً مجوداً وأستاذاً في هذا الفن، حتى تفوق فيه وأصبح شيخاً للخطاطين، كتب محمد مؤنس زاده نسخة فريدة من مخطوط «دلائل الخيرات» 1860، كما كتب مع تلميذه محمد جعفر قبر والدة الخديو توفيق، الذي يمثل قمة الإبداع الخطي.

ويخلص خالد عزب قائلاً: «لا يمكن في هذا السياق تجاهل اسم يوسف أحمد الذييعد باعث الخط الكوفي في العصر الحديث، حيث تعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم وأخذ مبادئ الحساب، وكان والده نحاتاً دقيقاً في صنعته حتى اشتهر أمره في بناء المآذن والقباب، وكان يصحبه ابنه يوسف الذي قام بمحاكاة الخطوط القديمة في المساجد، وشجعه والده على ذلك حتى أجاد الخط الكوفي وكافة أشكاله عبر نسخ أمثلته من البنايات الأثرية، وتوج ذلك بتعيينه في لجنة حفظ الآثار العربية عام 1891م؛ لموهبته في الخط العربي وقدراته في تفريغ وقراءة الخطوط العربية القديمة.


مقالات ذات صلة

كيف أمضى جبّور الدويهي يومه الأخير؟

يوميات الشرق الروائيّ اللبناني جبّور الدويهي (فيسبوك)

كيف أمضى جبّور الدويهي يومه الأخير؟

عشيّة الذكرى الثالثة لرحيله، تتحدّث عائلة الروائيّ اللبنانيّ جبّور الدويهي عن سنواته الأخيرة، وعن تفاصيل يوميّاته، وعن إحياء أدبِه من خلال أنشطة متنوّعة.

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

رواية «حكاية صفية» للروائية الكويتية ليلى العثمان الصادرة عام 2023، رواية جريئة بشكل استثنائي

فاضل ثامر
ثقافة وفنون شاهد قبر من البحرين، يقابله شاهدان من تدمر

الفتى حامل الطير وعنقود العنب

يحتفظ متحف البحرين الوطني في المنامة بمجموعة كبيرة من شواهد القبور الأثرية المزينة بنقوش تصويرية آدمية، منها شاهد مميّز يمثّل فتى يحمل عصفوراً وعنقوداً من العنب

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون غلاف الكتاب

الرواية الفلسطينية... ممارسات الاحتلال وآليات المقاومة

«أسئلة الرواية الفلسطينية» هو الكتاب الحادي عشر في النقد الروائي للشاعر والناقد سلمان زين الدين، وقد صدر مؤخّراً عن «مركز ليفانت للدراسات والنشر» في الإسكندرية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون ريما بالي

الكاتبة السورية ريما بالي: أُواجه الحرب بالخيال وقصص الحب

تهتم الكاتبة الروائية السورية ريما بالي بسردية بلادها ما بعد الحرب، وتوليها عناية خاصة من خلال أعمالها التي تتحدث فيها عادة عن مسقط رأسها «حلب» في سياقات مختلفة

منى أبو النصر (القاهرة)

آل الشيخ يكشف عن أعضاء «جائزة القلم الذهبي للأدب»

المستشار تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية (الشرق الأوسط)
المستشار تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية (الشرق الأوسط)
TT

آل الشيخ يكشف عن أعضاء «جائزة القلم الذهبي للأدب»

المستشار تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية (الشرق الأوسط)
المستشار تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية (الشرق الأوسط)

كشف المستشار تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية، الأربعاء، عن أعضاء لجنة «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، والتي تهدف إلى إثراء صناعة السينما بالمنطقة، ودعم المواهب الإبداعية في كتابة الرواية من جميع الجنسيات والأعمار.
وتَشكَّلت لجنة الجائزة من أعضاء يملكون خبرات واسعة في مجالات الأدب، والكتابة السينمائية، والإنتاج والإخراج السينمائي، حيث جاءت برئاسة الأديب والروائي السعودي الدكتور سعد البازعي، والروائي والمترجم والسيناريست السعودي عبد الله بن بخيت نائباً له.

وتضم اللجنة في عضويتها كلاً من الكاتب والروائي السعودي عبده خال، والروائي الكويتي سعود السنعوسي، والروائي المصري أحمد مراد، والروائية السعودية الدكتورة بدرية البشر، والكاتب والسيناريست السعودي مفرج المجفل، والكاتب والسيناريست المصري صلاح الجهيني، والناقد السينمائي المصري طارق الشناوي، والسيناريست المصري شريف نجيب، والخبير عدنان كيال مستشار مجلس إدارة هيئة الترفيه، وكاتبة السيناريو المصرية مريم نعوم، والمخرج المصري محمد خضير، والمنتج السينمائي المصري أحمد بدوي، والمخرج المصري خيري بشارة، والمنتج اللبناني صادق الصباح، والمخرج السينمائي المصري مروان حامد، والمخرج والمنتج السينمائي السعودي عبد الإله القرشي، والكاتب والسيناريست المسرحي السعودي ياسر مدخلي، والكاتب والروائي المصري تامر إبراهيم.

وتركز الجائزة على الروايات الأكثر جماهيرية وقابلية لتحويلها إلى أعمال سينمائية، مقسمة على مجموعة مسارات؛ أبرزها مسار «الجوائز الكبرى»، حيث ستُحوَّل الروايتان الفائزتان بالمركزين الأول والثاني إلى فيلمين، ويُمْنح صاحب المركز الأول مبلغ 100 ألف دولار، والثاني 50 ألف دولار، والثالث 30 ألف دولار.

ويشمل مسار «الرواية» فئات عدة، هي أفضل روايات «تشويق وإثارة» و«كوميدية» و«غموض وجريمة»، و«فانتازيا» و«رعب» و«تاريخية»، و«رومانسية» و«واقعية»، حيث يحصل المركز الأول على مبلغ 25 ألف دولار عن كل فئة بإجمالي 200 ألف دولار لكل الفئات.
وسيحوّل مسار «أفضل سيناريو مقدم من عمل أدبي» العملين الفائزين بالمركزين الأول والثاني إلى فيلمين سينمائيين مع مبلغ 100 ألف دولار للأول، و50 ألف دولار للثاني، و30 ألف دولار للثالث.
وتتضمن المسابقة جوائز إضافية أخرى، حيث سيحصل أفضل عمل روائي مترجم على جائزة قدرها 100 ألف دولار، وأفضل ناشر عربي 50 ألف دولار، بينما يُمنح الفائز «جائزة الجمهور» مبلغ 30 ألف دولار، وذلك بالتصويت عبر المنصة الإلكترونية المخصصة.