ثلاثة تماثيل برونزية منمنمة من الأخدود في نجران

جَمَلٌ ووعلٌ وامرأةٌ جالسة تمسك بآلة موسيقية

جمل ووعل وعازفة من موقع الأخدود في نجران، وعازفة مشابهة من اليمن
جمل ووعل وعازفة من موقع الأخدود في نجران، وعازفة مشابهة من اليمن
TT

ثلاثة تماثيل برونزية منمنمة من الأخدود في نجران

جمل ووعل وعازفة من موقع الأخدود في نجران، وعازفة مشابهة من اليمن
جمل ووعل وعازفة من موقع الأخدود في نجران، وعازفة مشابهة من اليمن

* يُعيد تمثال العازفة المنمنم إلى الذاكرة تمثالاً من حجم مماثل محفوظاً في المتحف البريطاني في لندن، وهو بحسب البطاقة التعريفية تمثال «من اليمن مجهول المصدر»

من مدينة الأخدود الأثرية التي تقع على الحزام الجنوبي لوادي نجران، على بعد 25 كيلومتراً من مدينة نجران، وتبلغ مساحتها 4 كيلومترات مربعة، خرجت مجموعة كبيرة من النقوش واللقى المتعدّدة الأنواع والأشكال، منها ثلاثة تماثيل برونزية منمنمة ثلاثية الأبعاد، عُثر عليها خلال أعمال التنقيب التي تواصلت في هذا الموقع سنة 2008، بحسب التقرير الخاص بهذه الحملة المنشور في العدد 22 من حولية «إطلال» سنة 2012. التمثال الأول جملٌ في وضعية الوقوف، ويمثّل الثاني وعلاً في وضعية مشابهة، أما الثالث فيتميّز بموضوعه، وهو أهمّها فنيّاً، ويمثّل امرأة جالسة تُمسك بآلة موسيقية بيديها الاثنتين.

يحضر الجمل واقفاً على قوائمه الأربع، مع حركة بسيطة تتمثّل في تقدّم قائمته اليسرى الأمامية، وهو من الجمال ذات السنام الواحد التي تُعرف بالجمال العربية، وهذا النوع هو الأكثر انتشاراً في العالم، ويكثر في المناطق الحارة الممتدة من الهند إلى غرب أفريقيا. الأسلوب واقعي، ويتجلّى في تحديد النسب التشريحية، كما في تجسيم الأنف البارز نحو الأمام، والفم العريض، والأذنين البيضاويتين. توحي الكتل التي تظهر تحت حوافره بأنّه كان مثبتاً فوق قاعدة في الأصل. على الصعيد الفني، يتبع هذا الجمل المنمنم نسقاً راج في جنوب الجزيرة العربية، وشواهده عديدة، منها قطعة محفوظة في متحف اللوفر، وأخرى محفوظة في متحف عدن الوطني. كما نقع على جمال مشابهة عُثر عليها في قرية الفاو التي تقع على جانب الطريق الرئيسي الذي يصل السليل بنجران.

في المقابل، يقف الوعل فوق قاعدة مربّعة الشكل، ويحضر في قالب ثابت يغلب عليه الطابع المختزل. والوعل تيس الجبل، وجنس من المعز الجبلية: «له قرنان قويان ومنحنيان، وبهما عُقد»، كما جاء في «القاموس المحيط»، ويبدو أن وعل الأخدود البرونزي هذا فقد قرنيه. قوائمه قصيرة، وتخلو من المفاصل، ووجهه كبير، ويتميّز بأنف بارز نحو الأمام، أما ذيله فمعقوف بشكل دائري. يحتفظ متحف صنعاء الوطني بتمثال برونزي يشابه هذا التمثال من حيث التأليف العام، مع اختلاف يظهر في طول القوائم الأربع. ويحتفظ متحف عتق في محافظة شبوة بتمثال برونزي من الطراز نفسه لكنه فقد رأسه. من جهة أخرى، يماثل وعل الأخدود في كتلته الجامدة ذات الطابع المختزل تمثالاً من قرية الفاو يمثّل حيوانا له سنام يعلو كتفيه، وهو على الأرجح ثور من الفصيلة التي تُعرف عالمياً باسم الزابو، وعربياً بالبقر الدرباني.

نصل إلى تمثال العازفة، وهو الأكثر خصوصية، وقد عُثر عليه في حالة مهترئة، ولم تظهر ملامحه إلاّ بعد تنظيفه وإزالة الأكسدة التي حجبت ملامحه. وهو على شكل كتلة مجسّمة تخلو من الفراغات، وفيها تحضر امرأة مكتنزة في وضعية جلوس وهي ترفع بين يديها آلة موسيقية مستطيلة في اتجاه طرف ذقنها على ما يبدو. الوجه دائري، مع عينين لوزيتين واسعتين، وأنف قصير، وشفتين مطبقتين. تعلو رأس هذه العازفة سلسلة من الضفائر تلتف على شكل إكليل. ويبدو جسدها المكتنز أشبه بكتلة مجرّدة، وفيها تنحصر مفاصله باستدارة الذراعين والرِجلين.

يُعيد هذا التمثال المنمنم إلى الذاكرة تمثالاً من حجم مماثل محفوظا في المتحف البريطاني في لندن، وهو بحسب البطاقة التعريفية تمثال «من اليمن مجهول المصدر»، وملامحه جليّة تماماً، وتمثّل امرأة ترتدي ثوباً فضفاضاً طويلاً ينسدل حتى طرف قدميها، تحضر وهي تجلس على مكعب، وتشبك يديها على صدرها، حاملة بكلتيهما آلة موسيقية تُعرف باسم الكنارة، تتكوّن من ساقين جانبيتين تتّصلان بصندوق صوتي يحتل الجزء الأسفل منها، مع أوتار مثبتة بصورة متوازية بين الساقين. تحضن هذه العازفة كنارتها، وتثبّت قاعدتها السفلى بين فخذيها، رافعة طرفها الأعلى نحو ذقنها، وتكشف النقوش العمودية المتوازية الممتدة بين ساقي آلة العزف عن أربعة أوتار. رأس المرأة دائري، يعلوه شعر كثيف يلتف نحو الخلف، مع فرق في الوسط يفصل بين كتلتيه. على فخذها اليسرى، يظهر نقش غائر بخط المسند الجنوبي تصعب قراءته للأسف.

يحتفظ متحف صنعاء الوطني بقطعة تشبه إلى حد كبير هذه القطعة، غير أنها وصلت بشكل مجتزئ، وقد طغت عليها الأكسدة، وحجبت العديد من عناصرها التكوينية. تتكرّر الصورة المجسّمة، وتظهر العازفة في وضعية الجلوس وهي تمسك كنارة بقي منها إطارها المستطيل وبعض من أوتارها. إلى جانب هذه القطع البرونزية، تحضر عازفة الكنارة في نقش ناتئ يزيّن واجهة شاهد قبر من الرخام محفوظ في متحف صنعاء، وترافقها هنا عازفة أخرى تمسك بآلة إيقاع دائرية تشبه ما يُعرف بالطبلة. يتكرر هذا الحضور على شاهد قبر آخر محفوظ في المتحف نفسه، وفيه تظهر عازفة الكنارة جالسة كذلك، وتقف عن يسارها عازفة طبلة. وتشهد هذه القطع الأثرية لتقليد متبع في جنوب الجزيرة العربية كما يبدو.

في الخلاصة، تعود تماثيل الأخدود البرونزية المنمنمة إلى القرن الميلادي الأول، وتشكّل امتداداً لنتاج جنوب الجزيرة العربية الفني في تلك الحقبة. ويعكس هذا الامتداد الفني تواصلاً جغرافياً كما يبدو. في نهاية الحقبة العباسية، ذكر القزويني نجران في «آثار البلاد وأخبار العباد»، وكتب في تعريفه بهذا الموقع: «نجران من مخاليف اليمن من ناحية مكة، بناها نجران بن زيدان بن سبأ بن يشجب»، وقد ورد اسم المخلاف في الكتابات القديمة المنقوشة بصيغة «خلف» اسما للناحية، وتفردت اليمن بتسمية المخاليف، والمخلاف في لغتها كالرستاق في العراق، وكالكورة والصقع في غيرها من اللغات العربية.



الإعلان عن الدورة الخريفية من موسم أصيلة الثقافي الدولي

ملصق الدورة الجديدة
ملصق الدورة الجديدة
TT

الإعلان عن الدورة الخريفية من موسم أصيلة الثقافي الدولي

ملصق الدورة الجديدة
ملصق الدورة الجديدة

تحت رعاية ملك المغرب محمد السادس، تنظم مؤسسة «منتدى أصيلة» الدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي الخامس والأربعين، وذلك من الأحد (13) إلى الخميس 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل (قطاع الثقافة)، وجماعة (بلدية) أصيلة.

ويشارك في دورة هذه السنة نحو 300 من رجال السياسة والفكر والأدب والإعلام والفن التشكيلي من مختلف أنحاء العالم.

وضمن فعاليات الموسم الثقافي، تنظم جامعة المعتمد بن عباد المفتوحة، في دورتها الثامنة والثلاثين، عدداً من الندوات تتعلق بمختلف أوجه التطورات التي يعرفها عالم الجنوب.

ويتضمن برنامج الندوات مناقشة قضايا حيوية آنيّة، من قبيل موضوع «أزمة الحدود في أفريقيا... المسارات الشائكة» (13 - 14 أكتوبر)، وموضوع «النخب العربية في المهجر... التحدي القائم والدور الممكن» (17 - 18 أكتوبر)، وموضوع «الحركات الدينية والحقل السياسي... أي مصير؟» (21 - 22 أكتوبر)، وموضوع «قيم العدالة والنظم الديمقراطية» (25 - 26 أكتوبر).

وكذلك ستنظم مؤسسة منتدى أصيلة، بشراكة مع مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد ندوتين: الأولى حول موضوع « الذكاء الاصطناعي... أي حكامة في أفريقيا في عصر الرقمنة» (23 أكتوبر)، والثانية حول موضوع «شمولية الثقافة وانخفاض اللامساواة في توظيف الموارد الثقافية» (28 أكتوبر).

وستحتفي «خيمة الإبداع» في هذه الدورة من موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ45، بالكاتب والروائي والشاعر المغربي، وزير الثقافة سابقاً محمد الأشعري (30 أكتوبر)، حيث سيُدلي أكثر من 20 من الأدباء والجامعيين والأكاديميين المغاربة والعرب بشهاداتهم في حق المحتفى به. وستصدر المؤسسة كتاباً يتضمن شهادات المشاركين.

وسيتم خلال هذا الموسم أيضاً تنظيم حفل توقيع كتاب «شغف وإرادة... رهان في الإعلام والثقافة والسياسة» للكاتب الصحافي والناشر المغربي محمد برادة.

وتبعاً لما جرت العادة عليه، تُنظَّم خلال هذا الموسم أيضاً مشاغل الفنون التشكيلية بمشاركة فنانين من المغرب، والبحرين، والسنغال، وسوريا، وبلجيكا، وإسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.

وتستقبل أروقة المعارض في مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية معرضاً جماعياً بمناسبة مرور 45 سنة على احتضان مؤسسة منتدى أصيلة لأوراش فن الحفر والطباعة الفنية، ومعرضاً تكريمياً تحت شعار «مسارات متقاطعة» للفنانَين مليكة أكزناي (المغرب) وأكيمي نوغوشي (اليابان).

بدوره، سيحتضن قصر الثقافة معرضاً جماعياً للإبداعات الحديثة في فن الحفر، ومعرضاً للفنان التشكيلي المغربي عبد القادر المليحي، إلى جانب معرض «الأطفال مواهب الموسم». وتستمر هذه المعارض من 13 يوليو (تموز) إلى 31 ديسمبر (كانون الأول) 2024.

وخلال الموسم سيجري أيضاً تنظيم مشغل التعبير الأدبي وكتابة الطفل (20 - 27 أكتوبر)، الذي يُعنى بالكتابة في مختلف المجالات، مثل الشعر والقصة والسيناريو وغير ذلك.

كانت مؤسسة منتدى أصيلة قد نظَّمت الدورة الصيفية للموسم الثقافي الدولي الخامس والأربعين، ما بين 5 و27 يوليو الماضي.