«رائحة صنوبر قديم»... الغنى الإنساني في ذاكرة مترعة

حيدر المحسن يستعيد بناء البيئة والمجتمع شرطاً فنياً مجاوراً للقصة

«رائحة صنوبر قديم»... الغنى الإنساني في ذاكرة مترعة
TT

«رائحة صنوبر قديم»... الغنى الإنساني في ذاكرة مترعة

«رائحة صنوبر قديم»... الغنى الإنساني في ذاكرة مترعة

يرى كثير من نقاد السرد أن الكتابة القصصية والروائية وفي أحد تعريفاتها العامة، هي أن القصة والرواية هما ملخص، لكيف نقصّ، وكيف نروي. ولعل هذا التعريف رغم بساطته ليس قاطعاً أو نهائياً، بحسب هؤلاء النقاد أيضاً، إلا في حدود معينة، ما أن نتخطاها في الإفاضة في التحليل حتى يتم التنازل عن ذلك وإبقاء مجال الإبداع القصصي والروائي مفتوحاً على المزيد من القراءة والتأويل، وصولاً إلى منهجية الخطاب القصصي والروائي، سواء عند القاصين والروائيين أنفسهم أم في الخطاب القصصي والروائي في العموم.

في المجموعة القصصية «رائحة صنوبر قديم» الصادرة عن دار تكوين نهاية 2023، كيف قصّ حيدر عبد المحسن قصصه الجديدة في هذه المجموعة، وكيف جاءت تقنياته السردية التي صاحبت الكيفية التي كُتبت بها إلى الحد الذي نفترضه، من تخطي كيفية القص أو الروي إلى كيفيات معالجة البناء الفني والتقني، وتسلسل ورود وتزامن عناصر البيئة من شخصيات وزمان ومكان في سياق محايثة خطابه القصصي الخاص.

إذن تبقى «الكيف» قائمة ولكنها مجزأة هنا وهناك في النص القصصي، مجزأة على النحو الذي يكشف عن كيفيات متعددة داخل الإطار السردي وترابط التقنيات الفنية فيما بعضها.

أول ما يكشف عنه الخطاب القصصي لدى عبد المحسن هو أن هذه المجموعة تحمل ملامح «الكتاب القصصي»، من خلال الإطار السردي «للبيت» الذي يشترك في عنصره المكاني والبيئي أغلب القصص، هناك بيت يطرق لتبدأ القصة، ما يصنع من خلاله شخصية «الراوي الزائر» الذي يطرق الباب ويدخل ليروي القصة كلها، مثل قصتي أصابع عمياء وقناع ورائحة صنوبر وأب ثان وغيرهم في قصص سابقة قبل هذه المجموعة.

ويسهم في استقبال شخصية الراوي الزائر دائماً صبي أو صبية، يلعبان دوراً أساسياً أو هامشياً في النص فيما يأتي دور الذاكرة في استحضار شخصيات مسنة وكهلة، كناية عن الغنى الإنساني في ذاكرة مترعة، ومن بين عناصر تلك البيئة السردية، سوف يحل شأن الرياح والظلام والأزهار والأطيار والعناكب والجداجد والأثاث في منح النصوص دفقة الحياة الرتيبة والصاخبة، الساكنة والعميقة، و«الميتة التي بحاجة إلى يقظة»، ويستزرع القاص أجواءه الشاحبة أو المشرقة، العميقة والسطحية على النوافذ والأبواب والغرف داخل بيت القصص هذا بأجمله.

وبذلك، تحايث هذه التقنية السردية محتوى السرد نفسه وتسعى في سياقه، إذ لا تطرح القصص موقفاً فنياً يخص موضوعة إنسانية أو وجودية في سياق سياسي كما درجت عليه في الغالب القصة القصيرة العراقية، إنما تعرض وضعاً بشرياً عاماً بشعاً أو جميلاً أو تستعيض ببعضهما لأحدهما، قصة «بركة» على سبيل المثال، وتحاول أن تقرنه بالطبيعة التي تكون حلاً فنياً دوماً أمام الوضاعة البشرية، أي أن القصص غالباً ما تنشئ نهاياتها من خلال دعة الطبيعة الأبقى أمام عارض الضعة كما في قصة «حارسان» التي يعدو فيه هجوم قطيع من الذئاب أرحم بكثير من الضعة الإنسانية أو في قصة «قناع»، إذ يبدو الذهان أو الفصام عبئاً على ذات متذبذبة الوعي وغيرها.

وهنا لا بد من توضيح أكثر بالطريقة التي يكتب بها حيدر المحسن وسواه من القصاصين الجدد قصصهم التي تشكّل قطيعة في محتواها السردي عن سياقات عامة، درجت عليها بالمجمل القصة القصيرة العراقية في العقود الماضية، كانت فيها عناصر البيئة والمجتمع رهناً برمزية سياسية، تؤلف موقفاً سياسياً أو وجودياً غامضاً من العالم، يجعل المحتوى السردي أعلى من موازاة أو مجاورة البيئة والمجتمع كشرط فني إنما يكمنان - البيئة والمجتمع - كشرعة أمل، أو صورة ذهنية مستقبلية داخل الإطار السردي، ولعل القصص الآيديولوجية، تقف أول المضمار في هذا السياق فيما تتضمن أغلب القصص التي في ظلها التصورات القصصية نفسها بدرجة ما، في تمويه المجتمع ونشدان صورة غائمة، تنشئ واقعاً متخيلاً مغلفاً بالتوجهات السياسية العامة، فيسدل الستار على الواقع ويندمج في النص.

أما القاص المحسن وسواه من القصاصين الجدد، فقد آثروا بفعل سقوط المؤسسة الثقافية السياسية المهيمنة على النتاج الإبداعي أن يستعيدوا بناء البيئة والمجتمع بوصفه شرطاً فنياً مجاوراً للقصة، وبذلك، تتحقق الموازاة والمجاورة للمجتمع كاملة مع النص الأدبي، وتخلو نصوص هؤلاء القصاصين من تمويه الواقع والزمن وشرعات المستقبل أو تشفير مشوه للبيئة.

في المقابل، يعكس محتوى السرد في مجموعة «رائحة صنوبر قديم» عبر باطنية الشخصيات وأمراضها وصحتها، وإخفاقاتها وسموها واقترانها بالبيئة المكانية والطبيعية، بناءً سردياً على نحو غير خطي يجعل التعاقب الزمني والوقائعي، يمر في انتقالات واحدة، تدمج بين المرئي واللامرئي، والمحسوس والمجرد، واليقظة والحلم والنعاس والصحو إلى الحد الذي لا يمكن التفريق بينهما في سياق الواقع.

ولعل هذا السرد غير الخطي، يبدو مستعاداً باستمرار كما في قصة «حارسان»، إذ يعيد تركيب و«استعادة» ذاكرة الحارسين الممتزجة بالخوف والترقب، والمفتوحة أمام الطبيعة الملأى بالأضواء والليل والأحراش كأنها تعاقب صوري مركب ومستعاد ليشمل القصة كلها حتى النهاية.

وهذا الكسر الخطي السردي لا تقتصر براعته على السرد فقط بل نجده في قصة «أب ثان» من خلال البناء القصصي الذي يستحيل فيه صخب الأب وصراخ الأم المعنفة إلى ترقب الطفل من خلل النافذة لأبيه الثاني المعلق على شجرة وسط العتمة. وربما هناك كسر فني متداخل بين العتبة النصية «العنوان» وبين المتن القصصي مثل قصة «فراشة» التي تقابل بمشهد الجواميس والمويجات المتراكضة ويستعيض عنها بمشهد الفراشة الخافقة الأجنحة أمام جثة القتيل.

مفاد القول، إن براعة الخطاب وقراءته لدى القاص عبد المحسن، تعنيان مجموع تفاصيله المحايثة في الإطار السردي، فما اشتمل عليه، يعود في الأصل إلى الحروف التي تشكل كلماته وتركيبته وتنشئ معانيه ومبانيه.

 



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».