«القاهرة للكتاب»... دورة جديدة ومخاوف من تراجع المبيعات

بمشاركة 1200 ناشر من 70 دولة... والنرويج «ضيف شرف»

 الموتمر  الصحفي الخاص بالمعرض
الموتمر الصحفي الخاص بالمعرض
TT

«القاهرة للكتاب»... دورة جديدة ومخاوف من تراجع المبيعات

 الموتمر  الصحفي الخاص بالمعرض
الموتمر الصحفي الخاص بالمعرض

تحت شعار «نصنع المعرفة - نصون الكلمة» انطلقت فعاليات الدورة (55) من معرض القاهرة الدولي للكتاب التي أُهديت لعالم المصريات سليم حسن، وسوف تستمر من 24 يناير حتى 6 فبراير (شباط) بمشاركة 1200 دار نشر من 70 دولة في العالم. ويتضمن البرنامج الثقافي لهذه الدورة 550 فعالية تغطي أنماطاً مختلفة إبداعياً وفكرياً وفنياً.

ووصفت وزيرة الثقافة المصرية د.نيفين الكيلاني في المؤتمر الصحافي الخاص بالمعرض هذه الدورة الحالية من تاريخه العريق بأنها «تتحدى جميع المصاعب التي تواجه العالم من حولنا»، مؤكدةً أنها تأتي بوصفها «كرنفالاً ثقافياً»، وذلك من خلال الزيارات المليونية للجماهير، لافتةً إلى أنها ستشهد مناقشة تمس تحديات مهمة أصبحت تواجهنا، من أبرزها مناقشة فضاء العالم الرقمي الجديد، وما يثيره بوتيرته المتسارعة من مخاطر، وغيرها من القضايا الفكرية والاجتماعية.

يعقوب الشاروني.. شخصية معرض الطفل

وأعرب ناشرون مصريون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» عن مخاوفهم من تراجع المبيعات في الدورة الجديدة من المعرض نتيجة ما وصفوها بـ«الزيادة الجنونية» خصوصاً في مدخلات صناعة الكتاب مثل الورق والأحبار؛ لكنهم مع ذلك عدّوها «شراً لا بد منه».

وانعكس هاجس الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد نتيجة انخفاض قيمة الجنيه في مواجهة العملات الأجنبية ووصول التضخم إلى مستويات قياسية في إطلاق مبادرات تشجيعية من جانب دور النشر موجّهة للقراء تتضمن خصومات كبيرة على أسعار الكتب تصل إلى 70 في المائة في بعض الأحيان كما ترفع مبادرات أخرى شعار «اشترِ كتاباً واحصل على الآخر مجاناً».

ومن ملامح التجديد التي تحملها الدورة الجديدة محور «مؤتمر اليوم الواحد» الذي يضم عدة مؤتمرات مكثفة منها «تقنيات الذكاء الاصطناعي» و«الترجمة عن العربية كجسر للحضارة» و«سبل حماية مؤتمر الملكية الفكرية» و«الشاعرة نازك الملائكة».

ووقع اختيار اللجنة العليا للمعرض هذا العام على اسم عالم المصريات د.سليم حسن ليكون شخصية المعرض في دورته الجديدة نظراً لدوره الكبير في ترسيخ الهُويَّة المصرية من خلال دراسته واكتشافاته في تاريخ مصر، منذ عصور ما قبل التاريخ حتى أواخر العصر البطلمي. وانتسب سليم حسن مبكراً إلى قسم التاريخ الفرعوني بمدرسة «المعلمين» ثم درس في فرنسا والنمسا ليصبح أول مكتشف مصري في بعثة جامعية رسمية لدراسة مصر القديمة؛ إذ بدأ الحفر بمنطقة الأهرامات، واكتشف مقبرة لرجل من النبلاء من حاشية أحد ملوك الأسرة الخامسة، وفي باطنها استقرت عشرات التماثيل، بخلاف مصاطبها الكثيرة. وتوالت اكتشافات الأثري الموهوب، فاكتشف 19 مصطبة أخرى عام 1930، وجدران فناء الملك تحتمس الرابع عند سفح أبي الهول. وفي 1931 كان أهم اكتشافاته الذي يتمثل في هرم الملكة «خنتكاوس» و8 مقابر أخرى، بخلاف 32 مصطبة جديدة. ومنذ عام 1940 حتى وفاته عام 1961، عكف على إخراج أعظم إنجازاته الفكرية وهي موسوعته الشهيرة «مصر القديمة» في 16 جزءاً، فضلاً عن كتابه «الأدب في مصر القديمة» في جزأين.

الحائز على نوبل للآداب 2023 الكاتب النرويجي يون فوسه

كما وقع اختيار اللجنة العليا للمعرض على اسم كاتب الأطفال يعقوب الشاروني ليكون شخصية «معرض الطفل» هذا العام، بوصفه أحد أبرز رواد أدب الطفل في العالم العربي، وصاحب مشروع ثقافي وإنتاج أدبي أقل ما يوصف به أنه شديد الغزارة، شديد التنوع والتأثير. وأعادت الهيئة المصرية العامة للكتاب إصدار عدد من مؤلفاته منها «أجمل حكاياتنا العربية» و«البخلاء» و«حكايات إيسوب» و«زهرة السعادة»، فضلاً عن إعداد كتابٍ احتفائيّ عن الراحل، يضم شهادات كتبها عدد وافر من الكتاب من مصر والعالم العربي ومن إيطاليا والصين والهند، من مختلف الأجيال، اتسمت جميعها بطابع المحبة، حمل الكتاب عنوان «في محبة يعقوب الشاروني».

وتشارك مملكة النرويج في فعاليات المعرض هذا العام بوصفها «ضيف شرف» هذه الدورة، إذ أعدّت برنامجاً ثقافياً يستهدف تقديم مجموعة من الكتاب والمبدعين في النرويج إلى العالم العربي. ومن بين الأدباء النرويجيين المشاركين في المعرض تيرجي تيفيدت، مؤلف كتاب «عن النيل»، وجوستاين غاردر مؤلفة الرواية الشهير «صوفي» التي تتحدث عن تاريخ الفلسفة.

ويشمل البرنامج يوماً كاملاً لمناقشة تجربة الأديب النرويجي يون فوسه الحاصل على جائزة نوبل في دورتها الأخيرة ؛ إذ يتناول المتحدثون مؤلفاته وأشعاره. كما يحتفي البرنامج كذلك بأهم كتاب المسرح في النرويج وهو هنريك إبسن، المعروف بـ«أبو المسرح النرويجي».

ويعد جناح الهيئة المصرية العامة للكتاب، الجهة المنظمة لهذا الحدث، أكثر الأجنحة التي تشهد زحاماً من الجمهور بين أروقة المعرض، إذ تتميز أعمال الهيئة بالتنوع ورخص السعر وإن كان يعيبها أحياناً عدم الاهتمام بجودة الطباعة. وتخوض الهيئة الدورة الحالية بما وصفتها في بيان لها بـ«رؤية جديدة» تستند إلى إنتاج عدد من المشروعات الثقافية التي تعمل على تعزيز الفكر والإبداع. ومن أبرز تلك المشروعات «مشروع استعادة طه حسين» الذي يقدم منهجية جديدة تنظر إلى عميد الأدب العربي بوصفه مفكراً وصاحب مدرسة فكرية وإبداعية ومعرِّباً وواضعاً للمناهج التعليمية والتربوية. وقدم المشروع في مرحلته الأولى 12 عنواناً مهماً تعبّر عن رؤية الهيئة في تقديم طه حسين والاحتفاء به، تتنوع بين التأليف والتأليف المشترك والترجمة. ومن هذه العناوين «حافظ وشوقي»، و«قادة الفكر»، و«الحياة الأدبية في جزيرة العرب».

وأعادت الهيئة إصدار سلسلة «أدباء القرن العشرين» التي تتضمن أعمال طه حسين الأدبية مثل «الحب الضائع» و«أديب» و«دعاء الكروان» و«سارة» للكاتب عباس محمود العقاد.

ويتطلع جمهور المعرض إلى سلسلة «الألف كتاب الثاني» التي تصدر أيضاً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وتُعنى السلسلة بترجمة أمهات الكتب العالمية والكلاسيكيات في شتى مجالات المعرفة، من تاريخ ولغات وأدب وفنون وجغرافيا وعلوم وفلسفة.


مقالات ذات صلة

كيف أمضى جبّور الدويهي يومه الأخير؟

يوميات الشرق الروائيّ اللبناني جبّور الدويهي (فيسبوك)

كيف أمضى جبّور الدويهي يومه الأخير؟

عشيّة الذكرى الثالثة لرحيله، تتحدّث عائلة الروائيّ اللبنانيّ جبّور الدويهي عن سنواته الأخيرة، وعن تفاصيل يوميّاته، وعن إحياء أدبِه من خلال أنشطة متنوّعة.

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

رواية «حكاية صفية» للروائية الكويتية ليلى العثمان الصادرة عام 2023، رواية جريئة بشكل استثنائي

فاضل ثامر
ثقافة وفنون شاهد قبر من البحرين، يقابله شاهدان من تدمر

الفتى حامل الطير وعنقود العنب

يحتفظ متحف البحرين الوطني في المنامة بمجموعة كبيرة من شواهد القبور الأثرية المزينة بنقوش تصويرية آدمية، منها شاهد مميّز يمثّل فتى يحمل عصفوراً وعنقوداً من العنب

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون غلاف الكتاب

الرواية الفلسطينية... ممارسات الاحتلال وآليات المقاومة

«أسئلة الرواية الفلسطينية» هو الكتاب الحادي عشر في النقد الروائي للشاعر والناقد سلمان زين الدين، وقد صدر مؤخّراً عن «مركز ليفانت للدراسات والنشر» في الإسكندرية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون ريما بالي

الكاتبة السورية ريما بالي: أُواجه الحرب بالخيال وقصص الحب

تهتم الكاتبة الروائية السورية ريما بالي بسردية بلادها ما بعد الحرب، وتوليها عناية خاصة من خلال أعمالها التي تتحدث فيها عادة عن مسقط رأسها «حلب» في سياقات مختلفة

منى أبو النصر (القاهرة)

رؤوس ثيران برونزية من موقع مليحة في الشارقة

قطع برونزية من موقع مليحة في إمارة الشارقة
قطع برونزية من موقع مليحة في إمارة الشارقة
TT

رؤوس ثيران برونزية من موقع مليحة في الشارقة

قطع برونزية من موقع مليحة في إمارة الشارقة
قطع برونزية من موقع مليحة في إمارة الشارقة

يحتفظ مركز مليحة للآثار في إمارة الشارقة بمجموعة من اللقى البرونزية، منها مجسمات منمنمة تمثّل رأس ثور يتميّز بأنف طويل صيغ على شكل خرطوم. تعود هذه الرؤوس في الواقع إلى أوان شعائرية جنائزية، على ما تؤكّد المواقع الأثرية التي خرجت منها، وتتبع كما يبدو تقليداً فنياً محلياً ظهرت شواهده في موقع مليحة، كما في نواح أثرية أخرى تتّصل به في شكل وثيق.

يعرض مركز مليحة للآثار نموذجين من هذه الرؤوس، وصل أحدهما بشكل كامل، فيما فقد الآخر طرفي قرنيه. يتماثل هذان الرأسان بشكل كبير، ويتبنيان في تكوينهما أسلوباً تحويرياً مبتكراً، يجسّد طرازاً خاصاً لا نجد ما يماثله في أقاليم جنوب الجزيرة العربية المتعددة، حيث حضر الثور في سائر الميادين الفنية بشكل كبير على مر العصور، وتعدّدت أنواعه وقوالبه، وشكّلت نماذج ثابتة بلغت نواحي أخرى من جزيرة العرب الشاسعة. ظهر رأس الثور بشكل مستقل، وحضر في عدد كبير من الشواهد الأثرية، منها العاجي، والحجري، والبرونزي. تعدّدت وظائف هذه الرؤوس، كما تعدّدت أحجامها، فمنها الكبير، ومنها المتوسط، ومنها الصغير. وتُظهر الأبحاث أنها تعود إلى حقبة زمنية تمتد من القرن الرابع قبل الميلاد إلى القرون الميلادية الأولى.

في المقابل، يصعب تحديد تاريخ رؤوس ثيران مليحة، والأكيد أنها تعود إلى مرحلة تمتد من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الميلادي الأول، حسب كبار عملاء الآثار الذين واكبوا اكتشافها في تسعينات القرن الماضي. تتبنّى هذه الرؤوس قالباً جامعاً واحداً يتميّز بتكوينه المخروطي وبملامحه المحدّدة بشكل هندسي، وهي من الحجم المنمنم، ويبلغ طول كل منها نحو 5 سنتمترات. الأنف طويل، وهو أشبه بخرطوم تحدّ طرفه الناتئ فجوة دائرية فارغة. تزيّن هذا الأنف شبكة من الخطوط العمودية المستقيمة الغائرة نُقشت على القسم الأعلى منه. العينان دائريتان. تأخذ الحدقة شكل دائرة كبيرة تحوي دائرة أصغر حجماً تمثّل البؤبؤ، ويظهر في وسط هذا البؤبؤ ثقب دائري غائر. الأذنان مبسوطتان أفقياً، والقرنان مقوّسان وممدّدان عمودياً. أعلى الرأس مزيّن بشبكة من الزخارف التجريدية المحززة ترتسم حول الجبين وتمتدّ بين العينين وتبلغ حدود الأنف.

يشكّل هذا الرأس في الواقع فوهة لإناء، وتشكّل هذه الفوهة مصبّاً تخرج منه السوائل المحفوظة في هذا الإناء، والمثال الأشهر قطعة عُرضت ضمن معرض مخصّص لآثار الشارقة استضافته جامعة أتونوما في متحف مدريد الوطني للآثار خلال عام 2016. يعود هذا الإناء إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وقد وصل بشكل مهشّم، واستعاد شكله التكويني الأوّل بعد عملية ترميم طويلة ودقيقة. تتكوّن هذه القطعة الأثرية من وعاء صغير ثُبّت عند طرفه الأعلى مصبّ على شكل رأس ثور طوله 4.6 سنتمترات. عُرف هذا الطراز تحديداً في هذه الناحية من شمال شرق شبه الجزيرة العربية التي تقع في جنوب غرب قارة آسيا، وتطلّ على الشاطئ الجنوبي للخليج العربي.

عُثر على هذه الآنية إلى جانب أوان أخرى تتبع تقاليد فنية متعدّدة، في مقبرة من مقابر مليحة الأثرية التي تتبع اليوم إمارة الشارقة، كما عُثر على أوان مشابهة في مقابر أخرى تقع في المملكة الأثريّة المندثرة التي شكّلت مليحة في الماضي حاضرة من حواضرها. ظهر هذا النسق من الأواني الجنائزية في مدينة الدّور الأثرية التي تقع اليوم في إمارة أم القيوين، على مقربة من الطريق الحديث الذي يربط بين رأس الخيمة والشارقة، وهي على الأرجح مدينة عُمانا التي حضنت أهم ميناء في الخليج خلال القرن الأول الميلادي. كما ظهر في منطقة دبا التي تتبع إمارة الفجيرة، وفي مناطق أخرى تتبع في زمننا سلطنة عُمان، منها منطقة سلوت في ولاية بهلاء، في محافظة الداخلية، ومنطقة سمد في ولاية المضيبي، شمال المحافظة الشرقية.

اتّخذت فوهة هذه الأنية شكل رأس ثور في أغلب الأحيان، كما اتخذت في بعض الأحيان شكل صدر حصان. إلى جانب هذين الشكلين، ظهر السفنكس برأس آدمي وجسم بهيمي، في قطعة مصدرها منطقة سلوت. شكّلت هذه الأواني في الأصل جزءاً من آنية شعائرية طقسية، في زمن ازدهرت فيه التجارة مع عوالم الشرق الأدنى والبحر الأبيض المتوسط والهند. والمعروف أن أواني الشراب التي تنتهي بمصبات ذات أشكال حيوانية، برزت بشكل خاص في العالم الإيراني القديم، حيث شكّلت سمة مفضلة في الطقوس والولائم. افتتن اليونانيون باكراً بهذه الفنون وتأثّروا بها، كما شهد شيخ المؤرخين الإغريق، هيرودوت، الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، وعمدوا إلى صناعة أوان مشابهة مزجت بين تقاليدهم وتقاليد أعدائهم، كما تشهد مجموعة كبيرة من القطع الفنية الإرثية.

من ناحية أخرى، دخلت هذه التقاليد العالم الشرقي الواسع، وبلغت ساحل الخليج العربي، حيث ساهمت في ولادة تقاليد فنية جديدة حملت طابعاً محلياً خاصاً. تجلّى هذا الطابع في ميدان الفنون الجنائزية بنوع خاص، كما تظهر هذه المجموعة من الأواني التي خرجت كلها من مقابر جمعت بين تقاليد متعدّدة. استخدمت هذه الأواني في شعائر طقسية جنائزية خاصة بالتأكيد، غير أن معالم هذه الشعائر المأتمية تبقى غامضة في غياب أي نصوص كتابية خاصة بها.