نجيب محفوظ كتب عن محاولة اغتياله قبل وقوعها

112 عاما على ميلاده في مثل هذا اليوم

نجيب محفوظ بعدمحاولة اغتياله عام 1994
نجيب محفوظ بعدمحاولة اغتياله عام 1994
TT

نجيب محفوظ كتب عن محاولة اغتياله قبل وقوعها

نجيب محفوظ بعدمحاولة اغتياله عام 1994
نجيب محفوظ بعدمحاولة اغتياله عام 1994

كنت منهمكاً في قراءة مقالات نجيب محفوظ لباب «وجهة نظر» في صحيفة «الأهرام»، التي نُشرت في السنوات من 1989 إلى 1994، في صدد الإعداد لمقدمة أكتبها لكتاب يحوي ترجمة تلك المقالات إلى الإنجليزية. أذكر أنه اعترتني رجفة حين وصلت إلى المقالة المنشورة بتاريخ 12 أكتوبر (تشرين الأول) 1994. وكأني أعاصر من جديد العدّ التنازلي لطعنة الرقبة. بعد يومين من تلك المقالة ستأخذ السكين طريقها إلى العنق المستسلم في ود، تلك السكين التي لا بد أنها سخطت في تلك اللحظة على كونها جماداً لا يملك مقاومة اليد التي تُوجهها لذلك الفعل. لم يكن هناك عدّ تنازلي وقتها، فمحفوظ مثله مثلنا جميعاً لم يكن مطّلعاً على الغيب، لم يكن يعرف أنه بعد يومين من نشره مقالة بعنوان «صباح الخير أيها العالم»، ستجري محاولة لاغتياله بدافع من فتوى إرهابية تستند إلى الدين.

لكني أنا كنت أقرأ مقالات شهر أكتوبر وأنا في غاية القلق والتهيب، كيف يكتب ويكتب أسبوعاً بعد أسبوع، وكأن شيئاً لن يحدث؟ عليَّ أن أُحذّره، لا يمكن أن يستمر على هذا النحو. لا بد من منع ذلك القضاء. فليصرخ أحد في وجه الغيب المقبل. في يوم 12 أكتوبر يكتب مُلقياً تحية الصباح على العالم، مع إقراره «إنه عالم يحفل بما يسيء، ونادراً ما تعثر فيه على ما يَسرُّ». يمضي محفوظ مُعدِّداً مساوئ العالم وشروره فيقول: «ثمة أزمة اقتصادية وغلاء، وما تلده من بطالة وفساد من كل شكل ولون، والعالم أيضاً يعاني من أزمة اقتصادية وبطالة، وفيه ما يكفيه وأكثر من حوادث الفساد. أما عن الإرهاب فحدِّث عنه ولا حرج، المحليّ منه والعالمي، الديني والعنصري والوطني (...) وهناك المشكلات السياسية الدموية، تجدها في اليمن والسودان وأفغانستان، وتبلغ ذروتها في البوسنة والصومال ورواندا، وأبناء الفقر المنفيون في العالم الثالث، كما في العالم المتقدم، حيث يعيش الملايين تحت مستوى الفقر...». ولا يستثني محفوظ من هذه القائمة الكئيبة سوى فرع واحد من فروع النشاط البشري يرى أنه يمضي قُدماً محققاً الإنجاز وراء الإنجاز، غير حافل بما يحيط به من ألوان الفساد والخيبات، ذلك هو البحث العلمي الذي «تُومض أضواؤه في تلك العتمة الشاملة بالمزيد من المعرفة والكشف عن حقائق جديدة، والتصدي بقوة للأمراض والآفات». ويختم محفوظ مقالته ختاماً باعثاً على التفاؤل، على الرغم من كل المساوئ والمُنغّصات، مُهيباً بالقارئ «افتح صحيفتك ولا تيأس من استقبال ما هو أفضل وأجمل». يا لَلمفارقة! لا بد أن وعياً ما في رجا من أرجاء الكون قد ابتسم ساخراً أمام هذه الدعوة النابضة بالتفاؤل، جاهلةً بما يخبئه الغيب عند المنعطف القريب.

بعد يومين سيفتح القارئ صحيفته ليستقبل خبر محاولة اغتيال محفوظ بطعنه في رقبته. كان ذلك في يوم 14 أكتوبر. بعدها نشرت «الأهرام» مقالتين أخريين لمحفوظ بتاريخي 20 و27 أكتوبر، بينما كان راقداً في المستشفى. كان قد كتبهما مسبقاً، كما كانت عادته أحياناً، وبقيتا في انتظار الموعد الأسبوعي لعموده. في الأولى تحدّث عن الإرهاب باعتباره عرَضاً لغياب العدالة الاجتماعية: «الأمر الذي لا شك فيه أن الدور الفكري غاية في الأهمية عند التصدي للإرهاب، وأنه يساوي في أهميته التصدي الأمني (...) ولكن يجب ألّا يغيب عن البال دور الفقر والبطالة والفساد، وكل ما يُوقع الشباب في مخالب اليأس والإحباط. والإنسان لا يستجيب للتطرف إلا إذا كان مُهيّأً لذلك نفسياً واجتماعياً، والحائز للصحة النفسية والاجتماعية لا يميل إلى الآراء المتطرفة، وحتى إذا اعتنقها كأفكار في أحوال نادرة، فإنه لا يتحول بها إلى العنف والإرهاب معرِّضاً حياته السليمة العافية إلى الهلاك. ولكن الآراء المتطرفة والدعوات الإرهابية قد تجد صدى في الأنفس التي أرهقها الفقر واليأس والشعور بالظلم (...) الإرهاب مرض خطير، علاجه يجب أن يكون شاملاً، هو أمني وفكري وإصلاحي وسياسي». كان محفوظ دائماً يكرر أن الإرهاب ظاهرة اجتماعية لها مسبباتها، وأن مواجهته لا تكون عن طريق الحل الأمني وحده، وإنما عن طريق الديمقراطية والإصلاح الشامل للمجتمع.

أما في المقالة الأخرى فقد كان لها العنوان الدالّ «توترات مَرَضية»، وأشار فيها إلى «طابع الحِدة والعنف» الغالب على كل المناقشات في المجتمع، حيث يقول: «الحق أن الصدور أصبحت تَضيق بالمناقشة ولا تُطيق الرأي الآخر، ولا تتسع لأي نوع من التفاهم أو التسامح، كأن كل صاحب رأي يرى ذاته سلطة يجب أن تكون فوق كل سلطان وفوق كل رأي، وأنه لا يصح لمن يتعرض لها من قريب أو بعيد أن يمضي بسلام ودون عقاب شديد. إن جو الإرهاب يتفشى في الأدب والفكر والجدل، وإن اختلفت الوسائل والأهداف، لذلك يتحمس الكثيرون للحرية، لا باعتبارها قيمة إنسانية شاملة، ولكن باعتبارها وسيلة لتحقيق دولتهم وعقائدهم، وإلا فهم على أتمّ استعداد للانقلاب عليها وتكبيلها». وينتهي محفوظ بأن يردَّ الأمر كله إلى «المعاشرة الطويلة للنظم الشمولية»، التي آذت المجتمع «وتركته في حاجة إلى إنقاذ روحي عميق».

وكأن نجيب محفوظ كان يسابق الجميع في السعي إلى وضع محاولة اغتياله التي لم تجرِ بعدُ في سياقها السياسي والاجتماعي. في الواقع لعلَّه الوحيد الذي وضع المحاولة في ذلك السياق، وسط الآلاف الذين صرفتهم بشاعةُ الجُرم عن فهم ظروفه الأوسع. وحتى اليوم، ما زالت كلماته البسيطة غير مفهومة، وما زال منطقه الناصع لا يجد من يصغي إليه. كم مرة يجب اغتيال نجيب محفوظ حتى نفهم؟



الإعلان عن الدورة الخريفية من موسم أصيلة الثقافي الدولي

ملصق الدورة الجديدة
ملصق الدورة الجديدة
TT

الإعلان عن الدورة الخريفية من موسم أصيلة الثقافي الدولي

ملصق الدورة الجديدة
ملصق الدورة الجديدة

تحت رعاية ملك المغرب محمد السادس، تنظم مؤسسة «منتدى أصيلة» الدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي الخامس والأربعين، وذلك من الأحد (13) إلى الخميس 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل (قطاع الثقافة)، وجماعة (بلدية) أصيلة.

ويشارك في دورة هذه السنة نحو 300 من رجال السياسة والفكر والأدب والإعلام والفن التشكيلي من مختلف أنحاء العالم.

وضمن فعاليات الموسم الثقافي، تنظم جامعة المعتمد بن عباد المفتوحة، في دورتها الثامنة والثلاثين، عدداً من الندوات تتعلق بمختلف أوجه التطورات التي يعرفها عالم الجنوب.

ويتضمن برنامج الندوات مناقشة قضايا حيوية آنيّة، من قبيل موضوع «أزمة الحدود في أفريقيا... المسارات الشائكة» (13 - 14 أكتوبر)، وموضوع «النخب العربية في المهجر... التحدي القائم والدور الممكن» (17 - 18 أكتوبر)، وموضوع «الحركات الدينية والحقل السياسي... أي مصير؟» (21 - 22 أكتوبر)، وموضوع «قيم العدالة والنظم الديمقراطية» (25 - 26 أكتوبر).

وكذلك ستنظم مؤسسة منتدى أصيلة، بشراكة مع مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد ندوتين: الأولى حول موضوع « الذكاء الاصطناعي... أي حكامة في أفريقيا في عصر الرقمنة» (23 أكتوبر)، والثانية حول موضوع «شمولية الثقافة وانخفاض اللامساواة في توظيف الموارد الثقافية» (28 أكتوبر).

وستحتفي «خيمة الإبداع» في هذه الدورة من موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ45، بالكاتب والروائي والشاعر المغربي، وزير الثقافة سابقاً محمد الأشعري (30 أكتوبر)، حيث سيُدلي أكثر من 20 من الأدباء والجامعيين والأكاديميين المغاربة والعرب بشهاداتهم في حق المحتفى به. وستصدر المؤسسة كتاباً يتضمن شهادات المشاركين.

وسيتم خلال هذا الموسم أيضاً تنظيم حفل توقيع كتاب «شغف وإرادة... رهان في الإعلام والثقافة والسياسة» للكاتب الصحافي والناشر المغربي محمد برادة.

وتبعاً لما جرت العادة عليه، تُنظَّم خلال هذا الموسم أيضاً مشاغل الفنون التشكيلية بمشاركة فنانين من المغرب، والبحرين، والسنغال، وسوريا، وبلجيكا، وإسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.

وتستقبل أروقة المعارض في مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية معرضاً جماعياً بمناسبة مرور 45 سنة على احتضان مؤسسة منتدى أصيلة لأوراش فن الحفر والطباعة الفنية، ومعرضاً تكريمياً تحت شعار «مسارات متقاطعة» للفنانَين مليكة أكزناي (المغرب) وأكيمي نوغوشي (اليابان).

بدوره، سيحتضن قصر الثقافة معرضاً جماعياً للإبداعات الحديثة في فن الحفر، ومعرضاً للفنان التشكيلي المغربي عبد القادر المليحي، إلى جانب معرض «الأطفال مواهب الموسم». وتستمر هذه المعارض من 13 يوليو (تموز) إلى 31 ديسمبر (كانون الأول) 2024.

وخلال الموسم سيجري أيضاً تنظيم مشغل التعبير الأدبي وكتابة الطفل (20 - 27 أكتوبر)، الذي يُعنى بالكتابة في مختلف المجالات، مثل الشعر والقصة والسيناريو وغير ذلك.

كانت مؤسسة منتدى أصيلة قد نظَّمت الدورة الصيفية للموسم الثقافي الدولي الخامس والأربعين، ما بين 5 و27 يوليو الماضي.