معرض سعودي يبرز أعمالاً فنية بقوالب صناعية

تنظمه «الثقافة» شرق المملكة ديسمبر المقبل

يتيح الفن تشكيل وقولبة المواد الصناعية وتحويلها إلى أعمالٍ فنية جمالية (وزارة الثقافة)
يتيح الفن تشكيل وقولبة المواد الصناعية وتحويلها إلى أعمالٍ فنية جمالية (وزارة الثقافة)
TT

معرض سعودي يبرز أعمالاً فنية بقوالب صناعية

يتيح الفن تشكيل وقولبة المواد الصناعية وتحويلها إلى أعمالٍ فنية جمالية (وزارة الثقافة)
يتيح الفن تشكيل وقولبة المواد الصناعية وتحويلها إلى أعمالٍ فنية جمالية (وزارة الثقافة)

تنظم وزارة الثقافة السعودية «معرض الفن الصناعي» في المنطقة الشرقية خلال الفترة بين 8 و16 ديسمبر (كانون الأول) المقبل؛ لتعزيز أنواع الفنون المتنوعة الداعمة للفنانين السعوديين، وعرض أعمالهم بطرقٍ مبتكرةٍ تُطلق إبداعاتِهم عبر مفاهيم ترتبط بإعادة تدوير المواد الصناعية، وإيجاد الصورة الفنية منها.

ويتيح المعرض فرصةً ثمينة للفنانين من حول العالم للمشاركة بأعمالهم النوعية، وتقديم تصورات توفر رحلةً مُثرية من داخل جدرانه، حيث يُنشئ شبكةً تربط الفنانين والمهتمين، والفئات المجتمعية المختلفة ببعضهم، لتبادل المعرفة الفنية والثقافية. واستُلهم تصميمُه من عنصر الحرارة، بحيث يعتمد هذا الفن على قدرتها على تشكيل وقولبة المواد الصناعية، وتحويلها إلى أعمالٍ فنية جمالية تحكي قصص وتجارب الفنانين، مستخدماً في تصميمه ألوانَ وخصائص الحرارة الناتجة عن الحِدادة، وعناصر ومواد تُمثّل الجانب الصناعي من المعرض، التي تعكسها كل منطقةٍ منه.

كما يُركّز على استخدام المواد الصناعية، وإعادة قولبتها إلى أعمالٍ تُحاكي التراث السعودي، وموضوعات متعلقة بالثقافة المحلية، ليعيش الزائر رحلةً مُلهمة ومُثرية يتعرف من خلالها على هذا النوع من الفنون عبر أشكاله المختلفة بواسطة طابعٍ موحّدٍ للتفعيلات.

إعادة قولبة المواد الصناعية إلى أعمالٍ تُحاكي التراث السعودي (وزارة الثقافة)

ويتكوّن المعرض من مناطق متعددة تتناول جوانب مختلفة من موضوعه الرئيسي، ومن أبرزها منطقة «تحركات من فن» التي ستُثري الزائر بأعمال تعتمد على الدمج بين الحركة، والفن الصناعي، ومنطقة «ظلال يعكسها فن» التي تعتمد على الأعمال ذات الظل، وتعكس مشاهد من الثقافة السعودية، ووجوهها الأبرز من شخصيات الأدب، والغِناء، والسياسة.

كما يضم منطقة «من صناعات» المخصصة لخلق تعاون بين الشركات المحلية والفنانين لتحويل المواد الصناعية والحديدية إلى فنٍ إبداعي، و«مغاير» التي يعيش الزوّار داخلَها رحلةً مرئية لأعمال من الفن الصناعي تُترجِم مشاهدَ من الحياة اليومية، إذ تربط مواد بنائها بمختلف الصناعات. وخصص منطقةً للأطفال، ليعيش الزوّار رحلةً تُثري جميع أفراد العائلة، متضمنةً ألعاباً تُناسب أعمارهم، ومجسماتٍ مصنوعةً من موادَّ معدنيةٍ آمنة، كما يتمكّن الزائر من اقتناء قطعٍ فنية متنوعة، وحِرفٍ يدوية حديدية.

ويأتي «معرض الفن الصناعي» ضمن جهود الوزارة، لتشجيع المحتوى والإنتاج الفني الثقافي في السعودية، وإثراء القطاع عبر دعم أنواع الفنون المختلفة، وتمكين وتشجيع المواهب الواعدة، وتعزيز التبادل الثقافي الدولي بين المبدعين ونظرائهم من حول العالم، وتحفيز الشركات المحلية لدعمهم.



محمد المكي إبراهيم... شاعر قصيدته الوطن

محمد المكي إبراهيم
محمد المكي إبراهيم
TT

محمد المكي إبراهيم... شاعر قصيدته الوطن

محمد المكي إبراهيم
محمد المكي إبراهيم

فجع السودان في سبتمبر (أيلول) الماضي، برحيل شاعر «أمّتي» محمد المكي إبراهيم. وبرحيله تصدق مرارةُ الفقد، كما وصفها الفقيد في رثائه لأستاذه الشاعر الكبير محمد المهدي المجذوب: «برحيلك ينفصل الجمر عن صندل الشعر»!

تزامن ميلاد إبراهيم الفني مع انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 1964، بإسقاط السودانيين أول نظام عسكري حكم البلاد... هنا برز الشاعر محمد المكي إبراهيم بقصائد جديدة امتازت بتفرّدها عما سبقها من قصائد شعراء كانوا أسرى لديباجة الشعر العربي في شكله العمودي. نعطي مثالاً للحداثيين داخل إطار عمود الشعر؛ التجاني يوسف بشير، وأحمد محمد صالح، ويوسف مصطفى التني، ومحمد أحمد محجوب، ومحمد عبد القادر كرف، وآخرين.

في تلك الفترة، أصدر محمد المكي إبراهيم ديوان «أمّتي» - باكورة دواوينه الشعرية، وضمّ قصائد مثل «قطار الغرب» - تلك البانوراما التي حملت النفس الملحمي، بمزجها بين أطياف الماضي والحاضر، وحوار التراث مع الحداثة داخل غرف قطارٍ شائخ يتلوى كالثعبان بين عاصمة إقليم كردفان في الغرب، والخرطوم عاصمة البلاد:

ها نحن تركنا عاصمةَ الإقليمِ

دخلْنا وادي الصّبرْ

كلُّ الأشياءِ هنا لا لمعةَ تعلوها

كلُّ الأشياءِ لها ألوانُ القبرْ

الصبرُ... الصبرُ... الصبرْ!

وكتب المكّي «قطار الغرب» وهو طالب بمدرسة خورطقت الثانوية. وعلى الرغم من جودة هذه القصيدة لشاب في ذاك العمر الباكر، فإنّ «الأكتوبريات» وما تلتها من قصائد كانت خطواتٍ متقدّمة في بناء الصورة وتركيب الجملة الشعرية. ويبدو ذلك جلياً في خاتمة قصيدته «إصبع في الشمس»:

لأنّ بنا مداراتِ الشموسِ

بوعينا تحيا خلايا الدهر والأشياءْ

لأنّ تنصُّلاً خلف وجودِنا الواعي

يفجّر عبر وجداناتنا نبْعَ الحياةِ ومجدَها الأبدي

بهذا الوعي أقبلُ ما بأيديكم

وأنذرُ أن أعيشَ مع وضدّ وداخلَ الآخر!

في ديوانه «أمتي» نرى توق الشاعر للوعي والحرية. فقد اكتظّ قاموسه الشعري بمفردات تفصح عن خروجه من النمطي والمألوف، مثل أن يشتقَّ من الاسم فعلاً: «تيَنْبع الجفاف»، و«تشيّأتُ دهراً»، أو أن يقدم اعتذاره عن سنوات النزق والتمرّد التي هجر فيها دراسة القانون لعام كامل أو أكثر، متسكعاً وعاملاً في ألمانيا ومعه صديق عمره الشاعر النور عثمان ابكر. كتب في هذه الفترة أكثر قصائده توجعاً على أمته التي تلهث في ذيل قطار التمديُن. نرى ذلك في رسائله الشعرية لشقيقته آمنة إبراهيم «أمان»، وفي قصيدته «الشرف الجديدة»، التي يقدّم فيها اعتذاره عن رحلة البحث والاستكشاف في العالم الجديد بعيداً عنهم:

سأعود لا إبلاً وسقْتُ ولا بكفيّ الحصيد روائعا

مدّوا بساط الحبِّ واغتفروا الذنوبَ

وباركوا هذي الشهور الضائعهْ

ما زال سقفُ أبي يظِلُّ ولم تزلْ أحضانُ أمّي

رحبةَ المثوَى مطيّبةَ الجنابْ!

إن القارئ لأشعار المكي في مرحلة النضج يلمس الفارق في المفردة والصور الشعرية... بل والتحوّل الكبير في تناول موضوعاته، واعتداده بهويته التي برز باكراً في طرح تيار «الغابة والصحراء» الذي تصدّره صديقه الشاعر النور عثمان ابكر، والذي يرى أنّ هوية الأمة السودانية هي المزيج بين العروبة والأفريقانية - بين صحراء العرب وغابات أفريقيا:

اسمك الظافرُ ينمو في ضمير الشعبِ

إيماناً وبُشْرى

وعلى الغابةِ والصحراءِ يمتد وشاحا

وبأيدينا توّهجْتَ ضياءً وسلاحا

إن قصائد المكي في مرحلة النضج هذه، خصوصاً في مجموعاته: «بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت»، و«يختبئ البستان في الوردة»، و«لا خِباء للعامريّة» تمزجُ الفكرةُ بالحلم، في غنائية عذبة وبعيدة عن هتافية الشباب:

يا وردةً باللّونِ مسقيّهْ

يا مجدولةً من شعر أغنيّهْ

يا مملوءة الساقيْنِ أطفالاً خلاسيين

يا بعضَ عربيهْ

وبعضَ زنجيّهْ

وبعضَ أقوالي أمام اللهْ!

أو أن يستخدم مفردة مصدرها ثقافته الصوفية، فهو سليل أسرة عريقة في التصوف من ناحية أمه - أسرة الشيخ إسماعيل الولي - منشئ الطريقة الوحيدة المستمدّة من تراث السودان الصوفي:

هُزّي إليكِ بجذعِ النخلِ

واغتسلي من حزنِ ماضيكِ...

في الرؤيا وفي الإصْرارْ

هزّي إليك بأبراجِ القلاعِ تفيق!

ويبدو أثر التصوّف كأروع ما يكون في قصيدته «مدينتك الهدى والنور»، إذ حفلت القصيدة بروحانيةٍ ربما لم نرَ مثلها إلا في أشعار سلطان العاشقين ابن الفارض، وقلة من أئمة شعر التصوف... إذ يناجي سيد المرسلين وقد حلّ زائراً بمدينته المنوّرة، متوسلاً إليه طالباً الشفاعة. البون شاسع بين الفتى المتمرد الأول في «الشرف الجديدة»، وعمر النضج الذي عبّ من تجارب الحياة ما أشبع وجدانه بنور الحكمة:

مدينتُك الحديقةُ يا رسولَ الله

كلُّ حدائقِ الدُّنيا أقلّ وسامةً وحضورْ

هنالك للهواءِ أريجُه النبويّ

موصولاً بأنفاسِ السماءِ وكأسِها الكافورْ

نود في خاتمة هذه القراءة أن نصوّب خطأً شائعاً. فقد درج بعض محبي الشاعر أن ينادوه بلقب «ود المكي». إنّ اسم «محمد المكي» اسم مركّب، كما جرت العادة عند أتباع ومريدي الشيخ إسماعيل الولي. يقرنون الاسم الأول بأحد أسماء أبناء أو حفدة منشئ الطريقة - إسماعيل بن عبد الله الكردفاني، كما كان يوقّع اسمه في مؤلفاته. وفي حي القبة بالأبيّض حيث ضريح الشيخ إسماعيل، قلما يخلو بيت من اسم مركب مثل: محمد الباهي، ومحمد المكي، ومصطفى البكري، والحنفي، والأزهري!

وأخيراً... برحيل محمد المكي إبراهيم تفقد قصيدة الحداثة بيت شعر ضخماً. ويفقد شعب السودان صوتاً طالما صدح بأجمل وأنبل القصائد في الاعتداد بأمته وأمجادها وتراثها.