استخدام الثقافة كقوة ناعمة وأداة للدبلوماسية

تأتي أهميتها لقدرتها على التأثير الإيجابي وصنع الولاء من دون استخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية

استخدام الثقافة كقوة ناعمة وأداة للدبلوماسية
TT

استخدام الثقافة كقوة ناعمة وأداة للدبلوماسية

استخدام الثقافة كقوة ناعمة وأداة للدبلوماسية

تُعَدُّ «القوة الناعمة» إحدى أدوات التأثير والإقناع وصنع صورة إيجابية وجاذبة من خلال الأدوات الثقافية ونشر القيم، ويتم ذلك غالباً بواسطة الفنون على اختلاف أشكالها، والأنشطة الرياضية المتنوعة، والمنتجات الثقافية بصورها المختلفة والمتعددة. وتأتي أهمية القوة الناعمة وتوجه كثير من الدول والمنظمات لاستخدامها لقدرتها على التأثير الإيجابي وصنع الولاء من دون استخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية، فهي أكثر تأثيراً على المدى البعيد، كما أنها أقل كلفة.

وبالرغم من أن هذا المصطلح (القوة الناعمة) ظهر في ثمانينات القرن الماضي، فإن استخدام الثقافة والفنون في التأثير سبق ذلك التاريخ بكثير، فعلى سبيل المثال بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في الترويج للثقافة الأميركية في الستينات الميلادية من خلال سينما هوليوود أثناء رئاسة جون كينيدي إبان الحرب الباردة، حيث تظهر القوة الناعمة للفن بشكل أكبر وأوضح في الفنون السينمائية، لما تحظى به من جماهيرية عالية، وكونها جامعة لعدد من الفنون في عرض واحد، كالفن الأدائي، والسمعي، والبصري، فمن خلال فيلم واحد يمكن التعرف على ثقافة وبيئة وعادات وموسيقى والفنون الشعبية لمجتمع بعينه.

وقد تكون قوة بعض البلدان نتاجاً لثقافتها ورموزها الفنية وتراثها العريق، التي تجعل منها مزاراً سياحيّاً ووجهة اقتصادية واستثمارية. وإذا ما شئنا أن نورد مثالاً من الدول العربية، فإن مصر بما تحويه من معالم أثرية تاريخية ضاربة في القِدم، ومناطق وفنون تراثية عريقة، قد نجحت أن تصبح قبلة سياحية معروفة على مستوى العالم أجمع. ومن بين الدول الأوروبية، تحتلُّ فرنسا مراكز متقدمة في مؤشر القوة الناعمة، بما فيها من جاذبية عالمية بسبب أنشطتها الفنية والثقافية والإنسانية واحتضانها لبعض أبرز الرموز الثقافية العالمية كمتحف اللوفر وبرج إيفل، إضافة إلى أنشطتها الرياضية، وشهرة المطبخ الفرنسي على مستوى العالم حيث أكبر عدد من المطاعم الحاصلة على نجمة ميشلان في العالم، وكذلك إيطاليا بتراثها الثقافي وما تحويه من مواقع متعددة للتراث العالمي مسجلة في اليونسكو، والشهرة العالمية للمطبخ الإيطالي ودور الأزياء العالمية فيها.

وعلى صعيد الدول الآسيوية، برزت قوة كوريا الجنوبية الناعمة نتيجة لبروز فنونها الأدائية المعاصرة وانتشار الكي بوب عالميّاً بما حفز لتجربة الثقافة الكورية الفريدة من نوعها والتعرف عليها، وكذلك اليابان التي استخدمت فنون المانغا والإنمي للترويج لقيمها وإنجازاتها العلمية والتكنولوجية، خاصة ما تحويه غالباً من موضوعات مرتبطة بالخيال العلمي أسهمت في نشر العلوم والتكنولوجيا لدى الجيل الشاب في اليابان.

إن التعريف بالرموز الثقافية والفنية للبلدان وانتشارها له تأثير كبير يُسهم في الترويج لثقافات الدول وتعزيز العلاقات العالمية على مستوى الأفراد، وما لذلك من أهمية في زيادة الفهم والتعاطف للشعوب المختلفة، والتعاون بينها، والحصول على قدر أكبر من التسامح والاحترام وتقدير الاختلافات. ويلاحظ ذلك عند استخدام الفنون كأداة للدبلوماسية لتعزيز العلاقات الدولية، حيث تشتمل الدبلوماسية الثقافية على التبادل الثقافي للعروض الفنية والأنشطة الثقافية المختلفة. ويشاهد هذا الدور محليّاً من خلال الأدوار التي تلعبها بعض السفارات العالمية كالسفارة الفرنسية في المملكة العربية السعودية واستقبالها للمعارض الفنية وإقامتها للأنشطة الثقافية المختلفة التي تعزز حضورها الثقافي وصنع صورة إيجابية لدى المجتمع.

إن قوة الفن تتعدى صنع التأثير الإيجابي، حيث يمكن أن تكون الفنون وسيلة للترويج لآيديولوجيات أو سياسات معينة والتأثير على المعتقدات والقيم من خلال المنتجات الثقافية، كما يمكن أن تُستخدم لزيادة الوعي حول قضايا اجتماعية وسياسية معينة، مثل حقوق الإنسان والمساواة وتعزيز التغير الاجتماعي، حتى تغيير القوانين، كما حدث مع بعض الأعمال الدرامية المصرية، مثل فيلم «جعلوني مجرماً»، الذي ناقش قضية السابقة الأولى في الصحيفة الجنائية التي تُسجّل في ملف المذنب وتحرمه من الحصول على فرص للعمل بعد خروجه من السجن. وبعد عرض الفيلم صدر قانون مصري يعفي من السابقة الأولى. وكذلك فيلم «أريد حلّاً» الذي ناقش قضايا الطلاق وساعد في إعادة النظر في قوانين الأحوال الشخصية في مصر والسماح للمرأة بحق الخلع، وغيرهما من أعمال درامية. آخرها مسلسل «تحت الوصاية» الذي ناقش قضية ولاية الأم وحقها في الوصاية المالية لأطفالها.

أما السبب الذي تُعزى إليه قدرة الأعمال الفنية الدرامية والسينمائية على التغيير والتأثير، فهو جماهيريتها وانتشارها ومشاهداتها العالية، على العكس من الفنون التشكيلية التي قد تكون نخبوية، وتتميز بأنها أكثر اختزالاً وجمعاً لرمزيات متعددة في عمل واحد، بما يجعلها قادرة على اختصار المشاهد الكثيرة والمتنوعة، التي تتطلب ساعات عدة لمشاهدتها، في عمل فني تشكيلي واحد. ومن الأعمال التشكيلية التي كان لها دور اجتماعي وتوعوي عالمي، جدارية «غرنيكا» لبابلو بيكاسو، التي أسهمت في زيادة الوعي بالحرب الأهلية الإسبانية وفظائعها، وإدانة هذه الحرب وما حدث فيها من قصف للمدنيين بالقنابل، بطريقة تصويرية وعاطفية ورمزية.

إن قدرة العمل التشكيلي على اختزال المشاهد التصويرية تتأتى من قوة التعبير وشدته، وتحمله للمعاني المتعددة والمختلفة في العمل الواحد، بما يمنح العمل التشكيلي القدرة على خلق الجمال والشعور بالمتعة وإثارة المشاعر. فالعمل التشكيلي قد يكون قادراً على التعبير عن الأفكار والمفاهيم المعقدة وإثارة المشاعر المختلفة تجاهها. فعلى سبيل المثال لوحة الصرخة لإدفارد مونخ بما تحمله من تعبير لشخص يتألم ويصرخ في الفراغ وخطوط باتجاهات مختلفة، وألوان متضادة، هذه التباينات وقوة التعبير يمكن أن تثير مشاعر القلق والرهبة والخوف، كما يمكن أن تثير أفكاراً وجودية ونفسية كونها لا تعبر عن حادثة أو منظر بقدر ما تعبر عن حالة ذهنية عاشها الفنان.

إن ما يميز الفن هو قدرته على التعبير بطرق مختلفة، وما يصاحبه من شعور بالمتعة، وإثارة التساؤلات، واختزال المعنى أو الحياة، فالفن هو الصورة الأكثر متعة والأقوى تأثيراً والأشد جذباً للتعبير وإيصال الرسائل والمعاني الإنسانية، لذلك كان الفن قوة ناعمة رغم ما يكتنز به في كثير من الأحيان من العنف والقسوة.

* كاتبة وناقدة سعودية



لا أحد يملك مفاتيح بوابات المشهد الثقافي

أسامة مسلم
أسامة مسلم
TT

لا أحد يملك مفاتيح بوابات المشهد الثقافي

أسامة مسلم
أسامة مسلم

في مقالةٍ نُشرت الأسبوع الماضي، كتب الزميل ميرزا الخويلدي عمّا سمّاها «ظاهرة» أسامة المسلّم الأديب النجم، غير المسبوق أدبياً بشهرته محلياً وعربياً؛ القادر على جذب حشود من المعجبين والمعجبات، ممن قرأوا له وممن لم يقرأوا بعد، إلى معارض الكتب التي يوجد فيها.

بدون أدنى شك، يجسّد المسلم ظاهرة الروائي النجم. ومحاولة التقليل من شأن نجوميته والاستهزاء بها ضرب من العبث، والساخر منها والمستهزئ بها «كناطح صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل». المسلم جاء، أو ظهر، ليبقى، والنظر إلى تجربته ومنجزه الإبداعي باستعلاء ونفور لن يكون له أي تأثير في الواقع وعليه. وسيستمر الإقبال على مؤلفاته، والتزاحم حوله إلى حد إغماء البعض، أو التسبب في إلغاء فعاليات توقيع رواياته - حقيقةٌ تؤكد حقيقةً أخرى: تداعي أو انهيار صروح الوصاية على الإبداع الأدبي، وتقلص سلطة من يُنَصِّبُون أنفسهم أوصياء وحكام ذوق، يحلمون، رغم تغير الظروف والأحوال، في الاستمرار في توزيع صكوك الاعتراف والتزكية ممهورة بإمضاءاتهم.

جي كي رولنغ

«المُسَلَّمُون» قادمون

وسيأتي «مُسَلَّمُون» (من مُسَلّم) آخرون، مُقَلِّدُون ومتأثرون به، يحاكون أسلوبه في الكتابة، وفي ترويج كتبهم وذواتهم؛ وآخرون تغريهم جوائز «القلم الذهبي» بالمال وبأضواء الشهرة، وبوصول أعمالهم السردية أفلاماً إلى صالات السينما. وسنشهد، محلياً على نحو خاص، ظاهرة الإقبال على كتابة القص الشعبي (popular fiction): الفانتازيا والرعب والإثارة والتشويق والجريمة والرومانس، أو ما يسمى «الأدب الأكثر تأثيراً». وسيوازي ذلك الانتشارُ الفطري - المشرومي لدورات وورش كتابة «الأدب الأكثر تأثيراً». وليس على «المشهد الثقافي» سوى تحمل الظاهرة بإيجابياتها وسلبياتها، حتى وإن كان يوجد من يرفض وجودها. «المُسَلَّمُون» قادمون، فعلى الرحب والسعة، ففي المشهد متسع للجميع. ستجد مؤلفاتهم من يقرأها، ومن يمتنع، وله الحرية والحق في ذلك. لكن ثمة حقيقة أنه لا أحد يملك، أو له الحق في امتلاك، مفاتيح بوابات المشهد الثقافي، يفتحها أمام من يحب، ويقفلها في وجوه من لا يستطيع معهم صبراً.

ستيفن كنغ

البناء الذاتي للشهرة

حقيقة أخرى ذكرها الزميل الخويلدي في مقالته، وهي أن المسلم صنع شهرته بنفسه دون أي نوع من أنواع الدعم والرعاية من المؤسسات الثقافية بنوعيها الرسمي والأهلي. كما لم يكن للنقاد والصحافة فضل عليه، أو إسهام في صنع نجوميته. أضيف إلى ما ذكره الخويلدي، الحقيقة الأخرى: رفض 20 ناشراً لروايته «خوف»، ما اضطره إلى بيع سيارته لينشرها على حسابه.

أعتقد أن رفض نشر روايته علامةٌ على أنه كائن محظوظ، جعله الرفض ينضم بدون اختيار وقرار منه لقائمة الذين رُفِضتْ مؤلفاتهم وانتهى بهم المطاف كُتّاباً وأدباء مشهورين. يبدو أنه ما من شخص تعرضت كتاباته للرفض، إلا وأصبح مشهوراً، يضاف اسمه لقائمة الأسماء التالية على سبيل المثال لا الحصر: إرنست هيمنغوي، ف. سكوت فيتزجيرالد، سيلفيا بلاث، مايا أنجيلو، باربرا كنغسولفر. ومن كُتّاب القص الشعبي: أغاثا كريستي، ج. ك. رولينغ، ستيفن كينغ. سأسقط بعض الضوء على تجربتي ج. ك. رولينغ، وستيفن كينغ مع النشر.

رفض «هاري بوتر» و«كاري»

رفضت 12 دار نشر مخطوطةَ رواية رولينغ «هاري بوتر»، ليس هذا فحسب، بل حذرها أحد الوكلاء الأدبيين بأنها لن تحقق ثروة بتأليفها كتباً للأطفال. ربما شعر، أو لا يزال يشعر، ذلك الوكيل بوخزات الندم على تحذيره رولينغ، وهو يراها الآن تشغل المركز الأول في قائمة أكثر الكاتبات والكُتّاب ثراءً بثروة تقدر بمليار دولار. تحقق لها الثراء من كتاباتها للأطفال، وللكبار، خصوصاً الذين لم تنطفئ دهشة الطفولة فيهم.

أما كينغ، فقد رُفِضَتْ مخطوطةُ روايته «كاري» من قبل 30 ناشراً. وقد أوضح أحد الناشرين في خطاب الرفض إليه أنهم لا يهتمون بروايات الخيال العلمي التي تصور يوتوبيات سلبية (ربما يقصد ديستوبيات) لأنها «لا تبيع»، أي لا تحقق أرقام مبيعات مرتفعة. لكن «كاري» نُشِرَت أخيراً في 1974. ولما أُطْلِقَتْ نسخةُ الغلاف الورقي بعد عام من نشرها، 1975، بِيْعَ منها ما يزيد على مليون نسخة خلال 12 شهراً. والآن كينغ واحد من الكُتّاب الأثرياء، بثروة تقدر بــ500 مليون دولار.

مثلهما واجه المسلم رفض الناشرين. وستصبح سيرته الأدبية أقوى شبهاً بسيرتيهما، خصوصاً سيرة كاتبه المفضل كينغ، عندما تعرض الترجمات السينمائية لرواياته على الشاشتين الكبيرة والصغيرة في القريب العاجل كما يُفهم من كلامه عن ذلك.

تيري وودز وفيكي سترينغر

وللروائتين الأميركيتين تيري وودز وفيكي سترينغر، أعود من كتابة سابقة. فلوودز وسترينغر قصتان طويلتان مع الرفض المتكرر من الناشرين، ولكنهما وضعتا لهما نهايتين مختلفتين عن نهاية قصص الكاتبات والكُتّاب المذكورين أعلاه. يتجلى في قصتيهما الصبر والإصرار على تحقيق الهدف. كان النشر الذاتي نهاية قصة كل منهما، لينتهي بدوره بتأسيس كل منهما دار نشر، شقت الطريق أمامها إلى الثراء.

في المتبقي من وقتها الموزع بين واجبات الأمومة وعملها سكرتيرة في شركة قانونية، فتحت تيري وودز من فيلادلفيا، التي ستصبح فيما بعد رائدة القص المديني - قص المدينة، أو أدب الشارع، أو أدب العصابات، فتحت لنفسها باباً تدلف من خلاله إلى عالم الكتابة، لتشرع في تأليف روايتها الأولى «True to the Game». وبعد فراغها من الكتابة، راحت تطرق أبواب الناشرين. وعلى مدى 6 سنوات، من 1992 إلى 1998، كانت تتلقى الرفض تلو الآخر. ولمّا نفد صبرها، قررت طباعة وتغليف روايتها بنفسها وبيعها مباشرةً لباعة الكتب وللناس في الشوارع. كانت تطوف بالمدن. تنام في سيارتها في مواقف السيارات، وعلى الأريكات في بيوت معارفها، وتقضي ساعات في شوارع نيويورك. ثم انتقلت الى الخطوة التالية: تأسيس دار للنشر. بعد مضي ثلاث سنوات، أصبحت وودز الكاتبةَ المليونيرة. وكان عام 2007 عام خير عليها، وقَّعَت خلاله صفقةَ خمس كتب مع «غراند سنترال بَبلِشينغ»، وظهر الجزء الثاني من روايتها «True to the Game II» على قائمة الكتب الأكثر مبيعاً لصحيفة «نيويورك تايمز»، وفي العام التالي (2008)، كان الجزء الثالث على قائمة «نيويورك تايمز» أيضاً.

أما فيكي سترينغر، فقد أتاحت لها الكتابة مفراً من ضيق الزنزانة إلى رحابة العالم المتخيل في روايتها «Let That Be the Reason»، التي كتبتها في السجن. غادرت فيكي سترينغر ولاية ميشيغان إلى مدينة كولومبس للدراسة في جامعة ولاية أوهايو. وهناك التقت بمن أصبح صديقاً لها. وكان يتعاطى ويروج المخدرات، فاستدرجها إلى الانزلاق إلى هاوية المخدرات وتعاطيها وترويجها، حيث توجّت بلقب «ملكة الكوكايين في كولومبوس». وحين ألقي القبض عليها كان في حوزتها كمية كبيرة من المخدرات ومئات آلاف الدولارات.

في السجن وبعد الخروج منه، كانت الكتابة «خيط أريادني» الذي اهتدت به للخروج من متاهة التعثرات والتيه في الماضي. فعلى الفور، راحت تبحث عمن ينشر مخطوطة روايتها الأولى، لتُمَنى برفضها 26 مرة، ما اضطرها إلى نشرها ذاتياً، وتأسيس دارها للنشر. وتوالى نشر الأجزاء الأخرى من الرواية، ورواياتها الأخرى. أطلقت مجلة «بَبليشرز ويكلي» على سترينغر لقب «ملكة أدب المدينة الحاكمة». وفي 2005، شهدت طوكيو، نشر ترجمات رواياتها إلى اليابانية.

إغراء الناس بدخول المكتبات

تقول الكاتبة آن بارنارد في مقالتها «من الشوارع إلى المكتبات»، المنشورة في «نيويورك تايمز» (23-10-2008)، إن المكتبات في «كوينز»، ونظام المكتبات المنتشرة في البلاد، إلى مقاطعة يورك في بنسلفانيا، تحرص على اقتناء روايات (القص المديني - أدب الشارع - أدب العصابات) كطريقة مثيرة، وإن تكن خِلافيَّةً أحياناً، لجذب أشخاص جدد إلى قاعات القراءة، ولنشر محو الأمية والتفكير واستكشاف ميول واهتمامات الجمهور الذي يخدمونه.

جوهرياً، لا يختلف ما تقوله بارنارد عن روايات وودز وسترينغر وغيرهما من كُتّاب أدب الشارع، عمّا يقال عن روايات المسلم، وجذبها آلاف من الشباب إلى الكتاب والقراءة، وإلى معارض الكتب، وإثارتها الاختلاف والجدل، والانقسام ما بين مادحٍ وقادح.

لكن رغم التشابه بين تجارب وودز وسترينغر والمسلم، يتميز الأخير بأن في وطنه جائزة (جائزة القلم الذهبي) خصصت ستةُ من مساراتها الثمانية للقص الشعبي. قد لا يفوز في الدورة الأولى، ولا في الثانية، ولا الثالثة، ولا الرابعة. وقد لا يفوز بها أبداً. لكنه سيظل الكاتب مثير الجدل، وجاذب الحشود لمعارض الكتب.

ترُى هل سيعزز المسلم التشابه بينه والروائيتين الأميركيتين من ناحية رفض الناشرين في البدايات وجاذبية أعمالهم السردية بتأسيس دار لنشر القص الشعبي، أو هل أقول «الأدب الأكثر تأثيراً»، إذا كان بالإمكان اكتشاف مدى قدرة كتاب على التأثير قبل النشر، وبعده بدون أجهزة وآليات رصد خاصة ومعايير؟

ناقد وكاتب سعودي